تعليقات على سنن الترمذي ( 26 ) من حديث ( 311-313 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 26 ) من حديث ( 311-313 )

مشاهدات: 496

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس السادس والعشرون 

من حديث 311-313

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في القراءة خلف الإمام

حديث رقم – 311-

( ضعيف ) حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال :  صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم قال قلنا يا رسول الله إي والله قال فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )

( صحيح ) قال وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى حديث عبادة حديث حسن وروى هذا الحديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قال وهذا أصح والعمل على هذا الحديث في القراءة خلف الإمام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول مالك بن أنس وبن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون القراءة خلف الإمام  )

من الفوائد :

هذا الحديث الذي هو حديث عبادة رضي الله عنه اختلف المحدثون في ثبوته ، فمن محسن له ومن مضعف فيرى الألباني كما سبق أن الحديث ضعيف ، ولكن غيره من المحدثين يرون أنه حسن ، وقد حسنه البيهقي والدارقطني والخطابي وابن حجر وابن باز وغيرهم كثير ، فمن صحح هذا الحديث أوجب على المأموم أن يقرأ سورة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ سورة أخرى ، وأما ما عدا سورة الفاتحة فإنه لا يجوز له أن يقرأ ، لم ؟ لأنه صلى الله عليه وسلم قال ( لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ) فاستثنى من ذلك ( أم الكتاب )

وأما من يرى أنه ضعيف فيقول إن المأموم لا يقرأ خلف إمامه إذا كان يقرأ ، ومسألة قراءة الفاتحة مسألة طويلة متشعبة ، تنازع فيها العلماء ، وفيها أقوال ، من بين هذه الأقوال أنها ليست ركنا ، بل لو قرأ ما تيسر من القرآن فله ذلك ، لقوله تعالى ( فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )

ومنهم من يرى أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة ولكن لا يلزم في كل ركعة ، فلو قرأها في ركعة أو في ركعتين اكتفي بها ، لعموم النص ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ) وهذا مطلق ، والمطلق يصدق على القليل والكثير ، فإن أتى بالقليل كان كافيا وإن أتى بالكثير أتى بالكمال ، ومنهم من يرى أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم ، وهذا قول من قولي الشافعية ن ففي أحد قوليهم يقولون إنها واجبة ، فلو نسيها المأموم فإن الإمام يتحملها كما يتحمل الواجبات ، فإن المأموم لو نسي التشهد فإن الإمام يتحمله لأنه واجب وليس ركنا .

ومن العلماء من يرى أن قراءة الفاتحة ركن في الصلاة السرية لا الجهرية ، وهذا ما يميل إليه شيخ الإسلام رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، ولذا يرى شيخ الإسلام رحمه الله ومن أخذ بهذا القول يرون ضعف هذا الحديث المذكور آنفا ، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله كيف يقرأ المأموم والإمام يقرأ ، فالقراءة لابد أن يكون فيها من هو سامع ، فلمن يقرأ الإمام ؟

ولا شك أن قوله من حيث النظر صواب ، ولكن يقال إذا جاء النص بالركنية لا يلتفت إلى هذه الاستدلالات النظرية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليك الغطفاني لما دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب دخل فجلس رضي الله عنه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين ويتجوز فيهما ، مع أن الاستماع إلى الخطبة واجب ، فكيف بسليك رضي الله عنه أن يجمع بين الصلاة وبين الاستماع  ، فمتى ما جاء النص فهو الفيصل والحاسم في المسألة .

ومن العلماء من يرى أن قراءة الفاتحة ركن لكل مصلي، سواء كان منفردا أو مأموما أو إماما في الجهرية وفي السرية ، ولذا لو نسيها المأموم فإن عليه أن يأتي بركعة بعد أن يسلم إمامه ، لأن الركن يختلف عن الواجب ، فالركن لا يتحمله الإمام .

ويستدلون على ذلك بهذا الحديث ، وبعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب )

هذه مجمل أقوال العلماء في مسألة قراءة الفاتحة ، ولو استعرضنا الأدلة التي جاءت في قراءة الفاتحة من عدمها لتبين لنا فوائد أكثر وأكثر ، فهذا الحديث الذي معنا وهو حديث عبادة يستفاد منه ما يلي :

أن هذه الصلاة التي ثقلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي صلاة الصبح ، ومعلوم أن صلاة الصبح جهرية .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( إي ) حرف جواب ، بمعنى ( نعم ) كما قال عز وجل {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }يونس53 ، أي ( نعم وربي )

ومن الفوائد :

أن القاعدة في الأصول تقول [ إن الاستثناء معيار العموم ] ودليلها هذا الحديث ، فإنه لما استثنى الفاتحة دل على أن ما سوى الفاتحة لا يجوز أن يقرأ خلف الإمام إذا جهر ، ومن ثم فإن المأموم لو أتى والإمام يقرأ في الفاتحة ودخل معه فلا يقرأ دعاء الاستفتاح ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما استثنى في ذلك إلا قراءة الفاتحة .

ومن الفوائد :

أن سورة الفاتحة لها أسماء ، من بين أسمائها ( أم القرآن ) وسميت أم القرآن لأنها اشتملت على مقاصد القرآن ، ولذا نقل شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى عن بعض السلف أنه قال ( إني معاني الكتب السماوية موجودة في القرآن ، ومعاني القرآن موجودة في المفصل ، ومعاني المفصل موجودة في سورة الفاتحة ، ومعاني سورة الفاتحة موجودة في قوله تعالى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} )

فلها أسماء من بين أسمائها ( أم القرآن ) ودليل ذلك هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ) يدل على العموم ، لأن كلمة ( صلاة ) نكرة في سياق النفي ، لأن ( لا ) نافية ، فتعم أي صلاة ، سواء كانت سرية أو جهرية .

ومن الفوائد :

أن ( مَن ) في قوله ( لِمَن ) اسم موصول ،  والأسماء الموصولة تفيد العموم، فيدخل في ذلك كل مصلي ، وهذا دليل من قال إنه ركن في حق الجميع .

لكن من يرى أن قراءة الفاتحة ليست واجبة ، يقولون إن النفي هنا نفي للكمال ، كقوله صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة بحضرة طعام ) فإن من صلى بحضرة طعام فالصحيح صحة الصلاة ، هذا إذا كان الطعام يشتهيه ، فيقولون إن النفي للكمال ، ونحن نقول إن النفي الوارد له ثلاثة مراتب :

المرتبة الأولى أن يكون نفيا للوجود  ، وهذا لا يدخل معنا هنا لأن الصلاة موجودة .

المرتبة الثانية : نفي صحة ، وهذا هو المراد هنا ، فإذا تعذر حمل النفي على المرتبة الثانية ، حمل على المرتبة الثالثة وهي نفي الكمال ، بمعنى أن الصلاة صحيحة لكنها ناقصة .

هذا هو الأصل في النفي .

ومن الفوائد :

أن الحديث نص على القراءة ، والقراءة هي تحريك الشفتين مع اللسان ، أما إذا قرأ بقلبه واستحضر القراءة بقلبه دون أن تتحرك شفتاه ولسانه فإن قراءته ليست صحيحة لأنه لم يقرأ ،ولكن هل يشترط أن يسمع نفسه بالقراءة ، يمكن أن يقرأ الإنسان ويحرك شفتيه ولسانه دون أن يسمع نفسه ، أم لابد أن يسمع نفسه ، هو ما أسمع غيره أسمع نفسه ؟

الصواب أن هذا لا يشترط لأن الحديث لم يدل عليه ، إنما نص الحديث على القراءة .

ولذا قال عز وجل في الحديث القدسي ( وأنا معه ما تحركت شفتاه بي )

باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة

حديث رقم- 312-

( صحيح ) حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن بن شهاب عن بن أكيمة الليثي عن أبي هريرة :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم أنفا ؟ فقال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول مالي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

أن هذا الحديث فيه دليل لمن قال إن قراءة الفاتحة لا تقرأ في الصلاة الجهرية ، لقوله ( فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا الحديث عمدة شيخ الإسلام فيما ذهب إليه ، ولكن الجواب عن هذا الحديث :

أن قوله ( فانتهى الناس ) إلى آخره ، ذكر الحفاظ أن هذا مدرج من قول الزهري رحمه الله ، وليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من قول أصحابه ، فهو مدرج أدرجه ابن شهاب الزهري رحمه الله ، ثم إن المنازعة لا تكون إلا في رفع المأموم صوته ، فلا يدل على نفي قراءة سورة الفاتحة إذا قرأ الإنسان في السر أثناء جهر الإمام ، فالمنازعة تدل على أن هناك من ينازع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة فيجهر النبي صلى الله عليه وسلم ويجهر هو فتحصل المنازعة وليس فيه دليل على نفي القراءة في السر إذا قرأ الإمام في حال الجهر ، ولذلك قال ( ما لي أنازع ) ولذلك في صلاة الظهر لما قرأ بسبح قال ( من ذا الذي خالجنيها ) يعني رفع صوته ، فالمخالجة والمنازعة إنما تدل على أن المأموم جهر بالقراءة خلف الإمام فنازع الإمام ، ولذلك في صحيح مسلم لما قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه ( أأقرأها والإمام يجهر ؟ قال اقرأ بها في نفسك ) فأمره أن يقرأ بسورة الفاتحة في نفسه دون أن يجهر )

وهناك من العلماء من يرى أن قراءة الفاتحة تكون حال سكتات الإمام ، وقد أوردوا في ذلك حديثا لكنه ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ في سكتات الإمام ، وإن كان هذا الحديث ضعيفا ، لكن هناك آثار من الصحابة تدل على ذلك ، ولا شك في أن المأموم إذا تيسر له أن يقرأ خلف إمامه في سكتاته فحسن ، لكن إن لم يتيسر هل نقول إن قراءة الفاتحة تسقط عنه ، النزاع موجود ولكن الصواب أنها لا تسقط عنه لعموم الأحاديث التي مرت معنا ولقول أبي هريرة رضي الله عنه ( اقرأ بها في نفسك )

ولذلك راوي هذا الحديث أبو هريرة رضي الله عنه وهو الذي أمر أن يقرأ بسورة الفاتحة في النفس ، فهو أعلم بما روى ، ومما يؤكد ما ذهب إليه أبو هريرة رضي الله عنه من أن سورة الفاتحة تقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية : أن رجلا سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قراءتها خلف الإمام ؟

فقال الرجل ( أأقرأها وهو يجهر ؟ قال نعم ، قال ولو كنتَ الإمام ؟ قال نعم وإن كنتُ ) فهذا أيضا رأي لعمر وفتوى منه رضي الله عنه .

اقرأ ما قاله الترمذي رحمه الله :

قال رحمه الله :

قال أبو عيسى هذا حديث حسن وبن أكيمة الليثي اسمه عمارة ويقال عمرو بن أكيمة وروى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث وذكروا هذا الحرف قال قال الزهري فانتهى الناس عن القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج غير تمام فقال له حامل الحديث إني أكون أحيانا وراء الإمام قال اقرأ بها في نفسك وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب واختار أكثر أصحاب الحديث أن لا يقرأ الرجل إذا جهر الإمام بالقراءة وقالوا يتتبع سكتات الإمام وقد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم القراءة خلف الإمام وبه يقول مالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال أنا اقرأ خلف الإمام والناس يقرؤون إلا قوما من الكوفيين وأرى أن من لم يقرأ صلاته جائزة وشدد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام فقالوا لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام وذهبوا إلى ما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عبادة بن الصامت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلف الإمام وتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وبه يقول الشافعي وإسحاق وغيرهما واما أحمد بن حنبل فقال معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إذا كان وحده واحتج بحديث جابر بن عبد الله حيث قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام قال أحمد بن حنبل فهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أن هذا إذا كان وحده واختار أحمد مع هذا القراءة خلف الإمام وإن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام )

مجمل ما ذكره الترمذي رحمه الله يدل على أن قوله ( فانتهى الناس ) إلى آخره ، أنه من قول الزهري كما نص على ذلك وكذلك نفهم منه أن جماهير الصحابة والتابعين يرون القراءة خلف الإمام .

ونفهم منه أن الإمام أحمد رحمه الله تأول حديث ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ) قال إذا صلى وحده ، ولا شك أن هذا تقييد للحديث بغير دليل ، وقد استدل رحمه الله بحديث جابر رضي الله عنه ( من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام )

فالجواب عن هذا :

أن هناك بعض الأحاديث رواها جابر تدل على أن المأموم قرأ خلف الإمام ، وليس في حديث جابر أن ذلك في الصلاة الجهرية ، فهو عام في الجهرية والسرية ، وقد روى رضي الله عنه حديثا في الصلاة السرية يقرأ فيها الإمام .

ونفهم من قول الزهري رحمه الله ( فانتهى الناس ) لو قيل إن الأصل هو عدم الإدراج ، لماذا نقول هو مدرج ؟

لا شك أن الأصل هو عدم الإدراج ، الأصل أن الجمل إذا جاءت في الحديث هي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى افتراض أن هذا ليس بإدراج ، فنقول نوفق بين الأحاديث فنقول ( فانتهى الناس ) هذا فيما سوى الفاتحة ، أما الفاتحة فحديث عبادة دل على أنها تقرأ خلف الإمام .

حديث رقم – 313-

( صحيح موقوف ) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :   من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام  )

هذا موقوف على جابر رضي الله عنه وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو قيل إن جابر يرى عدم القراءة خلف الإمام ، فهذا رأي له ، لكن جماهير الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين يرون القراءة خلف الإمام .

وحتى يتم الحديث عن هذه المسألة نذكر بعض الأدلة :

أولا : قول الله عز وجل {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204

هذا الدليل يستدل به من قال بعدم قراءة المأموم خلف الإمام إذا قرأ .

فيقال : إن هذه الآية فيها أقوال ، فبعض المفسرين يرى أنها عامة في الصلاة وخارج الصلاة ، فمتى قرأ القرآن يجب أن يستمع وأن ينصت إلى القارئ .

وقال بعض المفسرين : إن هذه الآية مخصوص بها من قرأ خلف الإمام حال الجهر ، فتكون في الصلاة فقط .

وقال بعض المفسرين : إن هذه الآية في تحريم الكلام أثناء الصلاة ، فقد كان الكلام مباحا أول الإسلام فنزلت هذه الآية تأمرهم بأن يدعوا الكلام .

وقال بعض المفسرين : إن هذه الآية حال الخطبة ، فواجب على من حضر الخطبة أن يستمع إليها وأن ينصت .

وقال بعض المفسرين – وهو قول قوي ذكره الرازي رحمه الله – قال إن هذه الآية ليست في سياق المؤمنين ، وإنما هو خطاب للمشركين ، لأن الله عز وجل وضح قبلها فقال عن القرآن { هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف203 ، ثم ماذا قال بعدها ؟ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204 ، هو أثبت قبلها أن هذا القرآن رحمة للمؤمنين ، فكيف يقول استمعوا وأنصتوا حتى تنالكم الرحمة وقد أثبت الرحمة لهم قبل ذلك ؟

ومما يدل على أنها في سياق الكفار ما جاء قبلها {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف203 ، ولاسيما أن الله عز وجل قد ذكر عنهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26 .

وعلى كل حال حتى لو قيل إنها في سياق الكفار ، فإن المسلمين داخلون في حكم هذه الآية ،فمتى ما قرئ القرآن يجب الإنصات والاستماع .

ومن باب التنزل لو قيل إن هذه الآية في الصلاة ، فلا يقرأ المأموم إذا قرأ الإمام ؟

فنقول هذه الآية أمرت بالاستماع والإنصات إذا قرئ القرآن فيما سوى الفاتحة ، لأن هذا عام استثني من هذا العام الفاتحة بحديث خاص وهو حديث عبادة .

هناك دليل آخر :

وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم ( وإذا قرأ الإمام فأنصتوا ) هذه الجملة ضعفها بعض المحدثين، ولكن الصواب كما قال ابن حجر إن هذه الجملة صحيحة وتحمل على ما سوى الفاتحة .

دليل آخر :

وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث جابر ( من كان له إمام فقراءته له قراءة )

فهذا الحديث يدل على أن قراءة الإمام تعد قراءة للمأموم .

فيجاب  : بأن هذا الحديث ضعيف عند كثير من الحفاظ ، ولو اعتبرنا صحته لقلنا إنه يشمل العموم سواء في السرية أو في الجهرية ، لأنه قال ( من كان له إمام فقراءته له قراءة )

ولو قلنا من باب التنزل إن هذا الحديث في الصلاة الجهرية ، فنقول نخرج منه الفاتحة للأحاديث الأخرى .

ولكن  بقي رأي يعكر علينا هذه المسألة ، وهو رأي من قال إن من قرأ الفاتحة ولو في ركعة واحدة فإنها كافية ، للإطلاق ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ) فيصدق عليه أنه قرأ لو قرأها مرة واحدة .

فالجواب عن هذا أن يقال : إن حديث جابر الموقوف عليه يضعف إلى حد ما ما ذهبوا إليه ، لأنه نص على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، ومما يضعف هذا القول جملة وتفصيلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته ( وافعل ذلك في صلاتك كلها ) لما ذكر له الواجبات والأركان ، ومما ورد عند أبي داود ( أمره صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بأم الكتاب )

فنخلص من هذا إلى أن القول القريب من الصواب أن المأموم يقرأ خلف إمامه سورة الفاتحة ولو كان يقرأ الإمام ، أما ما عدا الفاتحة فيحرم عليه ، لا دعاء استفتاح ولا سورة أخرى ولكن هل مما ينبغي للإمام أن يدع فرصة بعد قوله ( { وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ) أن يدع فرصة من الزمن لكي يتمكن المأموم من القراءة ؟

قولان ، بعضهم قال بالاستحباب وهو قول الشافعية ، وقد جاء حديث عند أبي داود ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد قراءة الفاتحة ) وهذا الحديث يحسنه النووي رحمه الله ويرى هذا القول كما في شرحه لصحيح مسلم .

ولكن الصواب أن كثيرا من المحدثين يرون ضعف هذا الحديث .

فلا يدع الإمام وقتا محددا لقراءة سورة الفاتحة ، يسكت لكن لا يتعمد أن يدع هذه السكتة بطول قراءة سورة الفاتحة .