تعليقات على سنن الترمذي ( 61 ) حديث ( 381-382 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 61 ) حديث ( 381-382 )

مشاهدات: 444

تعليقات على سنن (  الترمذي  )

الدرس الحادي والستون 

حديث 381- 382

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة

حديث رقم – 381-

( ضعيف ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عباد بن العوام أخبرنا ميمون أبو حمزة عن أبي صالح مولى طلحة عن أم سلمة قالت :   رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له افلح إذا سجد نفخ فقال يا أفلح ترب وجهك ” )

قال أحمد بن منيع وكره عباد بن العوام النفخ في الصلاة وقال إن نفخ لم يقطع صلاته قال أحمد بن منيع وبه نأخذ قال أبو عيسى وروى بعضهم عن أبي حمزة هذا الحديث وقال مولى لنا يقال له رباح .

من الفوائد :

فإن هذا الحديث ضعفه العلماء ومن بينهم ابن حجر رحمه الله ، يرون أن هذا الحديث ضعيف ، ويقول ابن حجر رحمه الله لو صح لما كان فيه دلالة على أن من نفخ في صلاته أن صلاته تبطل ، والنفخ يعد من الأصوات الحلقية ، وهذه الأصوات التي تخرج من الإنسان في صلاته هل تبطل الصلاة بها أم لا ؟

بعض الفقهاء كالحنابلة يرون أن من نفخ أو بكى من غير خشية الله فبان منه حرفان بطلت صلاته ، ويستدلون على ذلك بمثل هذا الحديث الذي معنا ، ولكن ليس فيه وضوح ، ويستدلون بما جاء عند الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( النفخ في الصلاة كلام )

وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله ( أخشى أن يكون النفخ في الصلاة كلاما )

والقول الآخر: أن النفخ ليس بكلام ، لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ، ولو صحت فإنه ليس فيها دلالة واضحة على أنه كلام ، بل لو صحت وظهرت دلالتها على أن النفخ كلام فإن النفخ خارج من النهي عن الكلام في الصلاة ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم استثنى النفخ في الجواز من أنواع الكلام  ، لما ورد عند النسائي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف نفخ في سجوده ) ففعله عليه الصلاة والسلام يدل على أنه ليس بكلام ، ولو قلنا إن الأحاديث الماضية ثابتة فإن النفخ مستثنى من الكلام المحرم في الصلاة .

ومما يدل على أن النفخ ليس بكلام وليس مبطلا للصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا تنخم أحدكم في صلاته فلا يتنخم أمامه فإن الله قِبل وجهه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ، وإنما عن يساره تحت قدمه ) ومعلوم أنه إذا لفظ هذه النخامة سيحصل معها نفخ .

بعد هذا نعرج على الأصوات الحلقية كالسعال والتنحنح وما شابه ذلك هل تبطل الصلاة أم لا ؟

الحنابلة يرون أنه إذا تنحنح أو بكى من غير خشية الله  أو أنه سعل يعني أصابته كحة فبان منه حرفان بطلت .

والصواب : ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن الأصوات الحلقية ليست بكلام ، ولذلك جاء عند مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ صلاة الفجر بسورة المؤمنون ، فلما ذكر موسى أو ذكر عيسى أصابته سعلة فركع صلى الله عليه وسلم )

وليس هناك في اللغة ما يدل على أن الصوت الذي يبين منه حرفان أنه كلام ، وإنما الكلام هو المفهوم معنى .

فيرى شيخ الإسلام رحمه الله أن الأصوات الحلقية لا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت عمدا ، فإنها تكون من قبيل الحركة إذا كثرت ، لا لأنها كلام – لا- وإنما لأنها في نظير كثرة الحركة ، فإذا أكثر من التنحنح أو من السعال من غير عذر وإنما هو متعمد فإن صلاته تبطل إذا كثرت ، لكن إذا كانت قليلة فلا تبطل بها الصلاة ، لكن لو أنها كثرت معه بعذر ، لم يتمالك نفسه ، بعض الناس يصاب بكحة مستمرة في صلاته من حين ما يدخل إلى أن يخرج منها ، هل تبطل صلاته ؟ الجواب : لا ، لكن إن كان متعمدا تبطل صلاته لأنها من قبيل الحركة .

لو قال قائل : يدخل عليكم بأمر ” القهقهة ” صوت حلقي لو أن شخصا تقهقه يسيرا متعمدا هل تبطل صلاته ؟

الجواب : قال شيخ الإسلام رحمه الله ” إلا القهقهة ” فإن القهقهة تنافي هيئة الصلاة ، مع أنها صوت حلقي إلا أنها تبطل الصلاة لأنها تنافي الصلاة .

لكن لو أنه تقهقه لعذر، رأى موقفا في صلاته لم يتمالك نفسه ، هو يريد أن يمنع نفسه من الضحك لكن ما استطاع ، هنا لا تبطل صلاته لأنه ليس بمتعمد .

وهذه المسائل أوردها لا لأنه يجوز فعلها – لا – حتى لو قيل بشيء من جوازها ما ينبغي للمسلم أن يكون بهذه الصورة وهو يناجي رب العالمين ، بل عليه أن يكون في أحسن حال ، لكن قد ترد مثل هذه الأشياء .

لو قال قائل ما رأيتكم في التبسم في الصلاة ؟

كل العلماء عدا ابن سيرين رحمه الله كما أظن يرون أن التبسم ولو كان عمدا لا يبطل الصلاة ، ولذلك لأن التبسم ليس بصوت حلقي وليس فيه ما ينافي الصلاة ، لكن مع هذا كله لا يقدم الإنسان على هذا .

لو قال قائل : لو سلمت على شخص لا يحسن رد السلام في الصلاة ، لأنه كما مر معنا أنه إذا سُلِّم على المسلم وهو يصلي ، على هذا المصلي أن يشير إما بأصبعه أو يشير بكفه بدون أن يتلفظ لأنه في صلاة ، ومن ثم قال شيخ الإسلام رحمه ” من عرف أنه لن يحسن الرد في الصلاة فلا يسلم عليه “

لكن لو أن الإنسان سلَّم على مصلي وهذا المصلي لا يدري فقال ” وعليكم السلام ” فصلاته صحيحة لأنه جاهل ، لكن لو كان عامدا بطلت صلاته ، والدليل على هذا ما جاء عند مسلم حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ( لما صلى وعطس شخص فشمته ، قال ” يرحمك الله ” فجعل الصحابة يضربون أفخاذهم تنبيها له أن يقف عن الكلام ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وإنما هي للذكر والتسبيح وقراءة القرآن ” )

هنا تكلم معاوية رضي الله عنه من غير عمد .

وكرها منه – كما أسلفنا – لو سقط على رأسه شيء ثقيل وهو في الصلاة فقال ” أح ” لكنه بغير قصد منه وإنما هو خارج عن إرادته ، هنا نقول صلاته صحيحة .

وهذا الحديث الذي معنا لو صح فإن المسلم ينبغي له أن يكون قريبا من أصل الأرض يعني ( التراب ) لأن هذا أقرب إلى التواضع ،فكونه يُترِّب وجهه ، بمعنى يجعل التراب متمكنا منه بجبهته وأنفه يكون هذا أبلغ في التواضع ، وأيضا للتذكير بأن ابن آدم خلق من هذه المادة وأن مرده إلى هذه المادة ، فلا يتكبر ولا يتعاظم وإنما عليه أن يتواضع لله عز وجل .

ولذا ذكر الوجه ، لأن الوجه هو أشرف أعضاء الإنسان ، فإذا عفَّر هذا الوجه بالتراب لله عز وجل خضوعا له ، كان هذا من أبلغ التواضع، ولذا لو أن الإنسان ضرب ضربا شديدا في جسمه أهون من أن يبصق في وجهه ، مع أن البصقة ليس لها تأثير حسي مثل ما للضرب، ولكن لها تأثير معنوي ، وهذا يدل على أنه أشرف الأعضاء ، ولذا نص الفقهاء على أن الإنسان إذا توفي ولم يوجد كفن يكفن به جميع بدنه فإنه يغطى الوجه وتترك القدمان ،ودليلها ما حصل لمصعب بن عمير رضي الله عنه ، بل قالوا إنه إن زاد الكفن فإن الزيادة توضع على الرأس ، لأن الرأس أشرف الأعضاء .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .