بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم – 471-
( صحيح ) عن عبد الله بن زيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ به )
من الفوائد :
يباح اتخاذ واستعمال كل إناء ما عدا آنية الذهب والفضة ، وقد قال بعض العلماء إن استخدام الإناء من معدن الصُّفر وهو المعدن الأصفر الذي يشبه الذهب لا بأس به ، خلافا لمن كرهه إذ قال هو شبيه من حيث اللون بلون الذهب ، وهذه العلة لا تقوى على كراهة استعماله لو لم يرد نص فكيف وقد ورد نص يبيح استعماله .
ومن الفوائد :
بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا لنا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أدق الأشياء ، وهذا يدل على أمانتهم ، فإنه لم يقل ” أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ ” بل فصَّل وبيَّن .
حديث رقم -472-
( صحيح ) عن زينب بنت جحش أنه كان لها مخضب من صفر قالت فكنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه )
من الفوائد :
أن المِخْضَب : مثل المِرْكن ، وهو الإناء الذي تغسل فيه الثياب .
ومن الفوائد :
أن استخدام الأواني كما أسلفنا مباح صغر حجمه أو كبر .
ومن الفوائد :
أن فيه تقوية للحديث السابق من أن إناء الصفر جائز استعماله ، وكان موجودا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
بيان ما كان عليه الصلاة والسلام من شظف العيش ، فإنها رضي الله عنها كانت تُرجِّل شعره صلى الله عليه وسلم في إناء تغسل فيه الثياب ، وليس هناك إناء مخصص لترجيل شعره .
وترجيل الشعر : تسريحه ودهنه .
ومن الفوائد :
بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأنهن نقلن ما يخفى على الأمة في بيوته عليه الصلاة والسلام ، فتبَّا للروافض الذين يقدحون في زوجاته صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الفوائد :
بيان أن المرأة عليها أن تخدم زوجها وأن تعتني بشأنه فيما اقتضاه عرف ذلك الزمن ، خلافا لما اشتهر عند بعض الحنابلة من أن المرأة ليست مجبورة على خدمة زوجها ، وهذا قول لا مستند له ، وإنما مستندهم أن الزواج عقد معاوضة على البضع الذي هو الفرج ، وليس فيه ما يقتضي أن تخدمه ، ولكن يرد عليهم بمثل هذه الأحاديث وبقوله تعالى { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }البقرة228، وأيضا هو من المعاشرة بالمعروف .
ومن الفوائد :
بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان طويل الشعر ، لأنه يلزم من الترجيل أن يكون له شعر كثيف ، وهل اتخاذ الشعر سنة أم لا ؟
خلاف بين أهل العلم ، والصواب أنه ليس بسنة ، وإنما هو خاضع لعرف كل زمن وكل بلد ، فلو كان سنة لما قال عليه الصلاة والسلام لذلك الطفل الذي حُلِق بعض شعر رأسه وترك البعض الآخر كما عند أبي داود قال ( احلقوه كله أو اتركوه كله ) فلو كان سنة لقال اتركوه كله فهو أفضل ،فمن اتخذه فعليه أن يكرمه ، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود ( من كان له شعر فليكرمه ) وإكرامه بتنظيفه وترجيله ، ولكن لا يُسرف في هذا .
حديث رقم – 473-
( حسن ) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في تور )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في تور يعني في إناء ، وأطلق ، بينما الحديثان السابقان قيدا التور بأنه من صُفر ، فالحديث الأول أنه تور من صفر ، والآخر مخضب من صفر ، ونرى في هذه الأحاديث أن الرواة قد اختلفت أسماؤهم فليس راويا واحدا ، وهذا كما أسلفنا يؤكد أن عموم الصحابة يحرصون على أن ينقلوا ما شاهدوه من النبي صلى الله عليه وسلم .
باب الوضوء من النَّوم
حديث رقم – 474-
( صحيح ) عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ )
حديث رقم – 475-
( صحيح ) عن عبد الله ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى )
حديث رقم – 476-
( منكر ) حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة عن ابن أبي زائدة عن حريث بن أبي مطر عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان نومه ذلك وهو جالس يعني النبي صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن ذكره يدل على أن النوم ناقض للوضوء وإلا لما كان في ذكره أي فائدة تحت هذا الباب ، ولذلك قال رحمه الله ( باب الوضوء من النوم ) ” من هنا ” سببية ” الوضوء بسبب النوم ” فيكون النوم ناقضا للوضوء ، وقد اختلف العلماء في النوم هل ينقض الوضوء أم لا ؟ ولعل أقوالهم تتوارد علينا إذا أتت الأحاديث الأخرى في هذا الباب .
ومن الفوائد :
أن نفخه عليه الصلاة والسلام يدل على أنه مستغرق في النوم ، ومع ذلك كان يقوم فيصلي ولا يتوضأ ، فيكون دليلا على ماذا ؟ على أن النوم ليس بناقض للوضوء ، هذا فيما يظهر ، ولكن بعض العلماء حمله على أنه كان نفخه وهو جالس، فإذا كان جالسا كان متمكنا من مقعدته ، وحمله ابن عباس رضي الله عنهما – وإن كان ضعيفا من حيث السند – حمله على أن هذا الصنيع منه عليه الصلاة والسلام وهو ساجد.
ولكن الصحيح أنه لا عبرة بما ذكر من هذه الأقوال وغيرها ، صحت أو لم تصح ، فإن نومه عليه الصلاة والسلام حتى يستغرق فيه ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ من خصوصياته صلوات ربي وسلامه عليه ، بل من خصوصيات الأنبياء ، فإن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فيكون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خصوا بهذه الخصيصة وهي” أن أعينهم تنام ولا تنام قلوبهم ” وهذا يتضح بالحديث الآتي ( العين وكاء السَّهِ ) لأن العين إذا نامت فإن هذا يدل على عدم وعي القلب ، لكن الأنبياء خصوا بهذه الخصيصة فقلوبهم يقظة حال نومهم ، فهم ينامون لكنه نوم أعين لا نوم قلوب ، وهذا يؤكد أنهم كسائر البشر ، فلا يرفعون فوق منزلتهم إلا ما خصهم الله عز وجل بذلك ، وهذا من فضل الله عز وجل عليهم إذ لم تنم قلوبهم حتى تكون واعية ويقظة لذكر الله عز وجل ، وعلينا نحن أن نحرص أن تكون قلوبنا يقظة عند نومنا ، بحيث إذا أتينا مضاجعنا أن نذكر الله عز وجل حتى يأتينا النوم ، وأن نشعر ونربي قلوبنا على أنها تستيقظ في نومتها تلك بين الفينة والأخرى ، فإن من اعتاد على أن ينام على ذكر وأن يتواصل في الذكر إلى أن تهجع عيناه فإنه سيستيقظ في ثنايا نومه فيذكر الله عز وجل ، وقد أدركت فيما أدركت كبارا من أجدادنا وجداتنا أنهم يستيقظون في ثنايا نومهم أكثر من مرة فيذكرون الله عز وجل ثم يضطجعون مرة أخرى ، فمن كان ينام ولا يستيقظ إلا إذا أوقظ أو إذا نبهه المنبه فعليه أن يراجع قلبه ، فإن قيام الإنسان أثناء النوم خير له إذا ذكر الله عز وجل ، بينما أناس يرون أن هذا ليس بنعمة ، لأنه إذا رأى أنه استيقظ ولم يتواصل في نومه فإن نومه ليس أنيسا لبدنه ، وهذا ليس بصحيح ، أهم شيء أن يكون أنيسا لقلبه ، لأن القلب إذا كان نشطا نشط الجسم وإذا كان القلب كسلان فإن الجسم يكون كسلانا .
حديث رقم -477-
( حسن ) عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ )
من الفوائد :
أن النوم ناقض للوضوء ، قلَّ أم كثر لأنه أطلق هنا ( العين وكاء السَّهِ ، فمن نام فليتوضأ )
فأطلق كلمة ( النوم ) والإطلاق يصدق على القليل والكثير.
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث فيه بيان أن النوم مظنة الحدث ، وليس النوم حدثا بذاته ، وإنما هو مظنة الحدث ، لأنه إذا نام استرخت المفاصل فلا يأمن من أن يخرج منه الحدث ، ولذلك في السنن الأخرى قال ( فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) فتكون العين بمثابة الرباط للدبر إذا كانت يقظة فإذا نامت انحل هذا الوكاء ، فلا يأمن من أن يخرج الحدث ، لأن ( السَّه ) اسم من أسماء الدبر .
سؤال : هل حديث إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه أحدكم لا يدري أين باتت يده ؟ ) هل يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أم لا ؟
الجواب : الصواب أنه يدخل ،وهناك مسألة عند الأصوليين ” هل المتكلم يدخل ضمن الخطاب أم لا ؟ الصواب أنه يدخل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ( اعلموا أنه لن ينجو أحدكم منكم بعمله ) فهموا أنه عليه الصلاة والسلام ليس بداخل ( قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا ) فدل على أن الأحكام الشرعية التي يذكرها للصحابة رضي الله عنهم يدخل فيها إلا ما استثني .
وأما بالنسبة لليد في الحديث هل يدري أين باتت يده أو لا يدري ؟ فليس لها تعلق بالقلب ، وإنما لها تعلق بالعين ،ويمكن أن يقال هو غير داخل عليه الصلاة والسلام لأن قلبه لا ينام فهو يدري أين باتت يده ، والله أعلم .
حديث رقم – 478-
( حسن ) عن صفوان بن عسال قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ، إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم )
من الفوائد :
أن النوم ناقض للوضوء قلَّ أو كثر لأنه أطلق ، فيشترك هذا ا لحديث مع الحديث السابق في أن النوم ناقض للوضوء ، ولذلك لا تنزع الخفاف منه ، إنما تنزع إذا كانت هناك جنابة، أما النوم فهو من أنواع الحدث الأصغر
ومن الفوائد :
أن المسافر يمسح على أخفافه ثلاثة أيام بلياليهن ، والمسح مستمر له ما لم يحصل منه حدث أكبر ، فالحدث الأكبر لا تمسح فيه الجوارب ولا الخفاف ، بينما الحدث الأصغر [ الغائط والبول والنوم ] يمسح .
ومن الفوائد :
أن الأمر منه عليه الصلاة والسلام بالمسح ليس للوجوب ، وليس للاستحباب إنما هو للإباحة ، ولعل الأمر هنا يستند عليه من قال بأن المسح أفضل من غسل القدم للأخذ بالرخصة ، ولأن المسح فيه مخالفة للروافض ، لأنهم لا يرون المسح على الخفين ، وهناك من يقول إن غسل القدم أفضل من مسحها وعليها خف ، فإذا كان عليها خف فليخلع خفيه ثم يغسل قدميه ، هذا أفضل وليس بواجب ، لأنه هو الأصل ، ولأن في نزعه تعبا ومشقة فيؤجر على ذلك .
والصواب كما قال شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا فضل لحالة على أخرى ، وإنما يرجع في ذلك إلى حال القدم، فإن كانت القدم مكشوفة فالأفضل له الغسل وإن كانت مستورة فالأفضل له المسح ، وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يتكلف الإنسان ضد حاله ، وهذا يجمع بين القولين ، وبين الأدلة الواردة في ذلك .
ومن الفوائد :
أنه يدل على أن النوم ناقض للوضوء قلَّ أم كثر على أي حالة كانت ،بينما بعض العلماء يقول إن النوم ينقض الوضوء على أي حالة كانت إذا كان مضطجعا ، فإذا كان مضطجعا فإنه ينقض الوضوء ، أما إذا كان جالسا أو قاعدا فإنه لا ينقض الوضوء ، لم ؟ لأنه يعي ما قد يحصل منه .
ويرى شيخ الإسلام رحمه الله أن النوم اليسر لا ينقض الوضوء ، لكن ما هو ضابط هذا النوم اليسير ؟
الصواب في هذا أنه إذا استغرق في النوم بحيث تذهب مشاعره فيكون ناقضا للوضوء لأنه كثير ، أما إذا كان يشعر بمن حوله وهو نائم لكنه يشعر بأن هناك أصواتا لكن لا يفهم ماذا يقال حوله ، فإن هذا هو النوم اليسير ولا ينقض الوضوء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) فكونه لا يدري أين باتت يده ؟ يدل على أنه مستغرق في نومه فلا يشعر ، فيأتي الحديث الآخر ( العين وكاء السه ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ، فمن نام فليتوضأ ) أما إذا كان شعوره معه ويدري أين باتت يده فهذا هو النوم اليسير الذي لا ينقض الوضوء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد