تعليقات على سنن الترمذي ( 76 ) حديث ( 401 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 76 ) حديث ( 401 )

مشاهدات: 437

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس السادس والسبعون

حديث ( 401 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد فقد قال الترمذي رحمه الله :

(باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر  )

( صحيح ) حدثنا قتيبة ومحمد بن المثنى قالا حدثنا غندر محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب : 

(  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب )

قال ” وفي الباب عن علي وأنس وأبي هريرة وابن عباس وخفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري قال أبو عيسى حديث البراء حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم في القنوت في صلاة الفجر فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم القنوت في صلاة الفجر وهو قول مالك والشافعي وقال أحمد وإسحاق لا يقنت في الفجر إلا عند نازلة تنزل بالمسلمين فإذا نزلت نازلة فللإمام أن يدعو لجيوش المسلمين ”

 

 

 

 ( و من الفوائد )

ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما عند أبي داود :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا كاملا في صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر  على من قتل أصحابه في بئر معونة ، ويؤمِّن من خلفه )

أن قوله ( ويؤمِّن من خلفه ) يدل على أنه رفع صوته ، وإلا فكيف يؤمِّن من خلفه ؟

فإذا قنت في الظهر وفي العصر يرفع صوته ، فمن دلالة اللزوم أن الإمام يرفع صوته بالدعاء في القنوت في صلاة الظهر والعصر .

وهذا القنوت  كما في حديث ابن عباس يكون في الركعة الأخيرة بعد قول ( سمع الله لمن حمده )

 

( ومن الفوائد )

أن نوازل المسلمين كثيرة ، وما أتت تلك النوازل إلا بسبب البعد عن الدين ، وسبب البعد عن الدين إما فتنة الشهوة ، ولذلك صُرف كثير من المسلمين فيما يهيِّج غرائزهم وشهواتهم من الشباب والشابات ، فهي شريحة قتلتها فتنة الشهوات ، شهوة المال ، شهوة الجنس ، فهذه تقتل .

نأتي إلى الشريحة الأخرى ، وللأسف هذا الزمن قتلتهم فتنة الشبهة ، ومن فتن الشبهة أن يبحث كل شخص عن زلات الآخر ، فأصبح كل شخص يعيب الآخر ، فتسلَّط هؤلاء الذين يرجى فيهم الخير بنسبة كبيرة – وللأسف – تسلَّط عليهم الشيطان في فتنة الشبهة فأصبح كل منهم يترصَّد للآخر ، ولذلك السب والشتم كثير ، حتى في الرياضة – كما حدثني بعض الأشخاص – رئيس النادي الفلاني يتسلَّط على الآخر ، اللاعب الفلاني يتسلط على الآخر ، فأصبح المسلمون في الغالبية العظمى ينهش بعضهم بعضا ، فكيف لا تأتي نوازل بالمسلمين ؟!

فأنا أقول هذه أعظم النوازل ولكن لا يشرع لها القنوت ، تصور لو أن الأمة متحدة ، ولا اتحاد إلا بجمع القلوب ، لماذا أُمرنا في صلاة الفرض لما نجتمع أن تكون الصفوف متساوية ؟

قال صلى الله عليه ومسلم :

( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )

فإذا اختلفت وجهات النظر اختلفت القلوب

ألم يقل عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :

( إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )

فكيف تقوم للأمة قوة ، وكيف لا تقع بهم النوازل وهم بهذه الحال ؟

والآية صريحة ، قال تعالى :

{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد11

وهذه الآية ليست خاصة بالعموم ، بل على سبيل الأفراد ، وانظر إلى حالك ، فإن تغير في طاعة الله فاعلم أن البلاء من نفسك ، الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا فارس والروم هم هم من حيث الأجساد من حيث اللحم ، من حيث العظم ، من حيث الدم ، هم هم الذين كانوا في الجاهلية يئدون البنات ويعبدون الأصنام ، ما الفرق ؟

” صلاح القلب ” كانوا في تناحر ، لكن لما جاء الإسلام صلح حالهم ، والله لو أغدقت على المجتمعات الإسلام وأعطي كل شخص ما يريد والله لن يقتنع ، ولن يتحدوا ولن يجتمعوا ولن يصبروا ، ولذا قال عز وجل :

{ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63

وقال تعالى :

{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }آل عمران103

لو قيل للموظفين ما رأيكم أن يكون الدوام إلى صلاة الظهر ؟

يتمناه الجميع ، ولو ظفروا بهذا لتمنوا أن يكون الدوام إلى الساعة التاسعة .

إذاً / لا تسعد ولا تفلح الأمة إلا إذا صلحت القلوب .

يقول عثمان رضي الله عنه :

( لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم )

هل قلوبنا طاهرة حتى تتمعن هذا القرآن فيكون هذا القرآن جامعا لنا كما هو جامع للصحابة رضي الله عنهم ؟

ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله في قوله تعالى :

{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79

قال ” فيه دلالة على أن من يفهم كلام الله هو من طهر قلبه “

فكلما طهر قلبك كلما فهمت كلام الله ، وإذا فهمت كلام الله غنمت مغنما عظيما ، فالقضية فينا نحن ، وأما منذ ما عرفت نفسي ونحن في نوازل ، لكما انتهت نازلة أتت أخرى ، وهذا من قدر الله عز وجل ، ويجب علينا أن نرضى بقدر الله لكن يجب علينا أن نرد قدر الله بقدر الله ، وأن نرد قدر الله بشرع الله ، فالشرع والقدر لا يتعارضان  ، والله قدَّر في الشرع أن ندفع هذا البلاء ، لكن كيف ندفع هذا البلاء والبلاء في أنفسنا نحن ؟

وكل يريد أن يكون هو الأحسن في المال ، يكون الأحسن في المناصب ، يكون الأحسن في كل شيء، لا يمكن ، وكل شخص عنده من المزايا ما ليس عند الآخرين ، ولا يعدم شخص من الفائدة ، فقد تكون لديك من المزايا ما ليست عند فلان الذي يشار إليه بالبنان ، فالقضية قضية قلوب ، ولذلك خطاب الله عز وجل عن القلوب ، القلوب الصالحة والقلوب الفاسدة ، ولذلك عند مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم :

( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عُودا عودا )

انظر كيف تلتحم الفتن بعضها ببعض ، وفي ضبط ( عَوْدا عَودْا ) يعني كلما ذهبت فتنة تعود أو تعود أختها

( حتى تصير القلوب على قلبين ، قلب أبيض وقلب أسود )

ولذلك أول ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر :

( آخى بين المهاجرين والأنصار ) ينظر هل نفوس الأنصار تقبل ، ولذلك كما عند البخاري :

( ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة )

يتنافسون على الخير .

لكن لو كان عندنا من القوة والأسلحة الفتاكة ما نستطيع أن نبيد أعظم قوة في الأرض والقلوب متنافرة ، ولذا قال عز وجل :

{  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46}

 

يقول ابن القيم رحمه الله : لما كانت هذه الصفات الخمس متوفرة في الرعيل الأول سادوا البلاد والعباد ، ولما نقصت فيمن جاء بعدهم نقص عنهم بقدر ما فاتهم من هذه الصفات .