بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
ذِكْرُ الْأَقْرَاءِ
حديث رقم – 209-
( صحيح الإسناد )
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ لَا تَطْهُرْ، فَذُكِرَ شَأْنُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» )
من الفوائد :
أن ( القرْء ) في قوله تعالى:{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }البقرة228 ، مُبين في هذا الحديث وأنه ( الحيض ) لأن ( القرْء ) لفظ مشترك في اللغة ، يطلق على الحيض ويطلق على الطهر ، ومن ثمَّ فهل تعتد المرأة المطلقة غير الحامل والتي من شأنها أن تحيض هل تعتد إذا طلقها زوجها بالأطهار أم بالحيض ؟
قولان لأهل العلم ، والأقرب للصواب أنها تعتد بالحيض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الحيض هنا بأنه قرْء .
ومن الفوائد :
أن الاغتسال المأمور به للمستحاضة عند كل صلاة هو على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، وإنما يجب مرة واحدة وذلك إذا طهرت المرأة من الحيض .
ومن الفوائد :
صحة ما ذهب إليه ذلك القول من أن المرأة إذا انطبق معها الدم أو استمر أكثر الشهر وكان يمكن أن تميز لون الدم الذي هو الحيض ولون الدم الذي هو غير الحيض أن الواجب في حقها أن تعتد بحيضتها السابقة ولا تعتد بالتمييز ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء .
ومن الفوائد :
أن طهر المرأة إما أن يحصل بالقصة البيضاء وهو سائل يخرج عقيب دم الحيض تتبين من خلاله المرأة أنها طهرت ، وهذا ليس في حق النساء كلهن ، بل إن بعضهن قد تطهر بالجفاف ، ولذلك دلَّ هذا الحديث من خلال استمرار الدم معها أنها لا تطهر ، فالمراد من علامة الطهر هنا هو الجفاف ،وهو انقطاع الدم .
حديث رقم – 210-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، فَأَمَرَهَا أَنَّ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحَيْضَتِهَا وَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ» فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ )
من الفوائد :
أن دم الاستحاضة دم عرق ، والحديث السابق بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( ركضة من الشيطان )
قال بعض العلماء : لعل الشيطان ركض برجله في رحمها فنزف منها هذا الدم .
وقال بعض العلماء : لم يكن للشيطان رفس ولا ضرب للرحم وإنما أضيف إليه ونسب إليه لكونه يحب أن يلبس على المرء في صلاته ، فنسب إليه ، ولعل الاحتمال الثاني هو الأقرب لقوله : ( إنما ذلكِ عرق ) .
ومن الفوائد :
أن المستحاضة مخيرة بين أمرين ، أحدهما واجب والآخر أعلى منه ويكون مستحبا :
فالواجب: في حقها أن تتوضأ عند وقت كل صلاة .
والمستحب : ما هو أعلى من ذلك وهو الاغتسال
حديث رقم – 211-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَانْظُرِي إِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصلِّى، فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ» )
من الفوائد :
أن وجود هذا الدم الذي يُعد استحاضة لا يمنع من صحة الصلاة ، فإنه لا يؤثر في صحة الصلاة، وإنما إذا استمر معها الدم عليه أن تغسل المحل وتتحفض وما نزل من غير اختيار منها فلا جناح عليها في ذلك ، وعليها أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة ، فتكون طهارتها هنا طهارة ضرورية .
حديث رقم – 212-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالُوا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا. إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» )
من الفوائد :
لعل المصنف رحمه الله ذكر هذه الأحاديث ونوعها من باب إثبات أن القرء في كلام الله عز وجل هو الحيض ، في قوله تعالى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }البقرة228 .
ومن الفوائد :
أن على المرأة ألا تسعى إلى ما يفسد عليها أمرها من تناول بعض الحبوب التي تمنع دم الحيض ، فإن مثل هذه الحبوب حسب الواقع تجعل المرأة في حيرة من عادتها ، وتكون عادتها مضطربة عليها ، ومن ثم تقع في مشكل من أمرها ، فلربما أصبحت العبادة عليها أثقل ما يكون ، وهذا مما يحبه ويرتضيه الشيطان ، وإنما هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين ( هذا شيء قد كتبه الله على بنات آدم ) فلا يُجلب إذا امتنع ولا يُمنع إذا نزل .
ذِكْرُ اغْتِسَالِ الْمُسْتَحَاضَةِ
حديث رقم – 213-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ امْرَأَةً مُسْتَحَاضَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهَا: «أَنَّهُ عِرْقٌ عَانِدٌ، فَأُمِرَتْ أَنْ تُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا، وَتُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا وَاحِدًا» )
من الفوائد :
أن الاستحاضة إذا عظمت مع المرأة فإنها توصف بوصف زائد على العرق وهو ( عرق عاند ) لأن الدم الذي نزل معها على خلاف المعتاد لكثرته وتعاقبه ، ولذلك نحن نطلق على من خرج عن المألوف ولاسيما إذا نُصح ونُبِّه نطلق عليه بأنه عنيد لأنه على خلاف طبيعته ، لأنه إذا بُيَّن له الحق أو بين له الأصلح فإذا أصرَّ على ما هو عليه واستمر يقال هذا رجل عنيد ، فوصف هذا الدم بأنه ( عرق عاند ) لهذا السبب .
ومن الفوائد :
أن مما يستحب للمستحاضة وهي في ذلك كله مخيرة ، أن تغتسل ثلاثة أغسال في اليوم ، فتجمع بين الظهرين ويكون لهما غسل ، وتجمع بين العشاءين ويكون لهما غسل ، وتغتسل للفجر ، ولكن هذا الغسل ليس بواجب ، إن اقتصرت على الوضوء فهو الواجب في حقها .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء : قال إن هذا الجمع ” جمع صوري ” فليس معناه أنها أخرجت صلاة الظهر عن وقتها ، أو أنها أخرجت صلاة المغرب عن وقتها – كلا – وإنما المقصود أنها أُمرت أن تؤدي صلاة الظهر في آخر وقت صلاة الظهر ، فلما فرغت إذا بوقت العصر قد دخل فصلت العصر في وقتها ، إذاً وقعت الصلاتان كلتاهما في وقتهما ، وكذلك بالنسبة إلى المغرب تؤخر المغرب إلى آخر الوقت فإذا فرغت من الصلاة إذا بوقت العشاء قد دخل فتصلي العشاء ، فتكون كل صلاة قد وقعت في وقتها .
ولكن الصواب : أنه جمع حقيقي، لأنه لو كان جمعا صوريا لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ، والأصل في الحقائق الشرعية أن تثبت على ما هي عليه ، ونحن لا نعرف الجمع في الشرع إلا الجمع الحقيقي .
ومن الفوائد :
أن الاستحاضة مرض ، فقيس على الاستحاضة في جواز الجمع من كان به مرض يشق معه أن يوقع كل صلاة في وقتها ، فبعض الناس مريض يشق عليه أن يوقع كل صلاة في وقتها ، فهنا له الجمع .
ومن الفوائد :
أن الجمع يجوز في الحضر كما أنه يجوز في السفر ، لكنه يجوز في السفر لسبب السفر ، أما في الحضر فللعذر من مرض ونحوه .
ومن الفوائد :
أن صلاة الفجر لا تجمع ، لا إلى الصلاة التي قبلها ولا إلى الصلاة التي بعدها ، فإنه ذكر الجمع هنا بين الظهرين وبين العشاءين ، وهذا بالإجماع أن صلاة الفجر لا تجمع لا مع التي قبلها ولا مع التي بعدها .
بَابُ الِاغْتِسَالِ مِنَ النِّفَاسِ
حديث رقم – 214-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «مُرْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» )
من الفوائد :
أن النفساء يجب عليها أن تغتسل عند إدبار نفاسها ، ولا شك أن المرأة النفساء مأمورة بأن تغتسل عند إدبار النفاس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث وصف الحيض بأن نفاس ، ولذلك الحيض والنفاس في الأحكام سواء إلا فيما يستثنى في بعض الأشياء .
ولكن هل هذا الدليل يسعف ما ذهب إليه المصنف رحمه الله ؟
الظاهر أنه لا يسعفه ، لم ؟
لأن هذا غسل في ثنايا النفاس ، فيكون هذا الغسل ليس غسلا للنفاس وإنما هو غسل للإحرام ، ولذا استفيد من هذا الحديث أن الاغتسال سنة في حق كل محرم من نفاس وحائض وغيرهما .
ومن الفوائد :
أن إحرام النفساء والحائض صحيح ولا تشوبه شائبة ، بل ما تذهب إليه بعض النساء من تأخير الإحرام فتتجاوز الميقات وتؤخر الإحرام إلى ما بعد الميقات حتى تطهر – هذا خطأ – فالواجب عليها ألا تتجاوز الميقات حتى تُحرم ، وتبقى على ما هي عليه حتى تطهر ، فإذا طهرت تؤدي مناسكها ، فإن كان حجاً فلها أن تعمل المشاعر كلها ما عدا الطواف ، وإن كانت معتمرة فإنها تصبر حتى تطهر ثم تطوف طواف العمرة ثم تسعى ثم تقصر وبذلك تحل من عمرتها .
بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ
حديث رقم – 215-
( حسن صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمرها هنا إلا بالوضوء إذا كان هذا الدم من عرق الذي هو دم الاستحاضة ، فدل على أن الواجب في حقها هو الوضوء وإن فعلت الاغتسال عند كل صلاة فهذا حسن ، وإن عجزت عن ذلك فلتغتسل ثلاثة أغسال كما معنا ، إذا جمعت بين الظهرين والعشاءين وعند صلاة الصبح .
ومن الفوائد :
أن الشرع جاء بالتبيين والتوضيح وأزال كل مشكل ، فإنه عليه الصلاة والسلام ميَّز بين الدم الذي هو الحيض وبين الدم الذي ليس بحيض مما يجعل المسلم في طمأنينة من عبادته ، فعليه أن يطرد كل شكٍّ وكل شبهة ربما تعرض له أو ربما يلقيها الشيطان في نفسه ، فإذا اختلج في نفسك أن هناك شيئا غامضا في الشرع أو أن هناك شبهة فألق باللائمة على عقلك وتفكيرك ولا تلق باللائمة على الشرع ، فالشرع واضح مبين ، لكن قد تعجز بعض العقول من أن تدرك ما جاء به الشرع .
ومن الفوائد :
أن لدم الحيض علامات ، من بين العلامات أنه ” أسود ” وهذا الدم الأسود تعرفه النساء ، ولذلك إذا استفتت امرأة مفتيا فعليه أن يقول ” أهذا هو الدم الذي يأتيك في الحيض ؟ هذا هو الدم الذي تعرفينه في وقت الوقت ؟ حتى تكون على بينة من أمرها ، فمن علامات الحيض اللون الأسود المعروف لدى النساء .
بعض العلماء يقول : هناك علامة أخرى ذكرت في هذا الحديث وهي الرائحة ، قال ( فإنه دم أسود يُعرَف ) يعني له رائحة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة ( وإنها عَرفها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) يعني رائحتها .
ومن الفوائد :
أن المرأة إذا نسيت عادتها ، قلنا فيما مضى إذا كانت المرأة استمر معها الدم بماذا نرشدها على القول الصحيح ؟ نقول عودي إلى عادتك السابقة ، لأن العادة هي العلامة الأقوى .
لكن هذا الحديث يستدل به بعض العلماء الذين قالوا بأن المعول عليه ليست الحيضة وإنما المعول عليه الصفات ، فهذا الحديث حجة من قال نذهب إلى التمييز لا إلى العادة .
والصواب : أننا نذهب إلى العادة ، لأنها هي الأصل ، فكيف نوجه هذا الحديث ؟
يكون هذا الحديث محمولا على المرأة التي نسيت عادتها أو كانت مبتدأة، أول مرة يأتيها الدم واستمر معها فليست لها عادة سابقة لأنها قد ابتدأت الحيض ، فهنا أيضا يقال لها اعملي بالتمييز ، لكن مما يشكل هنا أنه أمرها في حديث رقم 211 ( فانظري إذا أتاك قرؤك ) وحديث رقم 212 ( فإذا أقبلت الحيضة ) أمرها بأن تعود إلى عادتها فلربما قال من قال بالتمييز وألغى العادة السابقة ، لربما قال إن هذا الحديث يفسر ما هنالك ؟
فنقول : ربما يكون العكس ، ونحن معنا حديث أم حبيبة بن جحش ( إنها ليست بالحيضة ولكنها ركضة من الرحم فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها فلتترك الصلاة ثم تنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة )
وحديث ( ليست بالحيضة إنما هو عرق فأمرها أن تترك الصلاة قدر إقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلي فكانت تغتسل عند كل صلاة )
فهو الفيصل لاسيما أن الأصل هو الرجوع إلى العادة والدم يختلف تمييزه من امرأة إلى أخرى حسب الواقع ، والله أعلم .
حديث رقم – 216-
( حسن صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ هَذَا مِنْ كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» )
من الفوائد :
أنه يحرم على المرأة الحائض أن تصلي لقوله ( فأمسكي عن الصلاة ) ولذلك نص عبارة الفقهاء في شأن الحائض والنفساء [ أن الصلاة والصيام عليها يحرمان ولا يصحان ]
فلو صلت تكون واقعة في الإثم .
ومن الفوائد :
أن المستحاضة في حكم الطاهرات ، إذ لو لم تكن في حكم الطاهرات لما سمح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة .
ومن الفوائد :
أن المرأة المستحاضة الواجب عليها فقط هو الوضوء .
حديث رقم – 217-
( صحيح الإسناد )
( أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ». قِيلَ لَهُ: فَالْغُسْلُ؟ قَالَ: «ذَلِكَ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَتَوَضَّئِي» غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هِشَامٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ «وَتَوَضَّئِي» )
من الفوائد :
الرد على من قال من العلماء إن الغسل ليس بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما هو اجتهاد منها – كلا – فقد أمرت بالغسل ولكن ليس أمرا على سبيل الإلزام إنما هو أمر على سبيل الاستحباب
ومن الفوائد :
أن اسم الإشارة إذا خوطبت به أنثى فأنت مخير بين جعله على أصله ( إنما ذلكَ ) أو أن تقصد به الإشارة إلى المرأة ( إنما ذلكِ ) فيصح الوجهان .
حديث رقم – 218-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» )
من الفوائد :
أن دم الحيض دم نجس ليس بطاهر ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله ، ويستثني بعض العلماء القليل منه باعتبار المشقة على المرأة في كونها تتعاهد هذا الدم ، ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها – كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في سنن أبي داود ( أنها كانت تبل دم الحيض بريقها ) ومعلوم أن الريق لا يزيل النجاسة كلها ، فدل على التسامح في مثل هذا الأمر .
حديث رقم – 219-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهَا: ” أَنَّ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَتْرُكُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا. إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» – قَالَ خَالِدٌ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ – «وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» )
من الفوائد :
أن قولها ( لا أطهر ) يدل على أن بعض النساء يحصل طهرها بالجفاف وليس بالقصة البيضاء ، لأن قولها ( لا أطهر ) بناء على أن الدم مستمر معها .
والمؤلف رحمه الله قد يذكر في الباب الواحد أكثر من حديث ويكون هذا الحديث يغني عنده الحديث السابق ، ولكن ليس عبثا ، فإذا رأيت أي مصنف يذكر أدلة كثيرة على حكم معين فإنه يريد بذلك أن يقوي المدلول، فكلما كثرت الأدلة كلما قوي المدلول ، فحكم يأتي عليه دليل واحد ليس كحكم تأتي عليه أربعة أدلة ، فيكون هذا أقوى من ذلك ، ولذلك ضابط عند بعض العلماء [ كثرة الأدلة تقوي المدلول ]
بَابُ النَّهْيِ عَنِ اغْتِسَالِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ
حديث رقم – 220-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّ أَبَا السَّائِبِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» )
من الفوائد :
أن الجنب لا يجوز له أن يغتسل في الماء الدائم الراكد ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من الكراهة فالأصل في النهي هو التحريم .
ومن الفوائد :
أن الماء الجاري يختلف عن الماء الدائم ، فلو اغتسل في الجاري فلا بأس بذلك .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للماء بحكم هل هو نجس أو طاهر ؟ فدل على أن اغتسال الجنب في هذا الماء يكون محرما ، وأما بقاؤه على طهوريته ؟ نعم هو باقي على طهوريته فليس بنجس ، فتكون العلة من النهي خيفة أن يستقذر شخص ما استخدام هذا الماء إذا علم بأن هذا الشخص اغتسل فيه وهو جنب
ومن الفوائد :
أن العلماء اتفقوا على أن الماء المستبحر مثل الغدران الكبيرة ، هذه تخرج من النهي ، لأن الناس لا يستقذرون فيما لو نزل جنب واغتسل فيها لكثرتها فكأنها في حكم الماء الجاري .
ومن الفوائد :
أن الجملة الحالية تقيد الحكم ، وهذه فائدة اللغة ، فلو لم تأت هذه الجملة لكان الحكم أطلق وأعم ، لو قال ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ) لكان هذا عاما في أي اغتسال ، لكن لما قال ( وهو جنب ) وهي الجملة الحالية دلَّ على أن النهي محصور في حق من هو جنب .
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ
حديث رقم – 221-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»)
من الفوائد :
أن هذا الاغتسال المذكور ليس عن جنابة ، فيكون النهي هنا عن الجمع بين الأمرين أن تبول في ماء راكد ثم تغتسل منه ، فهذا غير مستحسن شرعا ولا عقلا ، كيف بإنسان يبول في ماء ثم يغتسل منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر حكما لهذا الماء من حيث النجاسة ومن حيث الطهارة ، ولكن لو أن هذا البول أثَّر في الماء فيكون نجسا ، لكن لو أنه لم تؤثر بأن يكون هناك ماء كثير ولم يؤثر النجاسة فيه مع أنني لا أرى النجاسة في هذا الماء ، لكن الماء لم يتأثر لا طعمه ولا لونه ولا ريحه لكثرته ، فهذا الماء باقي على طهوريته ، فالأصل أن الماء باقي على طهوريته حتى تتغير منه الرائحة أو الطعم أو اللون بوقوع هذه النجاسة .
ومن الفوائد :
الرد على الظاهرية إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يبولن أحدكم ) أطلق سواء بال مباشرة أو بال في قارورة ثم أسكب هذه القارورة من البول في الماء ، الظاهرية يقولون إن الحكم محصور في من بال مباشرة ، والصواب : أن الحكم واحد ولا فرق ، فكلاهما بول وأثرهما واحد .
ومن الفوائد :
وهي قاعدة في الأصول [ أن المسكوت عنه قد يكون أولى بالحكم من المنطوق ] فمن تغوَّط واغتسل من باب أولى ، لأن الغائط أقبح من البول وأفسد للماء من البول .
باب ذكر الاغتسال أول الليل
حديث رقم – 222-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَيُّ اللَّيْلِ كَانَ يَغْتَسِلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ آخِرَهُ» قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً )
الاغتسال أول الليل وآخره
حديث رقم – 223-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلْتُهَا قُلْتُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ؟ قَالَتْ: كُلَّ ذَلِكَ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ مِنْ آخِرِهِ ” قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً )
من الفوائد :
أن الاغتسال من الجنابة يجوز تأخيره إلى آخر الليل فيما لو وقعت الجنابة أول الليل بدليل أنه قال ( الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ) وأقرته عائشة رضي الله عنه على ذلك ، وبهذا يندفع قول من يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقعت منه الجنابة أول الليل اغتسل أول الليل وإذا وقعت منه الجنابة آخر الليل اغتسل آخر الليل ، نقول هذا الكلام من غُضيف وحمده وإقرار عائشة رضي الله عنها على حمده لكون الله عز وجل وسَّع في الأمر يدل على صحة القول الأول وهو أنه يمكن أن يؤخر غسل الجنابة إذا وقعت منه أول الليل يمكن أن يؤخره إلى آخر الليل .
باب ذكر الاستتار عند الاغتسال
حديث رقم – 224-
( صحيح )
(أَخْبَرَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو السَّمْحِ، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: «وَلِّنِي قَفَاكَ، فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ» )
من الفوائد :
أن المُغتسِل يجب عليه أن يُستَر أو أن يستتر ، سواء كان هذا الساتر جمادا أو إنسانا ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن الساتر إذا كان من الإنسان عليه أن يستر بحيث لا يرى عورة المُغتسل لقوله ( ولِّني قفاك )
حديث رقم – 225-
( صحيح )
( أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَتْ فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ، «فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ»)
من الفوائد :
أن الاستتار في الغسل لحفظ العورة واجب ، لما صنعت فاطمة رضي الله عنها برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سترته بثوب .
ومن الفوائد :
أن السلام على المغتسل ليس بمكروه ، لأن أم هانئ سلَّمت ، لكن قال بعض العلماء يمكن أن السلام هذا يراد منه فاطمة ، ولكن هذا احتمال ليس عليه دليل ، فإنها سلمت وهذا شامل للمغتسل وغيره .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم على الغسل ، فدل على أن المغتسل يجوز في حقه أن يتكلم .
ومن ثم هل المتوضئ له أن يتكلم أو لا ؟
بعض العلماء : يكره الكلام على الوضوء .
وبعضهم : يكرهه من غير ذكر الله .
والصواب : أنه لا يوجد دليل على الكراهة .
ومن الفوائد :
أن هذه الحادثة وقعت في غزوة الفتح لما فتح الله سبحانه وتعالى على رسولنا صلى الله عليه وسلم مكة .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى ثماني ركعات ) في بعض الروايات ( وكان ذلك ضحى ) فوقع الخلاف بين العلماء هل هذه الركعات صلاة الضحى أم لا ؟
قال بعض العلماء : هي صلاة الضحى ، ومن ثم تشرع صلاة الضحى ويكون أكثرها ثمان ركعات
ولكن الصواب : أن عددها لا يحدد بعدد ، لقول عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله ) .
وبعض العلماء ممن لا يرى صلاة الضحى من فعله عليه الصلاة والسلام ، يقول إن هذه الصلاة هي صلاة الفتح ، فيشرع في حق من فتح الله عز وجل عليه بلدة أن يصلي ثماني ركعات .
وعلى كل حال فإن صلاة الضحى ثابتة في السنة ، وتأتي أدلة إن شاء الله تعالى تدل عليها
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه أنه توضأ بعد الغسل، فدل على أنه توضأ في ثنايا الغسل أو في مقدمة الغسل ، ومن ثم فإن الأحاديث قد جاءت بالدلالة على ذلك منها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل ) لكونه صلى الله عليه وسلم توضأ في أوله .