تعليقات على سنن ( النسائي ) ــ الدرس السادس والعشرون
من حديث ( 394 ) حتى ( 400 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
[ باب دم الحيض يصيب الثوب ]
حديث رقم – 394-
( صحيح ) أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وكانت تكون في حجرها أن امرأة : استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه واقرصيه وانضحيه وصلي فيه )
( من الفوائد )
أن الواجب على المسلم ألا يستحي من الحق ، فلو طرأت عليه مسألة يستحيى منها فالواجب عليه ألا يتورع عن السؤال عنها ، فإن مثل دم الحيض يستحيى منه عادة من قِبل النساء ، ومع ذلك كانت الصحابيات رضي الله عنهن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهن في مثل هذا الأمر الذي يستحيى منه.
( ومن الفوائد )
أن دم الحيض دم نجس ، ولذلك أمرها صلوات ربي وسلامه عليه بأن تزيله ، والأفضل في مثل إزالة دم الحيض وكل نجاسة يابسة أن تخفف أولاً بحتها حتى يزول أكثرها ثم بعد ذلك تغسل بالماء .
( ومن الفوائد )
أن الثوب إذا أصابته نجاسة فطُهر صحت الصلاة فيه .
حديث رقم – 395-
( صحيح ) أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار قال سمعت أم قيس بنت محصن أنها : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيضة يصيب الثوب قال حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر )
( من الفوائد )
أن الأفضل أن يحك دم الحيض أثناء تطهيره وألا يكون الحك بماشرة باليد ، وإنما يكون بِضَلع ، و ( الضِلَع ) هو العود ، وشبه العود بالضلع لأنه قريب منه في الصورة .
وقد قال بعض العلماء : إن هذه الكلمة ضبطت ( الصاد ) ( بصلع ) لأن الصلع في اللغة هو العود .
وقد أنكرها بعض المحدثين ، فقالوا إن الأكثر على ضبها ( بضلع ) .
( ومن الفوائد )
أن النجاسة كلما زيد في تطهيرها كان أطيب وأنظف ، فالماء كافٍ متى ما زالت النجاسة بالماء حصلت الكفاية ، لكن كلما بالغ كما أرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن تضع سدرا ، لأن السدر فيه قوة في التطهير ، لما أرشد إلى ذلك دلَّ على أن المبالغة في تنظيف النجاسة مطلوب شرعا ، ونحن في هذا العصر لدينا من المنظفات والمطهرات المحدثة ما يكون أقو ى من السدر ، وكما أسلفت ذكر السدر مبالغة ، وإلا لو اكتفي بالماء حصل المقصود .
وقد أنكر بعض العلماء : رواية ( السدر ) قالوا لأن الروايات الأخرى لم تذكرها
والجواب / أن الروايات الأخرى ذكرتها ، فمن ذكرها أتى بعلم زائد على من لم يأت بها، وهذا لا يقدح في صحتها ، لأن الصحيح من أقوال المحدثين والأصوليين [ أن زيادة الثقة مقبولة ]
كتاب الغسل والتيمم
باب ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم
حديث رقم – 396-
( صحيح ) أخبرنا سليمان بن داود والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا السائب حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب )
( من الفوائد )
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى الجنب أن يغتسل في الماء الدائم وهو ” الراكد الذي لا يجري “ فدل على أن الاغتسال من الماء الذي يجري ليس داخلا في النهي ، والمقصود من الاغتسال أن ينغمس فيه ، أما إذا اغترف من الماء الدائم واغتسل فلا نهي ، إنما النهي عن الانغماس في الماء الدائم للاغتسال وهو جنب
( ومن الفوائد )
أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الاغتسال للتنظف أو التنشط في الماء الدائم لا بأس به .
( ومن الفوائد )
أن النهي هنا اختلف فيه العلماء : أهو للتحريم أم للكراهة ؟
بعض المالكية يقولون : إن النهي للكراهة .
وأما جمهور العلماء : فيرون أنه للتحريم ، بمعنى أنه إذا فعل ذلك فقد أثم ، وهو الراجح ، لأن القاعدة تقول [ الأصل في النهي التحريم ما لم يصرفه صارف ]
( ومن الفوائد )
أن العلماء اتفقوا : على ” أن الماء الدائم المستبحر كالغدران الكبيرة وكمياه البحار أنها لا تدخل في النهي ” وذلك لكثرتها ، فأشبه ما تكون بالماء الجاري ، لأن العلة من هذا النهي أن من به جنابة فانغمس في الماء الدائم القليل أنه يقذره على غيره ، فإذا علم أحدٌ أن هذا الماء الدائم قد انغمس فيه جنب تقذروا ، بينما لو علموا أنه انغمس فيه من ليس بجنب لا يحصل تقذر ، وهذه العلة صحيحة .
بينما يرى علماء آخرون : أن العلة هي ” النجاسة “
والصواب / ما ذُكر .
( ومن الفوائد )
أن [ الجملة الحالية ] يستفاد منها في الأحكام الشرعية ، وكذلك الشأن في كل ما يذكر في اللغة ، فإن [ الجملة الحالية تقيد الحكم ] والجملة الحالية هنا ( وهو جنب ) لو قال ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ) لعم الجنب وغيره ، فلما قال ( وهو جنب ) وهي جملة حالية ، دل على أن هذا الحكم مقيد بالجنب .
لو قال قائل : لو اغتسل وهو جنب فخالف النهي هل يرتفع حدثه ؟
الجواب : نعم يرتفع عنه حدث الجنابة لكنه آثم لمخالفته النهي
حديث رقم – 397-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن حاتم قال حدثنا حبان قال حدثنا عبد الله عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يبولن الرجل في الماء الدائم ثم يغتسل منه أو يتوضأ )
( من الفوائد )
النهي عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال منه ، سواء كان اغتسالا عن جنابة أو لم يكن ، وكذلك لو توضأ ، لأنه ليس من العقل أن يبول إنسان في ماء ثم يغتسل منه أو يتوضأ ، ولا يدل هذا على أن الماء يتنجس ، نعم يتنجس إذا أثرت فيه النجاسة ، أما إذا لم تؤثر ، فالصحيح : أنه يبقى على طهوريته ، ولكن النهي هنا من أنه جمع بين البول وبين الاغتسال في هذا الماء ،فهذا لا يليق عقلاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها آخر اليوم ) فهذا غير لائق وغير مناسب عقلاً .
وهذا النهي اختلف فيه – كما سبق – والصواب / أنه للتحريم .
( ومن الفوائد )
أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ( الرجل ) فلا يفهم من ذلك أن المرأة غير داخلة – كلا – هي داخلة في هذا الحكم ، وإنما ذكر ( الرجل ) هنا لأن الغالب في هذا الفعل أنه لا يصدر إلا من الرجال ، وإلا لو فعلت المرأة هذا الفعل دخلت في هذا الحكم ، لأن القاعدة في الشرع [ أن الرجال والنساء يستوون في الأحكام ] فما خوطب به الرجال يكون للنساء ، وما خوطب به النساء يكون للرجال إلا إذا دل دليل يخرج أحد الجنسين .
( ومن الفوائد )
أنه لو فعل هذا الفعل في الماء الذي يجري فلا نهي .
فنخلص من هذا الحديث ومن الذي قبله :
من الماء الدائم لو اغتسل فيه رجل أو امرأة من الجنابة فإنه يأثم .
وكذلك لو اغتسل غسلا مجردا من غير جنابة ولكنه أسبق هذا الاغتسال ببول ، فيكون آثما .
أما إذا اغتسل غسلا مجردا ولم يكن هناك بول ، ومقصودي من الغسل المجرد أنه ليس عن جنابة ، أيدخل في هذا ؟ لا يدخل .
( ومن الفوائد )
أن التنصيص على البول لا يدل على إخراج الغائط ، فالغائط أعظم ، فلو تغوط في الماء الدائم وفعل هذا الفعل فيدخل في النهي والإثم من باب أولى ، وإنما ذكر البول لأنه هو الأكثر ، وعندنا قاعدة في الأصول تقول : [ إن المفهوم قد يكون أولى بالحكم من المنطوق ] ما هو المنطوق هنا ؟ : ( البول )
ما هو المفهوم ؟ ( الغائط ) فيكون هذا المفهوم الذي هو ( الغائط ) أولى بالحكم من هذا المنطوق الذي هو البول ، ولهذه القاعدة أمثلة منها قوله تعالى { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23 ، فيفهم من ذلك أن الضرب للوالدين أعظم ، فيكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق .
حديث رقم – 398-
( حسن صحيح ) أخبرنا أحمد بن صالح البغدادي قال حدثنا يحيى بن محمد قال حدثني بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة )
( من الفوائد )
هذا الحديث من حيث المعنى نفس الحديث السابق ، ولكن يستفاد منه فائدة وهي :
أن الشيء المحرم قد يأتي النهي عنه بعبارات متعددة ، منها [ الفعل المضارع مع لا الناهية ] كما في الحديث السابق ( لا يبولن ) .
ومنها [ صيغة النهي الصريحة ] كما هنا .
ومنها [ أن ينسب العمل إلى الشيطان ]
فإذا قيل :
( إن هذا من عمل الشيطان ) فيكون الفعل محرما ، إلى غير ذلك من الصيغ التي تأتي للنهي عن أمر معين .
ولعل توارد هذه الصيغ على هذا الحكم يدل على أهميته ، لم ؟ لأن الماء تحتاج إليه الخلائق كلها ، قال تعالى { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30 ، فالماء من ضروريات الخلق ، فلا ينبغي لأحد أن يلوثه
حديث رقم – 399-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد ثم يغتسل منه )
( ومن الفوائد )
هذا الحديث يؤكد ما ذكرناه من أنه لو بال وجمع مع هذا البول الاغتسال المجرد وقع في النهي .
ولكنه نهي دون النهي الذي في الحديث السابق الذي جمع فيه بين البول وبين الاغتسال من الجنابة .
( ومن الفوائد )
أن الأحاديث السابقة فيها ( ثم يغتسل فيه ) يعني ينغمس فيه ، وهنا ( ثم يغتسل منه ) فكأن هذا الحديث يجيب عن سؤال ربما يطرأ ” لو بال شخص في الماء الدائم ثم لم ينغمس فيه وإنما اغترف منه بإناء فاغتسل أو توضأ “يدخل في النهي ؟
الجواب / نعم .
حديث رقم – 400-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا قتيبة قال حدثنا سفيان عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه )
قال سفيان قالوا لهشام يعني بن حسان أن أيوب إنما ينتهي بهذا الحديث إلى أبي هريرة فقال : إن أيوب لو استطاع أن لا يرفع حديثا لم يرفعه .
( من الفوائد )
أنه أكد ما قلناه في الحديث السابق ( ثم يغتسل منه ) فالبول في الماء الدائم ثم الاغتراف منه للغسل منهي عنه ، فأصبح عندنا حديثان ينهيان عن البول في الماء الدائم ثم الاغتراف منه للاغتسال .
( ومن الفوائد )
أنه أكد الماء الراكد أنه ( الذي لا يجري ) فدل على أن الماء الذي يجري لا يدخل في هذا الحكم ، وذلك لأن الماء لو كان يجري وبيل فيه لم يبق وإنما يتغير ويأتي ماء غيره .