تعليقات على سنن ابن ماجه
الدرس الحادي والستون
حديث 548- 552
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( باب ما جاء في المسح على الخفين )
حديث رقم – 548-
( ضعيف )
” حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي حدثنا عمر بن المثنى عن عطاء الخراساني عن أنس بن مالك قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال ” هل من ماء فتوضأ ومسح على خفيه ثم لحق بالجيش فأمهم” )
من حسن التوافق أن الأحاديث التي مرت معنا في ” بلوغ المرام ” تتكرر معنا هن في سنن ” ابن ماجه ” وبالتالي فإنه ما أخذ هناك مفصلا يؤخذ هنا ، ولكن نشير إلى بعض الإشارات المتعلقة بالمسح على الخفين .
( من الفوائد )
” أن هذا المسح وقع في السفر “
لقوله ( لحق بالجيش ) فكما أنه جائز في الحضر ، فكذلك في السفر ، لكنه في السفر يكون أكثر من حالة الحضر ، لاحتياج المسافرين إلى المسح على الخفين ، ولاسيما في ذلك الزمن أكثر من حاجتهم من المسح عليه في الحضر .
حديث رقم – 549-
( ضعيف )
عن ابن بريدة عن أبيه ” أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما ”
( من الفوائد )
” جواز لبس اللباس الأسود ، ولو كان خالصا لم يشاركه لون آخر “
لقوله : ( ساذَجين )
يعني خالصين في السواد فلم يشاركهما لون آخر .
( ومن الفوائد )
” جواز لبس ما نسجه وصنعه الكفار “
لأن النجاشي في الحبشة ، وكانت الحبشة آنذاك يسكنها النصارى .
( ومن الفوائد )
أيجوز أن تُقبل هدية من ليس بمسلم ؟
خلاف بين أهل العلم /
بعض العلماء : أجازها .
وبعض العلماء : منعها .
وسبب المنع / ما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم ، لما أهدى إليه مشرك هدية ، قال :
( إني نهيت عن زبد المشركين )
و الصواب / أن هدايا الكفار لا تقبل إلا إذا كانت هناك مصلحة ، فإذا وجدت مصلحة كتأليفه وتقريبه إلى الإسلام، أو ما شابه ذلك من هذه المصالح فيجوز ، وإلا فالأصل المنع .
( ومن الفوائد )
أن النجاشي اسمه : ” أصْحَمَة “
لأن كل من ملك الحبشة يسمى ” بالنجاشي “
بقطع النظر عن اسمه ، فاسمه ” أصحمة ” وقد أسلم وأكرم الصحابة رضي الله عنهم لما قدموا عليه في أوائل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، قذف الله عز وجل في قلبه الإيمان فأسلم ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الصحيحين – بوفاته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بموته فأتى إلى المصلى وصلى عليه صلاة الغائب ،والصحابة رضي الله عنهم خلفه ، وكبَّر أربع تكبيرات )
فكل من ملك الحبشة يقال له ” نجاشي “
كما أن كل من ملك مصر يقال له ” العزيز “
وكل من ملك القبط يقال له ” فرعون “
وكل من ملك الروم يسمى : ” بقيصر ”
وكل من ملك الفرس يسمى ” بكسرى “
( باب في مسح أعلى الخف وأسفله )
حديث رقم – 550-
( ضعيف )
” حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة :
” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله “
( من الفوائد )
أن هذا الحديث ضعيف عند كثير من الأئمة ، وسبب ضعفه جهالة كاتب المغيرة “
ولذا قال ابن القيم رحمه الله ” لم يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح أسفل الخف “
ولذا أتت معنا الأحاديث الكثيرة من أنه صلى الله عليه وسلم :
( مسح على ظاهر الخف )
يعني على أعلاه .
بينما يرى بعض العلماء : ثبوت هذا الحديث ، وقالوا إن هذا الحديث قد صُرِّح فيه باسم كاتب المغيرة ، وهو ( ورَّاد ) فيكون الحديث ثابتا ، وبالتالي يستحب مسح أسفل الخف ، ولا يعني أنه عليه الصلاة والسلام لما مسح أعلى الخف ، لا يعني أنه لا يمسح أسفل الخف ، فيمسح استحبابا لا وجوباً .
والصواب / أن الحديث ضعيف ولا يثبت ، حتى مع تصريح وإيضاح اسم كاتب المغيرة ، إلا أن أكثر أئمة الحديث على ضعف هذا الحديث .
وبالتالي / فإنه لا يستحب مسح أسفل الخف ولا يستحب مسح العقب .
ولو اقتصر على مسح أسفل الخف دون أعلاه فإن مسحه لا يصح ، ولذا المغيرة رضي الله عنه جاء عند في الصحيحين ، لما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر مسح أسفل الخف .
حديث رقم – 551-
( ضعيف )
” حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال حدثنا بقية عن جرير بن يزيد قال حدثني منذر حدثني محمد بن المنكدر عن جابر قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ ويغسل خفيه فقال بيده كأنه دفعه إنما أمرت بالمسح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطط بالأصابع )
( من الفوائد )
هذا الحديث ضعيف جداً ، ولو صح لكان فيه بيان صفة المسح على الخفين .
وقد قال ابن حجر رحمه الله : ” وردت آثار كثيرة من أن المسح على الخفين يكون من أطراف أصابع القدم إلى الساق “
ولكن هذه الآثار ضعيفة ، لكنه يستأنس بها تطبيقا “
لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم :
( مسح ظاهر الخف )
وظاهر الخف يصدق على هذه الصفة .
( ومن الفوائد )
لو صح هذا الحديث / لكان فيه النهي عن غسل الخف “
وقد مرت هذه المسألة وهي ” لو أن الإنسان توضأ فبدل أن يمسح على خفيه غسلهما ، أيصح هذا الوضوء أم لا ؟
خلاف بين أهل العلم /
قال بعض العلماء : يصح ، لأنه عدل عن الأخف إلى الأشق .
وقال بعض العلماء : لا يصح ، لأنه خالف الوارد في الأحاديث الأخرى .
وقال بعض العلماء : إن غسل فأمر بيده على الخف ، صدق عليه أنه مسح .
وهذه المسألة تقال عند من توضأ فغسل رأسه بدل أن يمسحه ، فما قيل هنا من خلاف يقال هناك .
والصواب / أنه يقتصر على المسح ، لأن هذا هو الوارد .
يلي ذلك أنه لو غسل لابد أن يمرر بيده حتى يصدق عليه أنه مسح .
أما كونه يقتصر على الغسل ، فإنه وضوءه لا يصح
( ومن الفوائد )
” جاء في سند هذا الحديث ” محمد بن المنكدر “
وهو أحد التابعين الأجلاء ، يقول أحد أصحابه :
” إذ وجدت في قلبي قسوة أتيت إلى محمد بن المنكدر فنظرت إليه نظرة فأتعظ برؤيته أياما “
من غير ما يتكلم ، بمجرد ما ينظر إليه يتعظ برؤيته أياما ، ولذلك جاء في الحديث الحسن ، قوله صلى الله عليه وسلم :
( أولياء الله : الذين إذا رؤوا ذُكر الله )
( باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر )
عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين؟
فقالت : ائت عليا فسله فإنه أعلم بذلك مني ” فأتيت عليا فسألته عن المسح ، فقال”
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نمسح للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام )
( ومن الفوائد )
بيان سلامة صدور الصحابة رضي الله عنهم ، وأنهم يرون لبعضهم فضلاً على أنفسهم ، فعائشة رضي الله عنها مع أنها أفقه نساء الأمة – كما قال الذهبي رحمه الله – في سير أعلماء النبلاء ” مع أن النبي صلى لله عليه وسلم توفي عنها وعمرها ثمانية عشر عاما ، مع هذا العمر أخذت هذا العلم الغزير ، مما يدل على أن العلم يؤخذ في صغر السن ، وكل على جهده وحسب ما قدره الله عز وجل له ، فعائشة رضي الله عنها مع علمها بحكم المسح على الخفين إلا أنها أحالت شريح بن هانئ إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأمرين :
الأمر الأول : كونها تعلم أن علياً رضي الله عنه هو أعلم منها بحكم المسح على الخفين ، لأنه كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو أعلم بحاله عليه الصلاة والسلام منها في حال السفر .
الأمر الثاني : لتبين رضي الله عنها أنه ليس في قلبها شيء على علي رضي الله عنه ، وتعرفون ما جرى بين علي وبين عائشة رضي الله عنها في وقعة الجمل ، وكلٌ منهم مجتهد والمصيب له أجدان ، والمخطئ له أجر واحد ، وأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لعلي رضي الله عنه :
( سيكون بينك وبين عائشة شيء ، فقال علي : إني إذاً لأشقى القوم يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها )
وكذلك لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة رضي الله عنهما في حادثة الإفك ، يستشيرهما : فقال علي رضي الله عنه ( النساء غيرها كثير )
قال ابن حجر رحمه الله : ” لا يدل على أن عليا رضي الله عنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها – لا – وإنما لما رأى ما رأى من تعب ونصب وهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر أراد أن يخفف عليه “
مع هذا كله ، أرادت رضي الله عنها أن توضح أنه ليس في قلبها أدنى شيء على علي رضي الله عنه ، وهذا إن دل يدل على سلامة صدور الصحابة رضي الله عنهم .
( ومن الفوائد )
” بيان حرص السلف رحمهم الله على تجنب الفتوى بقدر ما أمكن “
ووردت عنهم آثار بالتشديد في الفتوى ، ووردت عنهم آثار بالفتوى ، فكيف يكون الجمع ؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله : هم أفتوا بما أوجب الله عز وجل عليهم أن يفتوا به لعلمهم بهذا الحكم ، وسكتوا وجوبا عما جهلوه “
لم ؟
لأنه كما يكون المتكلم بالباطل يكون شيطانا متكلما ، كذلك من سكت عن الحق ” فهو شيطان أخرس “.
ولذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه :
( والله لولا آيتان من كتاب الله عز وجل ما حدثتكم بشيء ، قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159
وقوله :
{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }آل عمران187
وبعض الناس الآن يتصدر للفتيا الآن ويرغب فيها – والله المستعان – فكون الإنسان ينجو بنفسه هذا خير .
( ومن الفوائد )
” بيان أن هذا الحديث هو عمدة الجمهور على أن المسح على الخفين مؤقت بوقت “
وهو ” يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر “
وقد مر معنا هذا الحديث في السنن الأخرى وفي بلوغ المرام وفصلنا فيه تفصيلا كثيرا ، فما ذكر هنا يكتفى به .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .