الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام
حديث رقم – 317-
( صحيح ) حدثنا بن أبي عمر وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )
من الفوائد :
هذا الحديث طعن فيه بعض العلماء ، فقال بعضهم إنه مرسل ، ومعلوم أن المرسل من غير الصحابي لا يكون صحيحا منسوبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذا ضعفه بعض العلماء ، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله ” من ضعفه لم يتتبع طرقه ” ولو وقف على طرقه لصححه .
وهذا الحديث روي مرسلا وروي موصولا ، والحديث إذا روي مرسلا من وجه وروي موصولا من وجه آخر ، هنا يتعارض المرسل والموصول فيقدم صاحب الوصل على صاحب الإرسال ، لأن صاحب الوصل معه زيادة علم ، فهو بمثابة زيادة الثقة ، وزيادة الثقة مقبولة ، فلا مطعن لأحد في هذا الحديث ، مع العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ) ذكرها منها ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) فهذه الجملة في الصحيحين ، وإنما زيادة الاستثناء وهي جملة ( إلا المقبرة والحمام ) هذه هي محل التصحيح والتضعيف عند العلماء .
ومن الفوائد :
أن من مزايا هذه الأمة أن الصلاة إذا حضرت يصلون في أي مكان ، ما عدا المقبرة والحمام ، خلافا للأمم السالفة ، فإن صلاتهم لا تصح منهم إلا إذا أدوها في معابدهم ، فوسَّع الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ، فما أدركت الصلاة أحداً منهم ( فعنده مسجده وطهوره )
ومن الفوائد :
أن المكان الذي يصلى فيه يسمى مسجدا ولو لم يكن مبنيا أو محاطا بجدران ، فدل هذا على ماذا ؟
دل على أن من فعل العبادة لله مخلصا بها وجه الله ولكنه أداها في المقبرة يكون قد اتخذ المقابر مساجد .
ومن الفوائد :
أن الأرض بأي صفة كانت وعلى أي حالة كانت فإن الصلاة فيها صحيحة ، ما لم تكن نجسة ، وما لم تكن مقبرة أو حماما ، وقد جاء عند ابن ماجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الصلاة في سبع مواطن ) ولكنه حديث ضعيف ، ذكر منها ( المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وظهر الكعبة والمقبرة والحمام ) وسيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في سنن ابن ماجه .
إذاً متى ما صلى على الأرض دون ما استثني فإن صلاته صحيحة ، فإن صلى على زرع وهو ما يسمى ( بالثَّيِّل ) فصلاته صحيحة شريطة أن ينضغط هذا الزرع أثناء السجود ، ولذا قال الفقهاء لو سجد على قطن فانضغط وانكبس إلى الأرض فإن سجوده صحيح ، لأنه يكون بذلك مستقرا ، ولذلك يشترطون في صحة السجود على الشيء أن يستقر به هذا الشيء ، فإذا لم ينضغط فإنه غير مستقر ، وسيأتينا إن شاء الله في شرح دليل الطالب توضيح لهذا .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكد العموم لقوله ( كلها ) مع أنه لو لم يأت بكلمة ( كلها ) لأفادت العموم ، وإنما ذكر ذلك من باب التأكيد .
ومن الفوائد :
الصلاة في المقبرة محرمة ، وهل تصح صلاته أم لا ؟
نقول : بعض العلماء لا يرى صحة جملة الاستثناء ، فيقول تصح الصلاة في المقبرة .
وبعض العلماء كره الصلاة في المقبرة .
وبعض العلماء حرمها ، والصواب التحريم لهذا الحديث .
وهل تصح صلاته أم لا ؟
خلاف بناء على الخلاف السابق ، والصواب أنها لا تصح .
وبعض العلماء صحح جملة الاستثناء وقال إذا صلى في المقبرة في مكان طاهر ليس به صديد ولا آثار للموتى فصلاته صحيحة ، لأنه يرى الصديد والدم نجس ، فنظر إلى هذه العلة .
والصواب أن الصلاة في المقبرة في أي مكان كان محرمة ولا تصح ، لأن العلة من تحريم الصلاة في المقابر ليست النجاسة وإنما لأنها وسيلة من وسائل الشرك ، فإنه في هذه الحال صلى لله مخلصا بها وجه الله ، ويمكن أن يأتي إليه الشيطان فيصرف هذه الصلاة إلى أهل القبور، ولذلك في صحيح مسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تصلوا إلى القبور ) يعني إذا صليت لا يكن القبر أمامك .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم فقال ( إلا المقبرة ) فعم أي مقبرة ، فلو كانت مقابر كفار فكذلك لا تصح ويكون صاحبها آثما ، لو كانت مقابر مسلمين فكذلك ، لو كان بها قبر أو قبران أو ثلاثة فكذلك .
وإذا كانت هناك مقبرة ولكن لم يدفن بها أحد وإنما هيئت وبنيت لكي تكون مقبرة ولكن لم يدفن فيها أحد فالصلاة صحيحة ، لأننا لا ننظر إلى البناء وإنما ننظر إلى من هو داخل هذا البناء .
وبعض العلماء يتسامح في القبر والقبرين والثلاثة ، لم ؟
قالوا لأن المسجد النبوي قد دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
والصواب : أن المقبرة لو كانت بها قبر واحد فإن الصلاة فيها محرمة ولا تصح .
إذاً كيف الجواب عما ذكروه ؟
الجواب : أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم يدفنوا في المسجد النبوي ، وإنما دفنوا في حجرة عائشة رضي الله عنها ، فلما حصلت التوسعة من قبل خلفاء بني أمية وسعوا المسجد النبوي من جهة الشرق فدخلت حجرة عائشة في المسجد النبوي ، وهذه التوسعة لم تكن مرضية من قِبل الصحابة آنذاك ولا من قبل كثير من التابعين ، ولكن السلطة التنفيذية أدخلت الحجرة في المسجد .
ومن الفوائد :
أن الصلاة في الحمام اختلف فيها ، فبعضهم أجازها وصححها إذا كان هذا الحمام طاهرا .
وبعض العلماء حرمها ولم يصححوها لهذا الحديث .
والحمام : هو الموضع الذي يعد للاستحمام بالماء حارا ، ثم أطلق على أي حمام يتخذ للاغتسال ، سواء كان الماء الحار أو لم يكن ، فلو صلى في الحمام فإن صلاته باطلة وهو آثم ، فيكون بيت الخلاء من باب أولى ، فالمكان المعد لقضاء الحاجة يكون من باب أولى ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في السنن ( إن هذه الحشوش محتضرة ) يعني تحضرها الشياطين ، ومعلوم أن الحمامات تحضرها الشياطين لأن فيها كشفا للعورات .
ومن الفوائد :
أن ذكر الحمام يدل على أن الحمامات كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أن بعض العلماء يقول إنها لم تكون موجودة ، وإنما هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم لوجود حمامات تكون لهذه الأمة ، لأنها كثيرة في بلاد الشام لحاجتهم إليها ، لأن بلادهم باردة ، ومعلوم أن بلاد الشام لم تفتح في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون هذا باعتبار ما سيكون من حال هذه الأمة.
ومن الفوائد :
وهل يجوز دخوله أم لا ؟
من أهل العلم من منع ذلك ، وقال شيخ الإسلام رحمه الله يختلف باختلاف الأحوال والبلدان ، فلا تحريم ولا كراهة في دخوله – والمراد الدخول وليس الصلاة – فلا تحريم ولا كراهة في دخوله إذا كان محتاجا لذلك ويسلم من كشف العورات ، لأنهم كانوا في القدم يدخلون أفواجا أفواجا، فلربما تهاونوا في ستر عوراتهم ، فقال رحمه الله إذا لم يكن هناك كشف للعورات وكانت هناك حاجة مثل الأماكن الباردة – لأنه رحمه الله كان من تلك الديار – فيقول لا تحريم ولا كراهة .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال : إن كل حديث ورد في ذكر الحمام فهو حديث لا يصح ، وقوله يرد بهذا الحديث وبحديث آخر ( اتقوا بيتا يقال له الحمام ) مع أن هذا الحديث اختلفوا في ثبوته من عدم ثبوته ، لكن هناك من المحدثين من صححه .
ومن الفوائد :
أن المقبرة مثلثة الباء ، بمعنى أن حركة الضمة والفتحة والكسرة تكون عليها ، يكون مخيرا بين أن يقول ( المقبَرة ) أو ( المقبُرة ) أو ( المقبِرة ) فهي مثلثة .
ومن الفوائد :
لو قال قائل : إن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبنى كان موضعا لقبور المشركين فما الجواب ؟
الجواب عن هذا : أن هذه القبور لم تكن موجودة أثناء البناء ،وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبشها وتطهير مكانها ثم بني مسجده صلى الله عليه وسلم ، فلا شبهة هنا .
ومن ثم فإنه لو وجد مكان قد دفن فيه مشركون واحتيج إليه لبناء مسجد أو ما شابه ذلك فإنه لا حرمة لهم ولا قدر ، فينبشون ويرمون في مكان آخر .
وأما إذا اضطروا إلى قبور المسلمين فإنه لا ضرورة ، فيبحثون عن مكان آخر ، لأن هذا المكان مكان هؤلاء المسلمين ، فلا يجوز التعرض له ، فلو احتاجوا إلى طريق يمر مع هذه المقبرة أو في وسطها أو ما شابه ذلك من هذه الأشياء ، فإن هذه أفنيتهم وبيوتهم وقد سبقوا غيرهم إليها ولو طال الزمن .
، اللهم إلا إذا لم يبق منهم شيء بتاتا ، فهذا للرأي فيه مجال ونظر ، وإلا فالأصل أن هؤلاء المقبورين من المسلمين هم أحق بهذا المكان وأولى من غيرهم ، وأما بالنسبة إلى أبدانهم فقد قال عليه الصلاة والسلام ( كسر عظم الميت ككسر عظمه وهو حي )
اللهم إلا إذا كان هؤلاء المقبورون من المسلمين قد دفنوا في بيت مخصوص – يعني ليس مشاعا – فإنهم يؤخذون ويوضعون في قبور المسلمين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ) وهذا يشمل الدفن فيها ، ويشمل عدم الصلاة فيها )
سؤال : الحمامات التي تكون في الصالات الرياضية ؟
الجواب :
لو أن إنسانا حبس في هذه الحمامات التي تكون في الصالات الرياضية ، وحضرت الصلاة هنا تصدق عليه هذه المسألة .