بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة
حديث رقم – 379-
( ضعيف ) حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه )
قال وفي الباب عن معيقيب وعلي بن أبي طالب وحذيفة وجابر بن عبد الله قال أبو عيسى حديث أبي ذر حديث حسن وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره المسح في الصلاة وقال أن كنت لا بد فاعلا فمرة واحدة كأنه روي عنه رخصة في المرة الواحدة والعمل على هذا عند أهل العلم .
هذا الحديث مختلف في ثبوته بين أهل العلم ، وعلى افتراض ثبوته فإنه يستفاد منه فوائد من بينها :
أن على المسلم إذا حضر للصلاة أن يكون على أحسن ما يكون من الاستعداد ، فيأتي بالأسباب المعينة على الخشوع ، ويدع ويجتب الموانع التي تمنع حضور القلب ، ومن ذلك أن يشتغل بمسح الحصى ، لأنه إذا مسح الحصى فذهب خشوعه حينها يذهب من تنزل رحمة الله عز وجل عليه بقدر ما ذهب من خشوعه ، ولذا قال ( فإن الرحمة تواجهه ) يعني تقبل عليه وتنزل عليه .
ومن الفوائد :
أن رحمة الله عز جل نوعان :
النوع الأول : رحمة هي من باب إضافة المخلوق إلى خالقه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق مائة رحمة )
النوع الثاني : من باب إضافة الصفة إلى الموصوف .
ومن الفوائد :
أن رحمة الله عز وجل تستجلب من طرق ، من هذه الطرق ” الصلاة ” ولا شك في ذلك ، فإن المسلم يدرك هذا من حيث الواقع .
ومن الفوائد :
أنه قال ( إذا قام إلى الصلاة ) فكأن ظاهر هذا الحديث أنه لا يسوي الحصى قبل الدخول فيكون في الدخول من باب أولى ،
ولكن الصواب أن الحديث لو صح فإنه مخصص بالدخول في الصلاة ، لحديث معيقيب عند البخاري ( لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة ؟ ) قال ( في الصلاة ) فدل على أن النهي داخل الصلاة .
لكن لو دخل إلى الصلاة واحتاج إلى أن يسوي الحصى للسجود عليه ، فالمصلحة هنا بحسبها ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن كنت لابد فاعلا فمرة واحدة )
لو قال قائل : الحديث هنا ذكر ( الحصى ) لو كان ترابا أو رملا فما الحكم ؟
الجواب : أنهما سواء ، بدليل ما جاء عند البخاري من حديث معيقيب ( أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن مسح التراب ؟ )
فهذا شامل لكل ما على الأرض ، ومن ثم فإن المسلم إذا أراد أن يشرع في الصلاة ولم يكن على سجاد وإنما على حصباء أو أرض فعليه قبل أن يدخل في الصلاة أن يمسح موضع سجوده حتى لا يحتاج إلى المسح أثناء الصلاة ، لكن لو أنه نسي أو تغافل عمدا فأراد في الصلاة أن يمسح ، فنقول مرة واحدة .
ومن الفوائد :
أن ذكر الحصى لعله من باب بيان الواقع لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروش بالحصباء .
ولو قال قائل : ما العلة في المنع ؟
قال بعض العلماء : العلة في المنع أن هذا سبب من أسباب ذهاب الخشوع ، ولذا قال في هذا الحديث ( فإن الرحمة تواجهه ) .
وقال بعض العلماء : ولا دليل عليه من حيث السنة ، أنه لو سوى الحصى سواء قبل الصلاة أو داخل الصلاة فإنه يُحرِم إحدى الحصوات من السجود عليها ، لأنه سيغطي بعض الحصى بالبعض ، ولكن كما أسلفت لا دليل صحيح من السنة على هذا .
سؤال : حكم مسح ما على الجبهة من التراب في الصلاة ؟
قال ابن مسعود رضي الله عنه ( إن من الجفاء أن تمسح التراب عن جبينك في الصلاة ) والسنة المعهودة منه صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، لما حصل المطر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وخر المطر من السقف ، قال أبو سعيد رضي الله عنه ( فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم رأيت أثر التراب على جبينه وأرنبة أنفه ) صلوات ربي وسلامه عليه ، فدل هذا على أنه لم يمسحها في الصلاة ، فالسنة أن تترك إلى ما بعد السلام .
حديث رقم – 380-
( صحيح ) حدثنا الحسين بن حريث حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة ؟ فقال إن كنت لا بد فاعلا فمرة واحدة )
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
من الفوائد :
هذا الحديث كما أسلفنا عند البخاري ، ونحن بحاجة إليه فيما يخص ما سلف من الحديث السالف ، هنا ذكر ( مسح الحصى في الصلاة ) فدل على أن النهي عن تكرار مسح الحصى إنما هو داخل الصلاة ، أما خارج الصلاة فلا إشكال في ذلك ، مع أن الأولى بالمسلم ألا يشغل نفسه قبل الصلاة بأي شيء آخر غير الصلاة .
ومن الفوائد :
أنه أجاز مسح ما على الأرض في الصلاة مرة واحدة ، قال ( إن كنت لابد فاعلا فمرة واحدة ) هنا حذف يعني فامسح مرة واحدة.
ومن الفوائد :
أن( معيقيب ) تصغير لاسم ( معقاب ) وهو رضي الله عنه الذي كان يتولى خاتم النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ، ويتولى شيئا من أمور بيت المسلمين ، تولى الخاتم في عهد أبي بكر وفي عهد عمر وفي صدر من عهد عثمان رضي الله عنهم ، فسقط منه خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في أواسط خلافة عثمان سقط منه في بئر ، ولعل سقوط هذا الخاتم في البئر مع عدم القدرة على الإتيان به وفي أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه كأن فيه إشارة إلى أن خلافة عثمان ستنتهي وتزول ، بل فيه إشارة إلى أن نهاية خلافة عثمان رضي الله عنه أن الشر سيحل بالناس مما لم يكن موجودا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعمر ، وبالفعل لما قتل عثمان رضي الله عنه حل البلاء بالأمة ، ولا تزال الأمة الإسلامية تتجرع غصص ذلك الخلاف الذي حصل بعد مقتل عثمان إلى هذا الوقت ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( إذا وقع السيف في أمتي لم يرفع إلى يوم القيامة ) وبالفعل لم تنتهض الأمة وإنما انتهضت في عهد الخلافة الأموية ، ثم عادت مرة أخرى ، لما رجعت الأمة في عهد الدولة العباسية وارتفع شأنها حل بها البلاء فسقطت ، أتت الدولة العثمانية ، ونفس القضية ،وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أنه لما انفتح الشر وقضي عليه في بعض الأزمان إلا أن له بقايا وخلايا ، ولذا لا يمكن للأمة أن تكون لها سيادة إلا بالاتفاق وبالاجتماع، لأن هذه الأمة هي أمة الاجتماع ، فمتى ما تفرقت أصيبت في مقاتلها من قِبل الأعداد في الداخل وفي الخارج ، وفي مجتمعنا في عهد الشيح محمد بن إبراهيم رحمه الله لما كان في وقت الملك عبد العزيز والملك سعود والملك فيصل ، لما كان الناس كلهم متحدين ، تجد أن العامة مع العلماء وليس لكل شخص أن يصدر عن رأيه ، كل شخص إذا أراد أن يتحدث له مرجعية ، كان الناس على خير وفي قوة ، لكن لما بدأ كل شخص يصدر عن رأيه وكل ما انقدح في فكره أو فهمه أخرجه دون أن تكون له صلة بالأكابر ما الذي جرى ؟ جرى التغير ، هل واقعنا في مجتمعنا الذي يعد من أفضل المجتمعات في العالم رخاء وأمنا هل هو مثل عشر سنين سابقة ؟ هل هو مثل ما كان قبل عشرين سنة ؟ قبل ثلاثين سنة ؟ يختلف الحال ، أنا أدركت وأنا صغير أن الشخص الذي يتخلف أكثر من مرة عن صلاة الفجر يؤتى به بعد صلاة الجمعة ويجلد تعزيرا لما يفعل ، لما كان الناس على قلب رجل واحد ، وكان الناس على خير مع أنهم في فقر إلا أنهم سعداء ، تجد أن الأبناء مع آبائهم على قلب رجل واحد ،الإخوان مع إخوانهم على قلب رجل واحد ، لا تجد مفارقة بين غني وبين فقير ، إذا كان جارك غنيا لا تشعر بالفوارق – وأدركت ذلك وأنا صغير – تجد أن الغني لبسه كلبسك ، مأكله كمأكلك ، فالناس كانوا متآلفين ، ولذلك السعادة حلت في قلوبهم وفي ديارهم ، لكن في هذا العصر مع أن الخير كثير إلا أن الناس يبدو أنهم يتنافسون في إغاظة أقربائهم ، يمكن يأتي الأخ بشيء من أجل أن يخرج أمام أخيه أو أمام قريبه حتى يغيظه من أني أحسن منك ، وهذا شيء مشاهد ، ولذلك لا يمكن لهذه الأمة أن يكون لها خير وسعادة إلا بالاتفاق ولا اتفاق إلا بشرع الله عز وجل ،لأن الاتفاق والاجتماع هو سبيل الرحمة ، ولذلك قال عز وجل { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } فدل على أن من ليس بمختلف هو من دخل تحت رحمة الله عز وجل ، ومن دخل تحت رحمة الله عز وجل فالخير سيأتيه ولا شك في ذلك ، ولذلك الدولة العثمانية في تركيا لما كانت متمسكة في أول أمرها في الدين كيف وصل أمرها ، ووصلت هيبتها حتى على الدول العربية كلها حتى خافت الدول الأوروبية منها ، وهذا يدل على أنه لا عزة ولا رفعة للناس إلا بهذا الدين ، ولكن وللأسف نجد أن هناك تغيرا كبيرا في سلوك أبنائنا ، في سلوك بناتنا ، حتى في سلوك بعضنا البعض ، وهذا يستدعي من الناس أن يعودوا إلى الله عز وجل وأن ينظروا إلى حالهم ، أما ترك الحال على ما هو عليه من هذا الانفلات فإنه لا يبشر بخير، فنسأل عز وجل أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .