ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
بَابٌ فِي المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: ضَافَ عَائِشَةَ ضَيْفٌ، فَأَمَرَتْ لَهُ بِمِلْحَفَةٍ صَفْرَاءَ، فَنَامَ فِيهَا، فَاحْتَلَمَ، فَاسْتَحْيَا أَنْ يُرْسِلَ بِهَا وَبِهَا أَثَرُ الِاحْتِلَامِ، فَغَمَسَهَا فِي المَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «لِمَ أَفْسَدَ عَلَيْنَا ثَوْبَنَا؟ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَفْرُكَهُ بِأَصَابِعِهِ، وَرُبَّمَا فَرَكْتُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِي»)
استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن المني طاهر ، لأن عائشة رضي الله عنها أنكرت عليه حينما غسل هذه الملحفة وهو اللحاف ، وسمت اللحاف ثوبا ، فهنا يدل على أن الثوب اسم شامل يندرج تحته معاني متعددة من اللباس .
بينما آخرون استدلوا به على نجاسة المني ، لأن فرك عائشة رضي الله عنها المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على النجاسة .
بينما قال من قال إن المني طاهر : قال إن الفرك لا يعد إزالة للنجاسة .
ومن قال بالنجاسة قال : إن الشرع جعل الفرك مطهر للنجاسة ، لأن هناك أحاديث وردت في تطهير النجاسة بغير الماء ، فلماذا قلتم إن الفرك لا يزيل النجاسة ؟
واستدل آخرون بأن اليابس منه يفرك ، بينما الرطب يغسل .
والصواب أن المني طاهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يزيل الرطب بعود الإذخر وإذا كان يابسا فركه )
فدل على طهارته ، لأن إزالته بعود الإذخر ليست مؤثرة في إزالة النجاسة ، ولأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت دليل واضح على أنه نجس .
( صحيح )
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا «غَسَلَتْ مَنِيًّا مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»)
من الفوائد :
قال من قال بطهارة المني أن غسل عائشة رضي الله عنها للمني من باب التنزه والاستحباب في أن يظهر ثوب النبي صلى الله عليه وسلم بالمظهر الحسن ، وليس على سبيل نجاسة المني ، ولأن أصل خلق الله عز وجل من الأنبياء والأولياء هذا المني ، فيبعد أن يكون أصلهم نجسا .
بَابُ فِي الجُنُبِ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً»)
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفِيانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نَحْوَهُ، « وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِ» وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «كَانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ»)
من الفوائد :
هذا الحديث صححه الألباني رحمه الله ، مع أن كثيرا من المحدثين يضعف هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن الني صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يتوضأ ، لأنها رضي الله عنها أطلقت ( من غير أن يمس ماء )
وقال بعض العلماء إن هذا الحديث مختصر من حديث طويل ، ففي آخر الحديث الطويل ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجته توضأ )
فيكون حديث ( من غير أن يمس ماء ) محمول على أنه لا يمس ماء للغسل ، وليس على سبيل الإطلاق .
وعلى كل حال سواء قيل بأن هذا الحديث ثابت أم أنه غير ثابت ، فإن المسلم يجوز له أن ينام من غير أن يمس ماء ، لا للغسل ولا للوضوء ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي معنا إن شاء الله ( سئل أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال نعم إذا توضأ إن شاء ) فدل على أن الأمر ميسر فيه ، لكن الأفضل أن يتوضأ .
بَابٌ فِي الوُضُوءِ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ
حديث -120-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟، قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ»)
من الفوائد :
أنه جاءت زيادة ( إذا شاء )
ومن الفوائد :
أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء ، لأن الوضوء يخفف الجنابة ، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم كما عند أبي شيبة ( كان أحدهم إذا أراد أن يمكث في المسجد وهو جنب توضأ ) وذلك خيفة من أن تقبض روحه في هذه النومة وهو على حدث أكبر ، فالوضوء يخفف الجنابة .
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُصَافَحَةِ الجُنُبِ
حديث رقم -121-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُزَنِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، قَالَ: فَانْبَجَسْتُ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ؟ – أَوْ أَيْنَ ذَهَبْتَ؟ -» قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، قَالَ: «إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» )
من الفوائد :
أن معنى ( فانبجست ) يعني تأخرت ، كما قال تعالى :
{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }التكوير15، وهو النجم إذا تأخر .
ومن الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الكافر نجس العين ، لأنه لما قال : ( إن المؤمن لا ينجس ) أفاد أن ما سواه نجس ، إضافة إلى ما ذكره سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }التوبة28 .
والصواب :
أنه طاهر العين ، لأن المراد بالآية النجاسة القلبية ، فهو نجس الشرك نجس المعتقد ، أما هذا الحديث ففيه إخبار وتوكيد بأن ما فعله أبو هريرة رضي الله عنه ليس موافقا للصواب حينما تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدليل أن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل من طعام أهل الكتاب وأن نتزوج نساءهم ، ولا يمكن أن يخلو هذان الأمران من أن تكون أجسادهم رطبة ، ولم يأمر الشرع بغسل ما أصابنا منهم حال الرطوبة ، لاسيما أن الرجل يجامع زوجته إذا كانت يهودية أو نصرانية .
ومن الفوائد :
أن عرق المؤمن وما يخرج من جسده طاهر .
بَابُ مَا جَاءَ فِي المَرْأَةِ تَرَى فِي المَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ
حديث رقم 122-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ – تَعْنِي غُسْلًا – إِذَا هِيَ رَأَتْ فِي المَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا هِيَ رَأَتِ المَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ»، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قُلْتُ لَهَا: فَضَحْتِ النِّسَاءَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ )
من الفوائد :
جاء في إحدى الروايات ( أن أم سليم ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة لو رأت أن زوجها يجامعها في المنام )
فيكون سؤال أم سليم رضي الله عنها ليس على إطلاقه بأن ترى شخصا أجنبيا يجامعها ، وحتى لو كان كذلك فالحكم باقي في الزوج الأجنبي .
ومن الفوائد :
أن المني متى ما رؤي في المنام فإنه موجب للغسل ولو لم ينزل بشهوة ، بخلاف اليقظة ، فإنه لو نزل من غير شهوة فإنه لا يوجب الغسل .
ومن الفوائد :
أن الشيء الذي يستحي منه ينبغي إذا ذكر أن يسبق بمقدمة حتى لا يظن بهذا المتحدث سوء ، ولذا قالت : ( إن الله لا يستحيي من الحق )
بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَسْتَدْفِئُ بِالمَرْأَةِ بَعْدَ الغُسْلِ
حديث رقم – 123-
( ضعيف )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَاسْتَدْفَأَ بِي، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَلَمْ أَغْتَسِلْ»)
من الفوائد :
هذا الحديث يصححه بعض العلماء ، وهو يفيد أن الجنب طاهر البدن ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستدفئ بعائشة رضي الله عنها من رطوبة الماء ، وهي لم تغتسل فهي ما زالت دافئة ، وهذا من حسن معاشرته عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها .
بَابُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ
حديث رقم -124-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ المُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ»)
من الفوائد :
أن التراب يقوم مقام الماء فيما لو عدم الماء أو فيما تضرر في استعمال الماء ، ولذلك في رواية ( الصعيد الطيب وضوء المسلم ) .
ومن الفوائد :
أن كل ما تصعد على وجه الأرض يجوز التيمم به مما يكون من جنس الأرض ، من حصى ، من تراب ، من رمل ، وما شابه ذلك .
ومن الفوائد :
أن المضمضة والاستنشاق واجبان من واجبات الغسل ، لأنه قال 🙁 وليمسه بشرته ) ومعلوم أن الفم والأنف من البشرة
ومن الفوائد :
أن الخيرية هنا ليست على بابها ، كما لو قلت ” زيد خير من عمرو ” فكلاهما فيه خير، لكن زيد فيه خيرية أكثر ، هنا ليست على بابها في هذا الحديث ، لأنه لو عدل إلى التيمم مع وجود الماء وليس هناك ضرر فليس هناك خير، فأفعل التفضيل هنا ليس على بابه ، كما قال تعالى :{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }الفرقان24 أيمكن أن يكون في مستقر ومقيل أهل النار خير ؟ لا .
وكما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } الجمعة9 هل يفهم من هذا أنه لو ترك صلاة الجمعة فيه خير ؟ لا .
ومن الفوائد :
أنه متى ما كان على تيمم ، وهذا التيمم لحدث أكبر أو لحدث أصغر فإنه يلزمه إذا وجد الماء أن يتوضأ أو يغتسل إذا أراد أن يفعل شيئا لا يصح إلا بالغسل أو لا يصح إلا بالوضوء ، فلا يصح أن يصلي بتيممه مع وجود الماء .
ومن الفوائد :
أن التيمم يأخذ حكم الوضوء ، فإنه لو خرج الوقت فالصحيح من قولي العلماء أن تيممه باقي ، خلافا لمن قال إن التيمم مبيح لا رافع ” وإنما هي حالة ضرورة يبيح له أن يصلي في هذا الوقت ، فإذا دخل وقت الصلاة الأخرى ولم يحصل منه ناقض من نواقض الوضوء التي هي نواقض التيمم فإنه يلزمه أن يتيمم مرة أخرى .
والصواب أن التيمم مثل الوضوء سواء بسواء إلا إذا أحدث فإنه يعيد التيمم .
ومن قال إن التيمم يبطل بخروج وقت الصلاة استدلوا بفعل ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه يتيمم للصلاة الثانية )
فيقال إن فعل ابن عمر رضي الله عنهما من باب الأكمل ، كما كان يفعل في الوضوء ( كان يتوضأ لكل صلاة ) فكذلك هنا .
ومن الفوائد :
أن الترمذي رحمه الله قال في هذا الباب ( باب التيمم للجنب ) فيستفاد من هذا الحديث أن التيمم بصفته المعروفة يكون في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر ، لأنه جاء عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما النهي عن التيمم في الحدث الأكبر ، فكانا يجيزان رضي الله عنهما التيمم في الحدث الأصغر ، أما في الحدث الأكبر فلا ، ولذا أنكر عمر رضي الله عنه على عمار بن ياسر لما كان يفتي بهذا ، وقد قيل إن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما رجعا إلى القول بالإجزاء .
بَابٌ فِي المُسْتَحَاضَةِ
حديث رقم – 125-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَعَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ»)
من الفوائد :
أن المرأة إذا انطبق معها الدم واستمر معها ولم ينقطع أو أنه استمر في غالب الشهر فإنها تعد مستحاضة ، وإذا كانت مستحاضة فإنها في عداد الطاهرات .
ومن الفوائد :
أن قولها : ( إني أستحاض فلا أطهر ) يدل على أن بعض النساء قد لا ترى الطهر من خلال القصة البيضاء ، وإنما قد ترى الطهر عن طريق الجفاف ، لأنها قالت : ( إني أستحاض فلا أطهر ) من باب أن هذا الدم استمر معها ، فيفهم أنه لو جف فهو علامة على الطهر .
ومن الفوائد :
تحريم الصلاة على الحائض ، ولذا قالت رضي الله عنها : ( أفأدع الصلاة ؟ )
ومن الفوائد :
أن اسم الإشارة إذا كان موجها إلى أنثى فيصح أن يقال ( إنما ذلكَ ) ويصح ( إنما ذلكِ ) من باب الخطاب لها .
ومن الفوائد :
أن الاستحاضة عبارة عن عرق ، والدم الذي يخرج من العرق هو الدم الأحمر ، فدل على أن الدم الذي هو أحمر لا يكون دم حيض .
ومن الفوائد :
أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، ومن ثم فإنها إذا دخل وقت الصلاة تتوضأ ولا يجوز لها أن تتوضأ قبل ذلك ، فإذا أرادت أن تصلي فرض هذا الوقت فلا تتوضأ إلا بعد أن يدخل وقت صلاة الظهر ، فتصلي صلاة الفرض وما يتبعها من نوافل ولا إشكال في ذلك .
لكن هل يمكن أن تصلي صلاة مقضية ، كأن تتذكر صلاة ماضية ، تصلي بهذا الوضوء الصلاة الحاضرة والصلاة التي فاتتها ؟
قولان لأهل العلم ، ولذا جاء لفظ ( توضئي لوقت كل صلاة ) فإذا كان اللفظ بهذه الصورة فلا إشكال في أن تصلي الصلاة المقضية بهذا الوضوء .
لكن المحدثين يقولون إنها عن طريق أبي حنيفة رحمه الله ، وأبو حنيفة رحمه الله مع أنه إمام جليل لكنه سيء الحفظ ، فيكون هذا القول مردودا .
فالوارد كما قال ابن حجر رحمه الله ( توضئي لكل صلاة )
بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
حديث رقم – 126-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي اليَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي المُسْتَحَاضَةِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي»)
حديث رقم -127-
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُرَيْكٌ، نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ)
من الفوائد :
أن المستحاضة في حكم الطاهرات تصلي وتصوم ولا يجوز لها ترك الصلاة ولا الصوم .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أزواج المستحاضات أن يعتزلوهن في الجماع ، فدل على أن جماعهن جائز حتى مع جريان الدم لأنهن في حكم الطاهرات .
ومن الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من أن ( القَرْء ) هو الحيض ، لأنه قال ( أيام أقرائها ) والقرء هنا الحيض ، لأن ( القرْء ) لفظ مشترك بين الحيض والطهر ، ومن ثم فإن القرء هو الحيض كما ذهب إليه بعض العلماء ، فإن المطلقة غير الحامل تعتد بالحيض لا بالأطهار {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }البقرة228، أيحسبن العدة بالأطهار أم بالحيض ؟
قولان لأهل العلم ، وهذا الحديث دليل لمن قال بأنها تحسب بالحيض وهو الصواب .
والمسألة طويلة ، وقد بحثها الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ، وهو يرى رحمه الله أنها تعتد بالأطهار .
بَابٌ فِي المُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ
حديث رقم – 128-
( حسن )
(128 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامَرٍ العَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا، فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ؟ قَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَتَلَجَّمِي» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ: أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ ” فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حِينَ تَطْهُرِينَ، وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ، وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ»” )
من الفوائد :
أن المرأة المستحاضة يلزمها تمنع خروج الدم ، فأمرها بالكرسف وهو القطن لأنه يجفف الدم ، ولكن الأمر أكثر ، فأمرها أن تتلجم بأن تضع خرقة أو ما شابه ذلك ، ولكن الأمر أكثر ، فأمرها بثوب ، فأفاد هذا أن المرأة المستحاضة يلزمها أن تتحفض ، بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أو بما استجد في هذا العصر ، المهم ألا يخرج هذا الدم ، فإذا فعلت ما تقدر عليه ثم خرج الدم فلا جناح عليها .
ومن الفوائد :
أن الشيطان له علاقة بإيهام المسلم والتلبيس عليه في العبادة ، ولذا قال : ( إنما هي ركضة من الشيطان ) إما أن تكون ركضة ركضها برجله – كما قال بعض العلماء- فنزل هذا الدم .
وإما – وهو الأقرب – أن الركضة أضيفت إليه لأنه يحب هذا الشيء ويحب أن يدخلها في وهم في عباداتها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان ) مع أن الكل مخلوق لله سبحانه وتعالى ، لكن لما كان الشيطان يحب التثاؤب وما ينجم منه من كسل نسب إليه .
ومن الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من أن : المرأة إذا لم تكن لها عادة كالمبتدأة التي جاءها الدم وليس معها ما يميز هذا الدم من الاسوداد والغلظة ونتانة الرائحة ، فإنها تحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، لأن هذا هو غالب حيض النساء .
وقال بعض العلماء : إنها تحيض غالب نسائها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم من حالها أن نساءها من قريباتها بعضهن يحضن ستة أيام وبعضهن يحضن سبعة أيام ، فتنظر إلى الأكثر والأغلب منهن ، ولذلك تكون كلمة ( أو ) للتقسيم .
وأما من قال إنها للشك ، فهذا شك من الراوي .
وبعضهم قال إنها للتخيير ، فهي تختار ما تشاء ستة أيام أو سبعة أيام .
ومن الفوائد :
أن الأمر الأول أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فليس مذكورا ، هل هو ( توضئي لكل صلاة ) ؟ هل هو الغسل لكل صلاة ؟
ولذلك أعجب إليه أن تصلي الصلاتين اللتين يمكن أن تجمعا بغسل واحد ، وقال في الصبح ( وتغتسلين مع الصبح وتصلين ) فيكون غسلها في اليوم ثلاث مرات .
ومن الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المرض عذر يستباح به الجمع بين الصلاتين ، لأن الاستحاضة عرق وهو مرض ، فيكون الجمع حتى في الحضر .
بينما يرى بعض العلماء أن الجمع هنا ليس جمعا حقيقيا وإنما هو جمع صوري ، بمعنى أنها تؤخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها ، وقبل أن يخرج وقتها تصلي الظهر ، فمن حين ما تفرغ من صلاة الظهر إذا بوقت العصر قد دخل فتصلي العصر .
والصواب أنه جمع حقيقي ، ولو كان صوريا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ووضحه توضيحا .
وهذا هو أعجب الأمرين إليه عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
أن المرض عذر يستباح به الفطر ، لأنه قال : ( وصومي إن قويت على ذلك ) فدل على أنه عذر ، وقد لا تتمكن المرأة مع نزول الدم الكثير أن تصوم لضعف بدنها ، فلا تتمكن من الصيام ، وعليها القضاء مستقبلا .
بَابُ مَا جَاءَ فِي المُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
حديث رقم – 129-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ ابْنَةُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي» فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ )
ومن الفوائد :
أن بنات جحش رضي الله عنهن مصابات بهذا المرض ” حمنة وأم حبيبة ” وجاء في صحيح البخاري ( أن إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض ) فلعلها أن تكون زينب رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالاغتسال ، فدل على أن الاغتسال واجب بعد ذهاب زمن الحيض ، فكانت رضي الله عنها تغتسل لكل صلاة .
ومن ثم اختلف العلماء : هل هذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل لكل صلاة ؟ أم أنه اجتهاد منها ترى أن هذا هو الأكمل والأفضل ؟
جاءت أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر أن تغتسل المستحاضة )
فيكون الجمع بين الأحاديث أن الواجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة ، وأما الاغتسال فشيء مندوب .
ومن الفوائد :
أنه ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم ، في الحديث الأول قال ( واغسلي عنك الدم )
فالجمع بينهما :
بأن تغسل ما أصاب بدنها وثوبها من الدم ثم تغتسل .
ومن الفوائد :
أن ما خرج من السبيلين من غير البول والغائط أنه نجس ، لأن الخارج هنا هو الدم .
والحديث الأول ( واغسلي عنك الدم ) استدل به الجمهور على أن الدم الذي يخرج من ابن آدم من غير السبيلين أنه نجس ، ويعفى عن يسيره .
بينما بعض العلماء يرون أن ما خرج من الإنسان من دم من غير السبيلين أنه طاهر ، وهو الصواب ، لأن هذا الحديث ( واغسلي عنك الدم ) أمر بغسل الدم الذي خرج من السبيل
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَائِضِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ
حديث رقم -130-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَقْضِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا أَيَّامَ مَحِيضِهَا؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ «قَدْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ فَلَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ»)
من الفوائد :
أن الإنسان قد يبهم نفسه بما لا يريد أن يظهره عن نفسه ، فالسائل في الحقيقة معاذة ، ولذلك قالت : ( أن امرأة ) وهي يصدق عليها أنه امرأة ، ومن ثم فإن المعاريض جائز في الشرع .
ومن الفوائد :
أن إنكار عائشة رضي الله عنها يفيد بأن أن الخوارج يوجبون على الحائض أن تقضي الصلاة كما هو واجب عليها أن تقضي الصوم ، وهذا من تشددهم ، ولذا نسبتها إلى حروراء ، وهي قريبة من العراق ، خرج منها الخوارج ، لأن أول من خرج على علي رضي الله عنه من هذه القرية ، فنسبتها إليها .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الجُنُبِ وَالحَائِضِ أَنَّهُمَا لَا يَقْرَآنِ القُرْآنَ
حديث رقم 131-
( منكر )
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ»)
من الفوائد :
هذا الحديث ذهب من خلاله بعض العلماء أن قراءة القرآن عن ظهر قلب لا تجوز لا للحائض ولا للجنب ، ولكن هذا الحديث ضعيف ، ومن ثم فإن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن كما سيأتي معنا ، بينما الحائض ليس هناك دليل على أنها تمنع من قراءة القرآن .
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ
حديث رقم – 132-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مِنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حِضْتُ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُنِي»)
من الفوائد :
أن المرأة الحائض طاهرة ، خلافا لما كان في زعم اليهود من أنها نجسة وأنها لا تؤاكل ولا تجامع في البيوت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر عائشة رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن للأمة ما كان يخفى عليها من أحكام .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أن ما تحت السرة وما فوق الركبة يحرم على الزوج أن يباشر فيه ، لأنها ذكرت الاتزار ، والاتزار من السرة إلى الركبة ، فله أن يستمتع بزوجته الحائض مما هو أعلى من السرة وما هو دون الركبة ، أما ما هو بين السرة والركبة فلا يجوز له .
والصواب أنه يجوز له ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) يعني إلا الجماع .
وسيأتي معنا أحاديث من بينها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد أن يجامع الحائض ألقى على فرجها شيئا ) فيكون المحرم فقط هو الفرج الذي هو محل الأذى ، وكذلك الدبر كما هو معلوم ، أما ما عدا ذلك فله أن يستمتع بزوجته كما شاء .
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُؤَاكَلَةِ الحَائِضِ وَسُؤْرِهَا
حديث رقم – 133-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ العَلَاءِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُوَاكَلَةِ الحَائِضِ؟ فَقَالَ: «وَاكِلْهَا»)
من الفوائد :
هذا يرد على ما كان يصنع في اليهود من مجانبة الحائض ، وقد مر معنا أن عائشة رضي الله عنها ( كانت تتعرق العرق ) يعني العظم ( فيضع النبي صلى الله عليه وسلم فمه موضع فمها ، وكانت حائضا )
بَابُ مَا جَاءَ فِي الحَائِضِ تَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ مِنَ المَسْجِدِ
حديث رقم -134-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ ثابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ»، قَالَتْ: قُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، قَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»)
من الفوائد :
هذا يدل على أن الحائض طاهرة ، ولكن أيجوز لها أن تدخل المسجد مرورا أم لا ؟
قولان لأهل العلم ، ولا أستعجل المسألة لأنها ستأتي معنا إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد :
أن ( الخُمْرَة ) هي حصير بقدر الوجه الكفين .
ومن الفوائد :
أن السجود على حائل منفصل عن المصلي جائز ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، أما إذا كان السجود على شيء ملاصق للمصلي فإنه يكره ، كأن يضع شماغه على الأرض ثم يسجد عليها ، ولا يصنع إلا عند الحاجة .
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ الحَائِضِ
حديث رقم – 135-
( صحيح )
(حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَةِ، عَنْ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»)
من الفوائد :
هذا الحديث يضعفه بعض العلماء ، ولكن على ثبوته لوجود طرق تقويه فإن جماع الحائض محرم وكذلك إتيان المرأة في الدبر ، وقد جاء التغليظ في ذلك ( فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) والذي أنزل على محمد هو القرآن ، لكن أيكون هذا الكفر كفرا مخرجا عن الملة كمن أتى كاهنا ؟
الصواب أنه لا يكفر ، فإما أن يكون الكفر هنا كفر النعمة وليس كفرا مخرجا عن الملة .
ويمكن أن يكون – كما قال بعض العلماء – في حق من استحل هذا الأمر ، يعني جعله مباحا ولم يحرمه .
ومن المعلوم أن من أتى امرأة في دبرها أو أتاها وهي حائض من المعلوم أنه لا يخرج من الملة ، فلا يأتي إنسان ويقول إن من أتى كاهنا فإنه لا يخرج عن الملة ، والصواب أنه يخرج عن الملة إذا أتاه وصدقه ، لأن لكل أمر حكماً في الشرع .
ومن الفوائد :
أن من أتى امرأة حائضا أنه لا يلزمه شيء إلا التوبة ، لأنه لم يذكر كفارة ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء ، قال ” يستغفر الله ” ولا يلزم بكفارة ، ولها مزيد حديث سيأتي إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد :
أن إتيان المرأة في دبرها ليس طلاقا يقع على المرأة كما نسأل عنه كثيرا إذا أتى امرأة في دبرها يظن أن زوجته قد حرمت عليه ، ليس على ما توهم ، ولكنها كبيرة من كبائر الذنوب ، لكنه ليس طلاقا ، لكن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله لو أن الرجل اعتاد على أن يأتي زوجته في دبرها ووافقته على ذلك فيلزم أن يفرق بينهما ، لأنهما اجتمعا على غير مقصود الشرع ، فمقصود الشرع أن يكون هناك أولاد ، والجماع في الدبر لا يتولد منه إلا الشر فضلا عن ذهاب الخير .
سؤال : هل أحاديث نهي إتيان المرأة في الدبر ضعيفة ؟
الجواب :
قد قيل بأن الأحاديث التي أتت بتحريم إتيان المرأة في الدبر أنها أحاديث ضعيفة ومن ثم فلا يعول عليها حكما ، والصواب أنه يعول عليها حكما باعتبار أنها أحاديث كثيرة يقوي بعضها بعضا ، وعلى فرض أن الأحاديث الواردة في تحريم إتيان المرأة في دبرها على اعتبار أنها ضعيفة ، فهناك دليل من القرآن قال تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ }البقرة222لماذا حرم علينا جماع الحائض ؟ لأنه أذى في جميع الأوقات أم في زمن معين ؟ في زمن الحيض ، فكيف بالدبر الذي هو أذى في جميع الأوقات .
وقال تعالى :{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }البقرة223 ، يعني من أي جهة ، من الأمام، من الخلف ، من اليمين ، من اليسار ، أهم شيء أن يكون في موضع الحرث ، ما هو موضع الحرث ؟ القبل وليس الدبر ، فالدبر ليس موضعا للنسل والذرية .
سؤال : ما نوع تغسيل الملائكة لحنظلة ؟
الجواب :
تغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه ، هو غسيل غيبي، وبعض العلماء يقول إن الشهيد إذا كان جنبا يغسل باعتبار أن الملائكة غسلت حنظلة ، ولكن يقال إن التغسيل من قِبل الملائكة يختلف عن تغسيل البشر ، قد يكون من باب الإكرام أو ما شابه ذلك .