تعليقات على سنن الترمذي ( 67 ) حديث ( 390 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 67 ) حديث ( 390 )

مشاهدات: 530

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس السابع والستون

حديث 390

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة

حديث رقم 390-

( صحيح ) حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن علية وهو بن  إبراهيم عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة قال :  

(  أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب )

قال وفي الباب عن بن عباس وأبي رافع قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول أحمد وإسحاق وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب في الصلاة وقال إبراهيم أن في الصلاة لشغلا والقول الأول أصح .

ذكر الترمذي رحمه الله هذا الحديث ، وهذا الحديث ذكره بإسناده ، وإلا فإنه ثابت في الصحيحين ، وهذا الحديث تندرج تحته عدة فوائد :

 

 

( من الفوائد )

أن الأمر في الشرع في الأصل يقتضي الوجوب ، ولكن قد يصرف هذا الأمر بصارف “

ومن ثم فإن هذا الحديث يكون الأمر فيه ليس واجبا إلا إذا تيقن أنه سيصيبه ضرر أو سيصيب من حوله ضرر بترك الحية أو بترك العقرب .

ولذا اختلف العلماء في حكم قتل الحية والعقرب في الصلاة .

( ومن الفوائد )

أنه ( أمر بقتل الأسودين )

ما هما الأسودان ؟ الحية والعقرب .

هذا ما يسمى بالتغليب عند البلاغيين ، فيغلب أحد الشيئين على الآخر : إما للكثرة ، وإما لسهولة اللفظ “

وهنا من هو الأسود الحية أم العقرب ؟

المشهور عندنا أن العقرب هو الأسود ، وهذا ما انقدح في ذهني ، لكن عند أهل اللغة يقولون :

” إن الأسود يطلق على الحية أكثر ” فالمقصود من الأسود هنا الحية ، فغلِّبت الحية هنا على العقرب باعتبار الوصف .

ولذلك من باب سهولة اللفظ يقولون عن أبي بكر وعمر ” العُمَران ” تغليبا لعمر على لفظ أبي بكر ، وعلى كل حال هذا محله في دروس البلاغة مفصلا .

 

( ومن الفوائد )

أنه يصح أن تقول :

( بقتل الأسودين الحيةِ والعقربِ )

ويصح أن تقول : ( بقتل الأسودين الحيةُ والعقربُ )

وتوجيه الأول (الأسودين ) مضاف إليه مجرور ،وعلامة جره الياء لأنه مثنى .

وتكون ( الحيةِ والعقربِ ) بدل ، والبدل يأخذ حكم المبدل .

وتوجيه الثاني : ( الحيةُ والعقربُ ) باعتبار أنه خبر لمبتدأ محذوف ( هما الحيةُ والعقربُ )

( ومن الفوائد )

أن الأمر بقتل الأسودين الحية والعقرب اختلف فيه العلماء : بعض العلماء أجازه .

وبعض العلماء : منعه ، ما سبب المنع عند هؤلاء ؟

قالوا لأنه سيكثر من الحركة .

وبعض العلماء منعه من أجل أنه سيشوش عليه في الصلاة ، وهذا ما ذهب إليه إبراهيم النخعي رحمه الله ، كما أشار الترمذي رحمه الله ، قال ( إن في الصلاة لشغلا )

وهذا حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين ، فيقول إن ضربه لهما سيشغله عن الصلاة .

والصواب / جواز ذلك ، إن لم نقل بالاستحباب ، وأما الحركة فإنه ليس كل حركة تبطل بها الصلاة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم تحرك في صلاته في أحوالٍ شتى ، ولكنها حركة ليست كثيرة ، لأنه من المعلوم أن قتل الحية والعقرب لا يستغرق حركة كثيرة ، وإنما معلوم أن الحية والعقرب تقتل إما بضربة أو بضربتين .

فهذا ما جرت به العادة ، ولا ننظر إلى زماننا هذا ، الذي كثر فيه الخوف ، كنا في الصغر في سن السابعة والثامنة ، تمر بنا العقرب نضربها ضربة واحدة وتنتهي ، لكن في هذا الزمن اختلف الناس ، لأن الناس لم يعتادوا ، فلا يعول على هذا ، ولذلك لما يعتاد الإنسان على هذا الشيء يكون قتله سهلا ، فالذبيحة إذا أردت أن تذبحها، فمن اعتاد على ذلك فذبحها سهل ، لكن من لم يعتد يظل بالساعات الطوال .

ولذلك جاء عند البيهقي وحسنه الألباني رحمه الله :

( كفاك للحية ضربها بالسوط ضربة واحدة أصبتها أم أخطأتها )

يقول البيهقي رحمه الله – إن صح هذا الحديث – يقول ” فإنه لا يعني أنه لا يجوز أن يزاد على الضربة الواحدة ، وإنما من المعتاد أنها تقتل بضربة واحدة ، لكن لو أنها أخطأتك فلا بأس من أن يزاد على الواحدة “

بدليل ما جاء عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم في الوزغ ، مع أن في إصابته أبعد من الحية والعقرب ، لأن هذا يتسلق ، بينما الحية والعقرب في الأرض :

( قال من قتل وزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتله في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة )

فإذا كان الوزغ مما جرت العادة إنه ربما يقتل في مرة واحدة ، فكيف بالحية وكيف بالعقرب ؟

ثم قد يفوتك فتضربه الضربة الثانية أو الضربة الثالثة .

وأما من يقون : بأن في ذلك إشغالا لقلب المصلي ”

فنقول :

النبي صلى الله عليه وسلم تحرك في صلاته وحمل أمامة بنت ابنته ، ومع ذلك لم ينشغل قلبه صلى الله عليه وسلم ، ولو انشغل القلب فإنه شغل يسير ، فنحن مع النص الذي أمر بقتلهما .

وليس للوجوب ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتلهما لما قد يترتب من إبقائهما من ضرر على المصلي وإشغاله في صلاته أكثر ، لكنه لو قتلها لاستراح واستراح قلبه ، لكن لو أبقاهما ربما يكون قلبه منشغلا .

( ومن الفوائد )

قال بعض العلماء : يلحق بهما كل مؤذي ، لم ؟

لأن العلة من الأمر بقتلهما لكونهما مؤذيين ، فإذاً كل مؤذٍ تراه في الصلاة وتخشى من ضرره ، فلك أن تضربه وأنت في الصلاة وأن تقتله ، ولا يحصر الحكم في الحية وفي العقرب .

وهذا لمن يرى أن القياس معتبر ، وهم الجمهور ، خلافا لمن لا يرى القياس ، كالظاهرية .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .