تعليقات على سنن الترمذي ( 46 ) حديث (352-354 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 46 ) حديث (352-354 )

مشاهدات: 404

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس السادس والأربعون 

حديث 352-354

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء في الصلاة إلى الراحلة

حديث رقم – 352-

( صحيح ) حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر :   أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعيره أو راحلته وكان يصلي على راحلته حيث ما توجهت به ” )

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وهو قول بعض أهل العلم لا يرون بالصلاة إلى البعير بأسا أن يستتر به .

من الفوائد :

أن وضع السترة من السنة ، وهل هي واجبة أم سنة مؤكدة ؟ خلاف بين أهل العلم ، سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، والأقرب أنها سنة مؤكدة ولا تصل إلى الوجوب .

لكن ما هي هذه السترة ؟

قال بعض العلماء ما اعتقده في قلبه من أنه سترة فتكون له سترة .

ولكن هذا القول ضعيف ، لأنه لو كان كما قالوا لما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل ، وقد جاءت رواية عند البخاري ( أنه كان يعرض راحلته ) يعني يجعلها عرضا فيصلي إليها ، وسيأتي إن شاء الله مزيد حديث عن السترة في بابها .

ومن الفوائد :

قالت الحنابلة يصح أن يستتر بدابة أو بإنسان ، فلو كان أمامك إنسان فجعلته سترة صح أن يكون سترة ، استدلالا بهذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام .

وان ابن عمر رضي الله عنهما استحب في الدابة التي تجعل سترة أن يكون عليها رحل ، لأنه إذا كان عليه رحل كان أثبت وأقر لها ، لكن إذا لم يكن عليها رحل فهي عرضة للحركة ، ولكن الحديث الذي معنا واضح .

ومن الفوائد :

أن الراحلة هي الناقة ، سميت بهذا الاسم لأنها تُرْحل وتُركب ، أو لملازمة الرَّحل في غالب الأحوال لها .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على جواز الصلاة في معاطن الإبل ، وليس لهم دليل لأنه فرق بين الصلاة إليها وفرق بين الصلاة في معاطنها وفي مباركها ، فلا دليل لهم في هذا .

إن كان لهم دليل فأقوى ما يكون هو الدليل الذي فيه أنه عليه الصلاة والسلام ( صلى على راحلته )

ولذا من يرى أن مرور المرأة لا يؤثر على صلاة الرجل ، قالوا إن عائشة رضي الله عنها كانت معترضة في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه ، فلو نظرنا لوجدنا أن هناك فرقا بين الأحاديث ، ففعلها رضي الله عنها ليس مرورا وإنما هو اعتراض ، بينما الحديث الآخر مرور ، وأريد بهذا المثال أن أبين أنه لابد لطالب العلم من الجمع بين الأدلة كلها ويعطي كل دليل ما يستحق من الأحكام  .

سؤال : الصلاة أمام النائم ؟

الجواب : سيأتي إن شاء الله تعالى الحديث عن هذا في سنن أبي داود ، ولكن ليس بمحرم ، والنهي في الحديث من باب الأولوية ، فالأولى ألا تصلي وأمامك شخص نائم .

ومن الفوائد :

أن التطوع على الدابة في السفر جائز ، أما في الحضر فقد ذكرنا قول الظاهرية .

باب ما جاء : إذا حضر العَشَاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشَاء

حديث رقم – 353-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ” )

قال : وفي الباب عن عائشة وبن عمر وسلمة بن الأكوع وأم سلمة قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح وعليه العمل عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وبن عمر وبه يقول أحمد وإسحاق يقولان يبدأ بالعشاء وإن فاتته الصلاة في الجماعة قال أبو عيسى سمعت الجارود يقول سمعت وكيعا يقول في هذا الحديث يبدأ بالعشاء إذا كان طعاما يخاف فساده والذي ذهب إليه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم اشبه بالاتباع وإنما أرادوا أن لا يقوم الرجل إلى الصلاة وقلبه مشغول بسبب شيء وقد روي عن بن عباس أنه قال لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء  .

حديث رقم – 354-

( صحيح ) وروي عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :   إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء قال وتعشى بن عمر وهو يسمع قراءة الإمام قال حدثنا بذلك هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر 

من الفوائد :

أن العلماء اختلفوا لو قدم الأكل وحضرت الصلاة ، هل يقدم الصلاة أم يقدم الأكل ؟

بعض العلماء قال : يقدم الأكل مطلقا ، ويدل له صنيع ابن عمر رضي الله عنهما كان في الصحيحين ( كان يقدم له العشاء ويأكل وإنه ليسمع قراءة الإمام ) ولأن الأحاديث جاءت مطلقة ( إذا حضر ) وفي رواية ( إذا قدِّم ) وفي رواية ( إذا وضع ) وفي رواية ( إذا قرِّب ) فالأحاديث أطلقت ، فمتى ما حضر الطعام فيقدم الطعام على الصلاة .

وقال بعض العلماء : تقدم الصلاة مطلقا ، إلا إذا كان هذا الطعام سيسارع إليه الفساد ، فإذا خيف على فساده لو ذهب فصلى فيقدم الطعام على الصلاة خيفة من فساده .

وقال بعض العلماء : يقدم الصلاة مطلقا إلا إذا كان الطعام خفيفا يمكن أن يتناوله سريعا .

وبعض العلماء – وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – أنه إذا قدم الطعام وحضرت الصلاة فيقدم الطعام إذا كان يشتهيه ، وكان الطعام بين يديه ويمكن أن يتناوله حسا أو شرعا .

إذاً الشرط الأول ” إذا حضر هذا الطعام وكان بين يديه .

الشرط الثاني : إذا كان يشتهي هذا الطعام ، أما إذا كان شبعان أو لا يشتهيه فيقدم الصلاة .

الشرط الثالث : يمكن أن يتناوله حسا أو شرعا .

( حسا )  أي ليس بحار يحتاج إلى زمن حتى يبرد .

( شرعا  ) فلو كان صائما وقدم إليه الطعام بعد صلاة العصر فلا يمكن أن يتناوله شرعا .

والأقرب في هذا : إما أن يكون بالإطلاق ، لأن الأحاديث أطلقت ، وأقرب من هذا ما قالته الحنابلة ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ) فدل على أن انشغالا في القلب سيحصل إذا قدم الصلاة على الطعام ، فتكون العلة ليست تقديم الطعام فحسب – لا – وإنما تقديم الطعام الذي لو قدمت الصلاة عليه لاشتغل قلبه وذهب خشوعه ، ويدل له ما ذكره الترمذي رحمه الله هنا عن ابن عباس رضي الله عنها قال ( لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء ) فدل على أن العلة منوطة بذهاب الخشوع ، وذهاب الخشوع يحصل مع حاجة الإنسان إلى هذا الطعام .

ومن الفوائد :

أن العلماء قالوا إن قوله ( إذا حضر ) أو ( إذا قدِّم ) أو ( إذا وضع ) أو ( إذا قرِّب الطعام ) جاءت مطلقة يقولون هذا لا يتأتى إلا إذا حضر بين يديه ، أما إذا نضج فلا يدخل في هذا الحكم ، فلا يدخل إلا إذا حضر بين يديه .

ومن الفوائد :

أن العشاء لا يكون إلا عند صلاة المغرب ، فيكون هذا الحكم منوطا بصلاة المغرب فقط – كما قال بعض العلماء، ولا يسري على أي صلاة ، لأن العشاء وصفه عند صلاة المغرب ، بدليل ( فقدموا العَشَاء قبل أن تصلوا المغرب ) وفي الرواية الأخرى ( إذا قدم الطعام وأحدكم صائم ) ومعلوم أن الصائم يقدم طعامه عند المغرب ، وهذا القول يختاره ابن دقيق العيد رحمه الله ، قال إن الصلاة هنا ليست عامة وإنما هي ( أل ) التي للعهد الذهني ، وهي صلاة المغرب .

وقال بعض العلماء : إن العلة واحدة ، وهي التشويش ، فمتى ما حصل التشويش لأي صلاة فتأخذ هذا الحكم ، لأن الجائع قد يكون أحوج إلى الطعام من الصائم ، وأصرح من هذا كله حديث ( لا صلاة بحضرة طعام ) كما عند مسلم ، قال ( لا صلاة )  و ( لا ) نافية ، و ( صلاة ) نكرة في سياق النفي ، فتعم أي صلاة  ، فتشمل صلاة الفرض وصلاة النفل لعموم الحديث .

ومن الفوائد :

أن في فعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأكل الطعام ويسمع قراءة الإمام أن فيها ردا لمن عنف وشدد فقال إن الصلاة لا ترفع عبر مكبرات الصوت ، لأن الناس مأمورون بالاستماع إلى القرآن ، وهذا رأي للألباني رحمه الله ، ونقدر هذا الرجل ونعظمه لكن هذا الرأي فيه ما فيه ، لأن إخراج الصوت لا يؤثر ، بدليل أن قراءة الإمام يسمعها ابن عمر رضي الله عنهما وهو يأكل في بيته ، فدل على أن خروج الصوت سواء كان عبر مكبر أو لم يكن لأنهما في الحكم سواء أنه لا جناح في ذلك ولا تثريب ولا تعنيف .