الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء في أي المسجد أفضل
حديث رقم – 326 –
( صحيح ) حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى )
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
من الفوائد :
أن هذا الحديث أتى بأسلوب النفي بدلا عن النهي في قوله ( لا تشدُّ ) فإن ( لا ) نافية وليست ناهية ، وهذا كما قال العلماء أبلغ من النهي ، فإن النفي الذي الذي يراد منه النهي أبلغ من النهي الصريح ، كأن هذا الأمر محتم وحاصل ظهوره في تحريم شد الرحال إلى غير هذه المواطن الثلاثة .
ومن الفوائد :
أنه ذكر الرِّحال ، والرَّحل هو ما يوضع على ظهر البعير ، كناية عن السفر ، فلا يفهم أن السفر على ما سوى البعير ليس داخلا ، فإن السفر يكون على البعير وعلى الفرس والبغل ونحوها ، ويدل لذلك رواية مسلم إذ جاءت بالعموم ( إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد ) ولم يذكر نوعا من أنواع الدواب ، وإنما ذكر في هذا الحديث الذي معنا ذُكر ما يكنى به عن البعير وهو الرحل لأن الغالب في أسفار العرب هو السفر على البعير ، قال تعالى { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} ثم ذكر الدواب الأخرى { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } فدل على أنه ما يطيق السفر الشديد من الدواب إلا الجمال .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخرج ما عدا المساجد من جواز السفر إليها من المواطن الأخرى ، فلو شد رحله مثلا إلى غير هذه المساجد الثلاثة فإنه يكون جائزا ، فلو شد رحله لزيارة قبر من قبور إخوانه المسلمين أو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو لزيارة معبد أو لزيارة مكان دفن فيه شخص صالح ليتبرك له فيقولون لا بأس بذلك ، لم ؟
قالوا لأن الحديث نص على المساجد ، فما عداها لا يدخل
إذاً – على كلامهم – لو شد رحله إلى المسجد الحرام كان جائزا عند الجميع ، وكذلك لو شد رحله إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك لو شد رحله إلى المسجد الأقصى كان جائزا ، لكن لو شد رحله إلى مسجد من المساجد الأخرى غير هذه الثلاثة ، شد رحله لزيارة مسجد قباء الذي تفضل فيه الصلاة كما مر معنا من أن الصلاة فيه تعدل عمرة ، يقولون هذا محرم ، لم ؟ لأن الحديث نص على ثلاثة مساجد يباح شد الرحال إليها ، أما المواطن والمواضع الأخرى من زيارة قبر وما شابه ذلك فلا يدخل ، هكذا يقولون .
والصواب بل الحق الذي لا مرية فيه أن ما ذكروه ضعيف جدا ، لم ؟ لأن الحديث جاء فيه استثناء ، والاستثناء يدل على العموم ، فإذا كان الاستثناء مفرغا كما هنا أي لم يذكر فيه المستثنى منه كان أبلغ وأعم من العام ، فهنا لم يذكر المستثنى منه ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) لم يقل ( لا تشد الرحال إلى المساجد إلا هذه المذكورات ) وإنما لم يذكر المستثنى منه ، فإذا كان كذلك فإن هذا الاستثناء يدخل فيه كل موطن وكل مكان سواء كان مسجدا أو لم يكن .
إذاً لا تشد الرحال إلى المساجد الأخرى ماعدا المساجد الثلاثة المذكورة في هذا الحديث ، لا تشد الرحال إلى القبور ، لا تشد الرحال إلى أي موطن من المواطن إلا ما جاء الشرع باستثنائه ، شددت الرحل وسافرت من أجل زيارة قريب أو زيارة صديق تحبه في الله هذا جاءت السنة بجوازه ، فلا إشكال في ذلك ، ولذلك لأن الزيارة هنا ليست إلى مكان وإنما إلى شخص ، ومعلوم الحديث الذي فيه ( أن رجلا زار أخا له في قرية فأرسل الله على مدرجته ملكا ، قال أين تذهب ؟ قال إلى فلان ، قال ألنعمة تربُّها عليه ؟ قال لا ، وإنما أحببته في الله ، قال الملك فأنا رسول الله إليك يخبرك أنه قد أحبك ) فهنا شد رحله إلى زيارة شخص فلا بأس بذلك ، وقد سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله في أحد الدروس لما سئل عن شد الرحل في رمضان كان في الخرج ويأتي إلى الرياض يقصد الصلاة مع إمام حسن الصوت أيجوز له ذلك ؟ فقال الشيخ رحمه الله يجوز ذلك لأنه شد الرحل إلى الشخص ولم يشد الرحل إلى الموطن أو إلى المكان ، فالحديث ينص على المكان .
إذاً الاستثناء هنا استثناء مفرغ ، فيدل بلفظه وبأصله على أعم العموم ، لكن مما يعكر على هذا أن هناك رواية عند الإمام أحمد لفظها ( لا ينبغي أن يشد رحلٌ إلى مسجد يصلى فيه غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي ) فهنا صرح بالمستثنى منه ، ما هو المستثنى منه ؟ المسجد ، ولكن هذا الحديث في ذكر لفظة ( المسجد ) أنكرها العلماء لأنها زيادة من رجل ضعيف وهو شهر بن حوشب ، فقد ضعفه العلماء وضعفوا روايته ، فإذا ضعفت هذه اللفظة فلا دليل لهم .
لكن لو قالوا – وقد قالوا ذلك – لو قالوا إن الحديث صدِّر بلفظة ( لا ينبغي ) وكلمة لا ينبغي لا تدل على التحريم وإنما تدل على الأفضلية ، فمن الأفضل بناء على ما فهمومه من رواية ( لا ينبغي ) من الأفضل ألا تشد الرحال إلا إذا هذه المساجد الثلاثة ، فلو شد رحله بناء على ما فهموا من كلمة ( لا ينبغي ) لو شد رحله إلى مسجد آخر أو إلى موطن آخر أو إلى مكان آخر لا بأس به ، لكنه ترك الأفضل ، هذا على ما ذكروه من فهمهم من كلمة ( لا ينبغي )
وكلمة ( لا ينبغي ) يقول ابن القيم رحمه الله كما في إعلام الموقعين ، يقول ” إن كلمة لا ينبغي في الكتاب وفي السنة تدل على التحريم شرعا وقدرا ” وذكر أدلة على ذلك من بينها قوله تعالى {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }مريم92 ، هل هذا يدل على الأفضلية ؟ لا ، يدل على التحريم القدري ، ومن بينها ، قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) فهذا لا يمكن قدرا ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحرير ( هذا لا ينبغي للمتقين ) تدل على التحريم الشرعي ، لأن الحرير محرم .
ومن الفوائد :
أن اختصاص هذه المساجد الثلاثة بهذا الحكم لفضلها ، فالمسجد الحرام لأنه قبلة المسلمين ، ووصفه بالحرام من اسم المفعول ” المُحَرَّم ” كما تقول الكتاب أي المكتوب ، وأما المسجد النبوي فلأنه المسجد الذي أسس على التقوى ، كما مر معنا ، وأما المسجد الأقصى فلكونه قبلة الأمم السالفة ، وسمي بالمسجد الأقصى لكونه أبعد عن المسجد الحرام ، فلبعده عن المسجد الحرام وصف بأنه أقصى .
فخلاصة القول أنه لا يجوز أن يسافر إلى مكان يتعبد فيه لله إلا هذه المساجد الثلاثة .
سؤال : ما حكم من يشد رحله من أجل الاعتكاف في أحد المساجد غير المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث ؟
الجواب : يدخل ضمن التحريم .
سؤال : زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا يجوز ، وإنما يقصد المسجد ، وكذلك التحريم فلما لو نوى الاثنين ، وإنما تكون الزيارة مخصصة تخصيصا محضا لزيارة المسجد النبوي ، ولذلك أنكر العلماء على بعض العلماء الذين بوبوا – مثل النووي رحمه الله في كتابه الأذكار – باب استحباب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا خطأ ، لا شك أن زيارته لمن كان مستوطنا في المدينة لا إشكال في ذلك ، شريطة ألا يتخذ ذلك عيدا متكررا ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تتخذوا قبري عيدا ) وأما شد الرحل والسفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ، لكن زار المسجد النبوي وشد الرحل من أجل زيارة المسجد وزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم تبعا ، فهذا خير ، وكذلك لو زار مسجد قباء وصلى فيه ركعتين فإنه داخل المدينة ، لكن أن يشد الرحل من أجل هذا الأمر فلا ، إنما يشد الرحل للمدينة من أجل زيارة المسجد النبوي فقط .
ومما يؤكد ما سبق من أن أي موضع لا يجوز أن يشد الرحل إليه أن أبا هريرة رضي الله عنه اجتهد فزار جبل الطور الذي كلم الله عز وجل عنده موسى عليه السلام ، فقال أبو نضرة الغفاري لو علمتُ بما تريد لمنعتك ، فوافقه أبو هريرة رضي الله عنه وأقره على ذلك ، فدل على أن أي موطن لا يشد الرحل إليه إلا ما استثني في الحديث .
باب ما جاء في المشي إلى المسجد
حديث رقم – 327-
( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ” )
وفي الباب عن أبي قتادة وأبي بن كعب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وجابر وأنس قال أبو عيسى اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا العمل على حديث أبي هريرة وقال إسحاق إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي
حديث رقم – 328-
حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : نحو حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بمعناه هكذا قال عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح من حديث يزيد بن زريع .
حديث رقم – 329-
حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : نحوه .
من الفوائد :
أن الذاهب إلى الصلاة ينبغي له أن يتأدب بآداب الخروج إليها ، ومن آداب الخروج إليها أن يمشي بسكينة ووقار ، لأنه إذا أسرع فاته من ذلك كثرة الخطى ، لأن هناك أحاديث مرت معنا من أن كثرة الخطى إلى المساجد تحط الخطايا ، والأدلة في ذلك كثيرة ، فإذا أسرع فاته هذا الفضل .
وقال بعض العلماء : لا يسرع المصلي إلا إذا خشي أن تفوته الصلاة أو أن يفوته شيء منها ، ولا شك أن هذا الإسراع من أجل هذا الخوف ليس مقبولا ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( ولا يزال أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة ) فمن حين خروجه من بيته يريد الصلاة فهو في صلاة ، إذاً لم يفته شيء .
بينما رأى بعض العلماء أنه إذا خشي أن تفوته التكبيرة الأولى أن له أن يسرع حتى لا يفوته فضل تكبيرة الإحرام .
ورأى بعض العلماء أنه يمنع من الإسراع إلا إذا خشي أن تفوته صلاة الجماعة ، فإذا خشي أن يفوته الركوع من الركعة الأخيرة فله أن يسرع .
وهذه اجتهادات من هؤلاء العلماء وإلا فالحديث لم يحدد شيئا من ذلك بل عمم وأطلق ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) سواء كان هذا الفائت تكبيرة الإحرام أو الركعة أو الصلاة كلها ، فهو عام .
إذاً الصواب أن المسلم إذا خرج من بيته يريد الصلاة فعليه بالسكينة والوقار ولا يسرع ولو فاتته الصلاة كلها ، لأنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة ، ولأن سرعته كما أسلفنا يفوت بها كثرة الخطى ويفوت بها الخشوع ، فإذا حضر وهو منهك النفس لا يحصل له خشوع في صلاته ، ولأنه خلاف السكينة والوقار ، لكن قال بعض العلماء لو أسرع ولم يذهب مع الإسراع الوقار والسكينة فلا بأس بذلك ، لأن الحديث أمر بأن يكون على سكينة فإذا حصلت السكينة مع السرعة إذاً السرعة جائزة ، وأما إذا أسرع ففاتت السكينة عليه فلا يسرع لأن حاله يخالف السكينة والوقار .
وما ذكروه في ظاهر الأمر حق ، ولكنه ترده رواية عند البخاري قال بعد( وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا ) فجملة ( ولا تسرعوا ) بعد ذكر السكينة والوقار تدل على التأكيد وتدل على أن الإسراع منهي عنه سواء أذهب السكينة والوقار أو لم يذهبهما .
وهذا هو الصواب ، فالسكينة والوقار مطلب في خروج الإنسان من بيته إلى الصلاة .
سؤال : هل هذا الحكم يسرى أيضا على الجمعة لو خشي فواتها ؟
الجواب : نعم ، فلا يسرع وإن فاتته الجمعة ، ولذلك عمم النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سمعتم الإقامة ) أي إقامة سواء ظهر ، عصر ، مغرب ، عشاء ، فجر ، جمعة ، أو كانت صلاة ليس لها إقامة ، كالعيد أو الكسوف أو الاستسقاء فإنه لا يسرع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم ، بل جاء في رواية ( إذا أتيتم إلى الصلاة ) فهذه اللفظة تعطينا فوائد أكثر فمن باب أولى أنه لو أقيمت الصلاة لا يسرع ، لم ؟ لأن هذه الرواية تدل على أنه إذا أتى إلى الصلاة لا يسرع حتى ولو كان قبل الإقامة .
ومن الفوائد :
أن هناك رواية عند البخاري زيد فيها ( والوقار ) فهل هناك فرق بين السكينة والوقار ؟
قال بعض العلماء لا فرق وإنما هي لفظة تؤكد معنى الأخرى
ومعناهما الطمأنينة والسكون .
بينما يرى بعض العلماء – وهو الأصوب – أن السكينة تتعلق بالحركة ، فلا يعبث أثناء الذهاب إلى الصلاة ولا يكثر من الالتفات وما شابه ذلك من أنواع الحركة .
أما الوقار ففي هيئة الإنسان ، قد يمشي الإنسان من غير أن يكثر من الحركة غير المناسبة ، لكنه ليس على وقار كأن يكون ملبسه غير مستقيم ، يخرج مثلا وقد ربط ثوبه في حقويه ، أو رفع ثوبه أثناء السير أو طرف أحد شماغه أنزل من الآخر .
إذاً السكينة تتعلق بالحركة ، والوقار تتعلق بالهيئة .
وهاتان اللفظتان ( وعليكم السكينة والوقار ) إما أن تنطق هكذا ( وعليكم السكينةُ والوقارُ ) فيكون الجار والمجرور خبر مقدم ، و ( السكينة ) مبتدأ مؤخر ، ( والوقار ) معطوف على المبتدأ المرفوع .
وأما أن تنطق ( وعليكم السكينةَ والوقارَ ) فتكون كلمة ( وعليكم ) من أسماء الأفعال التي لها مفعول ، بمعنى ( الزموا السكينة والوقار ) كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ }المائدة105 ، نصب كلمة { أَنفُسَكُمْ }
ولو قال قائل : هل الإمام يدخل في هذا ، بمعنى أنه ينهى عن الإسراع إذا أتى إلى الصلاة أو إذا تأخر عن وقت الإقامة ؟
عموم الرواية الأخرى ( إذا أتيتم الصلاة ) عمومها يدل على أن الإمام داخل .
وقد رأى بعض العلماء أن الإمام غير داخل ، لم ؟ لأنه جاء عند النسائي كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى ( أن صلاة المغرب لما حضرت أسرع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستفادوا من ذلك أن الإمام خارج من هذا النهي ، والأقرب أنه ليس بخارج وإنما هو داخل من هذا العموم ، فتكون سرعته صلى الله عليه وسلم من باب السرعة التي لها مصلحة إما لتعليم أمته بعد هذه الصلاة شيئا من أمور الدين ، أو لغرض من الأغراض .
إذاً الأمر يشتد بالنسبة إلى المأمومين ، أما الإمام ففيه هذا الخلاف الذي ذكرناه ، والعلم عند الله .
سؤال : ما الفرق بين الإمام والمأموم ؟
الجواب : الفرق بينهما أن الإمام يُنْظَرَ فإذا أبطأ على المأمومين كان في ذلك مشقة عليهم ، ولأن الإمام لو حضر وأنهك نفسه مثلا فإن له الحق أن يتريث بعض الشيء في دخوله إلى الصلاة ، بينما المأموم لا ينتظره الإمام ولا يراعي حاله ، بينما الإمام يراعي حال نفسه هو في هذه المسألة .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أقيمت الصلاة ) في رواية ( إذا سمعتم الإقامة ) وهذه اللفظة التي معنا أيضا تدل على ماذا ؟ تدل على أن الإقامة تُسْمَع ، لأن هناك من العلماء كالألباني رحمه الله يشدد في أن تعلن الإقامة والصلاة عبر مكبر الصوت ، ويقول إن هذا ليس بوارد ، إنما الذي يعلن عبر مكبرات الصوت الأذان لأنه يراد منه إعلام البعيدين للحضور إلى الصلاة ، أما الإقامة والصلاة فيمنع رحمه الله ، لكن هذه اللفظة التي معنا تدل على أن الإقامة لا بأس أن يذهب صداها إلى ما هو أبعد من المسجد ، ولذلك ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه كان يتعشى فيسمع الإقامة وقراءة الإمام ويبقى على عشائه )
ومن الفوائد :
أن الإنسان لو قال ” فاتتنا الصلاة ” لا بأس بهذه الكلمة لقوله صلى الله عليه وسلم ( وما فاتكم فأتموا )
ومن الفوائد :
أن في قوله ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) يدل على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته ، وهي مسألة خلافية سيأتي توضيحها إن شاء الله معنا في الأحاديث القادمة ، لكن القول الصحيح أن ما أدركه المسبوق مع إمامه يعد أول صلاته ، فإذاً لو دخل مع الإمام في صلاة العشاء وفاتته ركعة واحدة فإذا قام الإمام إلى الثالثة أيقرأ بعد الفاتحة ؟ الإمام لا يقرأ ، بينما المأموم المسبوق بركعة إذا كان هناك زمن يقرأ بعد الفاتحة ، لم ؟ لأن هذه الركعة تعد له الثانية ، بينما هي في حق الإمام الثالثة ، وسيكون لها توضيح بإذن الله تعالى في الدروس القادمة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد