بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه
حديث رقم – 541-
( حسن بما قبله ) عن أبي الدرداء قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يقطر ماء فصلى بنا في ثوب واحد متوشحا به قد خالف بين طرفيه فلما انصرف قال عمر بن الخطاب يا رسول الله تصلي بنا في ثوب واحد ؟ قال نعم أصلي فيه وفيه أي قد جامعت فيه )
من الفوائد :
بيان ما كان عليه صلوات ربي وسلامه عليه من شظف العيش إذ كان لا يلبس إلا ثوبا واحدا وقد جامع فيه ، وقد مر التنبيه على مثل هذا الأمر في الحديث السابق .
ومن الفوائد :
بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ، ولذلك ( لما سئل عنه عليه الصلاة والسلام ؟ قال أولكلكم ثوبان ؟ ) يعني كل واحد منكم له ثوبان ؟ هذا يعسر على الإنسان ، لكن إن كان الإنسان في سعة فليلبس ثوبين ، ولذلك في صحيح البخاري قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( إذا وسَّع الله عز وجل على أحدكم فليوسع على نفسه ) ثم ذكر الصلاة في الثوبين وذكر أنواع الثياب .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي جامع فيه ، فدل على أنه ثوب نام فيه وجامع فيه وصلى فيه صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الفوائد :
أن غسل النبي صلى الله عليه وسلم قريب من الصلاة ، ولذلك رئي الماء يقطر من رأسه صلوات ربي وسلامه عليه ، فهذا إما أن يحمل على أنه كان يجامع ثم يؤخر الجماع إلى أن يخرج إلى الصلاة ، أو أنه ربما جامع قبيل الصلاة وعقيب الجماع اغتسل .
ومن الفوائد :
أنه مما ينبغي للعالم إذا سئل عن سؤال الأصل فيه الإباحة أن يؤكد جواب الإباحة بأمر آخر كما صنع عليه الصلاة والسلام من أنه يصلي فيه وفيه ، يعني أنه قد جامع فيه ، يعني لا تستغرب هذا الأمر أني أصلي في ثوب واحد بل إن كان لديك استغراب أعظم فهو جماعي فيه .
ومن الفوائد :
أن ما يحصل من جماع ودواعيه أو ما يترتب عليه لا بأس أن يخبر به على وجه الإجمال من باب تبيين العلم ، كما صنع عليه الصلاة والسلام ، ولا يدخل في ضمن الحديث الذي عند مسلم ( إن شر الناس منزلة الرجل يفضي إلى امرأته والمرأة تفضي إلى زوجها ثم يفشي سرها ) فلا يدخل ضمن هذا لأن هذا من باب المصلحة .
لو قال قائل : ذكر النساء في المجالس لا على وجه التفصيل وإنما من باب استحسان ما يذكر من أمور النساء عامة أهو لائق أو غير لائق ؟
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عن بعض السلف أنه قال ( جنبوا مجالسنا ذكر النساء ) لأن بعضا من الناس في معظم مجالسه وأوقاته إذا جلس تحدث عن النساء ، من أنه لو أخذ امرأة جميلة أو أنه فعل كذا أو أنه سيتزوج أو ما شابه ذلك ، فهذا مما لا ينبغي للمسلم أن يشغل وقته به ، إن أراد أن يقدم فليقدم ، لكن كثرة الحديث عن النساء وعن التعلق بهن هذا مما ينبغي للمسلم أن لا يكثر منه في مجالسه .
ومن الفوائد :
أن فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنشف ، لأن نزول هذا الماء يدل على أنه أبقى الماء على ما هو عليه ، وقضية تنشيف الأعضاء بعد الوضوء أو بعد الغسل أمر قد سبق بيانه في الأحاديث السابقة وأن العلماء اختلفوا في التنشيف بعد الوضوء وبعد الغسل ، والصواب أنه مباح ، فمن فعله فلا ينكر عليه ومن تركه فلا ينكر عليه .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس هذا الثوب ، وهذا الثوب مثل الإزار الطويل الذي يلتحف به الإنسان بجميع بدنه ، ولذلك خالف بينهما ، يعني توشح به فجعل طرفه الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ، فدل هذا على أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة ، ولعل ثيابنا تشابه القمص التي كانوا يلبسونها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .
حديث رقم – 542-
( صحيح ) عن جابر بن سمرة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله قال نعم إلا أن يرى فيه شيئا فيغسله )
مر معنا شبيه بهذا
باب ما جاء في المسح على الخفين
حديث رقم – 543-
( صحيح ) عن همام بن الحارث قال بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا ؟ قال وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ) قال إبراهيم ” كان يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة ”
من الفوائد :
هذا الحديث ذكره ابن ماجه رحمه الله تحت هذا الباب وهو باب المسح على الخفين ، والمسح على الخفين يختلف كما سيأتي معنا إن شاء الله يختلف عن المسح على الجوربين ، فالخف ما كان مصنوعا من الجلود ، مأخوذ من خفاف الإبل ، وأما ما يصنع من غير الجلد يسمى جوربا ، فالشراب الذي نلبسها تسمى جوربا ولا تسمى خفا ، البسطار الذي يلبسه العسكر يسمى خفا لأنه مصنوع من جلد ، فهذا هو الفرق بين الجورب وبين الخف .
ومن الفوائد :
أن حديث جرير رضي الله عنه من أحسن الأحاديث التي يستدل بها على أن المسح على الخفين ثابت ومستقر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم ينسخ ، ولم يخالف في المسح على الخفين إلا الروافض ، لأن الروافض هم أهل البدع ، وعلامة الروافض أنهم يخالفون أهل السنة ويخالفون ما جاءت به السنة ، ولذلك هم في الوضوء لا يمسحون على الخفاف ، بل إنهم إذا وصلوا إلى أقدامهم وهي مكشوفة يمسحون عليها من الأعلى ، يعني أعلى القدم ، فلا يغسلون القدم وهي مكشوفة وإنما يمسحون الجزء الأعلى منها، وهذا لا شك أنه باطل ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( ويل للأعقاب من النار ) فكونهم يسمحون مسحا وعلى أعلى القدم هذا يخالف ما جاء به هذا الحديث ، ثم لتعلموا أن بعضا من أهل السنة لم ير المسح على الخفين ، لكن جماهير أهل السنة يرون المسح على الخفين ، لكن هناك طائفة من العلماء لم يروا ذلك ، بسبب ماذا ؟ بسبب أن سورة المائدة هي آخر ما نزل ، وسورة المائدة تضمنت آية الوضوء ، وأمرت آية المائدة وهي آية الوضوء أمرت بغسل القدمين ، ومع هذا فإنهم لا يحرمون المسح على الخفين ، ولا يرون التشنيع بمن فعله ، فهم يختلفون عن الروافض ، فالروافض يرون أن من فعل هذا فهم أهل بدع وأهل ضلال .
فلما أنكر على جرير كيف تمسح ؟ قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح ، وجرير رضي الله عنه ما أسلم إلا بعد نزول سورة المائدة ، فدل على أن سورة المائدة لم تنسخ المسح على الخفين ، ولذلك يقول إبراهيم النخعي رحمه الله ” كان يعجبهم حديث جرير ” يعجب من ؟ يعجب أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ، فطلاب ابن مسعود يعجبهم حديث جرير ، لم ؟ لأن هذا الحديث بين أن المسح على الخفين ثابت بدليل ما ذكره جرير رضي الله عنه ، وجرير أسلم في رمضان في السنة العاشرة ، ولتعلموا أن سورة المائدة آخر ما نزلت باعتبار العموم ، وإلا فهناك آيات تأخر نزولها مثل قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3 ، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة .
ومن الفوائد :
أنه قال ( بال جرير ) صرَّح بذلك ، بعض الناس ولاسيما كبار السن عندنا ونحن اعتدنا على هذا ، بعض الناس إذا كان معه جماعة وقيل له أين تذهب يا فلان ؟ قال ( أُطَيِّرُ الشَّرَاب ) لا يقول ” أريد أن أبول ” فلو قال ” سأذهب أبول ” لا بأس بذلك ، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بال ) فلا إشكال لو أراد الإنسان أن يفارق مجموعة معه وقالوا له أين تذهب ؟ قال أريد أن أبول ” فلا إشكال في ذلك وليس في ذلك منقصة ولا إخلال بالمروءة
ومن الفوائد :
أنه قال ( بال جرير ) والبول من نواقض الوضوء ، فدل على أن المسح على الخفين لا يكون إلا في الحدث الأصغر ، أما الحدث الأكبر فلا يمسح عليه ، تصور لو أن الإنسان كان متوضأً ولبس خفيه ثم بال فأراد أن يتوضأ يمسح على خفيه ، تغوط له أن يمسح على خفيه ، خرج منه ريح له أن يمسح على خفيه ، لكن لو أنه أجنب فلا يمسح ، تصور لو أن الإنسان توضأ ولبس خفيه ثم جامع زوجته أو نام فاحتلم فأراد أن يغتسل فقال أغسل جميع بدني لكن هذه الشراب سأمسح عليها لأني لبستها على طهارة ، نقول خطأ ، في الغسل يجب أن تخلع هذه الشراب ، ويدل له حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سَفْرا ) يعني مسافرين ( أن نمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ، لكن من بول وغائط ونوم )
ومن الفوائد :
أن رؤية جرير رضي الله عنه لمسح النبي صلى الله عليه وسلم لا يدرى هل هو قبل إسلامه أم بعد إسلامه ؟ فإن كان جرير رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بعد إسلامه فلا إشكال ، لأن رواية المسلم ثابتة ومقبولة ، وإن رأى جرير النبي صلى الله عليه وسلم يسمح على الخفين وهو كافر ثم أسلم بعد ذلك ونقل الخبر فكذلك تقبل روايته ، ولذلك الكافر لو رأى شيئا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو سمع قولا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ثم أسلم فذكر أنه رأى أو سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أنه فعل أو قال كذا يقبل قوله ، لأنه لما ألقى الحديث ألقاه حالة إسلامه
ومن الفوائد :
أن سورة المائدة أمر الله عز وجل فيها بغسل القدمين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }المائدة6 ، فلو لم يأت حديث جرير لكان فرض القدمين الغسل ، لكن لما أتى حديث جرير بعد نزول آية المائدة فصل في الموضوع ، ثم إن هناك قراءة سبعية { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } بالخفض ، قال العلماء تحمل هذه القراءة على أن القدم إذا كانت مستورة تمسح ، وإذا كان مكشوفة تغسل .
لو قال قائل : ما هو الأفضل غسل القدمين أو مسح الخفين؟
الآن أنا متوضأ وعلي شرابي وحضرت الصلاة وتوضأت هل الأفضل لي أن أمسح أم أخلع الشراب وأغسل قدمي ؟
بعض العلماء يقول إن المسح أفضل ، لم ؟ لأنك إذا مسحت خالفت الروافض الذين ينكرون المسح على الخفين .
وبعض العلماء يقول الأحسن أنك تخلع خفيك وتغسل قدميك ، لم ؟ قالوا لأن الأصل في فرض القدمين الغسل .
ولكن هناك قول جميل لشيخ الإسلام رحمه الله يقول ” الإنسان لا يتكلف ضد حاله ” فالأفضل ألا يتكلف ضد حاله ، بمعنى أنه إذا أتى يتوضأ وكانت قدماه مكشوفتين فالأفضل أن يغسل ولا يتعمد أن يلبس ليمسح – لا – وإن كانت القدمان مستورتين فليمسح ولا يتعمد أنه يخلع ثم يغسل ، إذاً على حسب حالة القدم .
ولعل مسائل المسح على الخفين تأتي إن شاء الله في ضمن ما يذكر من أحاديث تحت باب المسح على الخفين