تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن والثلاثون من حديث ( 435 ) حتى ( 440 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن والثلاثون من حديث ( 435 ) حتى ( 440 )

مشاهدات: 441

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الثامن والثلاثون

من حديث ( 435 ) حتى ( 440 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ باب الوضوء من المذي ]

حديث رقم – 435-

( صحيح الإسناد ) أخبرنا علي بن ميمون قال حدثنا مخلد بن يزيد عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال تذاكر علي والمقداد وعمار فقال علي :   إني امرؤ مذاء وإني أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فيسأله أحدكما فذكر لي أن أحدهما ونسيته سأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك المذي إذا وجده أحدكم فليغسل ذلك منه وليتوضأ وضوءه للصلاة أو كوضوء الصلاة )

 

( من الفوائد  )

أن هذا الحديث بين أن الخلاف الحاصل في الأحاديث الأخرى من أن عليا رضي الله عنه

( أمر المقتاد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم )

وفي حديث آخر :

( أمر عمارا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم )

أن هذا الاختلاف يوضحه ما جاء هنا ، من أنه رضي الله عنه تذاكر هذا الأمر مع المقداد وعمار ، فطلب رضي الله عنه منهما أن يسأله أحدهما ، فكل واحد سأله ، فيكون في هذا جمع بين الاختلافات الحاصلة في الأحاديث الأخرى .

( ومن الفوائد  )

أن ( المذي ) ماء أصفر يخرج عقيب الشهوة أو عند المداعبة .

( ومن الفوائد  )

أن المذي نجس ، ولكن هل يعفى عن يسيره ؟ بأن ينضح بالماء دون الغسل ؟

قال بعض العلماء : لابد من الغسل ، سواء أصاب البدن أو أصاب الثوب ، لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بالغسل كما هنا .

وقال بعض العلماء : يكتفى بالنضح ، سواء أصاب البدن أو الثوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند الترمذي عما يصيب الثوب من المذي ، قال ( إنما يكفيك أن تنضحه بالماء فترى أنه قد أصابه )

وقال بعض العلماء : وهو الصواب ” أن ما أصاب البدن يغسل ، لهذا الحديث ، وما أصاب الثياب ينضح للحديث الذي أوردناه آنفا عند الترمذي ، فيكون في هذا جمع بين الأدلة .

 

 

( ومن الفوائد  )

أن كلمة ( مذَّاء ) على وزن ( فعَّال ) وهي إحدى صيغ المبالغة ، وهذا يدل على أن عليا رضي الله عنه ليس كغيره في شأن المذي ، وأنه كان يخرج منه المذي خروجا كثيرا ، حتى إنه رضي الله عنه كما في الروايات الأخرى ( كان يغسل بدنه كله ، قال حتى تشقق جلدي ) لأن الشبهة حصلت له ، هل هو يشبه المني أو لا ؟ فكان يغتسل ، فلما كثر عليه وشق ، تذاكر مع المقداد وعمار ما أصابه .

( ومن الفوائد  )

أن الأمور المتعلقة بالجماع وإن كانت مباحة من حيث الأصل فإن الأفضل عدم التصريح بها ، ولاسيما عند أقرباء الزوجة ، ولذلك قال

( لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم )

فذكر ما يتعلق بالجماع ودواعيه لا يليق بالمسلم أن يذكره ولاسيما عند أقرباء زوجته .

( ومن الفوائد  )

أن الواجب إذا خرج المذي هو الوضوء وليس الغسل ، وإذا خرج فإنه يجب عليه أن يغسل ذكره .

( ومن الفوائد  )

أن الحديث هنا لم يذكر ( الخصيتين ) وقد جاء عند أبي داود ذكرهما ، فيكون غسل ( الخصيتين ) واجباً إذا خرج المذي ، فيغسل الذكر كله على أصح القولين ، لأن بعض العلماء يقول يغسل من الذكر ما أصابه المذي ، والصواب العموم ، ويضاف إلى ذلك أن تغسل الخصيتان .

`وعدول البخاري ومسلم رحمهما الله عن ذكر ( الخصيتين ) لا يدل على ضعفها ، فإنهما عدلا عن أحاديث أخرى كثيرة ولكنها صحيحة ، ولذلك صححها ابن حجر والألباني رحمهما الله وغيرهما .

[ باب الاختلاف على سليمان ]

حديث رقم – 436-

( صحيح بما قبله وما بعده ) أخبرنا محمد بن حاتم قال حدثنا عبيدة قال حدثنا سليمان الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن علي رضي الله عنه قال :   كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال فيه الوضوء) 

( ومن الفوائد  )

هذا الحديث مبهم فيه الرجل الذي طلب منه علي رضي الله عنه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، والحديث السابق بيَّن أن عليا طلب من المقداد وعمار .

حديث رقم – 437-

( صحيح )  أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد بن الحرث قال حدثنا شعبة قال أخبرني سليمان الأعمش قال سمعت منذرا عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه قال :   استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة فأمرت المقداد فسأله ؟ فقال فيه الوضوء)

( ومن الفوائد  )

أنه صرَّح هنا باسم المقداد ، وصرح باسم بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهي فاطمة رضي الله عنها .

[ الاختلاف على بكير ]

حديث رقم – 438-

( صحيح ) أخبرنا أحمد بن عيسى عن بن وهب وذكر كلمة معناها أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن بن عباس قال قال علي رضي الله عنه :   أرسلت المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي ؟ فقال توضأ وانضح فرجك )

قال أبو عبد الرحمن مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا )

( ومن الفوائد  )

أن ( النضح ) في أصله أنه رش الماء ، ولكن قد يطلق ويراد منه الغسل كما هنا ، لأن نضح الفرج هنا مبين في الروايات الأخرى أنه الغسل

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء : استدل به على أن الاستنجاء لو أُخِّر بعد الوضوء فإن الوضوء صحيح .

بينما يرى آخرون كما قال فقهاء الحنابلة :

[ لا يصح قبله وضوء ولا تيمم ]

فاستدل من قال بالصحة بهذا الحديث ، لأنه ذكر الوضوء ثم ذكر نضح الفرج ، فما قدِّم كان أولى ، فإذا كان أولى فإن وضوءه يصح .

وقالت الحنابلة لا يصح الوضوء ، لأن هناك رواية أخرى ( اغسل ذكرك وتوضأ ) فما استدللتم به مردود عليكم بهذه الرواية ، فلابد أن نبحث عن دليل آخر ، وقد جاءت رواية وهي الآتية معنا في الحديث القادم ( يغسل ذكره ثم ليتوضأ )  و( ثم ) تفيد الترتيب ، بينما الرواية التي استدل بها أصحاب القول الأول أتي فيها بحرف العطف ( الواو ) وهي لا تقتضي ترتيبا وإنما تقتضي جمعا ، تقول ” جاء زيد وعمرو ” فجمعت بين مجيء زيد وعمرو ، ولكن من هو الأول ؟ لا يدرى ، فهي تفيد مطلق الجمع ، بينما لو قلت ” جاء زيد ثم عمرو ” كان الجائي الأول هو زيد ثم عمرو .

فأتت هذه الرواية عند النسائي بـ ( ثم ) فدل على أن الواجب أن يغسل الذكر وأن يكون الاستنجاء هو الأول ثم الوضوء .

والألباني رحمه الله قال عن هذا الحديث :

( صحيح بما قبله وبما بعده ) وما قبله وما بعده ليس فيه ( ثم ) لكن الحديث من حيث الأصل وهو الأمر بغسل الذكر والوضوء هذا ثابت، فلعل مراد الألباني رحمه الله هذا الأمر ، لأن هذه الرواية حكم عليها ابن حجر رحمه الله بأنها ( شاذة )  فنبقى على ما نحن عليه ، هل يصح الوضوء قبل الاستنجاء أو لا يصح ؟

ليس هناك دليلٌ واضح في عدم صحة الوضوء ،ومن ثم فإن الأولى بالإنسان ألا يتوضأ إلا وقد استنجى ، وليس المقصود من الاستنجاء ما يتوهمه بعض الناس من أنه لا يصح الوضوء إلا إذا دخل الخلاء وغسل فرجه يعني ذكره ودبره ، ولو لم يخرج منه شيء ، هذا ليس بوارد ، فمن خرجت منه الريح فإنه يتوضأ من غير أن يغسل ذكره ودبره ، فالمقصود هنا في هذه المسألة من خرج منه شيء ، فقال أقدم الوضوء ثم إذا فرغت من الوضوء أسكبت ماء على ذكري وحصل الاستنجاء فهل يصح هذا أو لا ؟ ما سلف ذكره من خلاف يقع في هذه المسألة ، والأولى بالإنسان أن يرتب خروجا من الخلاف لقوة أدلة من قال بعدم صحة الوضوء ، لاسيما وأن هناك رواية وإن كانت شاذة إلا أنها تبعد الإنسان من أن يقدم على هذا الأمر .

 [ الاختلاف على بكير ]

حديث رقم – 439 –

( صحيح بما قبله وما بعده )  أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن ليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار قال :   أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل ذكره ثم ليتوضأ )

( ومن الفوائد  )

أن قوله ( يغسل ذكره ) بينت أن النضح فيما سبق من أحاديث هو الغسل .

( ومن الفوائد  )

أن قوله ( يغسل ذكره ) خبر بمعنى الأمر ، ولذلك حسن في الجملة التي بعدها أنه أتى بالأمر ، ففيه إشعار بأن كلمة ( يغسل ذكره ) خبر يراد منه الأمر ، ومجيء الأمر في صورة الخبر من باب التأكيد على هذا الحكم ، وأن ما عدا الغسل لا ينفع .

( ومن الفوائد  )

أنه ذكر كلمة ( ذكره ) والذكر هنا مضاف إلى معرفة وهو الضمير ،فاختار من اختار من العلماء أن الواجب أن يغسل الذكر كله للعموم

بينما يرى بعض العلماء : أنه لو غسل الموضع الذي خرج منه المذي وما أصاب ذكره فكافٍ

والصواب / أنه لابد من غسل الذكر كله ، بل يضاف إلى ذلك ( غسل الأنثيين ) يعني الخصيتين كما جاءت الرواية الأخرى عند أبي داود .

`وليعلم أن الأمر بالوضوء من باب بيان أن الغسل غير واجب ، ولا يعني أن من أمذى يلزمه فورا إذا غسل ذكره وخصيته أن يتوضأ ، ليس هذا بلازم ، وإنما يراد من ذلك أن الواجب أن يغسل الذكر كله وأن الحدث الذي به هو حدث أصغر وليس حدثا أصغر ، فلو أراد أن يستبيح شيئا فعليه الوضوء ولا يلزم بالغسل .

__________

 

 

حديث رقم – 440-

( صحيح )  أخبرنا عتبة بن عبد الله قال قرئ على مالك وأنا أسمع عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه :   أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من المرأة فخرج منه المذي فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة )

( ومن الفوائد  )

أنه عليه الصلاة والسلام نصَّ على الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة ، لأن غسل الكفين من حيث اللغة يعتبر وضوءا ، فالتنصيص على أنه وضوء للصلاة يخرج الوضوء اللغوي ، وهذا من باب التأكيد ، وإلا فلو اقتصر على ما ذكر في الأحاديث السابقة مثل الوضوء فإنه يحمل على الحقيقة الشرعية ، ولذا [ إذا دار اللفظ في النصوص الشرعية بين الحقيقة اللغوية وبين الحقيقة الشرعية فيحمل على لسان المتكلم ] ولسان المتكلم شرعي ، فيحمل على الحقيقة الشريعة .

 

 

( ومن الفوائد  )

أن فيه بيان من أن المذي هو الذي يخرج عند إرادة الجماع وعند مداعبة المرأة ، لأنه ذكر هنا دنو الرجل من المرأة .