تعليقات على سنن ابن ماجه ( 51 ) من حديث ( 517-521 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 51 ) من حديث ( 517-521 )

مشاهدات: 498

تعليقات على سنن (  ابن ماجه )

الدرس الحادي والخمسون

 517-521

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب مقدار الماء الذي لا ينجس

حديث رقم – 517-

( صحيح )  عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء)

من الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لمن قال من العلماء إن الماء الكثير هو ما بلغ قلتين فأكثر وأن ما دون القلتين يكون قليلا ، ولذا لو أن النجاسة وقعت في ماء دون القلتين – على ما ذهبوا إليه – يكون نجسا ، تغير طعمه أو ريحه أو لونه أو لم يتغير ، فمتى ما وقعت نجاسة في هذا الماء الذي دون القلتين ، فإنه يكون نجسا ، أما إذا وقعت نجاسة في ماء يبلغ قلتين فأكثر فينظر هل أثرت فيه هذه النجاسة أم لم تؤثر ؟ فإن لم تؤثر فهو طاهر ، وإن أثرت فهو نجس ، فهذا هو محل استشهادهم بهذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن القلة تسع ” قربتين أو أكثر بشيء قليل ” وما جاء من حديث ( أن القلتين كقلال هجر ) فهو حديث مرسل ، والحديث المرسل إذا لم يكن من صحابي فإنه يكون في حكم الحديث الضعيف .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث فيه بيان للرواية الأخرى ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) فيكون معنى ( لم يحمل الخبث ) أي ( لم ينجس ) خلافا لمن قال إن الحمل هو هنا معناه الضعف ، بمعنى أن الماء إذا كان دون القلتين يفهم أنه يحمل الخبث ، يعني أنه يعجز عن أن يدفع الخبث .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث سُئل فيه النبي عليه الصلاة والسلام عن الماء يكون في الفلاة يعني في الصحراء وما ينوبه من الدواب والسباع ؟ فذكر هذا الحديث ، استدل بهذا الحديث من يقول بأن سؤر السباع نجسة ، لأن قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) يدل على أنه لو كان دون القلتين فإن آسار هذه السباع تكون مؤثرة في الماء ، ولا تؤثر إلا إذا كانت نجسة .

أما جمهور العلماء فيرون أن آسار السباع طاهرة ، ولهم دليل سيذكره المصنف رحمه الله .

حديث رقم – 518-

( صحيح ) عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء )

من الفوائد :

أنه ذكر ثلاث قلال قال ( أو قلتين أو ثلاثا ) فذهب من ذهب إلى أن هذا الحديث مضطرب مرة أتى باليقين ( إذا بلغ الماء قلتين ) ومرة أتى بالشك ( إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا ) والصواب أن الحديث صحيح وليس فيه اضطراب ، لأن [ أو ] هنا ليست للشك ، وإنما هي للتنويع الدال على أن الزيادة على القلتين من باب أولى أنه لا يحمل الخبث ، فلربما فهم إنسان أنه لابد أن يكون الماء قلتين ، فدل على أن المؤثر ما كان دون القلتين ، أما إذا كان قلتين فأكثر ثلاث قلال أو أربع قلال أو عشر قلال فإنه من باب أولى أنه لا يحمل الخبث ولا ينجسه شيء .

باب الحيَاض

حديث رقم – 519-

( ضعيف ) حدثنا أبو مصعب المدني حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها ؟ فقال لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور )

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، وهو دليل لمن قال من العلماء وهم الجمهور على أن آسار السباع طاهرة ، وقالوا إن هذا له شواهد يتقوى بها ، ومن ثم فإن الأصل هو عدم النجاسة ، حتى لو لم يصح هذا الحديث فإننا لا نعدل عن الأصل إلى الشك

ولعل مما يعكر على رأي الجمهور أنه ذكر هنا ( الكلاب ) ومعلوم أن آسار الكلاب نجسة ، بل نجاسة مغلظة ؟

فربما يجاب عن هذا : أن الكلاب خرجت بالأحاديث الأخرى ، وأن السباع تبقى على ما هي عليه ، ولذا قال ( ولنا ما غبر طهور ) يعني أن ولوغها في هذه الحياض لا يخرج هذه الحياض عن كونها طاهرة ، ولذا قال ( لنا ما غبر ) يعني ما بقي ، كما قال عز وجل عن امرأة لوط عليه السلام { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }الأعراف83 ، أي الباقين مع أهلها فأصابها ما أصابهم .

سؤال : ما معنى ( لها ما حلمت في بطونها ) ؟

الجواب : هذا في تأكيد على أنها ولغت وشربت ، فحصل عندنا يقين من أنها ولغت في هذا الماء وشربت منه ، فحملت في بطونها ، ولا يمكن أن تحمل في بطنها ماء إلا بعد أن تلغ فيه ، فدل على أنها ولغت ومع ذلك ما بقي وغبر لنا طهور

وأيضا مما يعكر على قول الجمهور : أن هذا الحديث ولو صح ليس لهم فيه دليل ، لم ؟ لأنها حياض ، يعني ماء كثير لا تؤثر فيه نجاسة السباع لو ولغت ، لا تؤثر فيه نجاسة الكلاب لو ولغت .

حديث رقم – 520-

( منكر بقصة الجيفة ، والمرفوع منه صحيح بقصة أخرى ” ) عن جابر بن عبد الله قال انتهينا إلى غدير فإذا فيه جيفة حمار قال فكففنا عنه حتى انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الماء لا ينجسه شيء فاستقينا وأروينا وحملنا )

من الفوائد :

أن الصحيح ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) أما ذكر الجيفة فإنها منكرة ، لأن الضعيف خالف الثقة ، ففرق بين الشاذ والمنكر ، الشاذ ” أن يخالف الثقة من هو أوثق منه “

والمنكر ” أن يخالف الضعيف الثقة “

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا مع أدلة أخرى لمن قال من العلماء إن الماء إذا بلغ قلتين أو لم يبلغ لا ينجسه شيء إلا إذا تغير قلّ أو كثر ، خلافا للقول الآخر الذي يستدل بحديث ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) قالوا إذا كان الماء دون القلتين فوقعت في النجاسة فلا ننظر هل أثر أم لم تؤثر ، فالماء نجس ، \فهذا القول يخالفهم وهو رأي لشيخ الإسلام رحمه الله .

ويمكن ألا يكون دليلا لهم لأنه قال ( مررنا على غدير ) ومعلوم أن الغدير كبير يعني أكثر من قلتين ، لكن الأحاديث الأخرى التي جاءت بلفظ المرفوع ومنها ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) يؤكد ما ذهب إليه الرأي الآخر واختاره شيخ الإسلام رحمه الله من أن الماء قلَّ أم كثر إذا وقعت فيه النجاسة فلم تغير أحد أوصافه لا الطعم ولا الريح ولا اللون ، فإن باقٍ على طهوريته .

والقصة الأخرى الصحيحة في سبب هذا الحديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحِيَض والكلاب والنتن ؟ فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء )

حديث رقم – 521-

( ضعيف ) حدثنا محمود بن خالد والعباس بن الوليد الدمشقيان قالا حدثنا مروان بن محمد حدثنا رشدين أنبأنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه

هذا الحديث ضعفه الألباني رحمه الله بالجملة الأخيرة ، أما الجملة الأولى فهي ثابتة وصححها رحمه الله ، ولكن الضعف هنا في جملة ( إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه )

وهذه اللفظة ضعيفة ولكن انعقد الإجماع على اعتبارها ، فالماء إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت ريحه أو غيرت طعمه أو غيرت لونه فإنه يكون نجسا ، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة كلها أو اجتمع وصفان منها فمن باب أولى أنه يكون نجساً ، فمتى ما غيرت النجاسة أحد أوصاف الماء فإننا نحكم بأنه نجس .

والصواب ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله أن الماء قل أم كثر فإن الماء يبقى طهورا إلا إذا غيرت النجاسة أحد أوصافه ، إذاً ماذا نصنع بالحديث الآخر ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) ؟

يقال : هنا لا يمكن أن نجمع بين الحديثين ، وإنما نرجح ، ولتعلموا أن بعض العلماء صحح الأحاديث الواردة في أن الماء لا ينجسه شيء وضعَّف الحديث السابق ، فقالوا إن حديث ( إذا بلغ الماء قلتين ) ضعيف لوجود الاضطراب ، ومن ثم فهذا نوع من أنواع الترجيح ، الترجيح الآخر على القول بثبوت الحديث السابق ، وقد أثبتناه وأن الاضطراب عنه بعيد ، نقول : إن حديث ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) هذا منطوق وهو ( أن الماء لا ينجسه شيء ولم يقل قليلا أو كثيرا ، بينما حديث ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) يفهم منه أن ما دون القلتين ينجس ، وعندنا قاعدة أصولية [ أن المنطوق إذا تعارض مع المفهوم قدِّم المنطوق ] إذاً عندنا منطوق حديث ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) وعندنا مفهوم ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء )  فمفهومه أن ما دون القلتين قليل ويتأثر بالنجاسة ، فنقدم المنطوق على ذلك المفهوم .

ثم مع هذا كله هذا هو الأليق بأصول الشرع ، لأن الأصل في الأشياء الطهاة سواء كانت قليلة أو كثيرة ، فترجيح ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله يتوافق مع القواعد الشرعية .