بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة
حديث رقم -252-
( حسن صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه )
من الفوائد :
أن السنة في حق المصلي أن يضع يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة ، بل إن بعض العلماء احتمل أن يكون الأمر واجبا ، لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه عند البخاري ( كان الناس يؤمرون أن يضع أحدهم يمينه على شماله في الصلاة ) لكن ما عليه عامة العلماء أن هذا من السنن ، ولذا لو تركه الإنسان لا حرج عليه .
ويرى بعض العلماء : أن السنة أن يرسل يديه من الجانبين ، وهذا رأي يخالف صريح هذه السنة ، فالصواب إذاً ما أسلفنا من أن السنة أن توضع اليمين على الشمال في الصلاة .
ولكن أين موضع هاتين اليدين ؟
يأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى في الأحاديث القادمة .
ومن الفوائد :
أن هذه الهيئة كما قال بعض العلماء : أقرب إلى الخشوع في الصلاة ، فإن مثل هذه الهيئة تدل على خضوع وانكسار من فاعلها ، ولذا ما يفعله البعض عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم حينما يسلم عليه من الوقوف أمامه على هذه الصفة أمر ينافي الشرع لأنها وقفة خضوع ولا يخضع إلا لله سبحانه وتعالى .
ومن الفوائد :
أن وضع اليمين على الشمال في الصلاة قال بعض العلماء يكون ” تحت السرة ” لحديث علي رضي الله عنه ( من السنة أن توضع اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة ) .
ويرى بعض العلماء أنها تكون فوق السرة ولا ديل عليه .
ويرى بعض العلماء أنها توضع على الصدر لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الصواب ، ولذا حديث وضعهما تحت السرة ضعيف ، وما ما فوق السرة فليس هناك دليل إلا أن يؤيد كلامهم رواية ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وضعهما عند الصدر ) إذاً الصواب أنهما توضعان على الصدر ، وقد ورد في ذلك ثلاثة أحاديث ، ولهذا ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذه المسألة ضعَّف الأحاديث كلها وسكت عن أحاديث وضع اليدين على الصدر ، فلو لم تكن هذه الأحاديث صحيحة عنده لبين حكمها كما بين حكم الأحاديث الأخرى ، بل إن قاعدته رحمه الله في الفتح كما معلوم أنه لا يذكر حديثا فيسكت عنه إلا كان حديثا صحيحا أو حسنا ، فهذه الأحاديث الثلاثة يؤيد بعضها بعضا ، لاسيما وأن عليا رضي الله عنه فسَّر قوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } فسر { وَانْحَرْ } أن توضع اليد اليمنى على اليد اليسرى عند النحر ، يعني على الصدر ، وأما رواية ( وضعهما عند الصدر ) وليس على الصدر لا تخالف رواية أنهما وضعهما على الصدر لأن أحاديث وضعهما على الصدر أصح من أي حديث آخر ، بل لو صح حديث ( عند الصدر ) فقد حمله بعض العلماء على تغير الحال ، مرة وضعهما عليه الصلاة والسلام عند صدره ، ومرة على صدره ، وعلى كل حال فالسنة الواضحة والصحيحة أنهما توضعان على الصدر ، هذا أصح ما جاء في هذا الباب ، ولذلك كان بعض السلف يضع يده اليمنى على يده اليسرى بين ثندوتيه ، والثندوة للرجل بمثابة الثدي للمرأة ، يعني بين ثديي الرجل .
باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود
حديث رقم – 253-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يدل على تكبيرات الانتقال ، فإن تكبيرات الانتقال تختلف عن تكبيرة الإحرام ، فتكبيرة الإحرام هي التكبيرة الأولى التي لا تنعقد الصلاة إلا بها ، بينما التكبيرات الأخرى تسمى بتكبيرات الانتقال .
ما حكم تكبيرات الانتقال ؟
قال بعض العلماء : إنها سنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بعض الأحاديث ( كان لا يتم التكبير ) يعني ما كان يكبر في كل خفض ورفع ، فكان يفعل أحيانا ويدع أحيانا
وقال بعض العلماء : لا يكبر مطلقا ، بناء على أن عثمان رضي الله عنه ما كان يكبر وكذلك فعل ذلك معاوية رضي الله عنه .
وقال بعض العلماء : يفرق بين صلاة الجماعة وصلاة المنفرد ، فإن أحب المنفرد أن يكبر فله ذلك وإن ترك فله ذلك ، أما صلاة الجماعة فلا .
والمشهور من مذهب الإمام أحمد أن التكبير واجب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ولأنه جاء في سنن أبي داود في قصة المسيء في صلاته ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّمه تكبيرات الانتقال ) وهذا هو الصواب أنها واجبة .
وأما ترك عثمان وكذلك معاوية رضي الله عنهما فإنه محمول على خفض الصوت به لا على تركه .
أما حديث ( كان لا يتم التكبير ) فهو حديث ضعيف .
ومن الفوائد :
أن المصلي يكبر سواء كان في صلاة انفراد أو في صلاة جماعة أنه يكبر في كل خفض ورفع ما عدا الرفع من الركوع فإن له ذكرا وهو التسميع وهو قول ( سمع الله لمن حمده ) فهذا حديث عام مخصص بالأحاديث الأخرى من أن الرفع من الركوع لا يدخل ضمن هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن الصواب ما ذكر هنا أنه كان يكبر في كل خفض ورفع ، أما ما جاء بلفظ آخر ( أنه كان يرفع في كل خفض ورفع ) فليس بصحيح ، ولذلك أخذ بعض العلماء من هذا اللفظ ( أنه
كان يرفع في كل خفض ورفع ) أخذ منه أنه يرفع يديه كلما كان في حالة رفع أو في حالة خفض ، وليس هذا هو المقصود ، وقد نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
باب منه آخر
حديث رقم – 254-
( صحيح ) حدثنا عبد الله بن منير المروزي قال سمعت علي بن الحسن قال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن بن جريج عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر وهو يهوي )
من الفوائد :
أن محل هذا الكبير وهو تكبيرة الانتقال من حين الهوي ، فمن حين ما تكبر منتقلا من ركن إلى آخر تكبر ، أما ما يفعله بعض الناس سواء كان إماما أو مأموما منفردا من أنه لا يكبر إلا إذا وصل موضع الركن الآخر – فهذا خطأ – بعض الناس إذا قال ( سمع الله لمن حمده ) ثم أراد أن يسجد لا يكبر حال الهوي وإنما يكبر إذا وصل إلى السجود – هذا خطأ – فمن حين ما تهوي تكبر ، من حين ما ترفع تكبر ، فما بين الركنين هو محل التكبير ، ولذا سماه العلماء بتكبير الانتقال .
ولذلك ذهب بعض العلماء – وإن كان قولا مرجوحا – ذهب بعض العلماء من أصحاب الإمام أحمد أن من ابتدأ التكبير قبل أن يهوي أو أخر التكبير حتى وصل إلى الركن الذي يليه ، فإن صلاته لا تصح ، لأنه ترك واجبا من واجبات الصلاة فلم يأت بهذا الكبير في محله ، ولكن بما أن بعض العلماء ذهب هذا المذهب فيجب على المسلم أن يتنبه لهذا الأمر ، فإن السنة من حين ما تهوي تكبر ، من حين ما ترفع قائما للركعة الثانية أو الثالثة تكبر .
ولذلك بعض الأئمة يخطأ خطأ فادحا ، إذا قلنا إن الأمر قد يتسامح فيه بالنسبة إلى التكبير لكن لا يتسامح فيه بالنسبة إلى التسميع ولاسيما الإمام ، ولذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع ) يعني من حين ما ترفع تقول التسميع حتى من أتى من خلفك ممن أتى مسبوقا يعلم أنك قد انتقلت من الركوع إلى الرفع منه ، لأن بعض الأئمة لا يقول ( سمع الله لمن حمده ) إلا إذا انتصف – هذا خطأ – لأنه قد يكون خلفك صفان أو ثلاثة أو أربعة ولا يدري المسبوق بحالك فيظن أنك في الركوع وأنت قد رفعت في الأصل ، فهذا خطأ لأن قول ( سمع الله لمن حمده ) إشعار من الإمام بأن حالته قد انتقلت من الركوع إلى الرفع ، فهذه القضية مهمة جدا بالنسبة إلى الأئمة ، من حين ما ترفع من الركوع تقول ( سمع الله لمن حمده ) لكي يعلم من خلفك ممن أتى مسبوقا حتى يعلم أنك قد انتقلت ولا تجني على صلاته ، لأن الإثم عليك كإمام ، قال النبي صلى الله عليه سلم عن الأئمة كما عند البخاري ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فعليهم ولكم ) فهذا الفعل يكون على الإمام ولا يكون على المأموم .
باب رفع اليدين عند الركوع
حديث رقم – 255-
( صحيح ) حدثنا قتيبة وبن أبي عمر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وزاد بن أبي عمر في حديثه ( وكان لا يرفع بين السجدتين )
حديث 256-
( صحيح ) قال أبو عيسى حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا الزهري : بهذا الإسناد نحو حديث بن أبي عمر )
من الفوائد :
أن التكبير له سنة أخرى فسنته أن يكون معه الرفع ، لكن هل هذا الرفع في كل موطن من الخفض والرفع ؟
قال بذلك بعض العلماء بناء على لفظ ( كان يرفع في كل خفض ورفع )
فسنة الرفع في ثلاثة مواطن :
أولا : حينما يكبر تكبيرة الإحرام .
ثانيا : حينما يركع .
ثالثا : حينما يرفع من الركوع .
رابعا : في رواية عند البخاري ( إذا قام من الركعتين )
ثم قال رضي الله عنه ( وكان لا يفعل ذلك بين السجدتين ) فابن عمر رضي الله عنهما أثبت الرفع في مواطن ونفاه عن مواطن ، فدل على أنه ضبط في ذلك ، وهذا هو الصواب من أن الرفع لا يكون إلا في هذه الأربعة .
وأما ما قيل غير ذلك فيأتي له حديث إن شاء الله ، لكنه قول مرجوح .
ومن الفوائد :
أن الرفع يكون مع التكبير سواء بسواء ، يعني مصطحبا له ، وتأتي أحاديث أخرى خلاف ذلك ، وإذا وردت نتحدث عنها إن شاء الله تعالى ، لكن السنة التي أتت في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث التي تشابهه أنك ترفع حينما تكبر ، اللهم إلا في الرفع من الركعتين بعد التشهد الأول لا ترفع إلا إذا قمت لدلالة اللفظ على ذلك ، وإذا مر معنا اللفظ ذكرنا ذلك .
ومن الفوائد :
أن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر أن الرفع إلى حذو المنكبين ، وقد جاءت سنة أخرى أنه عليه الصلاة والسلام ( رفع إلى الأذنين )
ومن الفوائد :
قال بعض العلماء : إن الحكمة من الرفع ، غير فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو أبلغ الحكم ، قالوا لأن هذا تعظيم لله سبحانه وتعالى بالفعل كما أن التكبير تعظيم له بالقول .
وقال بعض العلماء : إنه زينة للصلاة .
وقال بعض العلماء : إشارة إلى أنه سيدخل في الصلاة ، وعلى كل حال فإن هذه الحِكَم لا تتنافى ولا يضاد أحدها الآخر .
باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة
حديث رقم – 257-
( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال قال عبد الله بن مسعود : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة )
من الفوائد :
هذا الحديث يصححه الألباني رحمه الله ويضفه آخرون كثر ، لم ؟
لأن ابن مسعود رضي الله عنه أثبت أن الرفع لا يكون ثابتا إلا عند تكبيرة الإحرام ، أما ما عدا ذلك فإنه لا يرفع ، ولكن الصواب ما ذكره ابن عمر رضي الله عنها ، ولو صح هذا الحديث فإنه محمول على أن ابن مسعود رضي الله عنه قد نسي كما نسي بعض السنن في الصلاة وسيأتي لها ذكر إن شاء الله تعالى ، فكيف به رضي الله عنه وقد نسي سورتي المعوذتين ، فلم يدرجهما في مصحفه ، نسيانا منه رضي الله عنه ، لكن البشر بشر ، فقد نسي رضي الله عنه في شيء هو عند الأمة من المتواتر ، فما ظنكم بهذه الأشياء التي في الصلاة ؟
باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع
حديث – 258-
( صحيح الإسناد ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الرُّكب سُنَّت لكم فخذوا بالركب )
من الفوائد :
أن السنة في حق المصلي أن يعتمد بيديه على ركبتيه في الركوع ، فقد سُن لنا الأخذ بها ، فلا يضع المصلي يديه على ركبته وضعا خفيفا – لا – وإنما يعتمد عليها كما جاءت بذلك الأحاديث الأخرى ، ويكون قابضا عليها ، وتكون الأصابع مفرجة ليست مضمومة .
ومن الفوائد :
أن ابن مسعود رضي الله عنه لا يرى هذا الوضع ، أن توضع اليدان على الركبتين ، بل كان يأمر ( بالتطبيق ) ما هو التطبيق في الركوع ؟
أن تضع باطن اليد اليمنى على اليسرى ثم تضع كفيك بين فخذيك أثناء الركوع ، فكان رضي الله عنه يرى التطبيق فقط ، ولذلك أنكر عليه بعض الصحابة وقالوا كان هذا في أول الأمر ، فابن مسعود رضي الله عنه لم يعلم بأن هذا الفعل قد نُسخ .
-259- ( صحيح ) قال سعد بن أبي وقاص : كنا نفعل ذلك فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأكف على الرُّكب )
من الفوائد :
هذا هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يرد على ما ذهب إليه ابن مسعود رضي الله عنه مبينا أن التطبيق كان في أول الأمر ثم نسخ .
باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع
حديث رقم – 260-
( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا فليح بن سليمان حدثنا عباس بن سهل بن سعد قال اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتَّر يديه فنحاهما عن جنبيه )
من الفوائد :
أن السنة في حق المصلي أثناء الركوع أن يأخذ بركبتيه معتمدا عليهما ولا يضع كفيه ملامسة .
ومن الفوائد :
أنه يجافي عن جنبيه ، فتصبح اليدان مع الجنب كالقوس مع الوَتَر ، فكان الجنبين قوس وكأن اليدين وتر ، وهذه الهيئة تدل على نشاط المصلي وعلى رغبة المصلي في الصلاة ، بينما لو انكمش دل على أنه كسلان ، فلا ينبغي له هذا الفعل ، لكنه من السنن وليس واجبا .