تعليقات على سنن الترمذي ( 31 ) حديث ( 322 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 31 ) حديث ( 322 )

مشاهدات: 439

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الحادي والثلاثون  

حديث 322

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالَّة والشِّعر في المسجد

حديث رقم – 322-

( حسن ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ”  أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والاشتراء فيه وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة ” )

قال : وفي الباب عن بريدة وجابر وأنس قال أبو عيسى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث حسن وعمرو بن شعيب هو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص قال محمد بن إسماعيل رأيت أحمد وإسحاق وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب قال محمد وقد سمع شعيب بن محمد من جده عبد الله بن عمرو قال أبو عيسى ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده قال علي بن عبد الله وذكر عن يحيى بن سعيد أنه قال حديث عمرو بن شعيب عندنا واهي وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد وبه يقول أحمد وإسحاق وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين رخصة في البيع والشراء في المسجد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في المسجد . 

من الفوائد :

أن الشعر في المساجد منهي عنه .

لو قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين ( أذن لحسان رضي الله عنه أن ينشد الشعر في المسجد ) ويقول جابر بن سمرة رضي الله عنه ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة يتحدث مع أصحابه وينشدون الشعر أمامه في المسجد )

فهذه الأحاديث وأمثالها تخالف ما جاء في هذا الحديث ، فيا ترى ما وجه الجمع بينهما ؟

وجه الجمع بينهما أن يقال : من رأى من العلماء أن هذا الحديث ضعيف فإنه لا نهي عن إنشاد الشعر في المسجد .

وهذا الحديث هو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهذا السند اختلف فيه المحدثون ، فمنهم من رأى ضعف هذا السند وهو سند حديث ” عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ” والمقصود من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ” المقصود هو  عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فمن رأى أن شعيبا لم يدرك عبد الله بن عمرو ، قال إن الحديث ضعيف ، وسبب ضعفه أنه منقطع ، لأن شعيبا لم يدرك جده عبد الله ، ويؤكدون هذا بأن شعيبا كان يذكر أحاديث عن جده عبد الله من صحيفة كانت لعبد الله ، فقالوا في هذا دليل على أن شعيبا لم يدرك جده إنما ما أتى به من أحاديث أتى بها من هذه الصحيفة ، وممن يرى ضعف هذا الحديث ابن المديني رحمه الله كما ذكر الترمذي رحمه الله هنا .

ومن العلماء من رأى أن هذا السند حسن ، كما ذكر الترمذي رحمه الله عن محمد بن إسماعيل ، ومقصود الترمذي من محمد بن إسماعيل هو البخاري رحمه الله ، فنقل عن الإمام أحمد والبخاري أن هذا السند مقبول ، وحسبك بهؤلاء ، وقد ذكروا بعض الأحداث التي أثبتوا فيها أن شعيبا أدرك جده عبد الله ، فيكون هذا السند وهو سند حديث ” عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده ” يكون حسنا ، فيكون المقصود بالجد هنا هو عبد الله لا محمد ، فإذا حَسُن هذا الحديث ، فلا زال الإشكال قائما ، وهو أن الشعر منهي عنه كما في هذا الحديث ، والأحاديث الأخرى أتت بجوازه ؟

فيكون الجمع بينهما : ان النهي عن الشعر في المساجد هو إذا كان شعرا قبيحا ، إما لقبح ألفاظه وإما لقبحه لذاته من مفاخرة أو استهزاء أو ما شابه ذلك ، ويكون السماح به إذا خلا من القبح ، ولاسيما إذا كان فيه تعظيم للدين ، كما كان يصنع حسان بن ثابت رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

أن البيع والشراء في المساجد منهي عنه ، وهذا من ظاهر هذا الحديث ، ويؤيده صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المساجد فقولوا لا أربح الله تجارتك )

وهي مسألة خلافية بين أهل العلم : فمنهم من رخص بالبيع والشراء في المساجد لضعف هذا الحديث .

والصواب كما أسلفنا أنه حسن .

ومن العلماء من رأى ثبوت هذا الحديث ولكنه حمل النهي على الكراهة .

ومن العلماء من رأى أن النهي للتحريم ولكن العقد صحيح ، ولا يجب نقضه .

ومن العلماء من رأى أن النهي للتحريم وإذا وقع العقد فيجب نقضه ، وهو الصواب ، لأن حمل النهي على الكراهة لا دليل عليه ، فأين الصارف لهذا النهي من التحريم إلى الكراهة .

وأما من يقول بأن النهي للتحريم ولا يجب نقض العقد ، هذا فيه تناقض ، ثم لا دليل على عدم وجوب النقض ، لأنه من المعلوم وهي قاعدة أصولية [ أن النهي يقتضي الفساد ] فكل عقد نهى الشرع عنه نهي تحريم فإنه يكون فاسدا .

ولو قال قائل : لماذا نص على الشراء والبيع ؟ لمَ لم يكتف بأحدهما ؟

الجواب / أن البيع والشراء قد يقعان معا في المسجد ، تقول ” بعتُك هذا القلم ” فيقول ” اشتريت ” وكل ذلك في المسجد ، فهذا بيع وشراء في المسجد ، ويمكن أن يقع البيع فقط دون الشراء ، فيمكن أن يتصل شخص عليك ولك سلعة وأنت في المسجد وهو خارج المسجد فيقول ” اشتريت منك سعلتك بما حددته من الثمن ، فتقول ” بعتك ” هنا وقع البيع في المسجد ولم يقع الشراء ، ويمكن أن يكون عكس ذلك أن يقع الشراء في المسجد دون البيع  ، كأن تكون في المسجد وتطلب من بائع السواك سواكا وأنت داخل المسجد وهو خارج منه ، هذا شراء في المسجد أو يكون عبر الاتصال تتصل بشخص وتحدد سعلة معينة بثمن معين ، فتشتريها منه وأنت داخل المسجد وهو خارج منه .

وفي جميع الصور إذا وقع البيع والشراء معا في المسجد أو وقع أحدهما فيجب نقض هذا العقد .

وهنا تنبيه :

أن مصطلح البيع قد يجهله كثير من الناس ، فمصطلحه ” مبادة مال بمال ” فمتى ما حصلت مبادلة مال بمال ، والمقصود من المال كل ما يتمول ، سواء كان نقودا أو لم يكن ، فلو قيل لك وأنت في المسجد وصاحبك في المسجد لو قال لك ” هذا القلم بدل عن قلمك هذا ” فاتفقتما ، فهذا بيع وشراء في المسجد ، لو منحت هدية من حلقة أو من مسابقة ومُنح صاحبك هدية أخرى فحصلت مبادلة منكما فرضيت بهديته ورضي بهديتك  فهذه مبادلة وبيع وشراء .

وأوضح من ذلك لو عاوضك عنها بمال أي بنقود .

إذاً الصواب أن البيع والشراء في المسجد حرام ويأثمان ولا يصح العقد .

سؤال : لماذا لا نحمل قول من يقول بالكراهة على كراهة التحريم  ؟

الجواب : من كان من المتقدمين فيحمل لفظ الكراهة منه على التحريم ، لأن هذا هو المعروف لديهم ، أما إذا كان من الفقهاء المتأخرين كأصحاب الإمام أحمد مثلا فإن الكراهة عندهم يقصد منها كراهة التنزيه ، هذا من حيث المذهبية ، أما من جهة الإمام أحمد رحمه الله فهو من السلف .

ومن الفوائد :

أن الحكمة من النهي عن تناشد الأشعار المذمومة في المساجد وعن البيع والشراء فيها من أجل ألا تذهب الحكمة من مشروعية المساجد ، ما هي الحكمة ؟ قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما هي للتسبيح والصلاة وقراءة القرآن ) فلم تبن المساجد لهذه الأمور ، التي يقصد في حقيقتها الدنيا ، فلو أبيح البيع والشراء في المساجد لكانت صورته صورة الأسواق، ومن ثم لا يكون فرق بينهما ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( أحب البقاع عند الله المساجد ، وأبغض البقاع عند الله الأسواق )

ومن الفوائد :

أن التحلُّق يوم الجمعة قبل الصلاة منهي عنه ، ويدخل في ذلك التحلق حلقة واحدة أو اثنتين أو أكثر ، وسواء كان هذا التحلق لمذاكرة أو لقراءة قرآن أو لمدارسة علم ، ومن باب أولى أن يكون هذا التحلق للكلام الذي لا يشتمل على ذلك ، هذا من باب أولى .

ولو قال قائل : لم هذا النهي ؟

الجواب / أن هذا النهي استنبط منه أمور :

أولا : أن الناس مأمورون في يوم الجمعة بالتقدم إلى الصف الأول ، وإذا تحلقوا ما حصل هذا الأمر .

ثانيا : أن مما ينبغي على المسلم إذا أتى إلى شيء أن يبدأ بهذا الشيء قبل غيره ، ولو كان كلاهما خيرا ، فلا شك أن التحلق للعلم خير ، والمسابقة إلى الصف الأول يوم الجمعة خير، ولكن المقصود من التبكير يوم الجمعة أن يكون في الصف الأول .

وقد ذكر هذه الفائدة بن حجر رحمه الله من أن السنة أن لمن أتى إلى شيء ليفعله ألا يفعل غيره حتى ينهي ما أتى إليه .

ثالثا : أن التحلق يوم الجمعة يقطع الصفوف ، والشرع أمر بأن يتراص في الصفوف وألا يكون بينها فواصل .

رابعا : أن العبد مطالب منه يوم الجمعة إذا أتى ألا يشغل ذهنه بشيء سوى الإنصات إلى الخطبة ، فإذا تحلقوا قبل الصلاة انشغلت أذهانهم عما هو مطلوب منهم في هذا اليوم .

ومن الفوائد :

أن التحلق في غير يوم الجمعة يفهم منه الجواز ، فإن النهي عن التحلق يوم الجمعة ، ويفهم منه أيضا أن التحلق بعد الصلاة لا نهي فيه .

ومن الفوائد :

أن وقت التحلق المنهي عنه يبدأ من طلوع الشمس ، لأن الشمس إذا طلعت بدأت آداب وأحكام يوم الجمعة ، ولا يعني أن المساجد التي لا تقوم فيها صلاة الجمعة أنه يجوز فيها هذا الفعل –لا – لم ؟ لأن صنيعهم يدخل ضمن ما استنبطه بعض العلماء من أنه يشغل عن المقصود الحقيقي ليوم الجمعة من التبكير والتقدم في الصف الأول وإحضار الذهن للاستماع إلى الخطبة ، فإذا نهي عن التحلق يوم الجمعة في المسجد التي تقام فيه الصلاة إذاً غيره من باب أولى .

ومن الفوائد :

ان على أهل الخير أن يتحينوا الوقت المناسب والملائم لعقد الحلقات سواء كانت حلقات علم أو حلقات قرآن ، فليس كل وقت تعقد فيه هذه الحلقات أو هذا التحلق، إذاً ما نراه ليلة مزدلفة من تحلق بعض الأخيار من التحلق لحلقة ذكر أو وعظ ،هذا ليس من السنة ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نام بعد صلاة العشاء ، حتى اختلف العلماء هل أوتر تلك الليلة أو لم يوتر ؟

فخلاصة القول أن على طالب العلم أن يتخير الوقت المناسب لقعد العلم .

سؤال : ما حكم التحلق للعلم قبل طلوع الشمس ؟

الجواب : أما قبل طلوعها فلا بأس به ، مع أنه لو ترك كلية كان أولى ، لم ؟ لأن العلماء اختلفوا هل يوم الجمعة تبدأ الساعة الأولى من بعد طلوع الشمس أو من بعد طلوع الشمس ؟

الأقرب – والعلم عند الله – أنه بعد طلوع الشمس .