ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب في إسباغ الوضوء
حديث رقم – 51-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»)
من الفوائد :
أن هناك من الأعمال ما يمحو الله سبحانه وتعالى به الخطايا ويرفع به الدرجات ، ومن ضمن ذلك ( إسباغ الوضوء على المكاره )
والمكاره : هي كلمة شاملة لكل ما يشق الإنسان ، سواء كان هذا الماء يشق عليه في فضل الصيف أو في فصل الشتاء ، أو كان يشق عليه ثمنه أو تحصيله والبحث عنه ، فهي كلمة شاملة .
ومن الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المسجد البعيد أفضل لأنه تكثر به الخطى ويتحصل على الدرجات .
ومن الفوائد :
أن هذا العمل المذكور في الحديث يعد رباطا ، فمن لم يتيسر له الرباط المعروف وهو حفظ حدود المسلمين من الأعداء فعليه بهذه الأعمال .
وقال بعض العلماء : إن هذه الأعمال هي الرباط حقيقة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المجاهد من جاهد نفسه ) فإنه لا يتمكن من الرباط الذي هو الجهاد إلا إذا ربط نفسه بهذه الأعمال .
وقال بعض العلماء : إن المقصود من الرباط في هذا الحديث أنها تربط صاحبها عن الوقوع فيما حرم الله عز وجل ، فمن واظب على هذه الأشياء فهي كفيلة بإذن الله في منعه عن الوقوع فيما حرم الله عز وجل .
حديث رقم -52-
( صحيح )
( وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ العَلَاءِ، نَحْوَهُ، وقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: «فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» ثَلَاثًا)
من الفوائد :
كرر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة ( الرباط ) من باب التأكيد على أهمية هذا الأمر .
وقال بعض العلماء : من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه ، فتكرارها يدل على فضل هذه الأعمال .
بَابُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ
حديث رقم – 53-
( ضعيف )
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الوُضُوءِ»)
من الفوائد :
هذا الحديث اختلف العلماء بسببه في حكم استخدام المنديل بعد الوضوء أو بعد الغسل .
فبعض العلماء منعه باعتبار أن الماء هو عبارة عن تطهير العبد من الذنوب ، وأن الماء أثر من آثار العبادة فلا ينبغي له أن يزيله .
وبعض العلماء أجازه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتته زوجته بالمنديل رفضه وجعل ينفض يديه ، فالنفض شبيه بالتنشيف .
وأما رده عليه الصلاة والسلام لأنه إما أن يكون مستعجلا عليه الصلاة والسلام ، وإما أن يكون هناك شيء بالمنديل منعه من أن يتمسح به .
بل قالوا إن إتيانها بالمنديل يدل على أن عادته جرت بالتمندل الذي هو التنشيف.
والصواب :
أنه جائز ، فمن فعله فلا تثريب عليه ومن تركه فلا تثريب عليه .
حديث رقم – 54-
( ضعيف الإسناد )
( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ»)
من الفوائد :
هذا يؤكد ما ذهب إليه العلماء الذين قالوا بجواز التنشيف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه كما أسلفنا ضعيف ، لكن الأصل الجواز .
بَابُ مَا يُقَالُ بَعْدَ الوُضُوءِ
حديث رقم – 55-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الثَّعْلَبِيُّ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ” )
ومن الفوائد :
هذا الحديث عند مسلم إلا جملة ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) فهذه الجملة موضع خلاف بين المحدثين ، والصواب ثبوتها .
ومن الفوائد :
أن مناسبة ذكر هذا الذكر بعد الوضوء لأن العبد لما نظف أعضاءه الحسية الظاهرية من الأوساخ والأدران ، ناسب أن يأتي بهذا الذكر الذي ينظف الباطن وينظف القلب .
ومن الفوائد :
أن أبواب الجنة تفتح له ، قال العلماء” تكريما له ” لكن الدخول يكون من باب واحد .
ولا يتعارض هذا مع ما جاء في فضل أبي بكر رضي الله عنه ، لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة كما في صحيح البخاري وغيره ، قال : ( يا رسول الله ما على أحد دخل من هذه الأبواب من ضرورة ، فهل يدخل أحد من هذه الأبواب كلها ؟ قال نعم وأرجو أن تكون أنت يا أبا بكر ) فإن أبا بكر رضي الله عنه يمتاز عمن قال هذا الذكر ، فإن من قال هذا الذكر تفتح له الأبواب تكريما له ، بينما أبو بكر رضي الله عنه تدعوه خزنة كل باب هلم ، ففرق بين أن تفتح وفرق بين أن تفتح وتدعوه الخزنة أن يدخل منها .
بَابُ الوُضُوءِ بِالمُدِّ
حديث رقم -56-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَعَليُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، عَنْ سَفِينَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ»)
من الفوائد :
هذا الحديث سبق معنا في السنن الأخرى ، لكن ” سفينة ” أحد الصحابة واسمه مهران ، وقيل غير ذلك ، وأطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف لأنه لما رآه يحمل أمتعة قال : ( ما أنت إلا سفينة ) فيقول لو حملوني ما تحمله سبعة أبعرة لأطقت ذلك ، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الصحابي رضي الله عنه قد جرت له قصة مع أسد ، فإنه تاه في غابة فالتقى به الأسد ، فمن كرامات الله عز وجل به ، أن هذا الأسد لم يضره وإنما دلَّه على الطريق .
بَابُ كَرَاهِيَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ
حديث رقم – 57-
( ضعيف الإسناد )
( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ الحَسَنِ، عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا، يُقَالُ لَهُ: الوَلَهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ المَاءِ “)
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ، ولذلك يقال الشنقيطي رحمه الله ” لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في تسمية الشياطين إلا واحد هو خنزب ” الذي يأتي إلى المصلي .
ولو صح هذا الحديث فإنه مأخوذ من الوله ، لأن الشيطان إذا أدخل ابن آدم في الوسوسة جعله بمثابة التائه ، الذي غاب عقله ، فيغسل العضو فيظن أنه لم يغسله ، يرى الماء يتقاطر وينزل بكثرة ويرى أنه لم يتطهر .
بَابُ الوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
حديث – 58-
( ضعيف )
( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ»، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا )
من الفوائد :
هذا الحديث فيه ضعف ، لكنه يفيد ما تدل عليه الأحاديث الأخرى من أن من اقتصر على وضوء واحد في صلوات متعددة أنه لا بأس بذلك ، فمن فعل فتوضأ لكل صلاة كما مر معنا في سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فذلك حسن ، ولمن لم يستطع أن يتوضأ لكل صلاة فليفعل بما مر معنا في سنن أبي داود وهو “السواك ” .
حديث رقم – 59-
( ضعيف )
(وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ» )
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ، ولو صح لكان مكتوبا له أجر عشر حسنات ، لكنه حديث غير صحيح ، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله ” إن الوضوء على الوضوء من غير أن تكون هناك عبادة بهذا الوضوء الأول بدعة “
فلا يتوضأ على وضوء سابق مجردا – كلا .
حديث رقم – 60-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأنْصَارِيِّ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»، قُلْتُ: فَأَنْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ» )
من الفوائد :
هذا الحديث يؤكد ما قررناه في الحديث السابق .
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
حديث رقم -61-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ فَعَلْتَهُ، قَالَ: «عَمْدًا فَعَلْتُهُ» )
من الفوائد :
دل هذا الحديث على أن الوضوء لكل صلاة أفضل ، وأن العادة المتبعة عند النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ لكل صلاة ، لكنه فعل عام الفتح هذا الأمر لأن هناك زيادة ( ومسح على خفيه ) فبعضهم أرجع الضمير إلى الأمرين ، فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين وصلى الصلوات كلها بوضوء واحد .
وبعضهم قال : إن الضمير عائد إلى أنه جمع الصلوات كلها بوضوء واحد ، لأننا لو أرجعنا الضمير إلى المسح على الخفين لفهم منه أنه لم يكن يمسح من قبل ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح قبل عام الفتح .
ومن الفوائد :
أن طالب العلم إذا رأى على أحد من العلماء شيئا مستغربا لم تكن عادته جرت بذلك أن يسأل ، فعمر رضي الله عنه لما رأى خلاف ما كان يراه من النبي صلى الله عليه وسلم سأل .
بَابٌ فِي وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ
حديث رقم – 62-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ» )
من الفوائد :
هذا الحديث أوضح ما كان مبهما في سنن أبي داود ، من أن هذه المرأة التي اغتسلت من جفنة هي ميمونة رضي الله عنها
وتدل على ذلك روايات أخرى .
بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ فَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ
حديث رقم -63-
( صحيح )
( حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَاجِبٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ» )
من الفوائد :
هذا الحديث مر معنا بالأمس في سنن أبي داود ، والمقصود من ذلك أن المرأة تخلو بالماء فيبقى منها فضلة فيتوضأ بذلك الرجل ، ولذلك بعض العلماء لما أتى هذا الحديث مقتصرا على نهي الرجل عن الطهور بما فضل من المرأة ، خصص الحكم فيما يتعلق بالمرأة ولم يدرج المرأة مع الرجل ، وقد أتت أحاديث أدرجت المرأة الرجل .
حديث رقم – 64-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا حَاجِبٍ يُحَدِّثُ، عَنْ الحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ – أَوْ قَالَ: بِسُؤْرِهَا – “)
من الفوائد :
أن ( السؤر ) هو البقية ، وهذا يرد على ما جنح إليه أبو داود رحمه الله من أن النهي إذا اغترفا جميعا ، فإن لفظة بسؤرها ، تدل على البقية ،أي ما بقي منها .
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ
حديث رقم – 65-
( صحيح )
( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَفْنَةٍ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ» )
من الفوائد :
أن هذه المرأة هي ميمونة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( لا يُجْنب ) ويصح ( لا يَجنب ) .
ومن الفوائد :
أن استخدام ما بقي من ماء المرأة جائز ، والنهي للكراهة .
وبعض العلماء حمل النهي : أن يستخدم الرجل ما نزل من أعضاء المرأة من ماء .
والصواب :
أن النهي يحمل على الكراهة ، ولكن ما العلة ؟
بحثتُ طويلا في البحث عن العلة ، لماذا نهي ؟ فلم أجد كلاما للعلماء في هذه المسألة ، اللهم إلا أن الشيخ ابن قاسم رحمه الله في الروض قال ” إن هذا الأمر تعبدي ” مع الإقرار والاعتقاد بأن أحكام الشرع لا تخلو من مصلحة ولا تخلو من حكمة ، لكن قد نجهلها ، فإذا جهلناها فنقول إن الحكم تعبدي ، بمعنى أنك تتعبد لله سبحانه وتعالى بفعل هذا الأمر أو بترك هذا الأمر .
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ
حديث رقم – 66-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الحِيَضُ، وَلُحُومُ الكِلَابِ، وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يقرر ما ذهب إليه شيخ الإسلام وغيره من أن الماء قل أم كثر إذا وقعت فيه نجاسة فإنه لا يتغير إلا إذا تغير أحد أوصافه ” إما اللون وإما الريح وإما الطعم “
ومن الفوائد :
أن بعض الظاهرية ذهب إلى أن الماء لا ينجسه شيء حتى ولو تغيرت أوصافه ، والصواب ما ذكرنا ، وهذا هو رأي جماهير العلماء ، لأنه إذا تغيرت أحد أوصافه فإن الماء ينجس .
ومن الفوائد :
أن المشهور أن يقال ( بئر بُضاعة ) ويمكن أن تكسر تقول ( بِضاعة ) وبعضهم أتى بالصاد ، قال ( بصاعة ) ولكن المشهور ما ذكر من ضم الباء ( بُضاعة ) .
بَابُ مِنْهُ آخَرُ
حديث رقم – 67-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ المَاءِ يَكُونُ فِي الفَلَاةِ مِنَ الأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ» )
من الفوائد :
أن الماء الذي يكون في الصحراء وتنوبه السباع والدواب أفاد بأنه إذا كان قلتين فأكثر أنه لا ينجس .
ومن الفوائد :
أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس ولو لم تتغير أوصافه بوقوع النجاسة فيه ، فبمجرد وقوع النجاسة في الماء الذي دون القلتين فإنه يكون نجسا .
والصواب / ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من أن هذا الحديث دلالته دلالة مفهوم ، وأما حديث بئر بضاعة دلالته دلالة منطوق ، والمنطوق مقدم على المفهوم .
ولذلك لو كان الماء قلتين فأكثر فتغيرت أوصافه فيقولون بنجاسته ، فلماذا يفرق بين هذا وهذا ؟
ومن الفوائد :
أنه قد جاء في بعض الروايات أنها محددة ( بقلال هجر ) ولكن الحديث الوارد في ذلك ضعيف .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أن السباع نجسة ، لأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الماء الذي تنوبه السباع .
ولكن ما عليه أكثر العلماء أن آسارها أي ما بقي منها ليس بنجس ، لأنه جاء عند ابن ماجه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن السباع ؟ قال لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر ) يعني ما بقي ( ولنا ما غبر طهور ) .
بَابُ كَرَاهِيَةِ البَوْلِ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ
حديث رقم -68-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» )
من الفوائد :
أن النهي للكراهة كما بوب عليه الترمذي رحمه الله .
ولكن الصواب أن النهي إذا أطلق يكون للتحريم ، وقد مر معنا هذا الحديث .
بَابُ مَا جَاءَ فِي مَاءِ البَحْرِ أَنَّهُ طَهُورٌ
حديث رقم -69-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، ح، وحَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ، أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ» )
من الفوائد :
هذا الحديث مر معنا في سنن أبي داود ، لكن يزاد على ما سبق :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى أنهم جهلوا حكم هذا الماء ناسب أن يذكر ما كانوا يجهلونه من باب أولى وهو ميتة البحر ، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر المائع وهو المشروب ذكر المطعوم .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أن ما كانوا يتوهمونه بسبب أن تحت البحر نارا ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في سنن أبي داود وسيأتي معنا إن شاء الله ، ولكن الحديث الوارد فيه ضعيف .
بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْبَوْلِ
حديث رقم – 70-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ الأَعْمَشِ، قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: ” إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ “)
من الفوائد :
أخذ بعض العلماء بناء على رواية أنهما قبران هلكا في الجاهلية ، فقالوا إن هذين الرجلين كافران وليسا بمسلمين .
والصواب أنهما مسلمان ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات ( مر على قبرين رطبين ) فدل على أنهما حديثا عهد بالدفن ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع للكفار ، ولو كانت الشفاعة لكافرين لما كان في ذكر النميمة ولا لما كان في ذكر الاستتار من البول فائدة أعظم من فائدة ذكر الكفر .
ومن الفوائد :
أن الاستتار من البول لازم للإنسان ، ففرق بين الاستتار وبين التنزه ، فالاستتار أنه إذا أتى إلى مكان يتيقن أنه سيصيبه البول فعليه أن يبحث عن مكان آخر لا يرتد إليه هذا البول .
ومن الفوائد :
الرد على الشافعية الذين قالوا إن البول بجميع أنواعه نجس ، حتى بول ما يؤكل لحمه .
فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف البول إلى من ؟ إلى الإنسان ولم يعمم .
ومن الفوائد :
الاقتصار على النميمة ، مع أنه ورد في حديث صحيح أنه كان يمشي بالغيبة ، فدل على أن الأمر خطير في الغيبة وفي النميمة ، لأنه إذا نَمَّ سيقع لا محالة في الغيبة ، فلا تعارض بين الروايات .
وقد مر معنا هذا الحديث بفوائده .
بَابُ مَا جَاءَ فِي نَضْحِ بَوْلِ الغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَ
حديث رقم -71-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ «فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ»)
من الفوائد :
أن هناك نجاسة مخففة ، وهي ” بول الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام “
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث أخرج الأنثى بجميع أحوالها ، وأخرج غائط الطفل الصغير، فيكون حكم الرش مقتصرا على بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، فنجاسته نجاسة مخففة يكتفى فيها بالرش .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث يرد على الحنفية القائلين بأن بوله يغسل ولا يكتفى بالرش ، لأن الرش قد يطلق في الأحاديث ويراد منه الغسل .
والصواب :
أنه يكتفى فيه بالرش ، لكنه الرش الذي يكون فيه ماء ، وهو صب الماء عليه ولا يلزم الفرك ، لورود روايات أخرى ( من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسله )
بَابُ مَا جَاءَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
حديث رقم -72-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، وَقَتَادَةُ، وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَاجْتَوَوْهَا، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ: «اشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»، فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، وَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ بِالحَرَّةِ “، قَالَ أَنَسٌ: «فَكُنْتُ أَرَى أَحَدَهُمْ يَكُدُّ الأَرْضَ بِفِيهِ، حَتَّى مَاتُوا»، وَرُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: «يَكْدُمُ الأَرْضَ بِفِيهِ حَتَّى مَاتُوا»)
من الفوائد :
هذا الحديث بين أن هناك وفدا من عرينة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولكن لم يناسبهم جو المدينة ، فأصابهم داء في أجوافهم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من أبوال وألبان إبل الصدقة .
ومن الفوائد :
أن لألبان وأبوال الإبل التي تمشي في الصحراء قوة في العلاج بإذن الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن هؤلاء لما شربوا واستصحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخذوها ، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء فأتي بهم ففعل بهم مثل ما فعلوا بالراعي ، ولذلك جاء في روايات ( أنه أتى بمسامير قد أحمي عليها في النار ثم سمَّر ) وفي رواية ( سمَّل أعينهم )
وهؤلاء محاربون ، وهذا جزاء المحاربين .
ومن الفوائد :
أن شيخ الإسلام رحمه الله أخذ من هذا الحديث ومن قوله تعالى : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ }النحل126، من أن القصاص يكون بالمثل ، وأما حديث ( لا قَوَدَ إلا بالسيف ) فإنه حديث ضعيف .
لأن بعض العلماء يقول من قتل شخصا بأي آلة أو بأي طريقة كأن يقذفه على أسد أو أن يرضخ رأسه بصخرة ، أنه يقتل بالسيف فقط ، والصواب أنه يفعل به مثل ما فعل بالمقتول .
وبعض العلماء قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن المثلة ) فالنبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم وتركهم في الحرة يطلبون الماء ، حتى كان أحدهم ( يكد الأرض ) يعني يحرك الأرض بلسانه من العطش ، فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن المثلة ) ومع ذلك مثَّل بهؤلاء ، فقالوا إن هذا الحديث منسوخ .
والصواب / أنه ليس بمنسوخ وأنه باقي على حاله .
ومن الفوائد :
الرد على الشافعية الذين يقولون بأن أبوال الإبل نجسة ، والصواب عدم النجاسة، ولذلك قاس العلماء – وهم الجمهور – قاسوا ما كان مأكول اللحم على الإبل ، ولذلك يقولون :
[ كل ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه وقيئه طاهر ]
حديث رقم – 73-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ» )
من الفوائد :
نعم ، لما صنوا ما صنوا ، فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلوا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ مِنَ الرِّيحِ
حديث رقم – 74-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ»)
من الفوائد :
أن الخارج من السبيلين ناقض للوضوء .
ومن الفوائد :
أن اليقين مطلب في العبادة ، ولذلك أخذ العلماء من هذا الحديث ومن غيره كحديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن زيد [ أن اليقين لا يزول إلا بيقين ] و [ أن اليقين لا يزول بالشك ]
وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الريح والصوت ليقطع الشك ، وليس المراد أنه لابد أن يسمع صوتا ، لأنه قد يكون أصم ، وليس المراد أنه لابد أن يشم ريحا ، لأنه قد يكون أخشم لا يشم رائحة ، فالمقصود من ذلك اليقين .
ومن الفوائد :
الرد على من قال إن الريح إذا خرجت من قبل المرأة أو من ذكر الرجل أنه غير ناقضة للوضوء ، لأنه نادر أن يخرج ريح من الذكر أو من القبل .
والصواب :
أنها ناقضة للوضوء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم ، والقاعدة في أصول الفقه [ أن الصورة النادرة تدخل ضمن الحكم العام ]
ولذلك مثلوا بمثال ” لو أن عقربا قرصت رجلا فخرج منه مني بشهوة فيجب عليه الغسل ” مع أنه نادر ، فبما أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم فيبقى الحكم على ما هو عليه .
حديث رقم – 75-
( صحيح )
( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي المَسْجِدِ فَوَجَدَ رِيحًا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» )
ومن الفوائد :
هذا مثل الحديث السابق ، لكنه هنا نص على المسجد ، ولا يعني أن ما كان خارج المسجد لا يدخل ضمن هذا الحكم ، لأن الحديث السابق يؤكد على عموم الحال في الصلاة في المسجد وفي الصلاة خارج المسجد ، وهذه قاعدة مهمة جدا وهي [ اليقين لا يزول بالشك] فلو أن إنسانا شك هل طلق امرأته أم لم يطلقها فالأصل اليقين وهو بقاء النكاح .
لو أن امرأة شكت هل أرضعت فلانا أو لم ترضعه ؟ فالأصل عدم الرضاع ، وهلم جرا ، فهي قاعدة مهمة في جميع أبواب الفقه .
ومن ضمن القواعد التي أخذوها من هذا الحديث [ الأصل بقاء ما كان على ما كان ] .
وقاعدة [ لا عبرة بالتوهم ]
حديث رقم – 76-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» )
مر معنا هذا الحديث .
بَابُ الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ
حديث رقم 77-
( ضعيف )
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، وَهَنَّادٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، المَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ، حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ، قَالَ: «إِنَّ الوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» )
من الفوائد :
هذا الحديث مع ضعفه استدل به بعض العلماء على أن النوم غير ناقض للوضوء إلا إذا كان مضطجعا ، أما إذا كان متمكنا من مقعدته فنام وهو قاعد فإنه لا يؤثر على وضوئه ولو كان هذا النوم طويلا ، إنما المؤثر إذا نام مضطجعا .
ولكن هذا الحديث ضعيف ، ومن ثم ليس لهم حجة .
حديث رقم -78-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» )
ومن الفوائد :
استفاد من هذا الحديث بعض العلماء : أن النوم ليس بناقض للوضوء .
والصواب :
أن هذا النوم الحاصل منهم نوم يسير ، لأنه جاء في رواية ( حتى تخفق رؤوسهم ) فدل على أنه نوم يسير ، وجاء في رواية ( أنهم يضعون جنوبهم ) فهذه الرواية تدفع قول من قال إن النوم إذا كان مضطجعا ينقض الوضوء ، نقول إن الصحابة رضي الله عنهم ( كانوا يضعون جنوبهم )
بَابُ الوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ
حديث رقم – 79-
( حسن )
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا»)
من الفوائد:
هذا الحديث مر معنا طرف منه في سنن ابن ماجه ، في ( تعظيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم )
ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه ( إذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلا “)
ومن الفوائد :
أن ما أكل الإنسان مما مسته النار أن عليه الوضوء ، حتى ولو كان يسيرا ، ولذلك سأل ابن عباس رضي الله عنهما ( أنتوضأ من الدهن ؟ أنتوضأ من الحميم ؟ ) فدل على أن الإنسان مأمور بالوضوء مما مست النار إذا أكله أو شربه .
ولكن الأمر ليس أمرا واجبا على الصحيح ، إنما هو على سبيل الاستحباب .
ولذلك لو أن الإنسان كان على وضوء وشرب القهوة أو الشاي فيستحب في حقه أن يتوضأ ، ولكن ليس على سبيل الوجوب .
بَابٌ فِي تَرْكِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ
حديث رقم – 80-
( حسن صحيح )
( حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، سَمِعَ جَابِرًا، قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، فَأَكَلَ، وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ وَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَتْهُ بِعُلَالَةٍ مِنْ عُلَالَةِ الشَّاةِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»)
من الفوائد :
أن هذا الحديث استفاد منه بعض العلماء أن أكل لحم الجزور ليس بناقض للوضوء ، لأن لحم الجزور مما تمسه النار ، فيكون هذا الحديث ناسخا للأحاديث الآمرة بالوضوء مما أكل من لحم الجزور .
ولكن الصواب :
أن الأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور لكونه لحم جزور ، لا لكونه مسته النار، ولذلك لو أكله نيئا ، يعني غير مطبوخ فإن وضوءه ينتقض .
وهذا الحديث لا يدل على أن الحديث لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء من أكل لحم الجزور ، لما سيأتي معا من رواية ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ) لأن الأمر هنا في الحديث هو الشأن، يعني كان آخر حال النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ،فكونه عليه الصلاة والسلام يتوضأ في صلاة الظهر بعدما أكل لحم الشاة لا يدل على أنه توضأ من أجل أنه أكل شيئا مسته النار ، وإنما قد يكون توضأ للحدث .
ومن الفوائد :
أن تنوع الطعام لا بأس به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتي ( بقناع من رطب ) يعني بطبق من رطب فأكله منه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أكل من الشاة .
ومن الفوائد :
أن تتابع الأكل في وقت قصير ليس بمذموم إذا لم يخرج عن حدِّ الاعتدال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه الشاة ثم أكل من الرطب ثم صلى ثم عاد فأكل من الشاة .
ومن الفوائد :
أن ( العلالة ) هي بقية الشيء .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ لصلاة الظهر فهم جابر رضي الله عنه أن وضوءه صلى الله عليه وسلم مما مست النار ، ولما أكل بعد صلاة الظهر مما يتعلل به من هذه الشاة ولم يتوضأ فهم أن آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار .
نقول- لا – ربما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم الأول من أجل أن هناك حدثا آخر .
بَابُ الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ
حديث رقم – 81-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ؟ فَقَالَ: «لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا» )
من الفوائد :
هذا الحديث استدل به الإمام أحمد رحمه الله على أن أكل لحم الجزور ناقض للوضوء ، خلافا للجمهور الذين يرون أن حديث جابر رضي الله عنه ناسخ للأمر بالوضوء من أكل لحم الجزور .
ولكن مما يؤكد ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الإبل وذكر الغنم ، فدل على أن هناك فرقا ، فلما أمر بالوضوء مما أكل من لحم الإبل ولم يأمر بالوضوء مما أكل من لحم الغنم ، دل على أن الأمر ليس متعلقا بما مسته النار ، وإنما من أجل أن هذا لحم إبل وأن هذا لحم غنم .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال إن السبب في الوضوء من لحم الإبل : أن لحم الإبل له دسومة تزيد على لحم الغنم ، ، فلما كان دسما ويؤثر على طاقة الإنسان ناسب أن يتوضأ من أجل أن يتنشط .
وهذا ليس بصواب ، لأنه من حيث الواقع أن الغنم أدسم من الإبل .
ومن الفوائد :
أن هناك قصة لا أصل لها بل هي موضوعة مختلقة :
( من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بين أصحابه وكانوا قد أكلوا لحم جزور ، فلما اجتمعوا أحدث شخص ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من خرجت منه هذا الريح أن يتوضأ ، فاستحيى ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من أكل لحم جزور أن يتوضأ )
فلو اعتمدت هذه القصة لدلت على أن لحم الإبل غير ناقض للوضوء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر به من أجل أن يرفع الحرج عن هذا الذي أحدث، لكن هذه القصة لا أصل لها .
بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
حديث رقم – 82-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»)
حديث رقم – 83-
( صحيح )
(وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ بُسْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهَذَا )
حديث رقم – 84-
( صحيح )
(وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ بُسْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ بُسْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ )
من الفوائد :
هذا الحديث مر معنا ، وكما قلنا لكم إن للعلماء في ذلك أقوال ، ومن بين هذه الأقوال أن من مس ذكره من غير حائل فيلزمه أن يتوضأ ، أما إذا كان هناك حائل فلا يلزم .
وبعض العلماء قال : إن الأمر هنا للاستحباب ، لحديث ( إنما هو بضعة منك ) فقالوا إن الأمر للاستحباب .
وقال بعض العلماء : لما قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو بضعة منك ) وأمر في حديث بسرة بالوضوء ، دل على أنه لو مسه من غير حائل بشهوة عليه الوضوء ، وأما إذا مسه من غير شهوة فإنه لا وضوء عليه ويدخل ضمن حديث ( إنما هو بضعة منك )
والصواب / أنه إذا مسه من غير حائل عليه الوضوء ، وأما من وراء حائل فلا وضوء عليه ، لورود رواية عند أبي داود ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر في الصلاة ؟ فقال إنما هو بضعة منك ) ومعلوم أنه لن يمس ذكره من غير حائل في الصلاة .
بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
حديث رقم – 85-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ؟ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهُ؟» )
من الفوائد :
قال بعض العلماء إن حديث طلق منسوخ ، لأنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره لما كان يبني المسجد ، فيكون حديثه متقدما .
ولكن الصواب عدم النسخ وأن الحديثين لا تعارض بينهما وأن التوافق بينهما كما أسلفت .
سؤال :
هل يدخل غير لحم الإبل في نقض الوضوء ؟
الجواب :
هذا ذكرناه فيما مضى ، فالشحم والطحال وما شابه ذلك ، المذهب لا يرى أنها داخلة فمن أكلها فلا ينتقض وضوؤه ، والصواب أن وضوءه ينتقض لأن التعبير بلحم الجزور من باب التعبير بالغالب وإذا جاء النص في بيان الغالب كما هو القاعدة الأصولية لا مفهوم له ، بمعنى أن ما سوى اللحم لا يخرج ، بل يأخذ نفس الحكم ، كما قال تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }المائدة3، ومعلوم أن الخنزير محرم بجميع أجزائه .
سؤال :
هل المنع من التنشيف بسبب أن الوضوء
يوزن ؟
الجواب :
هذا ما ذهب إليه الزهري رحمه الله من كراهة التنشيف بعد الوضوء ، لأن الوضوء يوزن لأنه عمل ، وهذا العمل ما أتي به إلا من طريق هذا الماء ، فهذا الماء أثر لهذا العمل ، والأعمال توزن كما جاءت بذلك الأحاديث
وقوله رحمه الله لا يدل على المنع .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .