تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثاني من الحديث ( 52 ) حتى الحديث (91 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثاني من الحديث ( 52 ) حتى الحديث (91 )

مشاهدات: 462

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الثاني

من الحديث ( 52 ) حتى الحديث ( 91 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

 

بَابُ التَّوْقِيتِ فِي الْمَاءِ

 

حديث رقم – 52-

 

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ. فَقَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» )

 

من الفوائد :

 

أن هذا الحديث هو محمل بعض العلماء على نجاسة آسار السباع ، لأنهم لما سألوا عنها دل على أنها نجسة ، ولما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بـ ( أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ) دل هذا على تقرير منه ، فهذا محمل من قال بنجاسة آسار السباع ، وسيأتي معنا إن شاء الله أدلة أخرى تدل على طهارة آسار السباع .

 

ومن الفوائد :

 

أن قوله ( وما ينوبه من السباع ) يعني ما يتردد عليه السباع ، فليست السباع آتية إليه مرة واحدة – لا – وإنما تنتابه مرة تلو الأخرى .

 

تَرْكُ التَّوْقِيتِ فِي الْمَاءِ

 

حديث رقم – 53-

 

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوهُ». فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَعْنِي: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ )

من الفوائد :

 

ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة فإنه لا ينجس ، لأن هذا الدلو يسير ، فلو صُبَّ على هذا البول لتنجس هذا الماء ، فلما صب عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدلو دل على أن الماء القليل لا يتأثر ، فبعض العلماء قال إن أجزاء هذا البول قد شربته الأرض فلم يبق إلا الشيء اليسير .

 

وقال بعض العلماء : إن هذا الصب لإذهاب رائحة البول ، وأما نجاسة هذا البول فإنها تطهر بالجفاف .

وقال بعض العلماء : فرق بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة ، فإذا وردت النجاسة على الماء نجسته وإذا ورد الماء على النجاسة لا تؤثر فيه ، ولعل هذا هو الأقرب ، وأيضا قول من يقول بأن هذا الصب يطهر هذا البول مع الجفاف أيضا قول قوي .

 

ومن الفوائد :

 

أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تزرموه ) يعني لا تقطعوا عليه بوله .

ومن الفوائد :

 

أن العلماء أخذوا من هذا الحديث قواعد

 منها  :

 [ يختار أهون الشرين ]

ومنها :

[ ترتكب أخف المفسدتين دفعا لأعلاهما ]

فإن بول هذا الرجل في المسجد مفسدة وشر ولا شك في ذلك ، ولكنه إذا انتهر ثم قام ترتب على ذلك مفاسد أكبر :

منها :

أنه سيصاب بمرض في بدنه .

ومنها :

سيتلوث ثوبه بالبول .

ومنها :

 انتشار البول في أجزاء كثيرة من المسجد .

ومنها :

تنفير هذا الرجل من الإسلام ، لأنه أعرابي جاهل ، والجاهل أقرب من العالم في الانحراف ، نسأل الله العافية .

فدرءا لهذه المفاسد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركوه على حاله .

 

حديث رقم – 54-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ، «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ»)

من الفوائد :

 

أن الأرض وما يتصل بها من حجر وما شابه ذلك إذا تنجست فيكفي أن يصب على هذه النجاسة الماء الذي يذهب بهذه النجاسة ، ولذا عمم فقهاء الحنابلة هذه النجاسة سواء كانت نجاسة كلب أو نجاسة خنزير أو نجاسة آدمي ، بخلاف غيرها من النجاسات إذا وقعت على غير الأرض .

 

حديث رقم – 55-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَالَ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتْرُكُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ أَمَرَ بِدَلْوٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ )

من الفوائد :

أن المساجد يجب أن تطهر وأن المؤمن لا يرضى أن يدنس بيت الله عز وجل ، ولذلك ( صاح به الناس ) لكن النبي صلى الله عليه وسلم منعهم من أجل تلك المفاسد التي تحصل فيما لو قطعوا عليه بوله .

 

حديث رقم – 56-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ: لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»  )

من الفوائد :

 

أن جملة ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) تدل على أن من بين المفاسد فيما لو قطعوا عليه بوله أن ينفروه من الإسلام .

 

ومن الفوائد :

 

استفاد بعض العلماء من هذا الحديث أن علماء هذه الأمة كالأنبياء ، لأنه قال : ( إنما بعثتم ) والذي يبعث هو النبي .

وقال بعض العلماء : البعث مسند إلى الصحابة باعتبار أنهم يبلغون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد تبليغه .

 

ومن الفوائد :

 

أن على المسلم أن يبحث عن الأيسر فيما يوافق الشرع لا فيما تهوى النفس ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ( ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما )

بَابُ الْمَاءِ الدَّائِمِ

 

حديث رقم – 57-

 

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ»)

قَالَ عَوْفٌ: وَقَالَ: خِلَاسٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلهُ

من الفوائد :

 

هذا الحديث مر معنا ، لكن هنا فيه زيادة وهي زيادة الوضوء ، فالحكم مرتبط بالأمرين سواء كان البول مع الاغتسال أو البول مع الوضوء .

 

حديث رقم – 58-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ يَعْقُوبُ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا بِدِينَارٍ  )

 

من الفوائد :

هذا الحديث ذكر الاغتسال وما مضى ذكر الوضوء ، فدل على أن النهي منصب على الحالتين كلتيهما البول مع الاغتسال أو البول مع الوضوء .

 

ومن الفوائد :

أن قوله ( ولا يغتسل من الجنابة ) أفاد أن البول مع أي غسل داخل ضمن النهي ، إلا إن حُمِل الإطلاق هنا على المقيد هناك فربما يقال إن الغسل المطلق هنا هو غسل الجنابة ، ولكن الصواب أن النهي عن البول والاغتسال سواء كان اغتسالا عن جنابة أو لم يكن .

 

ومن الفوائد :

أن الماء الدائم أتت رواية تؤكد هذا الماء الدائم ، قال صلى الله عليه وسلم ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ) فالذي يجري هو خلاف الدائم المستقر ، ولكن إذا كان مستقرا – لأن الحديث هنا لم يتعرض إلى نجاسة الماء من طهارته – ولذلك يقول بعض العلماء إن الماء الكثير الذي إذا حركت طرفه لم يتحرك الطرف الأخير منه ، هذا هو الماء الكثير .

 

ومن الفوائد :

أن أي نجاسة تدخل ضمن هذا الحكم ، سواء كان غائطا أو كانت نجاسة أخرى .

 

ومن الفوائد :

الرد على الظاهرية الذين أخذوا بظاهر اللفظ فقالوا إن الرجل لو بال في إناء ثم صبَّه فلا يدخل ضمن النهي ، وهذا في الحقيقة حصر لمقتضى الشرع فيما لم يحصره ، فالحكم سواء بال مباشرة أو بال في إناء ثم صبَّه فليس هناك فرق .

بَابُ مَاءِ الْبَحْرِ

حديث رقم – 59-

( صحيح )  

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» )

من الفوائد :

أن ركوب البحر جائز إذا أمن الإنسان من الغرق فيرد هذا الحديث بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم يرد ذلك الحديث الذي عند أبي داود ( لا تركبوا البحر إلا أن يكون أحدكم حاجَّا أو معتمرا أو غازيا فإن تحت البحر نارا ) فهذا الحديث ضعيف يرده هذا الحديث .

 

ومن الفوائد :

أن التطهر بماء البحر رافع للحدث ، ولذلك استغرب هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لكونه مالحا ، ولأن رائحته منتنة ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء بهذا الحديث .

 

ومن الفوائد :

أن هؤلاء كانوا يركبون البحر للصيد ، ولذلك جاء في رواية عند الحاكم تدل على هذا ، ومما يؤكدها أن النبي صلى الله عليه وسلم أفادهم بفائدة لأنهم صيادون ، قال 🙁 الحل ميتته ) .

ومن الفوائد :

أن كل حيوان لا يعيش إلا في البحر يجوز أكله ، إلا ما كان فيه ضرر أو ما كان من ذوات السموم ، وللعلماء في ذلك أقوال ، بعضهم استثنى كلب البحر ، وبعضهم استثنى خنزير البحر ، ولكن الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم ، فلا يفرق الأمر ، إلا ما كان مضرا أو ما كان من ذوات السموم ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث الذي هو السم .

 

ومن الفوائد :

أن على المفتي إذا رأى أن السائل بحاجة إلى أن يزاد في الجواب فلا يبخل عليه ، أما إذا لم تكن هناك حاجة فيمكن أن يختصر على أقل الجواب ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لما سألته المرأة الخثعمية ، قالت ( إن فريضة الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ) فالإجابة تختلف باختلاف السائل

بَابُ الْوُضُوءِ بِالثَّلْجِ

حديث رقم – 60 –

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ سَكَتَ هُنَيْهَةً. فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي سُكُوتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ؟ قَالَ أَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» )

من الفوائد :

أن هذه الأشياء المذكورة تطهر وإلا لما ذكرت في هذا السياق ، لكن يشترط فيها الإسالة فلو أن إنسانا أمَرَّ الثلج على عضو من أعضاء الوضوء فلا ينفع إلا إذا سال ، لأنه مر معنا أن الإسباغ على أنواع ثلاثة الفرض منها السيلان .

 

ومن الفوائد :

أن من بين أنواع الاستفتاحات هذا الاستفتاح .

 

ومن الفوائد :

أن الصلاة ليس فيها سكوت ، ولذلك سأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سكتته تلك .

 

ومن الفوائد :

أن السكوت إما سكوت عن الكلام كما هو المشهور ، وإما أن يكون خفضا للصوت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سكت وإنما كان يقول هذا الدعاء ، ولكنه كان يخفض صوته به ، فخفضه لصوته نوع من أنواع السكوت .

 

ومن الفوائد :

حرص أبي هريرة رضي الله عنه على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يكون طالب العلم ألا يتردد في السؤال عما أشكل عليه ، وأن يكون على استمرار في البحث والمراجعة .

 

ومن الفوائد :

أن لفظة ( هُنيهة ) تضبط ( هُنية ) والمراد السكتة اليسيرة .

ومن الفوائد :

أن الإنسان ينبغي له أن يسأل الله عز وجل أن يجنبه الوقوع في المعاصي ، لقوله : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب )

 

ومن الفوائد :

أن الثوب الأبيض هو أسرع الثياب اتساخا .

 

ومن الفوائد :

أن الغسل بهذه الأشياء على خلاف المعتاد في واقع الناس ، لأن الماء الحار أبلغ في التنظيف من البارد ، فلماذا ذُكر البارد ؟ لأنه يناسب حرارة الخطايا ، لأن حرارة الخطايا تضعف القلب ، ولأنها مورد من موارد الوصول إلى حرارة نار جهنم .

 

الْوُضُوءِ بِمَاءِ الثَّلْجِ

 

حديث رقم- 61-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ» )

من الفوائد :

أن القلب يزكو حينما يكون قلبا أبيض ، ولذلك قال

( ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ) فكلما كان القلب أبيض كلما كان أقرب إلى الخير ، وهذا تدل عليه أحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أُشْرِبها نكتت في قلبه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين قلب أسود وقلب أبيض )

ومن الفوائد :

أن الخطايا تسوِّد قلب ابن آدم ، وكيف لا تسوده وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الحجر الأسود نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ) فإذا كانت الذنوب تؤثر في الحجر الأصم فما ظنكم بقلب ابن آدم ؟! من باب أولى ، فالحذر الحذر من الذنوب .

 

ومن الفوائد :

أن الإنسان مطالب بأن يسأل الله سبحانه وتعالى بأن يعصمه من الوقوع في الذنوب ، فإذا وقع يسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيل آثارها عنه .

 

بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَرَدِ

 

حديث رقم – 62-

( صحيح )  

 

( أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: شَهِدْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ»  )  

من الفوائد :

هذا الحديث أورده المؤلف تأكيدا لما سبق على أن الثلج يرفع الحدث ويزيل النجاسة ، لكن كما قلت لكم لابد من الإسالة .

 

سُؤْرُ الْكَلْبِ

 

حديث رقم – 63-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»  )

 

من الفوائد :

أن نجاسة الكلب نجاسة مغلظة ، لأن النجاسة ثلاثة أنواع :

نجاسة مغلظة : وهي نجاسة الكلب ، وقاس بعض العلماء الخنزير عليه ، والصواب عدم القياس ، لأن الخنزير موجود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وما ألحق الخنزير به

وهناك نجاسة مخففة وتأتي معنا إن شاء الله تعالى ، وهي نجاسة الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، فإن تطهيره يكون بالرش

وهناك نجاسة متوسطة وهي ما عدا هذين النوعين .

 

ومن الفوائد :

أن الولوغ حكمه حكم الشرب ، فسواء شرب أو ولغ ، لأن الولوغ بداية الشرب .

 

 ومن الفوائد :

أخذ بعض العلماء ما كان يفتي به أبو هريرة رضي الله عنه من أن نجاسة الكلب تطهر ثلاث مرات وقالوا إن هذا الحديث منسوخ فلا يؤخذ بالتسبيع ، لأن من بين القواعد عند بعض العلماء أن الراوي إذا خالف مرويه فإنه يدل على أن الحديث منسوخ ، والصواب أنه ليس بمنسوخ وأن القاعدة الصحيحة السليمة [ العبرة بما روى لا بما رأى ]

ومن الفوائد :

الرد على المالكية الذين زعموا بأن الكلب طاهر .

 

ومن الفوائد :

الرد على من فرَّق بين الكلب الذي يجوز اقتناؤه والكلب الذي لا يجوز اقتناؤه ، فالحكم سواء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم ، فقال ( الكلب ) وهذا عام في جميع الكلاب .

 

حديث رقم – 64-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» )

 

من الفوائد :

أن النجاسة تؤثر في الوعاء وإلا لما أمر بغسل الإناء ، فلما أمر بغسل الإناء دل على أن النجاسة إذا حكم عليها بأنها أثرت في هذه المائع فإنها تؤثر تلقائيا على الوعاء .

حديث رقم – 65-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ )

 

الْأَمْرُ بِإِرَاقَةِ مَا فِي الْإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ

 

حديث رقم – 66-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى قَوْلِهِ: فَلْيُرِقْهُ )

 

من الفوائد :

 أن الواجب على صاحب الإناء أن يريق ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب ، هذا على اعتبار أن هذا الحديث صحيح مرفوعا ، وهذا ما ذهب إليه الألباني رحمه الله ، مع أن بعض العلماء كما نقل ابن حجر رحمه الله ، بعض العلماء يرى أنه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه وهو الأمر بالإراقة ، وسواء كان مرفوعا أو كان موقوفا فإن القاعدة في الأصول وفي مصطلح الحديث [ أن الحديث إذا أوقف تارة ورفع تارة أخرى فالعبرة بالرفع لأن الرفع فيه زيادة ] هذا إن ثبت كونه مرفوعا ، فيراق الماء الذي في الإناء الذي ولغ فيه الكلب

 

والأمر بالإراقة يدل على أنه متى ما ولغ الكلب في الإناء فإن هذا الإناء تنجس بقطع النظر عن تغير أوصافه ، لأنه أمر بالإراقة ، وقد سبق معنا أن الماء لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه ، فهذا يدل على أنه متى ما ولغ حصلت النجاسة سواء تغيرت أوصاف الماء أو لم تتغير ، ولكن حديث بئر بضاعة يدفع هذا ( قالوا يا رسول الله أرأيت بئر بضاعة يلقى فيها الحِيَض ولحوم الكلاب والنتن ؟ قال إن الماء طهور لا ينجسه شيء )

بَابُ تَعْفِيرِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ بِالتُّرَابِ

 

حديث رقم – 67-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْغَنَمِ وَقَالَ: إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ” )

من الفوائد :

أن الكلاب لا يجوز اقتناؤها ، إلا ما رخص به الشرع ، من جعل كلب للصيد أو للحراسة أو للزرع

 

ومن الفوائد :

أن قوله ( إذا ولغ الكلب في الإناء ) وفي رواية ( في إناء أحدكم ) فهذا شامل لما يملكه الإنسان ولما لا يملكه .

 

ومن الفوائد :

أن التراب لابد منه إلا إذا عدم ، ولذا أثبت الطب الحديث أن هناك دودة شريطية تخرج من فم الكلب فتعلق بالإناء ثم لو شرب منه ابن آدم لتأثرت معدته ، فأثبتوا أن التراب هو الذي يطهرها دون ما عداه .

 

ومن الفوائد :

أن هذه الرواية أحدثت خلافا بين العلماء ، والصواب أن الغسلة الأولى تكون بالتراب دون الأخيرة ، وهذا أيضا ما جنح إليه ابن حجر رحمه الله ، قال لأن الرواة لها أكثر ، وهي أصح من هذه الرواية .

 

سُؤْرُ الْهِرَّةِ

حديث رقم – 68-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا – ثُمَّ ذَكَرَتْ كَلِمَةً مَعْنَاهَا – فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» )

من الفوائد :

أن وصفه لها بأنها من الطوافين كما يطوف الخدم ، فأمثال هؤلاء لا يتحرز منهم ، فمثل هذه الهرة مثل هؤلاء  .

 

ومن الفوائد :

أن سؤر – أي ما فضل من طعام الهر – أنه طاهر ، بخلاف ما فضل من سؤر الكلب .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العلة وهي التطواف ، فما كان من الطوافين علينا فيأخذ هذا الحكم في الطهارة ، مثل الحمار ومثل البغل .

 

ومن الفوائد :

أن فيه الرد على الحنابلة الذين قالوا  يلحق به ما كان مثل خلقة الهرة وما دونها ، فجعوا الحكم معللا بالخلقة ، ولذلك يخرجون الحمار .

والصواب : ما علل به النبي صلى الله عليه وسلم .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث  بعمومه مع الحديث السابق ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات ) أفاد هذا الحديث تخصيص الكلب الذي يطوف علينا أنه خارج من هذا الحكم .

 

ومن الفوائد :

أن التذكير يرجع إلى ذكور القطط ، وأن التأنيث يرجع إلى إناثها .

 

ومن الفوائد :

وهي فائدة لغوية عابرة وهي تأتي كثيرا وينبغي التنبه إليها ، أن المصدر يبقى على حاله سواء كان المُخبر عنه ذكرا أو أنثى أو جمعا أو تثنية أو ما شابه ذلك ، ولذلك لم يقل ” إنها ليست بنجسة ” قال ” بنجس ” مثل كلمة ” عدو ” لو قرأتم في كلام الله سبحانه وتعالى وجدتم أن كلمة العدو مفرد ثابتة على حالها في بعض المواضع .

 

بَابُ سُؤْرِ الْحِمَارِ

 

حديث رقم – 69-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَانَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ»)

من الفوائد :

أن الحُمُر الأهلية نجسة ، وهذا هو آخر الأمر ، فإنها كانت مباحة طاهرة في أول الأمر ثم حرمت .

 

ومن الفوائد :

أخذ العلماء من هذا الحديث ومن غيره أن ما أجاز الشرع أكله فإن ضرره منتفي فلو أن الإنسان اضطر إلى أن يأكل ميتة – لا شك أن الميتة فيها أضرار – لكن لو أكلها في حال الاضطرار فإن الضرر منتفي [ فما انتفى ضرره شرعا انتفى ضرره قدرا ] فإن هذه الحمير لما كان الناس في حاجة إليها كانت مباحة ولم يحصل لهم أضرار ، لكن لما لم يحتاجوا إليها أصبحت ذات أضرار ، لأن البدن إذا كان مضطرا عنده قابلية إلى أن يستفيد وأن يدفع ضرر هذا الشيء المأكول .

 

ومن الفوائد :

أن أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم سواء ، ولذلك عبَّّر بقوله : ( ينهاكم ) وإن كانت وردت رواية بالتثنية ( ينهيانكم ) .

ومن الفوائد :

أن الحُمُر الأهلية نجسة ، لكن لا يؤخذ من هذا الحديث أن آسارها نجسة فهي رجس في لحمها وما يخرج من فضلاتها أما سؤرها ولعابها وعرقها وبدنها فإنه طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبها وتركبها الصحابة رضي الله عنهم وكانت هناك أمطار فتنزل على بدن هذه الحمير ومع ذلك ما جعلوها في حكم الأشياء النجسة .

بَابُ سُؤْرِ الْحَائِضِ

حديث رقم – 70-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ «فَيَضَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَكُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ فَيَضَعُ فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُ وَأَنَا حَائِضٌ»)

من الفوائد :

أن نزول الدم من المرأة وهو دم نجس لا يدل على نجاستها ، فهي طاهرة البدن ، وسؤرها طاهر ، ولذا من ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته وحسن معاشرته كانت عائشة إذا تعرَّقت العظم الذي أخذ أكثر لحمه يضع فاه عليه الصلاة والسلام موضع فمها من هذا العظم وإذا شربت من الإناء وضع عليه الصلاة والسلام فمه على الموضع الذي شربت منه عائشة رضي الله عنها وهي حائض .

 

بَابُ وُضُوءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا

حديث رقم – 71-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ح وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا “)

من الفوائد :

أن اشتراك الرجل والمرأة في الوضوء من إناء واحد لا بأس به ولا يدخل ضمن النهي الوارد عن نهي الرجل من أن يتوضأ بفضل طهور المرأة ، لأن ذلك الحديث فيما خلت به المرأة ، أما هذا الحديث فإنه لا خلوة فيه .

 

بَابُ فَضْلِ الْجُنُبِ

حديث رقم – 72-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ ” )

من الفوائد :

أن الماء لا يُجنب ، فكلما منهما يغترف من هذا الإناء ومع ذلك لا يؤثر ذلك في الماء ، فيدل على طهارة الجنب .

 

بَابُ الْقَدْرِ الَّذِي يَكْتَفِي بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ

حديث رقم – 73-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ وَيَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيَّ» )

من الفوائد :

أن ( المكوك ) قيل هو الصاع وقيل هو المد ، وقد جاءت روايات تدل على أنه هو المد .

 

حديث رقم – 74-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ – ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا – حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَدَّتِي وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ قَدْرَ ثُلُثَيِ الْمُدِّ – قَالَ شُعْبَةُ: فَأَحْفَظُ أَنَّهُ – غَسَلٍ ذِرَاعَيْهِ، وَجَعَلَ يَدْلُكُهُمَا، وَيَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بَاطِنَهُمَا وَلَا أَحْفَظُ أَنَّهُ مَسَحَ ظَاهِرَهُمَا “)

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلما لما غسل ذراعيه دلكهما ، فهذا يدل على أن الدلك مندوب وليس بواجب ، لأن هذا فعل من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن الله عز وجل أمرنا بالغسل ولم يأمرنا بالدلك ، فدل على أن الدلك مرتبة أعلى ، خلافا لبعض العلماء الذين أوجبوا الدلك ، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الذراعين لأن الماء قد لا يصل إلى بعض منها ، وخصوصا ما كان في الخلف .

 

بَابُ النِّيَةِ فِي الْوُضُوءِ

حديث رقم – 75-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ حَمَّادٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، ح وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» )

من الفوائد :

أن العمل لا يكون مقبولا إلا إذا نوى به وجه الله عز وجل وأراد به العبادة ، فدل على أن النية شرط لصحة العبادة .

والحديث له فوائد كثيرة في غير الطهارة :

 من بينها أنه لما قال عليه الصلاة والسلام ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) لأن المقام مقام تكريم ، فإن الهجرة لم تكن هجرة لغرض ما وإنما الهجرة لله ولرسوله ومع ذلك أعادهما مرة أخرى ليبين فضل هذه الهجرة وأن المقصود بها وجه الله ، لكن لما ذكر الدنيا ( ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينحكها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )

ومن الفوائد :

أن المرأة من ضمن الدنيا ، فدل على أن تخصيصها بالذكر دل على أنه مؤثرة وينبغي على المسلم أن يتقيها ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) وليس التحذير من كونها امرأة – لا – وإنما التحذير من أن ينصاع إلى كل متطلباتها .

 

الْوُضُوءُ مِنَ الْإِنَاءِ

 

حديث رقم -76-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ»)

 من الفوائد :

أن وضع اليدين في الماء لا ينجس الماء إلا إذا كانت هناك نجاسة عالقة في هذه اليد .

 

ومن الفوائد :

فضل النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا من معجزاته إذ نبع الماء من بين أصابعه فمعجزته أظهر وأرفع من معجزة موسى عليه السلام لما ضرب الحجر بعصاه ، فإن نبع الماء من بين الأصابع أعظم

 

ومن الفوائد :

أن هذا الماء الذي نبع وهو قليل لكنه نبع ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استفيد منه من قِبل الجميع .

 

حديث رقم – 77-

( صحيح )   

 

(أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَأُتِيَ بِتَوْرٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ) 

 

من الفوائد :

هذا الحديث وضَّح العدد المبهم هناك في الحديث السابق فأصبح عددهم ألفا وخمس مائة ، وهذا عدد كبير .

 

ومن الفوائد :

أن ( التَوْر ) هو إناء يشبه الطست ، وقيل هو الطست ، ولكن الأقرب أنه إناء يشبهه ، وفيه لغة ( الطشت ) لكن اللغة المشهورة ( الطست ) بالسين

بَابُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ

 

حديث رقم – 78-

( صحيح الإسناد )

 

(  أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَقَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟» فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَيَقُولُ: «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ». فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ قَالَ ثَابِتٌ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ تُرَاهُمْ؟ قَالَ: نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ )

 

من الفوائد :

يمكن أن تكون هذه قصة أخرى تختلف عن القصة السابقة ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما أخبر بما رآه أثناء الاغتراف .

ومن الفوائد :

أن البسملة مطلوبة عند الوضوء ، فلعل النسائي رحمه الله لا يرى صحة ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) فذكر هذا الحديث ( توضئوا بسم الله ) أي ابتدئوا ببسم الله ، أو متبركين باسم الله ، ولكن مع صحة هذا الحديث لا يدل على الوجوب .

 

صَبُّ الْخَادِمِ الْمَاءَ عَلَى الرَّجُلِ لِلْوُضُوءِ

 

حديث رقم – 79-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: «سَكَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَضَّأَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ )

من الفوائد :

ما ذكره فقهاء الحنابلة من أنه تباح معونته في الوضوء ، فإن إعانة الشخص على الوضوء لا بأس بها بدلالة هذا الحديث ، ولذلك قال عائشة رضي الله عنها ( كنا نعد له سواكه وطَهوره )

الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

حديث رقم – 80-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» )

من الفوائد :

أن هذا الحديث يرد الزيادة التي أتت في حديث الأعرابي الذي سأله عن الوضوء ؟ فأراه الوضوء ثلاثا ثم قال ( فمن زاد فقد تعدى وأساد وظلم ) في رواية ( أو نقص ) فهي لفظة شاذة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنقص من عدد الثلاث كما هنا .

 

بَابُ الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا

حديث رقم – 81-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، يُسْنِدُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» )

من الفوائد :

أن نقلة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة كثر ، فلم ينقل وضوءه صلوات ربي وسلامه عليه واحد أو اثنان – لا – بل هناك عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم نقلوا لنا وضوءه صلى الله عليه وسلم .

 

ومن الفوائد :

أن الأكمل أن يتوضأ المسلم ثلاثا ثلاثا .

 

ومن الفوائد :

أن قوله : ( ثلاثا ثلاثا ) هذا يحمل على التغليب ،  فليس كل عضو يغسل ثلاثا ، فالرأس يمسح ويكون مرة واحدة ، فقولهما ( ثلاثا ثلاثا ) من باب التغليب ، وباب التغليب في اللغة له أحوال، من أحواله [ أن يحمل القليل على الكثير ] ما هو القليل ؟ مسح الرأس ، والكثير غسل باقي الأعضاء ،فغلبوا الأمر على الثلاث مع إدخال الرأس مع أن الرأس يمسح مرة واحدة  .

ويمكن أن يكون الرأس ممسوحا ثلاثا أي بثلاث مرات هذه الثلاث مرات استوعب فيها الرأس ، وليس معنى ذلك أن الرأس مسح ثلاثا ، وإنما يحمل على تعدد إمرار اليدين على الرأس .

 

صِفَةُ الْوُضُوءِ

غَسْلُ الْكَفَّيْنِ

حديث رقم – 82-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى الْمُغِيرَةِ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَلَا أَحْفَظُ حَدِيثَ ذَا مِنْ حَدِيثِ ذَا، أَنَّ الْمُغِيرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَرَعَ ظَهْرِي بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَى كَذَا وَكَذَا مِنَ الْأَرْضِ، فَأَنَاخَ ثُمَّ انْطَلَقَ. قَالَ: فَذَهَبَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ؟» وَمَعِي سَطِيحَةٌ لِي فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ وَذَهَبَ لِيَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، وَذَكَرَ مِنْ نَاصِيَتِهِ شَيْئًا وَعِمَامَتِهِ شَيْئًا – قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لَا أَحْفَظُ كَمَا أُرِيدُ – ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «حَاجَتُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَتْ لِي حَاجَةٌ. فَجِئْنَا وَقَدْ أَمَّ النَّاسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَذَهَبْتُ لِأُوذِنَهُ فَنَهَانِي، فَصَلَّيْنَا مَا أَدْرَكْنَا وَقَضَيْنَا مَا سُبِقْنَا )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب أصحابه فـ ( قرع ظهري ) يعني أنه ضربه لكن ليس ضربا مبرحا ، وإنما من باب الإخبار والتنبيه إلى أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم فيما يريد .

 

ومن الفوائد :

أن من قضى حاجته في الصحراء فعليه أن يبتعد ، ومقدار هذا الابتعاد ” أن يتوارى عن أنظار من حوله”

وهل يقضي حاجته إذا كان قريبا منهم ؟

الجواب : نعم ، شريطة ألا تقع أعينهم على عورته .

 

ومن الفوائد :

أن المسح على الخفين في أواخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فما زال مستمرا ، ففيه رد على من زعم بأن أحاديث المسح على الخفين منسوخة .

 

ومن الفوائد :

أن لبس الكفار إذا كان طاهرا يجوز لبسه ، لأنه قال ( شامية ) ومعلوم أن الشام لم تفتح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

 

ومن الفوائد :

أن لبس الضيق لا بأس به بالنسبة إلى الرجال بحيث لا يؤذي الإنسان .

 

ومن الفوائد :

الرد على من تعدى بالمسح فقال إن المسح ورد في السنة على الخفين في القدمين وعلى العمامة في الرأس فيزاد على ذلك – كما زعم – قال ويمسح على المناكير ، فالمرأة إذا توضأت ووضعت المناكير يجوز أن تمسح عليها ، فنقول المسح ما ورد في الشرع إلا على هذين الموضعين ، على القدم وعلى الرأس ، ولو كان يجوز لمسح النبي صلى الله عليه وسلم على ذراعيه ولم يحتج إلى أن يخرجهما .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكافئ أصحابه رضي الله عنه إذا خدموه ، فقال للمغيرة ( ما حاجتك ؟ )

 

ومن الفوائد :

تعظيم الصحابة رضي الله عنهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن المغيرة أراد أن يؤذن وأن يخبر عبد الرحمن بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتأخر ، ومع ذلك علم عبد الرحمن ولم يتأخر ، مع العلم أنه جاء في الصحيحين ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تأخر عن الصحابة في يوم من الأيام صلى بهم أبو بكر رضي الله عنه ، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى ، لكنه رجع ، فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم له لمَ لم تبق ؟ فقال رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم )

لماذا لم يتأخر عبد الرحمن ، مع أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل منه وتأخر ؟

 

فكيف يوفق بين الحديثين ؟

 

الجواب عن هذا :

أن أبا بكر رضي الله عنه تأخر لأنه ما زال في أول الصلاة ، ولم يفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ركعة ، بينما في قصة عبد الرحمن فاتته ركعة ، فلو تقدم وصلى بهم سيكون هنا اضطراب في صفة الصلاة ، هذا هو الجمع بين الحديثين .

 

ومن الفوائد :

أن صاحب العلم والفضل قد يتأخر عن الصلاة وقد تفوته ركعة أو ركعتان أو تفوته الصلاة كلها ، ولكن لا يكون هذا ديدنه ، لأن الواجب عليه أن يكون قدوة لغيره ، لكن إن جرى عذر من الأعذار فمنعه فلا يثرب عليه ، أما إذا كان هذا على سبيل الكثرة والغلبة فإن هذا مما لا يليق به ، فالإنسان قد يعتريه ما يعتريه فيتأخر عن الصلاة لعذر ، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما فرغوا قال ( قد أصبتم أو أحسنتم )

ولذلك قال بعض العلماء إذا تأخر الإمام عن وقته المعتاد يُصلى ، فيتقدم شخص ويصلي بالناس ، لفعل الصحابة رضي الله عنهم ، مع أن فقهاء الحنابلة يشددون في هذا ، فيقولون على المأمومين أن يرسلوا شخصا إلى الإمام ولا يتسرعوا في الصلاة حتى يتيقنوا عدم مجيئه ، لأن الإمامة سلطانه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( لا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته إلا بإذنه ) ولعل ما ذكروا فيما مضى ، لأن فيما مضى البيوت قريبة ، والناس منحصرون في أماكن معينة ، بينما في هذا العصر عسير على الناس أن يبقوا وقتا طويلا يراسلوا الإمام ، ولكن كما هو معروف أن غالب الأئمة قد وقِّت لهم وقتا معينا يعلم الجماعة أنه متى ما تأخر عن هذا الوقت أنه لن يأتي ، وإنما شدد فقهاء الحنابلة على هذا الأمر حتى لا تحصل فوضى في المساجد ، إلا إذا أذن الإمام فيقولون إذا أذن إذنا عاما أو خاصا فلا بأس بذلك ، يصلون متى ما جاء الوقت ، الإذن العام كأن يقول متى ما تأخرت صلوا ، وأما الإذن الخاص أن يأذن لشخص معين ليؤم بالناس

 

ومن الفوائد :

أن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن ما يدركه المصلي المسبوق هو آخر صلاته ، لأن قال( وقضينا ما سُبقنا ) ومعلوم أن هناك رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وما فاتكم فأتموا ) وفي رواية ( وما فاتكم فاقضوا ) فالقضاء هو الفراغ من الشيء ، وليس المراد أنه آخر الشيء ، لأن لهؤلاء توجيهات وأحكام معينة في هذا النزاع .

 

كَمْ تُغْسَلَانِ ؟

حديث رقم 83-

( صحيح الإسناد )

 

( أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَوْكَفَ ثَلَاثًا» )

من الفوائد :

أن السنة في غسل الكفين أن تكون ثلاثا ، ولم يرد أن الغسل يكون للكفين ، لكنه لعلهم أخذوها من قوله ( استوكف ) لعل هذا يدل على ما ذهبوا إليه .

 

الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ

 

حديث رقم – 84-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»)

من الفوائد :

أن الأفضل في الوضوء أن يكون ثلاثا  .

 

ومن الفوائد :

أنه لما ذكر مسح الرأس قال ( ثم مسح برأسه ) ولم يقل ( ثلاثا ) فدل على أن الصواب في مسح الرأس أن يمسح مرة واحدة ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من أن المسح على الرأس يكون ثلاثا ، وبعضهم قال هو مخير بين هذا وهذا .

 

ومن الفوائد :

أن توضيح المعلومة عن طريق الفعل أبلغ من القول ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على مرأى من الصحابة وتوضأ عثمان رضي الله عنه على مرأى ممن حوله ، فيكون هذا أبلغ في إيصال المعلومة إلى المتلقي .

 

ومن الفوائد :

أن الأفضل أن تغسل الكفان خارج الإناء ، فيصب على كفيه ولا يدخل كفيه في الإناء .

 

ومن الفوائد :

أن من صلى ركعتين بعد هذا الوضوء يخشع فيهما فإن له أجرا ، ما هو هذا الأجر ؟ أن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، وفي رواية ( وجبت له الجنة )

ومن الفوائد :

أن المراد من مغفرة الذنوب هنا الصغائر مع أن الحديث أطلق ، لكن لماذا قال العلماء هي الصغائر ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) ومعلوم أن الصلوات أعظم من الوضوء .

 

ومن الفوائد :

ما قاله بعض العلماء من أن الإنسان إذا انصرف عن شواغل الدنيا حصل على هذه المرتبة ، لأن كون الإنسان لا يحدث نفسه أمر صعب ، لكن قال بعض العلماء ليس بصعب ، فمن فرَّغ ذهنه من أمور الدنيا فإنه لا يحدث نفسه في الصلاة .

مع أن بعض العلماء يقول المقصود من حديث النفس هو الحديث المسترسل ، أما ما طرأ فيبقي الفضل والثواب على ما هو عليه ، وهذا قول لابن حجر رحمه الله ، لم ؟ قال لأن كلمة ( يحدث نفسه ) يدل على أن عنده إرادة ، فهو لما أتاه هذا الوارد استمر معه ، لكن لو أن هذا الوارد أتاه ثم صرفه فإنه لا يؤثر على هذا الفضل لأنه بعيد أن يدخل الإنسان من أول الصلاة إلى آخرها ولا يحدث نفسه بشيء .

 

بِأَيِّ الْيَدَيْنِ يَتَمَضْمَضُ؟

حديث رقم – 85-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ هُوَ ابْنُ أبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ، أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ، فَغَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ مِنْ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْءٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» )

 

من الفوائد :

أن المضمضة والاستنشاق مطلوبان في الوضوء ، وأن استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليهما يدل على الوجوب ، وبعض العلماء يرى أنهما سنة ، والصواب أنهما للوجوب .

 

اتِّخَاذُ الِاسْتِنْشَاقِ

حديث رقم – 86-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، ح وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ»)

من الفوائد :

أن الواجب في الاستنشاق أن يصل الماء إلى الأنف يعني المنخرين ، لأنه قال ( فليجعل في أنفه ماء )

 

ومن الفوائد :

أن الاستنشاق غير الاستنثار ، لا كما زعمه بعض العلماء من أن الاستنشاق والاستنثار شيء واحد .

 

ومن الفوائد :

وجوب الاستنشاق ، لأنه قال ( فلجعل في أنفه ماء ) فهذا يرد على من قال إن الاستنشاق سنة

 

الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ

حديث رقم – 87-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، ح وَأَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» )

من الفوائد :

أن لقيط بن صبرة رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوضوء ، فاقتصر على ما ذكر هنا في هذا الحديث ولم يذكر صلوات ربي وسلامه عليه الوضوء كله ، فلم ؟

قال بعض العلماء : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء كله ولكن بعض الرواة اقتصر على بعض ما ذُكر مما ذُكر هنا .

وقال بعض العلماء – وهو الأقرب – أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم بقرائن الأحوال أو بوحي من الله عز وجل أن السائل ليس محتاجا لتفاصيل الوضوء ، وإنما هو محتاج لما ذكره هنا في هذا الحديث .

 

ومن الفوائد :

أن إسباغ الوضوء مأمور به ، لكن أهو أمر وجوب أو أمر استحباب ؟

الجواب : أن الإسباغ يدخل تحته ثلاثة معاني  :

المعنى الأول :

أن يقتصر على أقل الواجب مع تعميم العضو بالماء ، بمعنى أنه يغسل كل عضو من أعضاء الوضوء مرة واحدة ويستوعب العضو كله بهذه المرة ، وهذا إسباغ واجب .

 

المعنى الثاني :

أن يأتي بالكمال ، وهو أن يتوضأ ثلاثا ثلاثا ، وهذا مستحب

 

المعنى الثالث :

أن يأتي بما ذكر في المعنى الثاني ويدلك العضو ، فهذا أكمل من المعنى الثاني ، وهو مستحب .

إذاً لو سألك سائل فقال ما حكم إسباغ الوضوء ؟

تقول هذه المعاني الثلاثة .

لو قال قائل : قوله صلى الله عليه وسلم

( أسبغ الوضوء ) يحتمل أي المعاني ؟

يحتمل – والعلم عند الله – يحتمل المعنى الثالث ، ما الدليل ؟ لأنه قرنها بالمقارنة بالمبالغة في الاستنشاق ، فدل على أنه كما يحرص على أن ينظف ما في أنفه تنظيفا بليغا أيضا يبالغ في دلك أعضاء وضوئه .

وأعظم الإسباغ أن يسبغ على المكاره ، كما مر معنا ( ألا أنبئكم بما هو يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ) ذكر منها ( إسباغ الوضوء على المكاره )

ومن الفوائد :

أن المبالغة في الاستنشاق سنة شريطة ألا يكون صائما ، فإن كان صائما فلا يسن له أن يبالغ .

وهل له أن يبالغ في المضمضة فيكون مأجورا ؟

الجواب : نعم، لأنه هناك رواية عند ابن القطان وصححها رحمه الله ( وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما ) فلعل بعض الرواة تركها اختصارا ، فلما ذكرت المضمضة والاستنشاق في المبالغة شريطة ألا يكون المتوضئ صائما دل هذا على ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن الفم والأنف مدخلان للطعام والشراب ، فلو أن الصائم كما هو معلوم حكمه لو أدخل طعاما أو شرابا إلى جوفه عن طريق الفم أفطر ، كذلك لو أدخل الطعام أو الشراب عن طريق الأنف متعمدا أفطر ، فهذا دليل على أن الأنف مدخل من مداخل الطعام ، لكنه لو أعطي إبرة غير مغذية فأحس بطعمها في حلقه فلا تفطر ، لم ؟ لأن هذه الأماكن من البدن ليست مدخلا من مداخل الطعام .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث أوضح كما أوضحت أحاديث أخرى أن الإسلام دين النظافة ، لأن الإسباغ يزيل القذر ، وكذلك المبالغة في المضمضة والاستنشاق ، وهذا يدل على أن الإسلام يحمد الإنسان الذي يحرص على نظافة بدنه ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( كان يكره أن توجد منه الرائحة الخبيثة )

الْأَمْرُ بِالِاسْتِنْثَارِ

 

حديث رقم – 88-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ»)

من الفوائد :

أن الانتثار واجب لظاهر الأمر ، مع أن العلماء يرون أن الأمر بالانتثار هنا سنة وليس واجبا ، ولعل دليلهم الإجماع ، فيكون الواجب هو الاستنشاق ، أما إخراج ما في الأنف فلا يكون لازما وإنما يكون مستحبا ، فإن لم يكن هناك اتفاق لكان هذا الأمر مقتضيا الوجوب ، حتى من حيث المعنى يقتضي الوجوب ، لأن المقصود من الاستنشاق أن ينظف أنفه ، فإذا لم يخرج الماء بقي في الأنف ما بقي فيه من أوساخ وأدران .

 

ومن الفوائد :

أن الاستجمار بالحجارة وبما يلحق بها من الأوراق وغيرها السنة أن يقطعه على وتر ، فلو تنظف بأربعة أحجار وزال الأثر المطلوب شرعا إزالته فالسنة له أن يزيد واحدة حتى يقطع استجماره على وتر ، فلو لم ينق المحل إلا بثمان فالسنة أن يزيد واحدة حتى يقطعه على وتر .

لو قال قائل : لمَ لم يكن الأمر واجبا ؟

فما هو الصارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب ؟

الصارف ما جاء عند أبي داود وحسنه ابن حجر رحمه الله في الفتح قوله صلى الله عليه وسلم ( من استجمر فليوتر ، فمن فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج )

فأفهمنا هذا الحديث أن قطع الاستجمار على وتر سنة وليس واجبا .

حديث  رقم – 89-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَاسْتَنْثِرْ، وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ»)

 

من الفوائد :

أن هناك قاعدة عن الأصوليين وهي [ أن دلالة اللزوم معتبرة ] كيف ؟ قال ( إذا توضأت فاستنثر ) يلزم من ذلك أن يكون هذا الاستنثار سبقه استنشاق ، فدل على وجوب الاستنشاق ، لأنه لا يمكن أن يكون استنثار إلا باستنشاق .

 

بَابُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ

 

حديث رقم – 90-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» )

من الفوائد :

أن هذا الحديث لعله يدل على أن الاستنثار سنة في الوضوء ، لم ؟ لأن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاستيقاظ من النوم وذكر الشيطان ومبيته على خيشوم بني آدم وذكر الوضوء يدل على أن الأمر بالاستنثار ليس من أجل الوضوء وإنما من أجل أن الشيطان يبيت على خيشومه ، ولذا الصحيح أن من استيقظ من الليل كما في الرواية الأخرى – أن من استيقظ من الليل ولو لم يرد وضوءا أن الواجب عليه أن يستنثر ثلاثا ، لكن لماذا قال ( فتوضأ ) ؟ لأن استنثار الوضوء كافٍ عن استنثار القيام من نوم الليل .

 

ومن الفوائد :

أن الشيطان يبيت على أنف ابن آدم ، والصحيح أنه يبيت بيتوتة حقيقية ، لا كما زعمه بعض العلماء من أن بيتوتة الشيطان من أجل ما يكون هناك من الرطوبة التي يرغبها الشيطان فلما كان يرغبها الشيطان أضيفت إليه ، ولكن الحديث يدل على أنه يبيت على خيشومه .

 

بِأَيِّ الْيَدَيْنِ يَسْتَنْثِرُ

حديث رقم – 91-

( صحيح الإسناد )

 

(  أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ «دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا طُهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» )

من الفوائد :

أن الاستنثار يكون باليد اليسرى ، بينما في حديث عثمان المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى ، ولذلك كما قلت لكم بعض العلماء يقول يكره له أن يستنثر من غير يد ، لأنه لو استنثر من غير يد يكون أشبه ما يكون بالبهيمة ، والصواب عدم الكراهة ، لم ؟ لأن الشرع أطلق سواء بيده اليسرى أو لم يكن .