تعليقات على سنن ابن ماجه ( 55 ) من حديث ( 535- 540 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 55 ) من حديث ( 535- 540 )

مشاهدات: 452

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس الخامس والخمسون   )

535- 540

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب مصافحة الجُنب

حديث رقم – 535-

( صحيح ) عن حذيفة قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم فلقيني وأنا جنب فحدت عنه فاغتسلت ثم جئت فقال ما لك قلت كنت جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم لا ينجس )

من الفوائد :

بيان طهارة الجنب .

ومن الفوائد :

أن ما حصل لأبي هريرة رضي الله عنه حصل من حذيفة رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

بيان أن المسلم سواء كان حيا أو ميتا لا يكون نجسا ، وقد ورد عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم ( إن المؤمن لا ينجس )

ومن الفوائد :

أن ( الجيم ) في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ينجس ) تضم وتفتح ، ورد هذا وورد هذا ( لا ينجَس ) ويصح ( لا ينجُس )

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث استدل به على أن الكافر نجس لمفهوم المخالفة ، والصواب أن الكافر ليس بنجس حسيا وإنما هو نجس معنويا ، فهو نجس القلب لشركه ، أما بالنسبة لبدنه فهو طاهر ، لأن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب وأن نتزوج نساءهم ، ولا شك أن مثل هذا يكون فيه رطوبة ، ولم ينه الشرع عن مثل هذا .

باب المني يصيب الثوب

حديث رقم – 536-

( صحيح ) عن عمرو بن ميمون قال سألت سليمان بن يسار عن الثوب يصيبه المني أنغسله أو نغسل الثوب كله قال سليمان قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب ثوبه فيغسله من ثوبه ثم يخرج في ثوبه إلى الصلاة وأنا أرى أثر الغسل فيه )

من الفوائد :

هذا الحديث مر معنا ما يشابهه في السنن الأخرى ، وملخصه أن المني اختلف فيه هل هو طاهر أم نجس ؟

والصواب أنه طاهر لهذا الحديث ، ولا فرق بين اليابس منه وبين الرطب ، لأن هناك من فرَّق ، قال إذا كان رطبا فيلزم فيه الغسل ، والصواب أنه لا يلزم ، لم ؟ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( كان يزيل الرطب منه بالإذخر ) وإزالته بالإذخر وهو عود من الشجر إزالته به لا تطهر ، فدل على أن الرطب منه واليابس على حدٍّ سواء في الطهارة

باب في ترك المني من الثوب

حديث رقم – 537-

( صحيح ) عن عائشة قالت ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي )

من الفوائد :

أن الفرك استدل به على الطهارة ، لأن الفرك لا يطهر ، بينما علماء آخرون ممن يرون نجاسة المني يقولون إن الفرك يطهر بدليل فرك النعلين والخفين إذا أصابهما الأذى ، وفركها رضي الله عنها للمني يدل على أنه نجس ، والصواب ما قدمناه ، وهي رضي الله عنها أتت بكلمة ( ربَّ ) وقد اختلف فيها هل تفيد التقليل أو تفيد التكثير ؟ ولعل الأقرب أنه يعرف معنى ربَّ إما تقليلا وإما تكثيرا بحسب السياق .

حديث رقم – 538-

( صحيح ) عن همام بن الحارث قال نزل بعائشة ضيف فأمرت له بملحفة لها صفراء فاحتلم فيها فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام فغمسها في الماء ثم أرسل بها فقالت عائشة لم أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعي )

من الفوائد :

هذا الحديث يقال فيه مثل ما قيل في الحديث السابق بالنسبة لمن قال بالطهارة وبالنسبة إلى من قال بالنجاسة .

ومن الفوائد :

أنه يجوز أن يلتحف الرجل بملحفة امرأة أجنبية عنه كما صنعت عائشة رضي الله عنها فأعطت هذا الضيف هذه الملحفة .

ومن الفوائد :

أن على المسلم ألا يجتهد في مال الغير ، فإن هذا الضيف اجتهد فيما تملكه عائشة رضي الله عنها فأخطأ في اجتهاده ، فعلى المسلم ألا يجتهد في حق غيره إلا إذا أذن له أو خشي على ماله من الهلاك ، فإذا خشي على مال أخيه المسلم من الهلاك يجب عليه أن ينقذه ، حتى لو كان في إنقاذه فوات لبعضه ، يعني إذا رأى هذا المال سيهلك وأنه لن يدركه إلا بإتلاف بعضه فنقول يتلف بعضه ويدرك المتبقي فهو خير من فواته كله ، والدليل أن الخضر خرق السفينة وهذا عيب فيها من أجل ألا يراها ذلك الملك الظالم الجائر فيأخذ السفينة كلها ، لأنه إذا مرت به سفينة صالحة أخذها ظلما وعدوانا .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( الضيف ) تطلق على المفرد والمثنى والجمع ، كما قال عز وجل عن لوط عليه السلام  {قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ }الحجر68 ، ومعلوم أنه لم يأته واحد وإنما أتاه عدد من الملائكة .

ومن الفوائد :

أن فرك عائشة رضي الله عنها للمني بأصبعها يدل على طهارته ، لأن مباشرة الإنسان للنجاسة من غير ماء قال عنها ابن حجر رحمه الله عنها ” لا يجوز ” فلا يجوز لأحد أن يباشر النجاسة ببدنه إلا إذا كان هناك سائل كالماء  ، أما إذا لم يكن فلابد أن يكون هناك حائل ، ولذا في الاستجمار يزال بحائل .

حديث رقم – 539-

( صحيح ) عن عائشة قالت لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه )

من الفوائد :

هذا الحديث يؤكد ما سبق ، وقد ذكر ابن ماجه رحمه الله هذه الأحاديث وأكثر منها لأن الإكثار من الأدلة يقوي المدلول ، فما هو المدلول ؟ بيان حكم هذا المني أهو طاهر أم نجس ، ومعلوم أن الأدلة كلما كثرت كان أقوى في تثبيت هذا المدلول ، فإن الاستدلال على شيء بدليل واحد ليس كالاستدلال عليه بدليلين أو ثلاثة أو أربعة ، فلما كثرت الأدلة كان أقوى ، ولذلك قسَّم العلماء الحديث باعتبار طريقه إلى متواتر وآحاد ، فالمتواتر هو ” ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب على أمر محسوس ” لأنهم كثروا ، وكثرتهم يستحيل في العادة أن يكذبوا عمدا ، ففرق بين الشيء يستدل عليه بدليل أو بأدلة ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات ” يعني لو أن شخصين شهدا على واقعة ما يثبت الحكم ، لكن لو شهد عشرة أو عشرون أو مائة كان أثبت وأثبت ، كذلك لو أن الناس تواطئوا على رؤيا ، فيكون في هذه الرؤيا معنى وقوة ليست كقوة من رأى هذه الرؤيا بمفرده أو كان معه شخص آخر .

سؤال : هل في قول عائشة رضي الله عنها ( يغسل المني ) أن النبي صلى الله عليه وسلم يغسله بنفسه ؟

الجواب : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ( يكون في مهنة أهله ) وثبت عنه عليه الصلاة والسلام ( أنه كان يخصف نعله ورقع ثوبه ) وهذا يدل على حسن معاشرته صلوات ربي وسلامه عليه لزوجاته .

باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه

حديث رقم – 540-

( صحيح ) عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه ؟ قالت نعم إذا لم يكن فيه أذى )

 من الفوائد :

بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش ، فإنه صلوات ربي وسلامه عليه ما كان يجد ثوبا آخر ليصلي فيه ، ولذلك كان يصلي في الثوب الذي جامع فيه ، بل هذا حال كثير من الصحابة رضي الله عنهم ، ولذلك لما قالوا له يا رسول الله ( أيصلي أحدنا بالثواب الواحد ؟ فقال أولكلكم ثوبان ؟ ) يعني هل لكل واحد منكم ثوبان ، يعني يندر أن يملك كثير من الصحابة رضي الله عنهم ثوبين ، فكانت أرزاقهم قليلة ، وكان المال بأيديهم قليل ، ومع ذلك كانوا أطوع لله عز وجل وأتقى ممن جاء بعدهم ممن كثرت النعمة بين أيديهم ، ولذلك لما قال صلوات ربي وسلامه عليه ( كيف بأحدكم يُغدَى عليه بقصعة ويُرَاح عليه بأخرى ) طعام يؤتى إليه في الصباح وفي آخر النهار ، وهذا شيء عظيم بالنسبة إليهم ، من يملك أن تيسر له قصعة ليأكل منها في أول النهار وفي آخره ؟ فهذا شيء كبير بالنسبة إليهم ومع ذلك استعظموه ( قالوا يا رسول الله لو صار لنا مثل ذلك لكنا أخير وأحسن ، فقال عليه الصلاة والسلام أنتم الآن خير من يومئذ ) يعني أنتم الآن على ما أنتم عليه في شظف من العيش خير مما يأتيكم من هذا النعيم ، ونحن في مثل هذا الزمن لا يغدى علينا بقصعة أو يراح علينا بقصعة بل بقصع ، فالمتعين عند الناس في ذلك العصر أن لديهم ثلاث وجبات إفطار وغداء وعشاء ، والثلاث وجبات إذا قورنت بالوجبات التي كان يأكلها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، يعني من يأكل ألذ ما يكون هو أن يأكل خبزا من الشعير أو خبزا من البر إذا أضيف إليه بعض اللحم ، وهو المسمى بالثريد ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) هذا أعظم ما يكون ، بينما نحن ما هي الوجبة عندنا ؟ بل ما هي أنواع هذه الوجبة الواحدة إضافة إلى ما يأكله الإنسان بين ثنايا هذه الوجبات لو حسبتها لوجدت أنها قد تصل إلى سبع وجبات أو ثمان وجبات في اليوم ، ومع ذلك نجد أن كثيرا من الناس في طاعة الله عز وجل مقصر ومفرط ، فالعبرة ليست بتوفر الشيء الذي يعينك – لا – العبرة بالهمم ، العبرة بالنفوس ، ولذلك توفر عندنا وسائل كثيرة لطلب العلم ، بإمكان الإنسان في بيته أن يتعلم ويصل إليه العلم ، بل إن الرسائل الدينية تصل إليه في جواله وبعضهم لا يقرأها ، مع توفر وسائل تحصيل العلم ومع ذلك نرى انصرافا وعزوفا عنه ، بينما في السابق كانت الأسرة تتحمل الديون وتتحمل فقد ابنها ويتعرض هذا الابن لمشاق السفر والتنقل من بلدة إلى أخرى لطلب العلم وقد تعترضه اللصوص وقطاع الطرق ، مع هذا كله كانوا أحرص الناس على العلم ، ولذلك الفرق ليس في توفر الوسائل المريحة للإنسان وإنما على ما يحمله هذا القلب ، ولذلك كما قال الشاعر :

إذا كانت النفوس كبارا     تعبت في مرادها الأجسام

يعني من كانت نفسه كبيرة يا ويل جسمه منه ، سيتعذب هذا البدن ، لم ؟ لأن نفسه كبيرة عظيمة ، تجده في طاعة الله عز وجل من أحرص الناس ، سباقا إلى الخير ، فهذا الجسم ينهك ويتعب ، تجده في طلب العلم سباقا للعلم ، هذا الجسم سيتعب ، لم ؟ لأن نفسه عزيزة ، ولو نظر الإنسان إلى حال الصحابة رضي الله عنهم وإلى حالنا نجد أنهم من لحم وعظم ودم ونحن كذلك ومع ذلك ما فرق بيننا وبينهم ؟ هو هذا القلب ، وهذا القلب لا يصلح إلا بالإخلاص ، لو أن الإنسان أخلص لله عز وجل فإنه سيعان ، لأنه إذا أخلص هذا العبد لله عز وجل وخضع قلبه لله عز وجل تلذذ بهذه العبادة ، يتعب فيها أول الأمر ثم يستريح ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجه ( الخير عادة ) يعني من يعتاد على الخير يمارسه من حيث السهولة كما يمارس العادة ، أعطيكم مثلا ، الآن بعد الصلاة نذكر الأذكار سهلة وليست متعبة ، لم ؟ لأن الناس اعتادوا عليها ، تصور لو أن الناس اعتادوا على قيام الليل ، يصبح الأمر يسيرا ، سيتعب في أول أمره لكنه سيكون يسيرا ، ومن ثم قال بعض السلف ( كابدت قيام الليل عشرين سنة ) مرة يقوم ومرة لا يقوم ، مرة يغلب نفسه ومرة تغلبه نفسه قال ( كابدت قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذت به عشرين سنة ) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود ( إذا أصابه همّ أو حزن قال أرحنا بها يا بلال ) بينما بعض الناس لو أصابه هم أو حزن ودخل في الصلاة أين قلبه ؟ منشغل بماذا ؟ بما أصابه من هذا الهم ومن هذا الحزن ، لكن لو أنه وكَّل أمره إلى الله ، فوَّض أمره إلى الله ودخل في هذه الصلاة وقال ” الله أكبر ” يعني أكبر من كل شيء ، يعني مهما عظمت المصيبة ومهما عظم الشيء فإنه ليس بشيء ، لأن الله أكبر منه وسيزيل هذا الأمر ، ثم إذا أثنى على الله عز وجل { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} قبل الدعاء ، يعني أثني عليك يا الله بأن تهديني الصراط المستقيم  اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ثم يؤكد ذلك بقوله ( آمين ) يعني من هم الذين أنعم الله عليهم ؟ النبيون والصديقون والصالحون والشهداء ، هؤلاء لو رأيتهم في طاعة الله عز وجل وجدت أنهم متلذذون بها ، فتصوروا لو دخل الشخص منا في الصلاة واستحضر معاني سورة الفاتحة سيزول عنه كل ما يهمه بإذن الله تعالى ، وسيتلذذ بهذه العبادة وسيخرج من هذه العبادة بإيمان غير الإيمان الذي دخل به ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) تصور لو أنك رأيت ابنك في أحسن ما يكون في طاعة الله عز وجل وفي طاعتك تسعد بهذا ، لو رأيت زوجتك وقد أعجبتك ، أعجبك جمالها ، أعجبتك أخلاقها ، هذه قرة عين ، النبي صلى الله عليه وسلم قرة عينه إذا دخل في الصلاة ، فالقضية قضية قلبية ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) كما في الصحيحين ، اقرأ القرآن تجد أن آيات كثيرة تتحدث عن القلب ، لأن صلاح الإنسان بصلاح قلبه ، ولذا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي جامع فيه ، أين ثيابه الأخرى ؟  ما عنده شيء ، تقول عائشة رضي الله عنها ( ما شبع آل محمد من خبز الشعير ثلاث ليال تباعا ) والشعير من أقل ما يكون ، بل تأكله البهائم عندنا – الله المستعان – ومع ذلك تتفطر قدماه من طول القيام صلوات ربي وسلامه عليه ، والواحد منا إذا قيل له صل الفرض يتعاجز عن ذلك ، وهذا من السوء الذي حصل بالناس ، ولذلك لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما أصلح الله بها أولها ، فنسأل الله عز وجل أن يلطف بنا وأن يرزقنا الإيمان والخشوع في طاعته ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد