بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة
حديث رقم – 342-
( صحيح ) حدثنا محمد بن أبي معشر حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) .
حديث رقم – 343-
حدثنا يحيى بن موسى حدثنا محمد بن أبي معشر : مثله قال أبو عيسى حديث أبي هريرة قد روي عنه من غير هذا الوجه وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه واسمه نجيح مولى بني هاشم قال محمد لا أروي عنه شيئا وقد روى عنه الناس قال محمد وحديث عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أقوى من حديث أبي معشر وأصح .
حديث رقم – 344-
( صحيح ) حدثنا الحسن بن أبي بكر المروزي حدثنا المعلى بن منصور حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وإنما قيل عبد الله بن جعفر المخرمي لأنه من ولد المسور بن مخرمة وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما بين المشرق والمغرب قبلة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبن عباس وقال بن عمر إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة وقال بن المبارك ما بين المشرق والمغرب قبلة هذا لأهل المشرق واختار عبد الله بن المبارك التياسر لأهل مرو .
من الفوائد :
أن فرض من كان بعيدا عن الكعبة أن يستقبل جهتها ، بينما من كان قريبا منها في المسجد الحرام ففرضه أن يصيب عينها ، فإذا انحرف عن الكعبة وهو في المسجد الحرام ولو كان هذا الانحراف يسيرا فإن صلاته لا تصح .
فتكون القبلة لمن هو في المسجد الحرام تكون أضيق ، ولأهل مكة أوسع لهم في القبلة ممن في المسجد الحرام ، ولمن في الحرم أوسع لهم في القبلة من أهل مكة ، وللأفاقيين – يعني من هم خارج مكة – القبلة في حقهم أوسع من أهل الحرم .
ولذا على المسلم في المسجد الحرام أن يصيب عين الكعبة فإن انحرف عنها ولو انحرافا يسيرا فإن صلاته لا تصح .
إذاً فرض من قرب من الكعبة إصابة العين ، وفرض من بعد عن الكعبة إصابة الجهة ، ما الدليل على إصابة العين ؟
هو نقل العلماء جيلا بعد جيل ، وقد تسامح في ذلك الصنعاني رحمه الله في سبل السلام – ورد عليه – لأنه لم يذكر دليلا ، أما دليل إصابة الجهة فهو هذا الحديث ، قال ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وهذا الحديث يخص أهل المدينة ومن كانت قبلته كقبلتهم ، لأن قبلتهم جهة الجنوب ، بينما نحن أهل الرياض قبلتنا في جهة الغرب ، إذاً ما بين الشمال والجنوب يكون لنا قبلة ، ومن ثم فإنه يتحين أن يصلي وسط هذه الجهة ما بين المشرق والمغرب، لو انحرف ولكن كان هذا الانحراف ما بين المشرق والمغرب فإن صلاته صحيحة ومن الفوائد :
أن هناك من نقل من العلماء أن القبلة في المسجد النبوي يجب أن تكون القبلة وسطا ، فلو انحرف انحرافا ولو كان يسيرا في المسجد النبوي فإن صلاته لا تصح ، لم ؟ قالوا لأن الله عز وجل أوضح الكعبة للنبي صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد فأصاب عينها ، هذا ما نقله بعض العلماء ، ولم أر عليه دليلا بل إن هذا الحديث الذي معنا ينظِّر هذا القول .
ومن الفوائد :
أن العلماء تكلموا في هذا الحديث بسبب أبي معشر ، وقد ضعفه محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله ، فإذا قال الترمذي ” محمد ” فالمراد منه البخاري لأنه شيخه ، ولكن هذا الحديث ولو قيل فيه ما قيل فإن هناك ما يعضده من هذه الآثار عن عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم ، فالحديث صحيح لتقوية الآثار الأخرى له .
ومن الفوائد :
أن أهل المشرق قبلتهم كقبلة أهل المدينة ، ولكن يُدخل على هذا أن بعض أهل المشرق تختلف قبلتهم عن قبلة أهل المدينة ، فيجاب عن هذا : بأن أهل المشرق المذكورين هنا هم أهل العراق ، كما جاءت بذلك الرواية الأخرى ( ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل العراق )
ومن الفوائد :
أن جماهير العلماء يرون أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ، ولا يسقط هذا الشرط إلا لعذر ، فمن خالف واستقبل غير قبلته فإن صلاته باطلة ، لأنه ترك شرطا من شروط صحة الصلاة .
سؤال : مر معنا في الشرح الموسع أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى في الكعبة خرج واستقبل باب الكعبة وقال هذه هي القبلة ؟
الجواب :
نعم ، ثبت هذا ، لكن هل المقصود أنه يجب أن يصيب عينها ، أم أنه يريد أن يبين أن هذه هي القبلة وأن ما عداها ليست قبلة للمسلمين ، لأن المسلمين فيما سبق كانوا يستقبلون بيت المقدس ، فهذا أيضا مما يؤيد على أحد الاحتمالات أن من قرب يصيب عين الكعبة .
سؤال : ما الذي يترتب على ضعف هذا الحديث ؟
الجواب : إذا قيل بضعف هذا الحديث فإنه لو انحرف انحرافا يسيرا فإن صلاته غير صحيحة ، ويجب عليه أن يجتهد ، فليس مقصود هؤلاء إذا قلنا بضعف الحديث ليس مقصودهم أن من لم يصب عينها أن صلاته باطلة – كلا – ففرق بين الحالتين ، إذا قلنا بضعف الحديث فانحرفت انحرافا يسيرا متعمدا بطلت صلاتك ، أما على تصحيحه فإذا انحرفت متعمدا فصلاتك صحيحة ، لأن قوله ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) كافٍ .
ومن الفوائد :
أنه عليه الصلاة والسلام قال ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) فيجوز خلافا لمن عاب هذا الأمر يجوز أن تذكر البينونة دون أن تردف بأخرى ، فبعضهم يقول لا تقل مثلا ” ما بين هذا الجدار وهذا الجدار لك ” يقول لا تقول هذا الأسلوب ، قل ” ما بين هذا الجدار وبين هذا الجدار لك ” فنقول أتى هذا الحديث مقتصرا فيه على بينونة واحدة ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) ولذلك حذيفة رضي الله عنه لما سأله عمر رضي الله عنه عن الفتنة ؟ قال ( إن بينك وبينها بابا ) فلا يشدد على من ذكر بينونة واحدة ، فلا يخطأ لغة { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ }الكهف78 .
باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم
حديث رقم – 345-
( حسن ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا أشعث بن سعيد السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ }البقرة115
قال : أبو عيسى هذا حديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا قالوا إذا صلى في الغيم لغير القبلة ثم استبان له بعد ما صلى أنه صلى لغير القبلة فإن صلاته جائزة ، وبه يقول سفيان الثوري وبن المبارك وأحمد وإسحاق .
هذا الحديث حسنه الألباني رحمه الله وضعفه آخرون ، وأشار إلى التضعيف الترمذي رحمه الله ، وهذا الحديث له ما يعضده عند الطبراني وهو حديث معاذ رضي الله عنه قال ( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ، فلما تجلى الغيم إذا بنا قد صلينا إلى غير القبلة ، فقال صلى الله عليه وسلم ” إن صلاتكم قد رفعت ” )
فهذا يؤيد ثبوت حديث عبد الله بن عامر عن أبيه ، وإذا كان ثابتا فيستفاد من هذا الحديث :
أن من اجتهد فأخطأ القبلة فصلاته صحيحة ، كحال الصحابة رضي الله عنهم ، وأيد هذا عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ }البقرة115 ، ولو استبان له بعد الصلاة أنه كان مصليا إلى غير القبلة فصلاته قد رفعت وصحت، لكن عليه أن يكون من أهل الاجتهاد ، فيكون عنده آلية الاجتهاد ، وإلا فعليه أن يستند إلى خبر ثقة ، فإذا كان أهلا للاجتهاد فله أن يجتهد مع وجود خبر الثقة ، لكن الأفضل والأوثق له أن يسأل أهل البلد حتى يخرج من العهدة بيقين ولا يعرض صلاته للخلل .
لو قال قائل : هل له أن يجتهد في الحضر ؟
اختلف العلماء فيما لو اجتهد ولم يصب القبلة ، فقال بعض العلماء تبطل صلاته ، لأن سؤال غيره يسير .
وقال بعض العلماء بما أنه مجتهد فإن صلاته صحيحة ، وهو الصواب ، ومع هذا كله إذا كان لدى الإنسان من يسأله فليسأله حتى يخرج بيقين .
ولو قال قائل : هب أنه ليس هناك من يسأله ، وليس أهلا للاجتهاد ، فماذا عليه أن يصنع ؟
الجواب : يتحرى ، ويصلى على حسب ما يغلب عليه ظنه ، فإن أصاب فالحمد لله ، وإن لم يصب فصلاته صحيحة .
ولو قال قائل : لو كان أعمى لا يستطيع ؟
الجواب : يتحرى على حسب استطاعته ، فإن أصاب فالحمد لله ، وإن لم يصب فصلاته صحيحة لأن هذا هو وسعه وطاقته { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن16 ، وقال عليه الصلاة والسلام ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم )
وعلى هذا لو أنه صلى صلوات كثيرة ثم تبين له أنه أخطأ في إصابة القبلة فإن صلاته صحيحة ، ولا يلزم بالإعادة ، اللهم إلا كما أسلفنا إذا كان مفرطا فإن صلاته باطلة وعليه أن يعيد تلك الصلوات .
أما من يرى ضعف الحديث فيقول إذا تبين خطؤه فعليه أن يعيد – وهذا رأي لبعض العلماء – ولكن كما أسلفنا حديث معاذ عند الطبراني يؤيد هذا الحديث الذي معنا .