بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
الوضوء من الريح
حديث رقم – 160-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ يَعْنِي: ابْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَجِدَ رِيحًا أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا» )
من الفوائد :
أن ( شكي ) هنا فعل مبني لما لم يسم فاعله ، فيكون إعراب كلمة ( الرجل ) نائب فاعل ، ولا يمكن أن يكون فعلا مبنيا للمعلوم ، لأنه لو كان مبنيا للمعلوم لما كتب بهذه الصورة ، وإنما كُتب ( شكا ) بالألف الممدودة
ومن الفوائد :
أن العلماء أخذوا منه عدة قواعد من بينها :
[ اليقين لا يزول بالشك ]
ومنها [ اليقين لا يزول إلا بيقين ]
ومنها [ الأصل بقاء ما كان على ما كان ]
ومنها [ لا عبرة بالتوهم ]
فالأصل في عبادة الإنسان إذا فعلها أنها صحيحة ولا يعدل عن هذا إلا بيقين آخر يزيل اليقين الأول
وهذا الحديث :
يصلح في كثير من أبواب الفقه فليس محصورا في الطهارة فحسب بل في أبواب شتى ، فلو شك الإنسان هل طلَّق زوجته أم لم يطلقها فالأصل بقاء النكاح ، لو شكت امرأة هل أرضعت هذا الطفل العدد المعتبر شرعا، فالأصل عدم الرضاع ، وهكذا .
ومن الفوائد :
أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للريح بالشم وللصوت بالسماع ، لأنهما أغلب ما يحصل من الإنسان يقينا لخروج الحدث ، ولا يعني أن لا يخرج ما سوى هذين الأمرين ، فلو تيقن من غير أن يشم شيئا ومن غير أن يسمع صوتا فإن وضوءه قد انتقض .
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الشيطان ينفخ في مقعدة ابن آدم فيخيل إليه أنه أحدث) عبَّر عليه الصلاة والسلام بقوله ( فيخيل ) فدل على أنه ليس يقينا ، فمتى ما سمع قرقرة في البطن أو حركة في الدبر فإنه لا يلتفت إليه إلا إذا تيقن يقينا جازما لخروج الحدث كما أنه متيقن يقينا جازما بأنه على وضوء .
ومن الفوائد :
أنه لا يجوز للإنسان أن يسترسل مع الشيطان في هذه الشكوك ، ولذا نهاه النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا ) فهو نهي من أن يسترسل ابن آدم مع الشيطان ، ونحن نرى حسب الواقع أن من استرسل مع الشيطان في هذه الشكوك فإنه لم يأت بالعبادة على وجهها الأكمل ولا يجد لها لذة ولا حلاوة ويفتح له الشيطان أبوابا أخرى ، فإذا فرغ من الشكوك في الوضوء دخل في الشكوك في الصلاة ثم في قضية الطهارة والنجاسة ثم في قضية بقاء الزوجة من عدمها هل طلقها أم لم يطلقها ؟ إلى غير ذلك من هذه القضايا الواقعة التي نعرفها عن كثير من الموسوسين ممن أبتلي بهذا الأمر .
ومن الفوائد :
أن فعل الحدث في المسجد وهو الفساء أو الظراط ليس بمحرم وليس بمكروه ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء يرى أنه من باب تكريم المسجد ألا يخرج من الإنسان حدث في المسجد ، وهذا الحديث يرد به عليهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم ولم يقل في المسجد أو في غيره ، بل في حديث أبي هريرة ( الملائكة تصلي على العبد ما دام في مصلاه ما لم يؤذِ فيه ما لم يحدث فيه ) فلو أحدث لا يلام على ذلك ، صحيح أن الأجر والفضل الذي كان يحصل له من دعاء الملائكة انتفى لكنه لم يقع في الإثم ، ولأن الحدث أمر ليس بمقدور الإنسان فقد يقع منه الحدث من حيث لا يشعر ، بل قد يفعله لأن بقاءه ومنعه فيه ضرر عليه ، والشريعة لا تأتي بالضرر .
الوضوء من النوم
حديث رقم – 161-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» )
من الفوائد :
أن المسلم يحرم عليه بعد الاستيقاظ من النوم الناقض للوضوء يحرم عليه أن يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، وهذا الصواب من قولي العلماء ، خلافا لمن كره هذا الفعل ، فقد حصر بعض العلماء هذا الحكم في الكراهة ، والصواب أنه للتحريم ، فمتى ما وُجد النوم الناقض للوضوء وهو الذي استغرقت فيه حواس ابن آدم فإن وضوءه قد انتقض ومن ثم يحرم عليه أن يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا .
ومن الفوائد :
أن هذا الحكم يعم أي مكلف من ذكر أو أنثى ، أما الصغار فقد أخرجهم الفقهاء ، ولذلك لأن الشيطان لا يحرص على غير المكلفين ، هذا باعتبار ما ذكره شيخ الإسلام من العلة ، فالمكلف لا يلزم بهذا
ومن الفوائد :
أن هذه الرواية ذكر فيها ( فلا يدخل ) وفي رواية ( فلا يغمس ) ففهم من ذلك أنه لو أدخل جزءا من يده أو أدخل يده كلها شمله الحديث .
والمقصود من اليد ( الكف ) لأن اليد إذا أطلقت في لسان الشرع ، فإنها تدل على الكف ، أما إذا قيدت بحد فعلى ما قيدت به .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء – كما ذكر الصنعاني رحمه الله في سبل السلام – أخرج الأواني الكبيرة ، فقالوا إن الأواني الكبار ” الحياض ” تخرج من هذا .
والصواب العموم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم قال ( الإناء ) فيشمل الصغير والكبير ، بل إن ابن عمر رضي الله عنهما كما صح عنه لما ذكر هذا الحديث وسئل رضي الله عنهما عن الحياض الكبيرة أتدخل في هذا أم لا ؟ فقال رضي الله عنهما منكرا على السائل ( إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث فاسمع وأطع ) ففهم من ذلك أن هذا الحكم يؤخذ على عمومه في أي إناء صغر أم كبر .
ومن الفوائد :
أن العلة منصوصة هنا ، ومعلوم أن العلة يمكن أن تكون مستنبطة ويمكن أن تكون منصوصا عليها كما هنا ، وإذا نص على العلة فلا يلتفت إلى العلل الأخرى إلا إذا كانت تلك العلل مؤيدة للعلة التي ذكرها الشرع .
ومن الفوائد :
أن شيخ الإسلام رحمه الله أخذ منه أن النوم اليسير هو النوم الذي لا يذهب معه حاسة ابن آدم ، لأنها إذا لم تذهب فإنه يدري ، أما إذا ذهبت حواسه مستغرقا في النوم فإنه لا يدري .
باب النعاس
حديث رقم – 162-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَعَسَ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي»)
من الفوائد :
بيان شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة ، ومن ثم فإن الإنسان لا يجهد نفسه في العبادة ، فإن إجهاد الإنسان نفسه في العبادة ربما يقع في خلاف ما يرغبه ، فإنه يرغب في هذه الصلاة أن ينال الأجر والمغفرة من الذنوب ، فلعله بهذا الإجهاد المجهد يقع في خلاف ما يرغب من سب نفسه بدل أن يطلب من الله المغفرة .
ومن الفوائد :
أن النعاس ليس بناقض للوضوء إذ لو كان ناقضا لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لما قال ( لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري ) دل على أن النهي خيفة من أن يقع في الدعاء على نفسه ، ولم يذكر شيئا يتعلق بالوضوء ، فدل على أن النعاس غير مبطل للوضوء ، لأنه لو كان مبطلا للوضوء لفسدت الصلاة .
الوضوء من مس الذكر
حديث رقم – 163-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، ح وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَا: أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ. فَقَالَ مرْوانُ: مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ. فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»)
من الفوائد :
أن بعض العلماء قال :” إن مس الذكر على أي حالة كان يكون ناقضا للوضوء ، إلا إذا كان قد مسه بحائل ، فمتى ما مس ذكره من غير حائل بشهوة أو عدمها فإن وضوءه ينتقض .
ومن الفوائد :
أن مس الذكر يدخل ضمنه مس الدبر ، وكذلك مس المرأة لفرجها ، لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره ( من مس فرجه فليتوضأ )
ومن الفوائد :
الرد على من قال بأن حديث بسرة مخصوص به الرجال فقط ، لأنه قال ( ذكره ) لكن في الرواية الأخرى ( فرجه ) بل جاء في رواية أخرى ( أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ )
حديث رقم – 164-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: ذَكَرَ مَرْوَانُ فِي إِمَارَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ بِيَدِهِ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، وَقُلْتُ: لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ» قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أُمَارِي مَرْوَانَ حَتَّى دَعَا رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرَةَ فَسَأَلَهَا عَمَّا حَدَّثَتْ مَرْوَانَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بُسْرَةُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهَا مَرْوَانُ )
من الفوائد :
أن المجادلة في طلب الحق أمر ممدوح ومحمود ، فإن عروة رضي الله عنه حصلت منه مجادلة ومماراة ليستوضح هذا الحكم أكثر .
ومن الفوائد :
أن مس الذكر باليد ناقض للوضوء ، ففهم من ذلك أنه لو مسه برجله أو مسه بأي عضو من أعضائه دون اليد فإنه غير ناقض للوضوء ، والمقصود من ” اليد ” الكف ، فلو مسَّه بساعده أو بمرفقه فإن الوضوء باقي
باب ترك الوضوء من ذلك
حديث رقم – 165-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ، عَنْ مُلَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْكَ» )
من الفوائد :
أن بعض العلماء قال بأن مس الذكر باليد غير ناقض للوضوء .
لكن الصواب / أن مس الذكر ناقض للوضوء ، لأسباب ، من بينها :
أن طلقا رضي الله عنه روى في حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من مس ذكره فليتوضأ ) إذ إنه رضي الله عنه لما قدم هذا القدوم وسأل النبي صلى الله عليه وسلم كان حينها يبنى المسجد النبوي ، إذاً هو في أول الأمر ، فروى بعد ذلك رضي الله عنه ( من مس ذكره فليتوضأ )
ولأن رواة حديث بسرة أثبت من رواة حديث طلق
ولأنه من المعلوم أن مس الذكر ليس كمس الأنف أو اليد في درجة واحدة ، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يمسنَّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ) ومعلوم من خلال هذا الحديث أن مس الذكر ليس كمس اليد أو الرجل أو ما شابه ذلك .
وبعض العلماء يرى الجمع بين الدليلين :
ومن وجوه الجمع : أن الأمر بالوضوء في حديث بسرة ، أنه على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب .
ومن بين وجوه الجمع : أن الأمر بالوضوء من مس الذكر ، إذا كان بشهوة ، أما إذا لم يكن بشهوة فلا وضوء ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طلق ( إنما هو بضعة منك ) فدل على أن مسه إنما هو من غير شهوة ومما يؤكد أن حديث بسرة أرجح من حديث طلق ، على اعتبار أن حديث بسرة مرجح على حديث طلق : أن أبا هريرة رضي الله عنه من بين من روى حديث بسرة ، ومعلوم أن أبا هريرة رضي الله عنه ما أسلم إلا عام خيبر ، فيكون حديث بسرة متأخرا عن حديث طلق .
وبعض العلماء أتى بقول يقرر فيه حديث بسرة ، من أن حديث بسرة محمول على مسه من غير حائل ، وأن حديث طلق محمول على مسه بحائل ، فإذا مسه بحائل كثوب أو سروال من وراء الذكر ، فإنه ليس بناقض للوضوء ، لما سيأتي في الحديث القادم ( سئل عن مس الذكر في الصلاة ) فلا يمكن أن يمس الذكر في الصلاة إلا وهناك حائل ، وهذا هو الأقرب ، أن من مسه بحائل لا ينقض الوضوء ، وإن مسه بحائل ينقض الوضوء ، ويؤكده ما جاء في رواية الإمام أحمد رحمه الله ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ستر ، فقد وجب الوضوء ) .
ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة
حديث رقم – 166-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ»)
من الفوائد :
أن مس المرأة من غير شهوة ليس بناقض للوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم في مسه لعائشة مس ليس بشهوة لأنه في الصلاة ، فدل على أنه غير ناقض للوضوء ، أما إذا كان بشهوة فقد وقع الخلاف بين العلماء ، والصواب أنه ليس بناقض للوضوء ، إلا إذا خرج منه شيء أثناء هذا المس .
ومن الفوائد :
أن وقوف المرأة أمام الرجل وهو يصلي ليس مبطلا للصلاة ، لأن المبطل للصلاة هو مرورها ، أما وقوفها فإنه لا يؤثر ، إما جلوسها أمامه فإنه لا يؤثر
ومن الفوائد :
بيان ما كان عليه رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه من شظف العيش وقلة متع الدنيا ، فإن البيت ضيق إلى درجة أن عائشة رضي الله عنها تكون قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة ، فيا ليتنا نعتبر ونتعظ ونعرف أن هذه الدنيا إنما هي دار منافسة للآخرة ، فإن الإنسان لو بلغ ما بلغ ووصل ما وصل من المتع فإنه لن يقتنع أبدا ، حتى ولو ظفر بقصور شامخة واسعة فإنه لن يقتنع إلا من قنَّعه الله عز وجل ، فقد يقول الإنسان لو ملكت بيتا أو أمرا من أمور الدنيا من مركب أو بيت أو وظيفة لو حظيت على هذه الأشياء لأصبحت غير طالب لما سواها ، ولكن في حقيقة الأمر لا يمكن إلا من روَّض نفسه ودربها على القناعة .
حديث رقم – 167-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُمُونِي مُعْتَرِضَةً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلِي فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ، ثُمَّ يَسْجُدُ» )
من الفوائد :
أن قولها ( لقد رأيتموني وأنا معترضة ) يستفاد منه أن عائشة رضي الله عنها قالت مقولتها الشهيرة ( شبهتمونا بالكلاب والحمير ) لما سمعت أن هناك من يقول إن مرور المرأة أمام المصلي يقطع صلاتها ، فقالت ( شبهتمونا بالكلاب والحمير ) وذكرت هذا الحديث ، ولكن هذا الحديث لا يسعفها رضي الله عنها ، لأن هذا ليس مرورا وإنما هو جلوس أو وقوف ، فالصواب أن المرأة متى ما مرت أمام المصلي دون أن تكون له سترة أن صلاته باطلة لحديث أبي ذر رضي الله عنه في صحيح مسلم ، وسيأتي إن شاء الله
حديث رقم – 168-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، وَالْبُيُوتُ يَوْمِئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» )
من الفوائد :
أرادت عائشة رضي الله عنها أن تعتذر لصنيعها ، فإن في هذا الصنيع قد يظهر منه أنها كلَّفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغمزها كلما أراد أن يسجد حتى تضم رجلها إليها ، فاعتذرت رضي الله عنها بأن البيوت ليس فيها مصابيح حتى ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لو كانت هناك مصابيح لما أحوجته رضي الله عنها إلى أن يغمزها .
ومن الفوائد :
حسن المعاشرة من الزوجة لزوجها ، وأنه ينبغي عليها ألا تكلفه ولو أدنى ما يكون .
ومن الفوائد :
الرد على الصوفية الذين يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور ، فلو كان كذلك أو كان يشع منه نور لما قالت عائشة رضي الله عنها هذا الكلام .
حديث رقم – 169-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَنُصَيْرُ بْنُ الْفَرَجِ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»)
من الفوائد :
أن مسَّ المرأة للرجل ليس بناقض للوضوء إذا عرى من الشهوة ، لظاهر هذا الخبر ، فإنها وضعت يدها على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما منصوبتان .
ومن الفوائد :
بيان غيرة عائشة رضي الله عنها فخشيت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذهب إلى بعض زوجاته ، فالتمسته وبحثت عنه .
ومن الفوائد :
أن هذا الدعاء ينبغي أن يكثر منه المسلم حال سجوده
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال إن السنة في حق الساجد أن يضم رجليه حتى يلتصق عقباه ، لأن رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانتا متفرقتين لما وضعت عائشة رضي الله عنها يدها الواحدة على رجليه كلتيهما ، فلما وضعت اليد على الرجلين كلتيهما دل على أنهما قريبتان من بعض ، ولعل ما يؤيد هذا ما ورد في صحيح بن خزيمة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرص عقبيه في السجود )
ومن الفوائد :
أن المسلم مهما بلغ في الثناء على الله عز وجل لن يبلغ حدَّ الثناء ، ولكن المسلم يثني على الله لكي يتقرب بهذا الثناء إلى الله ، وإلا فإنه لا يمكن أن يحصي أحد الثناء على الله ، ولذلك أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه فقال في أول سورة في المصحف {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2
ترك الوضوء من القبلة
حديث رقم – 170-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو رَوْقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ»)
من الفوائد :
أن هذا الحديث دليل لمن قال من العلماء إن مس المرأة بشهوة ليس بناقض للوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل عائشة رضي الله عنها ثم خرج ولم يتوضأ .
بينما يرى بعض العلماء أن مس المرأة بشهوة ناقض للوضوء ، ولا يرون صحة هذا الحديث ، بينما أصحاب القول الأول يرون صحته ويقولون لو لم يصح لكانت البراءة الأصلية دليلا لنا ، لأن الأصل براءة الذمة ، لكن أصحاب هذا القول يقولون إن لدينا دليلا على أنه ناقض للوضوء ، وهو قوله تعالى : { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } .
فأجاب أصحاب القول الأول بأن الآية فسرها ابن عباس رضي الله عنها بالجماع ، وكما أنه فسرها رضي الله عنهما بالجماع فكذلك سياق الآية يدل على أنها في الجماع ، كيف ؟ الله عز وجل لما ذكر سبب الحدث الأصغر وهو الغائط ذكر بعده سبب الحدث الأكبر وهو الجماع ، فلو كان معنى { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } مس المرأة بشهوة ، لكان عز وجل ذاكرا لسببين من أسباب الحدث الأصغر وهذا غير مناسب ، فيكون قوله تعالى { أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ } هذا سبب الحدث الأصغر { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } هذا سبب الحدث الأكثر .
إذاً الراجح أن مس المرأة بشهوة ليس بناقض للوضوء إلا إذا مس أو قبَّل أو ضمَّ فخرج منه شيء ، فيجب عليه الوضوء لا لكونه مس المرأة وإنما للخارج من السبيلين .
ومن الفوائد :
بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن للأمة ما يخفى عليها مما لا يظهر في بيته عليه الصلاة والسلام ولا سيما المعاشرة الحاصلة بينهما .
باب الوضوء مما غيرت النار
حديث رقم – 171-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَا: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»)
من الفوائد :
أن بعض العلماء قال إن هذه الأمر منسوخ ، والصواب أنه ليس بمنسوخ وأنه على سبيل الاستحباب ، فمن أكل شيئا مسته النار سواء كان هذا المأكول مشويا أو مطبوخا فإنه يستحب له أن يتوضأ .
حديث رقم – 172-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي: ابْنَ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَارِظٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»)
حديث رقم – 173–
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ مُضَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَكَلْتُ أَثْوَارَ أَقِطٍ فَتَوَضَّأْتُ مِنْهَا، «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» )
من الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على تطبيق ما هو أكمل في حقهم ، فإن توضأ رضي الله عنه ، مع أن الوضوء ليس بواجب ، ومن ثم فإن في هذا تربية لنا ، نربي أنفسنا على أن نأخذ بما هو أكمل ، من غير إجهاد للإنسان ومن غير إملال له في العبادة ، فيحرص على أن يربي نفسه على معالي الأمور حتى يرتقي بنفسه ، لأن النفس ميالة إلى الراحة والدعة ، فلا يقل أحد هذا الأمر مندوب أو هذه سنة – كلا – ليحرص على أن يفعلها .
ومن الفوائد :
أن الوضوء في المسجد لا بأس به شريطة ألا يتأذى بذلك المسجد ، فإذا لم تحصل أذية في المسجد بوضوئه فلا بأس بذلك .
ومن الفوائد :
أن قوله ( أ ثوار ) يعني قطع .
ومن الفوائد :
أن فعل أبي هريرة رضي الله عنه فعل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يؤكد على أن هذا ليس منسوخا وإنما هو باقٍ فَعَله الصحابة رضي الله عنهم .
حديث رقم – 174 –
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَوَضَّأُ مِنْ طَعَامٍ أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَلَالًا لِأَنَّ النَّارَ مَسَّتْهُ، فَجَمَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَصًى فَقَالَ: أَشْهَدُ عَدَدَ هَذَا الْحَصَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» )
من الفوائد :
عمق فهم ابن عباس رضي الله عنه لكلام الله عز وجل ، فإنه قال ( أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالا ، لأن النار مسته ؟ ) وهذا يدل على أنه صاحب فهم عميق لكلام الله ، وهذا تحقيق لدعوته عليه الصلاة والسلام ، وليس معترضا رضي الله عنه وإنما هو مستفهم ، وفي هذا دلالة على أن ابن عباس رضي الله عنهما مع ما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم من العلم ، ومع قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا إلا أنه كان يأخذ من غيره ، ولذلك أراد أن يوثق أبو هريرة رضي الله عنه كلام موثقا بليغا ، لأنه يتحدث مع شخص عنده فهم وقد أورد ما في ظاهره أنه شبهة ، فجمع هذا الحصى ، وبين أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة ، وهكذا ينبغي للناقل إذا نقل خبرا يقينيا وقد استريب في نقله أن يؤكد نقله حتى لا يكون محل تهمة .
ومن الفوائد :
أن جمع أبي هريرة رضي الله عنه للحصى : إما أن يكون جمعا لحصى معلوم العدد ، فيكون جمع حصىً بقدر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أنه جمعه هكذا من غير عدد ، فإن كان كما قلنا في الاحتمال الثاني فإن الإنسان له أن يذكر عددا على ما يغلب على ظنه ، فإنه غلب على ظن أبي هريرة رضي الله عنه على هذا الاحتمال أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بهذا العدد من الحصى .
ومن الفوائد :
أنه مر معنا في السنن الأخرى أن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( أنتوضأ من ثور أقط ؟ أنتوضأ من الحميم ؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه يا ابن أخي إذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال ) فسكت ابن عباس رضي الله عنهما ، فكان ابن عباس رضي الله عنهما مستفهما .
ومن الفوائد :
أن رد أبي هريرة رضي الله لكلام ابن عباس رضي الله عنهما يوحي إلينا – وهو الأصل في الشرع – أن الحديث إذا أتى عاما يبقى على عمومه ولا يقل أحد يستثنى منه كذا أو كذا ، فالأصل بقاء النص العام على ما هو عليه حتى يرد دليل خاص يخصص جزئية منه .
حديث رقم – 175-
( صحيح أيضا )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» )
حديث رقم – 176-
( صحيح الإسناد )
( أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَارِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ»)
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث أمر بالوضوء مما غيرت النار فيشمل كل شيء أدخله الإنسان بطنه مما أصابته النار ، فإذا شرب قهوة أو أكل لحما أو أكل أرزا أو خبزا ، فهذه كلها غيرتها النار فيؤمر بالوضوء ، ولكن هل هذا الأمر بالوضوء على وجه الإيجاب أم على وجه الاستحباب ؟
هذا الأمر على وجه الاستحباب ، فيستحب لمن أكل شيئا قد مسته النار يستحب له أن يتوضأ ولا يجب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى – أكل بعض الأشياء التي مستها النار ولم يتوضأ ، لكن حديثنا هنا عن الأفضل والأحسن .
حديث رقم – 177-
( صحيح الإسناد )
(أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ وَهُوَ ابْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ جَعْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِيِّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ»)
حديث رقم – 178-
( صحيح الإسناد )
(أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ»)
من الفوائد :
أن ما أنضجته النار من باب أولى بهذا الحكم ، ولا يعني أن قوله ( مما أنضجت النار ) أنه يخرج الشيء المأكول أو المشروب الذي لم تنضجه النار – كلا – فالمقصود ( مما أنضجت النار ) يعني أن هذا من باب أولى ، ولذلك في الرواية السابقة ( مما غيرت النار ) ولو لم ينضج والتي قبلها ( مما مست النار ) ولو لم تغيره أو تنضجه فمجرد مس النار يستحب الوضوء .
حديث رقم – 179-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»)
حديث رقم – 180-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَسَقَتْهُ سَوِيقًا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: تَوَضَّأْ يَا ابْنَ أُخْتِي؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»)
حديث رقم – 181-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَهُ وَشَرِبَ سَوِيقًا: يَا ابْنَ أُخْتِي تَوَضَّأْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»)
بَابُ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ
حديث رقم – 182 –
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفًا فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً»)
من الفوائد :
أن ترك ما علق من الطعام على اليد فإنه لا يؤثر على الصلاة ، فإنها نفت أن النبي صلى الله عليه وسلم مس أي ماء ، لا للوضوء ولا للغسل اليدين ولا للمضمضة .
ومن الفوائد :
أن الصلاة عقيب الأكل لا بأس بها ، ولو لم يتمضمض لقولها ( ولم يمس ماء ) وهو للعموم ، لأنه ما جاء في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام تمضمض ، ولذا لو أن الإنسان أكل أكلة ثم صلى بعدها ولم يتمضمض فلا بأس بذلك ، فإن كان من غير دسم فلا إشكال ، لكن إن كان دسما فالأفضل على وجه الاستحباب أن يتمضمض وليس بواجب ، مع أن العلماء قالوا إن الأمر سواء ، سواء كان له دسم أو لم يكن فليتوضأ ، للأحاديث الآتية معنا في المضمضة من السَّويق .
حديث رقم – 183-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَحَدَّثَتْنِي، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ» وَحَدَّثَنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا «قَرَّبَتْ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» )
من الفوائد :
أن الجنابة الاختيارية لا تؤثر في الصوم ، فمن باب أولى الجنابة الاضطرارية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغتسل إلا بعد طلوع الفجر الثاني ويصبح صائما ، فإذاً من احتلم أثناء الصوم من غير اختياره من باب أولى أن الصوم لا يؤثر عليه .
ومن الفوائد :
هل هذا الحديث مفسر للحديث السابق ( ولم يمس ماء ) فيكون المقصود به هو الوضوء لهذا الحديث ( ولم يتوضأ ) ؟
أم أنهما واقعتان مختلفتان ؟
هذا هو الأقرب ، لأنها ذكرت هناك ( أنه أكل كتفا ) وهنا ( جنبا مشويا ) .
حديث رقم – 184-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» )
من الفوائد :
أن ذكر الخبز مع اللحم يدل كما سبق من أن أي شيء تمسه النار يتوضأ منه ، لكن ابن عباس رضي الله عنه ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتوضأ ، وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن الأمر السابق ليس على سبيل الوجوب ، ولكن هل هو على سبيل الاستحباب أم لا ؟ ففرق بين الأمرين ،ة بعض العلماء يرى أن الأمر السابق نسخ وهو الأمر مما مسته النار ، فلا استحباب ولا وجوب .
ولكن نحن نقول يستحب جمعا بين الأدلة ، فهو عليه الصلاة والسلام توضأ لما أكل مما مست النار وأمر بذلك ، وترك الوضوء فنأخذ بالأدلة كلها.
ومن الفوائد :
أن أكل الطعام ولو تعدد وتنوع فلا بأس به ، فقد ينكر على بعض الناس فيما لو أكل نوعين من أنواع الطعام ، ولكن الشرع جاء بالتسامح في ذلك ، لا شك أن الاقتصار على نوع واحد من أنواع الطعام أقرب إلى الزهد ، ولكن لو فعل أحيانا كما فعل عليه الصلاة والسلام فلا بأس ، ولو استمر عليه أيضا فلا بأس ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تعدد عنده الطعام هنا ، فأكل من أكثر من نوع ، وقد ذكر بعض المفسرين تحت قول الله عز وجل { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا } الأحقاف20 ، أن عمر رضي الله عنه قدِّم له نوعان من الطعام، فذكر الآية ) وهذا من باب تزهيد الناس في الدنيا ، وإلا فقد فعل رضي الله عنه كما جاء في هذا الحديث ، لكن ينبغي للإنسان أن يمرن نفسه على الاقتصاد في الطعام ، هذا هو الأفضل ، لكن نريد هنا بيان الجواز، لكن الأكمل يختلف ، وذكر الخبز واللحم يدل على أنه من ألذ الأطعمة ، لأن الجمع بين الخبز وبين اللحم يكون من ألذ الطعام ، ومعلوم أن اللحم له قدره فيما مضى وحتى في حاضرنا ، وكذلك الخبز ، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ( أكرموا الخبز )
ومن الفوائد :
أن هذه الأحاديث التي ذكرها المصنف رحمه الله بعد الأحاديث الآمرة بـ ( الوضوء مما مست النار ) كأنها تشير إلى ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الأمر السابق منسوخ من ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار ، ولكن الصواب أن يجمع بين الأمرين ، فيقال إن تركه صلى الله عليه وسلم لبيان أن هذا غير مُلزم ، أما الأمر فهو أمر يراد منه الاستحباب ، والنار شاملة سواء كانت من حطب أو من أعواد أو من غاز فالنار شاملة لهذا الحكم ، فأي طعام مسته النار وأثرت فيه يستحب الوضوء منه ، والمراد من النار التي هي محرقة ، فلا يأتي إنسان ويقول ربما يوضع في الشمس الحارة المحرقة هل يأخذ هذا الحكم ؟ نقول لا يأخذ هذا الحكم.
حديث رقم – 185-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» )
من الفوائد :
أن هذا الحديث هو الذي دعا بعض العلماء إلى أن يقول إن الأحاديث الآمرة بالوضوء مما مست النار أنها أحاديث منسوخة ، ولكن المراد بالأمرين المذكورين هنا هو واحد الأمور لا واحد الأوامر ، فهذا فهم جابر رضي الله عنه ، فإذا قلنا إن الأمرين هو واحد الأمور يعني الشأن ، كان آخر شأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار .
وإذا قلنا أن الأمرين هنا واحد الأوامر ، أنه أمر من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو طلب حصول الفعل
المضمضة من السَّويق
حديث رقم – 186-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ: «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَتَمَضْمَضَ وَتَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» )
من الفوائد :
أن المستحب في حق المسلم أن يتمضمض بعد أي طعام إذا أراد أن يدخل في الصلاة ، لصنيع النبي صلى الله عليه وسلم وإن ترك فلا بأس بذلك ، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم المضمضة لما شرب اللبن – كما مر معنا في سنن أبي داود .
ومن الفوائد :
أن ( الصهباء ) موضع قريب من خيبر ، وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم وتناول هذه الأطعمة ، ومعلوم أن السويق هو الحب إذا حُمِص ، فتكون النار قد مسته وأصابته ، ومع ذلك أكله عليه الصلاة والسلام ولم يتوضأ ، فدل على ما ذهب إليه بعض العلماء من أن أكل ما مسته النار لا ينقض الوضوء ، وهل يستحب الوضوء أم لا ؟
خلاف ، وذكرنا أن الصحيح أنه يتوضأ .
ومن الفوائد:
بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من قلة الطعام ، فما وجدوا إلا هذه الأطعمة الخفيفة ، ولذلك أكلوا الحُمُر الأهلية في غزوة خيبر ، فنهاهم النبي صلى الله عليه والسلام ذلك ، كما مر معنا في بلوغ المرام في حديث أبي طلحة رضي الله عنه ، الشاهد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا على قلة من العيش
ومن الفوائد :
أن تعدد الأطعمة التي توضع أمام الإنسان لا حرج فيها ، لكن الزهاد يرون أن الإنسان عليه أن يقلل من الطعام ويقتصر على نوع واحد ، وهذا الكلام لو نظر إليه الإنسان في بعض الكتب ليعلم أنه ليس محرما ، لم ؟ لأن الشرع جاء بالتجاوز والتسامح في مثل هذا ، ولا يدخل هذا في ضمن إذهاب الإنسان لطيباته في حياته الدنيا ، وإنما على الإنسان أن يأخذ بالضابط الشرعي وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( كُلْ واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مَخِلية )
المضمضة من اللبن
حديث رقم – 187-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا»)
من الفوائد :
أن شرب اللبن ، وليس المقصود هنا لبن الإبل ، بل كل لبن سواء كان للإبل أو للبقر أو للغنم أو مما تدره الحيوانات التي يجوز شرب حليبها ، السنة أنه إذا شربها من كان على وضوء السنة أن يتمضمض ، وليس بواجب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما صح عنه ( شرب لبنا وصلى ولم يتمضمض ) فدل هذا الأمر الموجود هنا دل على أنه للاستحباب وليس للوجوب .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال :إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن له دسما ) يستحب أن يتمضمض من أي طعام أو شراب فيه دسم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل بالدسومة .
وقال بعض العلماء : يمكن أن يحصر في اللبن ، ولكن الصواب أنه عام في كل مأكول وفي كل مشروب له دسم ، لأنه مر معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أكل كتف شاة وتمضمض وصلى ولم يتوضأ ) ومعلوم أن لحم الشاة فيه دسومة ، بل أرى أن كل مأكول ومشروب يسن فيه المضمضة لمن كان على وضوء ، لأنه مر معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بالصهباء وهو موضع قرب خيبر ودعا بطعام ولم يكن هناك إلا سويق فأكل منه عليه الصلاة والسلام ” قام فتمضمض وصلى ولم يتوضأ ” والسويق ليس دسما ، فإذاً تتأكد السنية فيما لو شرب الإنسان لبنا ، ويليها في الدرجة من حيث السنية فيما لو أكل طعاما أو شرب شرابا فيه دسومة ، ويليه في السنية لو أكل أي طعام أو شرب أي شراب ، فإن السنة له أن يتمضمض .
ومن الفوائد :
أن تعبير النبي صلى الله عليه وسلم باللبن بأن له دسما يقرر ما جاء في الحديث الصريح إذ قال صلى الله عليه وسلم ( ليس هناك ما يغني عن الطعام والشراب سوى اللبن ) فدل على أن اللبن يغني عن الطعام والشراب ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من شرب لبنا أن يقول ( اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث ذكرت فيه العلة ، والعلة قد تكون منصوصة وقد تكون غير منصوصة إنما هي مستنبطة ومستوحاة يستنبطها العلماء ، إذاً العلة هنا موجودة ، فلو أتى الإنسان بعلة أخرى لا نلتفت إليها ، لم ؟ لأن الشرع علل بعلة واضحة وهي الدسومة .