تعليقات على سنن الترمذي ( 70 ) حديث ( 392 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 70 ) حديث ( 392 )

مشاهدات: 430

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس السبعون

أبواب السَّهو

باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام

حديث 392

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام

حديث رقم 392-

( صحيح ) حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود :   أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة أم  نسيت ؟

فسجد سجدتين بعد ما سلم )

 قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح 

 ( من الفوائد )

“بيان أن السهو يقع منه صلى الله عليه وسلم “

ولذلك قال في تتمة هذا الحديث – لأن هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم – قال :

( إنما إنا بشر مثلكم ، أنسى  كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني )

وفي هذا صفعة لغلاة الصوفية الذين يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل مرتبة تصل إلى مرتبة الخالق عز وجل ، فهو عليه الصلاة والسلام بشر ، لكن الله عز وجل فضَّله على البشر بأن أوحى إليه ، وأودع فيه من صفات البشر ما هو أكمل ، بل قال ابن القيم رحمه الله ” كل صفة حميدة موجودة في الأنبياء ، فهي في النبي صلى الله عليه وسلم في ذروة وفي أعلى مقاماتها “

( ومن الفوائد )

” أن الكلام في الصلاة مبطل لها “

لكن المشكل هنا / أن الصحابة رضي الله عنهم تحدثوا في ثنايا الصلاة ، فالصلاة لم تكمل ، لم ؟

لأن كمال الصلاة يكون بعد سجدتي السهو ، فالجواب عن هذا /

أن الكلام مبطل للصلاة ، إلا إذا كان هذا الكلام صادرا من جهل أو سهو ، فإن سها الإنسان فتكلم في الصلاة يظن أنه ليس في صلاة فصلاته صحيحة .

ثم لو كان يجهل أن الحديث في الصلاة مبطل لها فإن صلاته صحيحة .

وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم ظنوا أن الحكم الشرعي قد تغيَّر في الصلاة ، فظنوا أن الصلاة قد انتهت بخمس ركعات .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث دليل لأحد نوعي الجهل “

الجهل من حيث التقسيم العام ينقسم إلى قسمين ” جهل مركب وجهل بسيط “

الجهل المركب أعظم من الجهل البسيط .

لو قلتُ لشخص ” متى وقعت غزوة بدر ؟ “

فقال : لا أدري ” فهذا جهل بسيط .

لكن لو قال : وقعت في السنة الخامسة ” فهذا جهل مركب .

لا علاقة لنا بهذا التقسيم ، أما الجهل الذي هو عذر شرعي نوعان ، وقد دلَّ هذا الحديث على أحد هذين النوعين ” جهل بالحكم ، وجهل بالحال “

الصحابة رضي الله عنهم يعرفون أن ” الكلام في الصلاة مبطل لها ” لكنهم يجهلون أن الكلام في مثل هذه الحال مبطل للصلاة ، لأنه ظنوا أن الصلاة صارت خمساً ، وهذا عذر شرعي .

مثال / عدي بن حاتم رضي الله عنه كما في الصحيحين ، لما قال الله عز وجل :

{ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }البقرة187

هو – رضي الله عنه – يعلم أن الأكل من الصائم في نهار رمضان مفطِّر ، ماذا صنع ؟

وضع عقالين – يعني حبلين – أسود وأبيض ، وجعلهما تحت وسادته ، وجعل يأكل ، فإذا رفع وسادته ولم يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود جلس يأكل – والفجر قد طلع – فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن وسادك لعريض إن وسع الخيط الأبيض والخيط الأسود ” وسع الليل والنهار .

ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء هذا اليوم ، مما يدل على ماذا ؟

مما يدل على أن الجهل بالحال كالجهل بالحكم من حيث رفع الحرج .

( ومن الفوائد )

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء :

إن سجود السهو يكون بعد السلام مطلقا ، زاد أو نقص  ، شكَّ فتساوى طرفا الشك أو غلب أحدهما على الآخر  ،فكل سجود للسهو بعد السلام .

كما أن في حديث ابن بحينة السابق دليلا لمن قال ” إن سجود السهو يكون قبل السلام مطلقا”

والصواب أن سجود السهو ” يكون دائما قبل السلام إلا في حالتين :

الحالة الأولى : إذا زاد ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا .

الحالة الثانية : إذا شك وغلب على ظنه “

” فإنه يسجد بعد السلام “

( ومن الفوائد )

” أن في هذا الحديث دليلا للجمهور الذين ردوا مذهب الحنفية القائلين إذا زاد الإنسان في صلاته في الرباعية فلم يتشهد التشهد الأخير فقام مباشرة إلى الخامسة دون أن يكون بين الرابعة والخامسة تشهد ، يقولون إن صلاته تبطل وعليه أن يعيد الصلاة .

فيقال / هذا الحديث يرد به عليكم  ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس ، ومع ذلك لم يعد الصلاة ، وسجد للسهو  .

وقد جاء حديث عند الطبراني :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يسهو في صلاته ؟

فقال : فليعد الصلاة )

ولكن هذا الحديث ضعيف ، وبالتالي فإنه لا يجوز لمسلم سها في صلاته أن يبطلها ولو كثر السهو ، لأنه لو أبطلها ما كانت هناك فائدة في مشروعية سجود السهو  .

فما يفعله بعض الناس من إلزام الناس بإعادة الصلاة قد جنا عليهم وجنا على نفسه ، فلو أن الإنسان سها في صلاته ألف مرة فلا يجوز له أن يعيد الصلاة ، بل عليه أن يتبع الطريقة الشرعية في سجود السهو .

ولو قال قائل : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تكلم في صلاته ساهيا وقال :

( إني جهزت جيشاً من العراق إلى المدينة ، هذا الجيش به جِمال بأقتابها وبأحمالها  ، فأُخبر ، فأعاد الصلاة )

فيقال : هذا الوارد عن عمر رضي الله عنه – كما ذكره الطحاوي بسنده في ” مشكل الآثار ” لا يصح عن عمر رضي الله عنه .

ولو افتراض أنه صحيح / فإنه عمر رضي الله عنه رأى أنه زاد زيادة في الكلام أكثر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

أو أنه رضي الله عنه نسي صنيع النبي صلى الله عليه وسلم ، كما نسي التيمم ، مع أنه صاحب عمَّاراً .

أو أنه كان يرى أن من تكلم في صلاته فهو مخير بين الأمرين .

لكن على كل الأحوال / الحديث ضعيف .

خلاصة القول ” أن من كثر سهوه في الصلاة فلا يجوز له أن يخرج من هذه الصلاة  ولو خرج فإنه آثم  .