تعليقات على سنن الترمذي ( 12 ) من الحديث (233-241)

تعليقات على سنن الترمذي ( 12 ) من الحديث (233-241)

مشاهدات: 492

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الثاني عشر

من حديث 233-241

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين

حديث رقم – 233-

( ضعيف الإسناد ) حدثنا بندار محمد بن بشار حدثنا محمد بن أبي عدي قال أنبأنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب قال :   أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا )

من الفوائد :

هذا  الحديث فيه شيء من الضعف ، ولكن الأحاديث الأخرى جاءت بمعناه ، كما جاء في صحيح مسلم وغيره ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف معه جابر وجبار بن صخر أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فردهما إلى الخلف ) فتكون السنة في هذا المقام إذا كانوا ثلاثة فأكثر أن يكون الإمام متقدما ، وأن يكون المأمومون خلفه ، ويلي ذلك في الأفضلية أن يكون شخص عن يمين الإمام وآخر عن يساره ، ولذلك ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرر هذا الأمر ، بناء على ما علمه من قبل من أن السنة في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة أن يكون الإمام وسطهم ، فبقي رضي الله عنه على هذا الأمر ، ولعله رضي الله عنه لم يرده الناسخ فيما لو كان هناك ثلاثة .

إذاً الأفضل أن يتقدم الإمام وأن يصطف الاثنان خلفه ، يلي ذلك في الأفضلية أن يكون شخص عن يمين الإمام والآخر عن يساره ، يلي ذلك أن يكون الاثنان عن يمينه ، لكن السنة كما أسلفنا .

ولو صح هذا الحديث لكان الأمر على الوجوب ، لكن بما أن فيه ضعفا ، فإنه لا يلزم هؤلاء الثلاثة بأن يتقدم أحدهم وأن يتأخر اثنان ، لو صح لوجب ، لأنه أمر ، لكنه لما لم يصح دل على أن الأمر فيه سعة ، لاسيما وان ابن مسعود رضي الله عنه قد بقي على هذا الأمر .

باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء

حديث رقم – 234-

( صحيح ) حدثنا إسحاق الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك :   أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال قوموا فلنصل بكم قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت عليه أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف )

من الفوائد :

أن السنة في حق المسلم إذا أتى لأمر أن يشتغل بهذا الأمر وألا يشتغل بغيره ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى إلى بيت مليكة من أجل الطعام ولم يأت من أجل الصلاة ، فلما أكل الطعام قام فصلى ، بينما في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه لما استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إلى بيته ليصلي في مكان فيصلي فيه عتبان لأن بصره قد ضعف ولا يتمكن من الحضور إلى المسجد ، كان عتبان قد هيأ طعاما للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لما أتى عليه الصلاة والسلام أول ما بدأ قال له ( في أي مكان تريد أن أصلي ، فلما صلى أكل الطعام )

إذاً هذه السنة إذا أتيت لشيء فلا تتلهى عن هذا الشيء إلى شيء آخر .

ومن الفوائد :

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ولي أمر والمسؤول الأكبر ، فحضر عليه الصلاة والسلام تلطفا وترحما وشفقة وتواضعا في هذا البيت وهو بيت امرأة ، وهذه المرأة هي مليكة ، وقال هنا ( أن جدته ) فالضمير يعود على من ؟ أيعود على أنس ؟ أم يعود على إسحاق بن عبد الله ؟

عبد الله هو أخ لأنس ، لكنه أخ من الأم .

إن كنتم تعرفون قصة أم سليم وهو أم أنس ، لما توفي ولدها وأتى زوجها أبو طلحة وأخفت عنه موت ابنه وتعشى وتهيأت له ، ثم أخبرته بأن قوما لو أعاروا عاريتهم قوما فطلبوها هل لهم أن يمنعوها ؟ قال لا ، فقالت احتسب ابنك ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا لما صنعته أم سليم ، وهذا موقع نبيل كريم ، موقع شجاع من هذه المرأة ، موقع لا يكاد أن يقفه آلاف الرجال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعرستم البارحة ؟ قال نعم ، فدعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم ، فحملت من هذا الجماع فولدت عبد الله ، عبد الله له ابن اسمه إسحاق .

الشاهد من هذا أن هناك قولين لأهل العلم ، هل الضمير يعود إلى أنس ، أو يعود إلى إسحاق بن عبد الله ؟

الأمر في ذاك واسع ، وقد استوفى الكلام عن ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح .

ومن الفوائد :

أن صلاة التطوع يجوز أن تؤدى جماعة ، كما فعل عليه الصلاة والسلام هنا .

ومن الفوائد :

أن المكث والجلوس على الشيء يسمى لبسا ، ولذلك قال في حق الحصير ( قد اسود من طول ما لبس ) والحصير يلبس أم يفترش ؟ ولذا لو قال إنسان إن الشرع حرم الحرير في اللبس لو جلست عليه ؟ ماذا نقول ؟ لا يجوز فالحكم واحد .

ومن الفوائد :

أن نضح الماء من أنس رضي الله عنه على الحصير لا لكونه نجسا ، وإما لتنظيفه وترطيبه حتى يصلي عليه الصلاة والسلام عليه .

ومن الفوائد :

أن الصلاة على الحصير جائزة ، ولا يمنع الإنسان منها ، فإن صلى على الأرض فهذا شيء وردت به السنة ، وإن صلى على حائل مثل حصير أو سجادة فقد جاءت السنة بهذا ولا يحق لأحد أن يكرهه أو أن يمنعه .

ومن الفوائد :

أن الرجل البالغ تصح صلاته خلف الصف إذا اصطف معه غلام مميز ولو لم يبلغ ، لأن اليتيم هو ” من مات أبوه قبل أن يبلغ ” فصف أنس رضي الله عنه مع هذا اليتيم ، فدل على أن الصغير إذا بلغ سن التمييز من سبع سنين فأكثر وحضرت معه في الصف وكنت وحدك ومعك هذا الغلام فإن صلاتك صحيحة .

ومن ثم فإن الرجل البالغ لو كان معه غلامان لم يبلغا فهنا يتقدم ويقف هذان الغلامان خلفه ، لأنه لما صحت صلاة البالغ مع وجود هذا المميز من باب أولى أن تصح صلاة المميز مع نظيره .

ومن الفوائد :

أن المرأة إذا كانت تصلي مع الرجال وحدها فهي صف واحد بل يلزمها أن تكون منفردة ، ومن ثم فإن المرأة لو صلت مع جماعة رجال فتكون في الخلف ، ولذلك لو أن هناك امرأة صلت خلف صف النساء مع وجود  مكان تصلي فيه مع صف النساء فإن صلاتها باطلة ، كما أن الرجل لو صلى مع الرجال خلف الصف فإن صلاته لا تصح لاسيما إذا وجد فرجة في الصف الذي أمامه ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ) سوا كان رجلا أو امرأة .

فمتى تصح صلاة المرأة وحدها خلف الصف ؟ إذا كانت مع الرجال وليس معها نساء أخريات .

ومن الفوائد :

أن على طالب العلم أن يغتنم الفرصة في تعليم الناس متى ما رأى الحاجة إلى ذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى بهم ركعتين ليعلمهم كيف يصولون ، ولاسيما المرأة فإنها جالسة في بيتها ، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم تعليم لها .

ومن ثم فإن التعليم قد يكون بالعمل ولا يقتصر فيه على القول ، قد تعلم إنسانا كيف يصلي ، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته ( إذا توضأت فاستقبل القبلة ثم كبر ) إلى آخر ما ذكر ، هذا تعليم بالقول ، قد يكون هناك تعليم بالعمل ، إذ قام عليه الصلاة والسلام فصلى بهم هاتين الركعتين .

باب ما جاء من أحق بالإمامة

حديث رقم – 235-

( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش قال وحدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو معاوية وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أوس بن ضمعج قال سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه )

من الفوائد :

أن هذا الحديث بين من أحق بالإمامة ، هذا ابتداء ، أما لو كان هناك إمام راتب فإن الإمام الراتب هو الأحق ولو وجد من ضمن المأمومين من هو أحق ، ولذلك جاءت الجملة الأخيرة ( ولا يُؤم الرجل في سلطانه ) ومعلوم أن إمام المسجد سلطانه في مسجده ، هنا ذكر هذا التصنيف ابتداء فيما لو تقدم أناس للإمامة وصارت هناك مشاحة ، كلٌ يريد أن يتقدم ، فالصنف الأول :

( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) هذا خبر يراد منه الأمر ، أي ليؤم القوم ، فيكون الصنف الأول هو الأقرأ لكتاب الله .

من هو الأقرأ ؟ أهوالمجود في قراءته المخرج لحروف القراءة على مخارجها ؟ أم أنه الأعلم الأفقه ؟

لأن العالم والفقيه في ذلك العصر يسمى ( بقارئ ) أو أنه الأكثر حفظا للقرآن ؟

والذي يظهر والعلم عند الله أن المقصود من ذلك هو الأكثر حفظا لوجود بعض الأحاديث التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( ليؤذن أحدكما وليؤمكما أكثركما قرآنا )

ولكن يشترط في هذا الأقرأ أن تكون لديه معلومات عن صلاته ، فيعرف أحكامها ، فقد يطرأ عليه شيء في صلاته من سهو أو ما شابه ذلك فيجب عليه أن يكون فاهما لها ، وإلا لما قدم ، إذاً يكون الأقرأ مقدما إذا كان معه ما يحسن به صلاته فيما لو طرأ عليه طارئ .

الصنف الثاني ” إن استويا في القراءة ، فنأتي إلى الأعلم بالسنة، فإن استويا ( فأقدمهم هجرة ) وهو الذي هاجر من مكة إلى المدينة ، فإن من هاجر في أول الأمر فقد حاز على علم وعلى فوائد لم يحزه من جاء بعده ولاسيما في الفضل ، قال تعالى { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى  } الكل على خير ، لكن من كان قبل فتح مكة ليس كمن كان بعد فتحها في الفضل .

فإن استويا تأتي المرتبة الرابعة وهو ( السن ) وهذا يفيدنا بفائدة وهي أن علينا أن نعظم كبار السن وأن تحترمهم وأن نقدرهم ، وقد جاءت السنة حافلة بتقدير من هو كبير في السن

ومن الفوائد :

أن ذكر السلطان هنا ( ولا يؤم الرجل في سلطانه ) – وهذه فائدة هل سبقني إليها أحد أم لا – أن ولي الأمر له الحق في الإمامة من الإمام الراتب ، لأن ولي الأمر لو شاء أن يعزله عزله ، ومن ثم – وهذه هي الفائدة التي أريد أن أصل إليها – فإن ولي الأمر لو منع من القنوت في الفريضة في نازلة نزلت بالمسلمين ، هنا يجب عليك أنت أيها الإمام الراتب أن تلتزم ، لم ؟ لأنك نائب عنه .

ومن الفوائد:

أن ما أعده الإنسان من فراش أو سرير ليجلس عليه فلا يحق لأحد أن يجلس عليه ، وهذا هو المقصود من قوله ( تَكْرِمته ) ثم استثنى ( إلا بإذنه ) الاستثناء هنا – وهي قاعدة عند أهل الأصول [ الاستثناء إذا أتى بعد جمل هل هذا الاستثناء يرد إلى الجمل الأخيرة أم يرد على جميع الجمل المتقدمة ؟ ]

كم عندنا من جملة ؟ جملتان ( ولا يؤم الرجل في سلطانه ) ما الذي بعدها ؟ ( ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ) هل كلمة ( إلا بإذنه ) ترد على الجملة الأولى أو ترد على الجملتين ؟

من قال إنها ترد على الجملتين فهنا لو كنت إماما راتبا وجاء من هو أقرأ مني وأعلم مني وقدمته أله الحق أن يتقدم ؟ نعم له الحق ، لو جاء وجلس على فراش لي في بيتي مستأذنا أله الحق ؟ نعم له الحق .

لكن لو قلنا بأن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة ماذا يكون الحق ؟ له الحق أن يجلس على فراشي إذا استأذن ، لكن أله الحق أن يصلي في مسجدي بإذني ؟ لا ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء ، فعندنا قاعدة وهي [ أن الاستثناء إذا أتى بعد جمل هل تدخل هذه الجمل كلها تحت هذا الاستثناء ؟ أم أن الحكم متعلق بالجملة الأخيرة ؟ ] خلاف قال بعضهم يرد إلى الجملة الأخيرة ، وبعضهم قال يرد إلى جميع الجمل .

وأقرب هذا بمثال /

قوله تعالى {  وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{5}

فالذين تابوا أتسقط عنهم الأحكام المتقدمة ؟

فلو قذف إنسان إنسانا وتاب ، هل إذا تاب تقبل شهادته مستقبلا ؟ تقبل ، هل يزول عنه الفسق ؟ نعم ، هذا على القول بأن ما بعد إلا يرجع إلى جميع الجمل ، لكن لو قلنا يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط يزول عنه وصف الفسق ، ولكن لو شهد مستقبلا لا تقبل له شهادة .

والتحقيق في هذا والصواب – كما قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان – أن الأصل في الاستثناء أنه يعود على الجمل المتقدمة إلا إذا وجد دليل يدل على أن بعض الجمل خارجة .

قوله تعالى { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً{89} إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }

من كان بيننا وبينهم ميثاق من الكفار يجوز أن نتخذهم أولياء وأن نحبهم ؟ لا يجوز ، إذاً جاءت الأدلة على أن بعض الجمل قد تخرج من هذه القاعدة إذا وجد دليل آخر .

باب ما جاء إذا أمَّ أحدكم الناس أن يخفف

حديث رقم – 236-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء )

من الفوائد :

أن من فعل شيئا لنفسه فعليه أن يختار ما يشاء الأشق أو الأسهل ، أما من فعل شيئا لغيره فعليه أن يفعل ما هو أنفع وأنسب وأصلح لذلك الغير ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر شأن الأئمة وهم مرتبطون بغيرهم ، أمرهم عليه الصلاة والسلام أن يخففوا بالناس باعتبار أحوالهم ، لأن منهم الصغير والمريض والضعيف وذا الحاجة ، بينما لو فعل هذه الصلاة وحده ماذا قال ؟ ( فليصل كيف شاء ) وفي رواية ( فليطول ما شاء ) فهذا شيء يعود إليه ، إذا كان يعمل العمل لنفسه ، وهذه قاعدة تتخذها في جميع الأشياء ، ولو وكلك إنسان مثلا في شراء شيء فعليك أن تحرص على ما هو أنفع له وأن تماكس في السعر ، بينما لو اشتريت لنفسك من مالك فلك أن تدفع أي مبلغ ، لكن إذا كنت تعمل للغير فابحث عما هو أنفع وأصلح لذلك الغير .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث – كما قال ابن القيم رحمه الله – تعلق النقارون به مع حديث معاذ رضي الله عنه ، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أفتان أنت يا معاذ ) قال رحمه الله فتعلق النقارون به فأمروا الأئمة بالتخفيف الذي لا يقيم للصلاة شأنا ولا قدرا ، يقول رحمه الله إن التخفيف المأمور به تخفيف نسبي ، فقد يكون هذا الإمام مخففا عند قوم ومطولا عند قوم ، فلا تنضبط هذه الأمور ، قد تصلي بسورة ما فيرى بعض الناس أنك مقصر وآخرون يرون أنك مطول ، كيف نضبط هذا الوصف وهو التخفيف ؟

قال رحمه الله ” ننظر إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ” فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي خلفه الضعيف ، كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ، وكان يصلي معه ذو الحاجة والكبير والصغير ، ومع ذلك كان يصلي بالصافات ويصلي بالروم وبالأعراف ، فكان ينوع ، إذاً ما هو التخفيف الذي ينضبط به الأمر ؟ سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن أتى بالسنة فقد خفف ولا ينظر إلى كلام الناس .

حديث رقم – 237-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة في تمام )

من الفوائد :

انظروا إلى هذا الحديث مكمل لمعنى الحديث السابق ،كان النبي صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة ، ولكن ما هو هذا التخفيف ؟ في تمام ، فكان يأتي بالركوع والسجود على وجهه الحقيقي ، ولذلك كما قال ابن القيم رحمه الله ” من صلى بالأعراف في المغرب فقد خفف “

وقال بعض العلماء : إن التخفيف لا ينظر فيه إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الطول ولا من حيث القصر ، وإنما يخفف تخيفا مستمرا ، ولكنه قول ضعيف ولا شك في ذلك .

وقال بعض العلماء : أيحق للإمام أن يطول إطالة زائدة عن السنة إذا رغب المأمومون في ذلك ؟

الجواب / نعم ، إذا كانت هذه الجماعة جماعة مستقرة لا يتغير أفرادها ، خمسة أو عشرة أو عشرون أو مائة من الأشخاص دائما يصلون في ذلك المسجد ولا يأتي أحد معهم ، هنا لو أنه أطال إطالة زائدة عن السنة فيجوز له ذلك ، لأنهم رغبوا في الخير وهذا يعود إليهم، هذا إذا اجتمعوا على كلمة واحدة .

باب ما جاء تحريم الصلاة وتحليلها

حديث رقم – 238-

( صحيح ) حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا محمد بن الفضيل عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها )

من الفوائد :

أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة ، فلا يمكن أن يفتح الباب إلا بمفتاح ، ومفتاح الصلاة الطهور ، فإذا خلت الصلاة من الطهور فكأنه لا صلاة .

ومن الفوائد :

أن تكبيرة الإحرام هي أعظم ركن من أركان الصلاة ، لأنه لا يمكن أن تحرم في الصلاة إلا بها  .

ومن الفوائد :

الرد على من قال إن الصلاة يدخل فيها بالنية دون أن يتلفظ بشيء ، فمتى ما نوى الصلاة فقد دخل في الصلاة ، نقول هذا الحديث يرد عليكم ، قال ( تحريمها التكبير )

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء قال : إن كل اسم يعظم فيه الله يدخل به إلى الصلاة ، ويرد عليهم بهذا الحديث إذ قال ( تحريمها التكبير )

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء قال لو أتى بقول ( الله الأكبر ) دخل في الصلاة ، لأن الحديث أطلق قال ( تحريمها التكبير ) ولم يبين صفة التكبير ، فمتى ما كبر للصلاة بأي صيغة من صيغ التكبير فقد دخل في الصلاة ، فيمكن أن يقول إنسان ( الله الأكبر ) فيدخل في الصلاة .

ولكن الصواب أنه لابد من قول ( الله أكبر ) بهذه الصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل له ما جاء عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ثم يكبر ) وفي رواية ( ثم يقول الله أكبر ) فدل على أن الصلاة لا تتم إلا بهذا اللفظ .

ومن الفوائد :

الرد على الحنفية الذين يقولون لو أن الإنسان تشهد التشهد الأخير ثم أتى بما ينافي الصلاة فقد خرج من الصلاة ولا يلزمه أن يسلم ، فهذا الحديث يرد عليهم ، فهم يقولون لو أن الإنسان مثلا تشهد ثم أحدث – صحت صلاته – لأنه فرغ من الصلاة ، لو أنه تشهد ثم أكل أو شرب ، أتى بما ينافي الصلاة ، هنا خرج من الصلاة ، لكن الحديث بين أن تحليلها هو التسليم ، فلا يمكن أن يخرج من الصلاة إلا بالتسليم .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء استدل به على أن التسليمة الواحدة كافية ، فلو قال ( السلام عليكم ورحمة الله ) صحت صلاته بذلك ، لأنه أطلق ، ماذا قال ؟ ( وتحليلها التسليم )

ولكن الصواب أن صلاة الفرض يجب أن يقول التسليمتين ، لما ورد في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال ( أما يكفي أحدكم أن يقول عن يمينه السلام عليكم وعن يساره السلام عليكم ؟ ) فدل على أنه لا يكفي في ذلك التسليمة الواحدة ، بل لابد من تسليمتين .

أما في النفل فالأمر فيه سعة ، فقد وردت بعض الأحاديث – وستأتي معنا إن شاء الله – وردت بعض الأحاديث في جواز الاقتصار على تسليمة واحدة في صلاة النفل ، أما في الفرض فلابد – على القول الراجح – لابد من تسليمتين .

ومن الفوائد :

أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة ، فلا تصح الصلاة  من  دونها ، وأما قراء السورة التي بعدها فهي سنة ، لورود بعض الأحاديث التي دلت على أن اقتصار المسلم على قراءة المسلم على قراءة الفاتحة مجزئة له في صلاته ولو لم يقرأ سورة أخرى ، وسيأتي إن شاء الله شيء من هذا .

باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير

حديث رقم – 239-

( ضعيف ) حدثنا قتيبة وأبو سعيد الأشج قالا حدثنا يحيى بن اليمان عن بن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه )

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ولو صح لأكد ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المسلم يستحب له إذا أراد أن يكبر فرفع يديه أن ينشر أصابعه ، كيف ينشر أصابعه ؟ ما ضد النشر ؟ القبض ، بمعنى أنه يقبض أصابعه إلى باطنها ، فإذا نشرها أي مدها ، وإذا قلنا إن ضد النشر هو ضم الأصابع ، تكون السنة كما ذهب بعض العلماء أن يفرج بين أصابعه ، ولكن هذا الحديث ضعيف .

حديث رقم – 240-

( صحيح ) قال وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي حدثنا بن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال سمعت أبا هريرة يقول :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا )

من الفوائد :

هذا هو الحديث الصحيح أنه في حالة الرفع يمد يديه، بمعنى أنه لا يقبضهما إنما تكون اليدان ممدودتين ، إلى ماذا ؟ إلى الأذنين أم إلى شحمة الأذنين ؟

ستأتي الأحاديث الأخرى مبينة مقدار هذا المد .

إذاً ما حال الأصابع أتضم أم تنشر ؟ إن صح الحديث السابق قلنا تفرق ، فلما لم يصح الحديث ماذا نقول ؟ أنفرق بين أصابعنا كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء للحديث السابق ؟ قلنا إنه حديث ضعيف ، وإذا كان حديثا ضعيفا فلا يعول عليه ، إذاً النشر انتهينا منه .

أنضم الأصابع ؟ لا ، ليس هناك دليل على ضم الأصابع .

إذاً سبيلنا وطريقنا أن نقول تمد اليدان على طبيعتهما ، لا نتكلف الضم ولا نتكلف النشر وهو التفريق ، وإنما على مقتضى الطبيعة ، فإذا لم يرد دليل في حركاتك في الصلاة فإن الأصل أن تبقى على الطبيعة ، ما مقتضى الطبيعة ؟ أنه لا يتكلف لا في تفريق الأصابع ولا في ضمها ، فلا يأتي إنسان ويلصق أصابعه أو ينشرها ، وإنما نقول على مقتضى الطبيعة .

باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى

حديث رقم -241-

( حسن ) حدثنا عقبة بن مكرم ونصر بن علي الجهضمي قالا حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن طعمه بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق )

من الفوائد :

هذا الحديث يضعفه بعض العلماء ويحسنه آخرون كالألباني رحمه الله ، وقد حسنه غيره باعتبار الأحاديث الواردة في فضل التكبيرة الأولى .

ومن الفوائد :

أن الاستمرار على الطاعة سبيل بإذن الله تعالى إلى تربية النفوس إذ تتربى هذه النفوس على عمل الخير فيصبح هذا العمل الخيِّر سهلا ميسرا ، ولذلك وقتها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التوقيت من أجل أن من اعتاد على هذا الأمر سيكون عليه سهلا ميسرا ، فيبتعد عن سبيل المنافقين ، المنافقون إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، فإذا جاهد نفسه على هذا الأمر برء من النفاق فأصبح من السابقين إلى الخير وأصبح هذا العمل بإذن الله حائلا له من أن يقع في النفاق ، لأن من أقدم على الاستمرار على هذا الأمر طوال أربعين يوما بإذن الله تعالى لا يصل إليه النفاق ، وتكون له الجائزة الأخرى وهي البراءة من النار .

ولكن يشترط في هذا الفعل أن يكون مخلصا ، ولذلك قال ( من صلى لله ) ليس مداراة أو مراءاة أو عادة أو تقليدا – كلا – بل لله سبحانه وتعالى .

واشترط في هذه الصلاة أن تكون جماعة ، فدل على فضل صلاة الجماعة .

ولكن ما هي هذه التكبيرة الأولى ؟ هل هي تكبيرة الإمام ؟ أم المقصود أنه يدرك جميع ركعات الصلاة ؟ فلو أتى للناس وهم في الركوع فكبر تكبيرة الإحرام ثم ركع أيكون مدركا لهذا الفضل باعتبار أنه أدرك جميع الصلاة أم لابد من إدراك التكبيرة الأولى ؟

قولان لأهل العلم ، بعض العلماء يقول إذا أدرك جميع ركعات الصلاة فقد نال هذا الفضل ، ولكن هذا القول ضعيف، والصواب أنه إذا أراد حيازة هذا الفضل عليه أن يدرك التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام مع الإمام ، فإذا كبر الإمام يكون موجودا ويكبر عقيبه ، نسأل الله عز وجل لنا ولكم الإخلاص في القول والعمل .

سؤال :  هل يجوز الحجز في المسجد ؟

الجواب : المسجد من الأمكنة المشاعة التي لا يحق لأحد أن يحتكر فيها شيئا ، ومن ثم فإنه لا يجوز لإنسان أن يضع سجادة ليحجز المكان ، اللهم إلا إذا كان في المسجد أو ذهب ليتوضأ أو ليقضي حاجة يسيرة ثم يعود ، أما إذا وضعها ليعود إليها بعد أن يفرغ من أشغاله فليس له حق ومن أتى مبكرا فإن له أن يزيح هذا الشيء  وأن يصلي في هذا المكان ، ولكن لا يصلي على هذه السجادة لأنها حق للغير .

وإن ترتب على ذلك مفسدة بحيث يخشى أن تكون هناك مشاجرة فيكون الإنسان حكيما فيبتعد عن هذا الأمر لكنه ينبه هذا الشخص الذي فعل هذا الأمر أو ينبه شخصا آخر ينبهه .