تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس السابع والعشرون من حديث ( 401 ) حتى ( 405 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس السابع والعشرون من حديث ( 401 ) حتى ( 405 )

مشاهدات: 450

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس السابع والعشرون

من حديث ( 401 ) حتى ( 405 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

( أما بعد  )

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ باب الرخصة في دخول الحمَّام  ]

حديث رقم – 401 –

 (صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن عطاء عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر  )

( من الفوائد )

أن من القواعد الأصولية [ أن يؤتى بالجملة الشرطية للتأكيد من غير إرادة مفهوم لها ] وهذا الحديث يعد مثالا على هذه القاعدة ، فقوله صلى الله عليه وسلم

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر )

لا يعني أن من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر أن هذا حلال له ، ليس هذا هو المقصود ، ولذا

 [ مفهوم المخالفة معتبر عند الأصوليين ] هناك جوانب تمنع اعتباره من بينها

[ إذا أتى في سياق الشرط ] كهذا المثال .

لأن الناظر في هذا الحديث قد يفهم أن من لا إيمان عنده لا بالله ولا باليوم الآخر يجوز له هذا ، فهذا المفهوم غير معتبر ، فهذا الحكم يشمل من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، وهذا يسري على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )

وأمثلته كثيرة .

 

 

( ومن الفوائد )

أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح دخول الحمام ، لكنه اشترط شرطاً ، وهو ” أن الداخل فيه يكون عليه إزار ” .

ما هو هذا الحمام الذي أبيح دخول بشرط الإزار؟

( الحمام ) هو ” المغتسل ” الذي تنبعث منه حرارة بما يشبه البخار ، وكان هذا موجودا في البلاد الباردة كالشام ، وكانوا آنذاك لا يتورعون عن دخول الحمام من غير أن يحفظوا عوراتهم ، فنهي عن دخول الحمام ” خيفة من أن تقع عين على عورته ”  و” خيفة من أن تقع عينه على عورة أخيه ” فإذا كان عليه إزار وحصل المقصود وهو التستر بحيث تحفظ العورة فلا جناح في دخول الحمام .

وأصبح الحمام اسما على كل ” مغتسل ” سواء كان باردا أو حارا ، فهذا الحكم يشمله ، وهو موجود عندنا في بعض الصالات الرياضية التي تعنى برياضة البدن ويسمونه بـ( حمام الساونا )  .

( ومن الفوائد )

أن الواجب على المسلم أن يحرص على حفظ عورته ، سواء كان في حمام أو لم يكن ، لأن التساهل في ستر العورة هو شأن الكفار ، فإنهم كانوا ( يطوفون عراة ) فواجب على المسلم أن يحالفهم ، ولذلك سماها الشرع ( سوءة ) وسماها ( عورة )

سميت ( سوءة ) لأن الإنسان العاقل يسوءه أن تُرى عورته .

وسميت ( عورة ) لأن في كشفها عورا وفضيحة لصاحبها ، هذا عند من عنده عقل ، لكن – وللأسف – وجد في هذا الزمن ممن يعيش بيننا ممن لا يتورع عن حفظ عورته .

 

( ومن الفوائد )

أن ذكر الحمام في هذا الحديث لا يدل على أنه كان هناك حمامات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما عرفت الحمامات لما فتحت بلدان العجم .

( ومن الفوائد )

أن فيه ردا لما قاله بعض العلماء : من أن أي حديث ورد في النهي عن دخول الحمام فإنه ضعيف ، فنقول هذا الحديث يدخل به عليكم لأن فيه نهياً ( فلا يدخل الحمام إلا بمئزر )

 

 

( ومن الفوائد )

أن ( من ) في قوله صلى الله عليه وسلم ( من كان ) اسم شرط يفيد العموم فيشمل من باب أولى ( المرأة ) لأن عورتها أعظم .

ولذلك حرَّم بعض العلماء : دخول الحمام للمرأة مطلقاً .

بينما يرى بعض العلماء : أن لها أن تدخل الحمام شريطة أن تكون لديها ضرورة كحال البلدان الباردة التي تحتاج المرأة فيه إلى الماء الحار ، وشريطة ألا يترتب على دخولها أي فتنة بها أو منها

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث على سياق كثير من الآيات التي تذكر الإيمان بالله واليوم الآخر ، مع أن أصول الإيمان ستة

( الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره )

فلماذا نُصَّ على هذين الأصلين من أصول الإيمان؟

الجواب /

أولا : نُصَّ على الأصل الأول وهو ( الإيمان بالله  ) لأن كلمة ( الله ) تعطي القلب حباً لهذا الاسم ، لأنه سبحانه وتعالى هو المعطي الرازق الشافي ، إلى غير ذلك مما ينعم الله عز وجل به على عباده .

ثانيا : أن الإيمان بالله واليوم الآخر يجعل العبد طامعاً في الجنة وراهباً من النار ، فيكون عنده خوف ورجاء ، فتجتمع مراتب العبادة هنا :

( المحبة ) في كلمة ( الله )

( الرجاء والخوف ) في كلمة ( اليوم الآخر )  ولا يمنع أن كلمة ( الله ) تستدعي الخوف والرجاء ، لكن هذا هو الأظهر  ، أن اسم ( الله ) يدل على المحبة ، لأنه هو المألوه محبة وتعظيما ، وأن ( اليوم الآخر ) يشتمل على ما في اليوم الآخر من النعيم والعذاب .

( ومن الفوائد )

أن العبد يكون بين حالتين إما أن يكون كامل الإيمان أو يكون ناقص الإيمان ، فإذا طبَّق هذا الحديث أصبح كامل الإيمان ، يعني ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) كمال الإيمان ، وأما إذا لم يطبق ما جاء في هذا الحديث فإنه ناقص الإيمان ، ولا يعني أن الإيمان ينتفي منه كلية – لا – .

 

[ باب الاغتسال بالثلج والبرد ]

حديث رقم – 402-

( صحيح )  أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا شعبة عن مجزأة بن زاهر أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم :   أنه كان يدعو اللهم طهرني من الذنوب والخطايا اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد  )

 

 

( من الفوائد )

أن العبد مطالب بأن ينظف قلبه من الذنوب كما يحرص على أن يطهر ثوبه الأبيض من الأدران ، ويستعين على ذلك بالافتقار إلى الله عز وجل كحال رسولنا صلى الله عليه وسلم كما جاء في هذا الحديث .

( ومن الفوائد )

قال بعض العلماء : إن التطهير بالثلج والبرد والماء البارد المقصود منه ” التأكيد ” فإن الثلج لا يرفع الحدث والبرد لا يرفع الحدث لأنه جامد .

وقال بعض العلماء : بل إنه يرفع الحدث ، فلو توضأ أو اغتسل محدث فمرر الثلج أو البرد على أعضاءه وحصل  مع ذلك سيلان أجزأ ، أما إذا كان العضو يبتل فقط دون أن يحصل سيلان منه فلا يرفع الحدث – وهذا هو الصحيح – .

ومن الفوائد :

أن ابن القيم رحمه الله يقول : ” استربت في هذا الحديث من حيث إنه ذكر التطهير بالثلج والبرد والماء البارد ، مع أن الماء الحار أبلغ في التنظيف من الماء البارد ، فسألتُ شيخي – يعني ابن تيمية رحمه الله – لم نص على الماء البارد ولم ينص على الحار؟

فقال شيخ الإسلام رحمه الله : لأن الذنوب تورث ضعفا وهونا وخورا للقلب فلا ينشطها إلا الماء البارد .

وقال بعض العلماء : لأن الذنوب تورث النار وأعظم ما يطفئ النار الحارة الماء البارد .

ولذلك أكد بذكر هذه الأصناف الثلاثة ( الثلج – البرد – الماء البارد ) من باب التأكيد على اهتمام الإنسان بقلبه وبما يحصل منه في دنياه مما يغضب الله عز وجل فيتعاهد إيمانه وحاله مع الله عز وجل .

 [ باب الاغتسال بالماء البارد ]

حديث رقم – 403-

( صحيح )  أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا إبراهيم بن يزيد عن رقبة عن مجزأة الأسلمي عن بن أبي أوفى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :   اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس  )

( من الفوائد )

أن الوضوء بالماء البارد لا يحرص عليه العبد ، ولكن لو احتاج إليه وكان عنده ماء شديد البرودة أو كان عنده ثلج أو برد فليرفع حدثه به ، فيكون هذا الفعل تحت حديث ( إسباغ الوضوء على المكاره ) أما إذا كان الإنسان في سعة من أمره فإنه يتطهر بالماء الطبيعي ، ولذلك كره الفقهاء

[ أن يرفع حدثه بماء شديد الحرارة أو بماء شديد البرودة ]

لم ؟ قالوا ”  لأنه لا يتمكن من الإسباغ” لكن لو احتاج فلا حرج في ذلك ، بل يصدق عليه حديث ( إسباغ الوضوء على المكاره ) .

[ باب الاغتسال قبل النوم ]

حديث رقم – 404-

( صحيح )  أخبرنا شعيب بن يوسف قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال :   سألت عائشة كيف كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنابة أيغتسل قبل أن ينام أو ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام )

( من الفوائد )

أن ظاهر هذا الحديث يمكن أن يحمل : أنه كان تصيبه الجنابة في أول الليل فيغتسل بعدها .

وربما تصيبه الجنابة آخر الليل فيغتسل بعدها .

ولكن هذا الظاهر غير مراد ، وإنما المراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تصيبه الجنابة أول الليل فأحيانا يغتسل بعدها فينام بعد الغسل ، وأحيانا تصيبه الجنابة أول الليل فلا يغتسل فينام على جنابته ولكن يخفف الجنابة بالوضوء ، فيكون غسله آخر الليل ، ومما يدل على هذا ما جاء في الرواية الأخرى- وتأتي في الحديث القادم – أن السائل قال لعائشة رضي الله عنها  ( الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ) فهذا يدل على أنه كان صلوات ربي وسلامه عليه يؤخر الغسل إلى ما بعد أن يستيقظ من نومه ، ولكن كان يتوضأ ، لأن الوضوء يخفف الجنابة .

 ( ومن الفوائد )

حاجة الأمة إلى ما عند نسائه صلوات ربي وسلامه عليه من العلم ، لأنهن يطلعن على خفايا الأمور في بيته صلى الله عليه وسلم ما لا يطلع على ذلك أقرب الرجال إليه ، فتبَّا لأولئك الروافض الذين يقدحون في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ويخصون في القدح والذم عائشة رضي الله عنها .

( ومن الفوائد )

أن صوت المرأة ليس بعورة ، لأن عائشة رضي الله عنها خاطبته ، فدل على أن صوت المرأة ليس بعورة ما لم ترقق كلامها ، قال عز وجل {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }الأحزاب32 هل نهى عن القول مطلقا ؟ لا ، وإنما نهى القول الذي يكون معه إخضاع وجلب للشهوة ،  فالقول المعروف لا بأس به .

( ومن الفوائد )

أن العلم الغزير يمكن أن يتحصل عليه صغير السن ، فإن عائشة – رضي الله عنها  – كانت صغيرة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهي ابنة ثمان عشرة سنة ، ومع ذلك حصلت على هذا العلم الذي جعل أكابر الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليها ، ولذا قال الذهبي رحمه الله كما في سير أعلام النبلاء ، قال ” هي أفقه نساء الأمة ” مع صغر سنها ، وكان بعض الصحابة ( كان إذا أشكل علينا الأمر أتينا إليها فسألناها فوجدنا عندها علما ) وقد ذكر الذهبي رحمه الله ” إنها من أفصح النساء ” وهذا يدل على أن الإنسان كلما تبحر في العلم كلما انطلق لسانه وأصبح جيدا الكلام من حيث اللغة ، ولذا لما سئل البخاري رحمه الله عن دواء للحفظ ؟ قال رحمه الله ( كثرة المطالعة في الكتب ” فيقوى الحفظ ويقوى اللسان على الحديث ويعلق بالذهن من العلم الشيء الكثير

 [ باب الاغتسال أول الليل ]

حديث رقم – 405-

( صحيح ) أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال حدثنا حماد عن برد عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحرث قال :   دخلت على عائشة فسألتها فقلت أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من أول الليل أو من آخره ؟

قالت كل ذلك كان ربما اغتسل من أوله وربما اغتسل من آخره قلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة )

 

( من الفوائد )

هذا الحديث يؤكد ما ذكرناه سابقاً من أن المقصود منه أنه كان يؤخر غسله إلى أن يستيقظ من نومه ، لقوله ( الحمد الله الذي جعل في الأمر سعة ) .

( ومن الفوائد )

أنها قالت ( كل ذلك ) يعني ( كل ذلك كان يفعل ) فدل على أن الكلمة قد تحذف في اللغة لدلالة السياق عليها .

وهذا كثير ، وهو ما يسمى عند أهل البلاغة بـ [ إيجاز الحذف ] فيحذف الحرف أو الكلمة أو الجملة إيجازا ، وهو شيء يمد ح عليه ، وسيأتي له ذكر إن شاء الله تعالى في درسنا في البلاغة .

( ومن الفوائد )

أن العبد كلما وسَّع الله عز وجل عليه سواء كان في أمور دينه أو دنياه فليحمد الله ، لقوله ( الحمد الله الذي جعل في الأمر سعة ) وهذا يجعلنا أن نحمد الله عز وجل على يسر هذا الدين ، فإن أحكامه كلها يسر  { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقرة185 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يسروا ولا تعسروا ) فعلى المسلم أن يحمد الله عز وجل على هذا الدين ، وأنه جعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وليفتخر بهذا الدين ، وليثن على الله عز وجل لما يسر وشرع .