تعليقات على سنن الترمذي ( 80 ) حديث ( 404 ) الجزء الثالث

تعليقات على سنن الترمذي ( 80 ) حديث ( 404 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 633

تعليقات على سنن الترمذي

الدرس الثمانون

حديث (   404 ) 3 

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد فقد قال الترمذي رحمه الله :

( باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة    )

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن أبيه قال :  

 صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال من المتكلم في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية من المتكلم في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة من المتكلم في الصلاة فقال رفاعة بن رافع بن عفراء أنا يا رسول الله قال كيف قلت قال قلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها)

 قال وفي الباب عن أنس ووائل بن حجر وعامر بن ربيعة قال أبو عيسى حديث رفاعة حديث حسن وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع لأن غير واحد من التابعين قالوا إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا في أكثر من ذلك  .

 (  من الفوائد )

أنه صلى الله عليه وسلم قال :

( ابتدرها بضع وثلاثون ملكا )

من هم هؤلاء الملائكة ؟

هؤلاء الملائكة غير الحفظة ، فدل هذا على أن غير الحفظة يكتب بعض العبادات ، لأنه كما جاء في الرواية التي أسلفنا ذكرتها في الدروس الماضية ( أيهم يكتبها )

فتكون الكتابة كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ، قال ” تكون هي المقدمة ثم بعد كتابتها يصعدون بها “

 

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث ورد عند البخاري ، وكما أسلفنا لم يذكر فيه ” العطاس ” وإنما ذكر فيه هذا الذكر دون ( مباركا عليه )

ومن ثمَّ فإنها بدون كلمة ( مباركا عليه ) تكون ثلاثا وثلاثين حرفا – كما أشار إلى ذلك ابن حجر رحمه الله – فيكون نظير كل حرف ملك ، مما يدل على عظم هذه الكلمات ، فالحرف الواحد يقابله ملك ، لكن إن أتينا بزيادة ( مباركا عليه ) أصبحت كما قال رحمه الله ” تسعة وثلاثين حرفا ” وإذا كان ذلك فإن البضع كما جاء صحيحا عنه صلى الله عليه وسلم

( البضع ما بين الثلاثة إلى التسعة )

فيقول ابن حجر رحمه الله ” إن المقصود من ” بضع وثلاثين حرفا ” المقصود من ذلك ما كان على الأصل ، لأن كلمة ( مباركا عليه ) لا تقصد لذاتها ، لأن بعض العلماء – وهو ظاهر رأي ابن حجر رحمه الله : أنها تأكيد لكلمة ( مباركا فيه )

( ومن الفوائد )

أنه قال هنا ( الحمد لله )

والوارد عند البخاري :

( ربنا ولك الحمد ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه )

فهل يقول ” الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ”  بعدما يرفع الإنسان رأسه من الركوع ؟

الذي يظهر أنه لا يقول هذه الصفة ، وإنما يقول ( ربنا ولك الحمد )

لكن كلمة ( الحمد لله ) هذه ما أتت إلا في سياق العطاس

ويدل له تبويب الترمذي “باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة “

والوارد بعد الرفع  من الركوع صيغ وهي :

أولا  : جاء في الصحيحين  ( ربنا ولك الحمد )

ثانيا : جاء في الصحيحين ( ربنا لك الحمد )

ثالثا : جاء في الصحيحين ( اللهم ربنا لك الحمد )

رابعا : جاء عند البخاري ( اللهم ربنا ولك الحمد )

وقد أنكرها ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد ، وكيف يخفى على ابن القيم رحمه الله ؟

ومن علم أن ابن القيم رحمه الله كتب زاد المعاد وهو على راحلته أثناء ذهابه للحج ، ومع مشقة ما يعانيه المسافر ، ومع ضعف وسيلة التنقل ، وقلة المأكل والمشرب وألَّفه عن ظهر قلب ، يعذر ولو أخطأ مئات المرات .

خامسا :  جاء عند أبي داود (  لربي الحمد )

سادسا : جاء عند مسلم – ويراه جملة من العلماء – ( اللهم لك الحمد )

( ومن الفوائد )

أنه هذه اللفظة المذكورة هنا عند الترمذي :

( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه )

جاء عند مسلم :

( أن رجلا أتى والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي وقد حفزه النفس )

يعني أن نفسه ونبضات قلبه كانت معه سريعة

( فلما كبَّر قال ” الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه  ”  ، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال من القائل ؟

فقال الرجل : أنا يا رسول الله .

فقال صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها )

وفي الحديث الذي معنا هنا ( رأيت بضعا وثلاثين )

وعند مسلم  : ( رأيت اثني عشر  )

والجملة هي هي لم تتغير ، فلماذا كانت أعداد الملائكة بضعا وثلاثين ، وهناك عددهم اثنا عشر ملكا ؟

قال ابن حجر رحمه الله : إن ( بضعا وثلاثين ) باعتبار عدد الحروف ، وأما باعتبار عدد الكلمات فثنتا عشرة كلمة .

وأنا أظن أنها أقل ، لكن ليس هناك تعارض ، لم ؟

لأن المذكور هنا هو بعد الرفع من الركوع ، وأما المذكور عند مسلم هو من ” دعاء الاستفتاح “

ولعل الفضل الذي حصل بكثرة عدد الملائكة بعد الرفع من الركوع مع أنها كلمات واحدة لعل ذلك باعتبار المحل وهو ” الرفع من الركوع “

ولله عز وجل أن يضع فضلا لأي موضع وأي محل .

وبالتالي فإن من صيغ دعاء الاستفتاح :

( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه )

وهذا ثابت عند مسلم ، وبعض الناس يقتصر على الصيغة المعروفة عندنا ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك  ، وتعالى جدك ولا إله غيرك )

فيقال وردت صيغ أخرى من بينها هذه الصيغة ، وهي صيغة سهلة .

وأنواع دعاء الاستفتاح كثيرة ومتنوعة ، لكن أذكر صيغة أيضا سهلة وهي عند مسلم :

( الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا  ، قال صلى الله عليه وسلم عجبت لها  فتحت لها أبواب السماء  ) .

( ومن الفوائد )

أنه صلى الله عليه وسلم قال :

( من المتكلم ؟ من المتكلم ؟ من المتكلم ؟ ) ثلاث مرات

وفيهم رفاعة رضي الله عنه ، وهذا في ظاهره ليس من حسن الاستجابة له صلى الله عليه وسلم ، في الثالثة :

( من المتكلم ؟

قال رفاعة :  أنا يا رسول الله ، ولم أرد بها إلا خيرا )

إذاً / لماذا سكتوا ؟

بالنسبة إلى الجمع : لأنهم لم يعرفوا الشخص بعينه .

أو أنهم عرفوه لكن لعل وحياً ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عن قائل هذه الكلمة ، لأنهم يظنون من خلال هذا السؤال أنه وقع في خطيئة .

ورفاعة لم يتكلم من أجل الاحتمال الثاني ، فلعل وحيا ينزل عليه صلى الله عليه وسلم فيتجاوز عنه .

فقال صلى الله عليه وسلم :

( من المتكلم فإنه لم يقل بأساً )

كما في بعض الروايات .

فلما قال صلى الله عليه وسلم :

( فإنه لم يقل بأسا  ، قال رفاعة أنا يا رسول الله )

( ومن الفوائد )

بيان فضل حمد لله عز وجل ، وأن هذا الحمد من أفضل وأحسن العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ، ولذا كلمة ( الحمد لله ) فيها إثبات صفات الكمال للمحمود .

وأكد هذه الكلمة بالمصدر ( حمدا ) ووصف المصدر ( كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه )  ثم في نهاية الأمر ( كما يحب ربنا ويرضى )

( ومن الفوائد )

إثبات صفتي المحبة والرضى لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته ، خلافا لمن ينفي هاتين الصفتين ، فهو جل وعلا يُحِب ويُحَب ، خلافا للجهمية الذين يقولون لا يُحِب و لا يُحَب ، وما ورد في القرآن وفي السنة فإن محبة الله هي إعطاء الثواب ، ومحبة العبد لله محبة التقرب إليه .

ولكن هذا ضلال مبين ، فيجب أن تثبت الصفة كما جاءت من غير ” تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل “

فإنه جل وعلا يُحِب ويُحَب ، بل إن مدار العبادة على محبة الله عز وجل ، وهذه المحبة درجات .

( ومن الفوائد )

أنه ورد في العطاس :

قال ابن حجر رحمه الله كما في الفتح لما ذكر صيغ العطاس:

( الحمد لله )

كما جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

( الحمد لله رب العالمين )

كما جاء عند أحمد والنسائي

( الحمد لله على كل حال )

كما جاء عند أحمد والنسائي .

لكن هل يجمع بين هاتين الصفتين  ؟

قال ابن حجر رحمه الله : جاء في الأدب المفرد عن علي رضي الله عنه أنه قال :

( من عطس فقال الحمد لله رب العالمين على كل حال لم يصبه أذى ضرس ولا أذن )

قال ابن حجر رحمه الله : ” رواته ثقات ، وموقوف على علي رضي الله عنه ، ومثله لا يقال بالرأي .

فتكون هذه صيغة رابعة .

ومن صيغ العطاس : قال ابن حجر رحمه الله :

وورد عند ابن السني من حديث أبي رافع  بسند ضعيف قال :

( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطس فقال شيئا لم أسمعه ، فسأله ؟

فقال :

أتاني جبريل فقال إذا عطست فقل ” الحمد لله لكرمه ، والحمد لله لعز جلاله ، فإنك إن قلت ذلك قال الله ” صدق عبدي قد قام مغفورا له )

ومن صيغ العطاس :

قال ابن حجر رحمه الله :

جاء عند أبي جعفر الطبري في التهذيب – قال ابن حجر – بإسناد لا بأس به :

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :

( عطس  رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم يرحمك الله  .

فعطس آخر فقال ” الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ” فقال صلى الله عليه وسلم : لقد ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة )

قال : ويؤيده ما جاء عند الترمذي من حديث أبي رافع رضي الله عنه .

ومن صيغ العطاس : جاء عند البخاري في الأدب المفرد – كما قال ابن حجر رحمه الله – بإسناد لا بأس به  :

( أن الرجل إذا عطس فقال الحمد لله قال الملك ” رب العالمين ”

فإذا عطس فقال ” الحمد لله رب العالمين “

قال الملك : يرحمك الله )

فهذا مجمل ما ذكره ابن حجر رحمه الله في الفتح ، وهذه فائدة جليلة عثر عليها بتوفيق من الله عز وجل ، وكانت عن طريق سؤال ، ويبغي على طالب العلم ألا يقف عند حدٍّ معين (  وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء، لاسيما وأن هذه الجملة التي في حديث أبي رافع ليست في الكتب المعروفة ، وإنما اطلع عليها ابن حجر رحمه الله وقال بإسناد لا بأس به عند أبي جعفر الطبري في التهذيب ، فهذا من توفيق الله عز وجل .

والأفضل للإنسان كما قال شيخ الإسلام رحمه الله :

إذا ورد عبادة لها صيغ متنوعة فالأفضل أن يفعل هذه تارة وتلك أخرى ، فينوِّع في تطبيق السنن ، وإن أتى بأي صيغة من الصيغ حصل المقصود .

( ومن الفوائد )

أن ظاهر الحديث وجوب حمد الله عز وجل عند العطاس ، مع أن النووي رحمه الله نقل : ” اتفاق العلماء على الاستحباب ”

ومعلوم أن نقل الاتفاق وأن نقل الإجماع  لا يكون منضبطا كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ، فإذا لم يكن هناك إجماع ، فظاهر الحديث يوحي بأن التحميد واجب ، لاسيما مع خروج هذه الأبخرة التي هي في الدماغ والتي لو بقيت لأصيب الإنسان بالضرر أو بالهلاك .

( ومن الفوائد )

أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف من غير أن يستحلف، وقد قال عز وجل { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ }المائدة89 ، فعلى المسلم ألا يحلف إلا عند الحاجة ، فكيف يحلف صلى الله عليه وسلم من غير أن يستحلف ؟

الجواب /

 هنا قاعدة : ” الأصل هو حفظ اليمين وعدم الحلف “

لكن يجوز أن يحلف المسلم من غير أن يستحلف لأهمية الشيء ، فهنا أمر هنا ، فلما كان أمرا هاما حلف من غير أن يطلب منه الحلف ، كما قال صلى الله عليه وسلم :

( وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )

فنجد أنه صلى الله عليه وسلم حلف في بعض المواطن دون أن يطلب منه الحلف ، لم ؟

من باب التأكيد على أهمية هذا الشيء المحلوف عليه .