بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب فيمن تطوع جالسا
حديث رقم – 375-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا خالد وهو الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قال سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه قالت : كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
من الفوائد :
بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن لنا ما كان يخفى علينا من حاله صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الفوائد :
بيان فضل عائشة رضي الله عنها وأنها كانت تُسأل من قِبل الصحابة رضي الله عنهم فكانت تجيب ، حتى قال الذهبي رحمه الله عنها في سير أعلام النبلاء قال رحمه الله ” هي أفقه نساء الأمة ” وهي امرأة فصيحة ، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أشكل عليهم أمر أتوا إليها فوجدوا عندها علما ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة ، فدل على أن من كان حريصا على طلب العلم فإن الله عز وجل سيوفقه ولو قصرت المدة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين وتوفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة ، فإذا كانت رضي الله عنها قد مكثت بعد بنائه صلوات ربي وسلامه عليه بها تسع سنين فكم من العلم الغزير الذي أخذته منه صلوات ربي وسلامه عليه في مثل هذا السن ، والعلم قد يتحصل عليه الإنسان إذا كان الإنسان ذا عزيمة وجد واجتهاد يتحصل عليه في أسهل وأيسر وأقصر الزمان ، والموفق من وفقه الله .
ومن الفوائد :
بيان أن صلاة النفل يجوز فيها القعود مع القدرة على القيام ، وقد مرت هذه المسألة .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الليل يصلي قائما ، وقد روت عائشة رضي الله عنها أنه كان تتفطر قدماه من طول القيام ، فقالت له كيف تفعل بنفسك هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال أفلا أكون عبدا شكورا !
لكن لما مضت السنون به صلوات ربي وسلامه عليه ضعف ، وهذه هي حال البشر ولا يغتر أحد بشبابه ، فإن من يرى الآن وهو لا يستطيع الصلاة وهو قائم سيمر بالإنسان مثل ما مر بهذا من الضعف ، فعلى المسلم أن يغتم شبابه ، فلما ضعف عليه الصلاة والسلام في آخر حياته كان يصلي صلاة الليل قاعدا ، وهذا قبل وفاته كما جاء عند مسلم بسنة ، فمرة إذا صلى قاعدا ركع وسجد وهو قاعد ، لم ؟ لأنه افتتح الصلاة وهو قاعد ، ومرة إذا افتتح الصلاة وهو قاعد قرأ وهو قاعد فإذا بقي عليه نحو ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ هذه الأربعين آية فركع من قيام وسجد من قيام ، فهذه يحمل على التنويع ، فمرة فعل كذا ومرة فعل كذا .
ومن الفوائد :
بيان فضل قيام الليل وما له من القدر العظيم في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كان يحرص عليه في آخر حياته مع تعبه ، فإذا كان لا يدعه عليه الصلاة والسلام بناء على أن قيام الليل في حقه سنة ، لأن بعضا من العلماء يقول إن قيام الليل بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فريضة لقوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79 ، فمنهم من حمل هذا على الاستحباب ومنهم من حمله على الوجوب ، وعلى القول بأنه مستحب في حقه عليه الصلاة والسلام لأنه ما تركه ، فخليق بنا أن نحرص على قيام الليل ، ولذلك قال بعض السلف ( ولو بقدر حلب شاة ) فحلب الشاة لا يأخذ وقتا كثيرا في حلبها ، والأفضل أن تكون صلاته بعد نوم لقوله تعالى { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً }المزمل6 ، قال الإمام أحمد الناشئة تكون بعد النوم .
باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إني لأسمع بكاء الصبي في الصلاة فأخفف “
حديث رقم – 376-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والله إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتتن أمه ” )
قال وفي الباب عن أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح
من الفوائد :
أن هذا الحديث يرد ذلك الحديث الضعيف شديد الضعف ( جنبوا مساجدكم صبيانكم ) فمع ضعفه فإن هذا الحديث يزيده ضعفا على ضعف ، لم ؟ لأن إحضار الأطفال في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المساجد كان معهودا ، لكن إن كان هؤلاء سيشغلون الناس فإنه لا يؤتى بهم ، لأن مراعاة المكلفين أولى من مراعاة هؤلاء غير المكلفين .
ومن الفوائد :
بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بالأمة ، كما جاء في هذا الحديث ، وبيان ذلك أنه أشفق على أمه وأشفق على الطفل ، لأن الطفل بحاجة إلى رعاية ، والأم بين أمرين إن أمسكت به افتتنت في صلاتها يعني اشتغلت عن صلاتها ، وإن لم تمسك به وتركته كان في ذلك مظنة نزول بلاء بهذا الصبي لأنه لا يدرك فهو بحاجة إلى من يحفظه ويصونه ، ففي هذا شفقة النبي عليه الصلاة والسلام على النساء وعلى الصبيان .
ومن الفوائد :
أن الأصل في صلاة الفجر أن تطال فيها الصلاة ، ولكن قد يعدل عن ذلك لاعتبارات أخرى منها ما جرى هنا .
ومن الفوائد :
أن على الأئمة أن يتخذوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم نبراسا لهم ، فمتى ما وجدت الحاجة إلى التخفيف مع أن الإمام دخل في الصلاة وهو يريد التطويل فليخفف ، وهذا العذر الذي يجعله يخفف إما عذر يخصه هو وإما عذر يخص غيره ، فأما ما يخص غيره كما هنا في هذا الحديث .
وأما باعتبار مصلحته هو جاء عند مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر سورة المؤمنون فلما بلغ ذكر موسى أو ذكر عيسى أخذته سعلة فقطع النبي صلى الله عليه وسلم القراءة وركع ) ومن ثم فإن على المسلم أن يكون رفيقا بنفسه ورفيقا بغيره .
ومن الفوائد :
أنه ثبت في غير الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام ( قرأ بأقصر سورتين ) يعني خفف الصلاة ، و لذلك نرى مراعاته عليه الصلاة والسلام في السفر ، فنجد أنه قرأ بالمعوذتين في الفجر لما كان مسافرا ، نجد أنه كان مفطرا وكادت الشمس أن تغرب بعد العصر لما شق الصيام على أصحابه وهم ينظرون حاله فأفطر من باب التخفيف عليهم ، ولذلك على المسلم أن يكون رفيقا رقيقا بمن حوله وبمن يتعايش معه .
ومن الفوائد :
بيان أن النساء يحضرن صلاة الجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن صلاتهن في البيوت أفضل ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن )
وهن يحضرن في صلاة الفجر وهي مظنة الفساد ، لأنها تكون بليل ، فإذاً حضورها بالنهار من باب أولى .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ منه أن من سمع صوت داخل وهو يؤم بالناس وكان في الركوع فلينتظر هذا المسبوق حتى يدرك الركعة ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما خفف مراعاة لهذه الأم ولهذا الطفل دل تراعي من يريد أن يدرك الركعة ، وقد جاء في حديث لكنه ضعيف ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع وطء قدم أطال في الصلاة ) حتى يدرك من أتى بعده ، ولكنه حديث ضعيف .
وبعض العلماء يقول ( لا ) فرق بين هذه وبين هذه ، فهذه فيها إطالة على الناس وهذه فيها تخفيف ، ففرق بينهما .
والصواب هو القول الأول ، لكن ما الجواب عن هذا ؟
نقول إن انتظار الإمام لمن هو داخل ليدرك الركوع فيدرك الركعة مطلوب شرعا إلا إذا شق على من خلفه ، لأن مراعاة السابق أولى من مراعاة اللاحق ، لكن إن لم تكن هناك مشقة فلا مانع .
بعض العلماء دخل مدخلا آخر : قال إن هذا قد يدخل في إفساد الصلاة ، لأنه شرك ، لأنه ما أطال الركوع إلا لأمر آخر ، لم يطلها لله .
فيجاب عن هذا : بأن هذا ليس بشرك وإنما هو تشريك ، ففرق بين الشرك وبين التشريك ، هذا لم يصرف هذه العبادة لهذا الداخل ، وإنما أراد أن يشرِّك في هذه العبادة أكثر من مصلحة شرعية ، فهو في صلاة يريد أن يرفق بأخيه المسلم حتى يدرك فضل إدراك الركعة .