تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس السادس من الحديث (188 ) حتى (208)

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس السادس من الحديث (188 ) حتى (208)

مشاهدات: 440

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس السادس

من الحديث (188 ) حتى (208)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

ذِكْرُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ

غُسْلُ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ

حديث رقم – 188-

( صحيح )

 

 (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَغَرِّ وَهوَ ابْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّهُ أَسْلَمَ ” فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ “)

من الفوائد :

أن الدخول في الإسلام موجب للاغتسال ، هذا على القول بصحة حديث قيس بن عاصم ، لأن بعضا من العلماء يضعفه ، فيقول إن الاغتسال ليس بواجب وإنما هو سنة ، والصواب صحة الحديث وأن الإسلام موجب للاغتسال ، وهذه المسألة متنازع فيها كما سلف :

بعض العلماء  : أوجب الاغتسال مطلقا لهذا الحديث .

وبعض العلماء : أوجبه إذا كان هذا الكافر قد حصل منه في حال كفره ما يوجب الغسل كإنزال المني .

وبعض العلماء قال : إن الاغتسال سنة لأن الرسول صلى الله عليه سلم ما أمر كل من دخل في الإسلام أن يغتسل .

والصواب: أنه واجب ، فأمره عليه الصلاة والسلام للبعض لا يدل على نفي الوجوب وإنما أمره للبعض أمرٌ للكل ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة ) .

ومن الفوائد :

أن المشروع في حق الكافر إذا اغتسل أن يخلط هذا الاغتسال بسدر، لعله من باب تنقية جسمه من الأدران والأوساخ التي علقت حال كفره .

 

ومن الفوائد :

أن الحكمة من هذا الاغتسال أنه لما غسل باطنه من الكفر والشرك بكلمة التوحيد ناسب أن يغسل بدنه الظاهر .

تَقْدِيمُ غُسْلِ الْكَافِرِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ

حديث رقم – 189-

( صحيح )

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ انْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ «فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ» مُخْتَصَرٌ )

من الفوائد :

أن ثمامة بن أُثال قدَّم الاغتسال على الإسلام حتى يدخل في الإسلام وهو نظافة سابقة ، ومن ثم فإن البعض جنح إلى أن الأفضل قبل أن يسلم أن يغتسل بناء على ما فعله ثمامة .

 

والصواب : أن تقديم الإسلام أولى من الاغتسال ، لأنه قد يؤخر الإسلام من أجل الاغتسال ولا يدرك ذلك ، ولأن الدخول في الإسلام أوجب مما أمر به من هذا الاغتسال الذي اختلف في وجوبه من عدمه .

 

ومن الفوائد :

أن ثمامة رضي الله عنه كأنه علم بأن الاغتسال مهم في دخوله للإسلام فعمد إلى ( نجلٍ ) وهو الماء النابع ، وروي (( نخل ) والمراد منه البستان ، فاغتسل رضي الله عنه ثم أسلم .

 

ومن الفوائد :

أن على المسلم أن يكون متزنا في تعامله مع الآخرين فإذا أحب شخصا فلا ينغرق في حبه انغراقا كاملا ، الذي يتجاوز به الحد ، وإذا أبغض شخصا فلا يحمله هذا البغض إلى أن يكره كل ما يقول ويفعل ، والمقصود من ذلك الكراهة والمحبة الدنيوية ، أما المحبة والكراهة الدينية فإنه مطلوب من المسلم ، لكن في حدود الضوابط الشرعية ، ولذلك في حديث يحسنه الألباني رحمه الله ( أن جبريل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أحبب حبيبك هونا ما فلعله أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض عدوك هوناً ما فلعله أن يكون حبيبك يوما ما ) كما صنع ثمامة قال ( والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك ففقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ) فاختلفت الموازين في هذا .

 

ومن الفوائد :

أن على الإنسان ولاسيما المسلم ألا يحكم على الآخرين بمجرد ما يسمع ، فإن ثمامة رضي الله عنه رجل ذو عقل ، فلما رأى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم به من حسن المعاملة دخل في الإسلام ، فثمامة بنى حكما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على ما سمع ، وهذا لا ينبغي للمسلم أن يفعله ، ففي هذه القصة فائدة لنا أن الإنسان لا يبغض شخصا ولا يكرهه بمجرد ما ينقل عنه .

 

ومن الفوائد :

أن الاعتمار موجود في الجاهلة ، فإنه عمد رضي الله عنه إلى أن يعتمر ، لكن جُندا من المسلمين أخذوه وأسروه ، وله قصة طويلة في هذا رضي الله عنه ، لما ذهب إلى أهل مكة ومنع أن يصل إليهم حبة قمح من اليمامة ، لأنه كان رضي الله عنه زعيما لهم ، حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمنع منهم الحب حتى أصبحوا على وشك الهلاك ، حتى استشفعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عنده فأذن عليه الصلاة والسلام لثمامة أن يصدِّر إليهم القمح .

 

 

الْغُسْلَ مِنْ مُوَارَاةِ الْمُشْرِكِ

حديث رقم – 190-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ. فَقَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ». قَالَ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا. قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ». فَلَمَّا وَارَيْتُهُ رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «اغْتَسِلْ» )

من الفوائد :

أن الكافر إذا مات على كفره تحفر له حفرة ثم يوارى بالتراب ، ليس تكريما له وإنما تخلصا مما قد ينتج من جثته لو كان بارزا على الأرض .

 

ومن الفوائد :

أن المسلم يحرم عليه أن يدفن الكافر إلا إذا وجدت الحاجة إلى ذلك كأن يعدم من يواريه ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ما شارك في دفن عمه أبي طالب ، ولم يأمر المسلمين بذلك ، بل أمره ابنه عليا أن يتولى هذا الأمر ، قال ( قم فواره )

ومن الفوائد :

الرد على الروافض الذين زعموا أن أبا طالب قد مات على الإسلام ، فهو مات على الكفر ، ولذلك في رواية قال علي رضي الله عنه ( يا رسول الله إن عمك الضال قد مات )

ومن الفوائد :

أن العلاقة التي يجب أن تكون بين الناس أن تكون علاقة إيمانية ليست علاقة نسبية ، وإلا فإن أبا طالب كان يذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحميه ، ومع ذلك ما نفعته ، لم ؟ لأن الشرع منع من ذلك .

ومن الفوائد :

أنه يستحب إذا دفن الكافر من قِبل المسلم أن يغتسل المسلم ، لعله لما علق به من مسه ومن ملاقاة التراب وما شابه ذلك .

 

بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ

حديث رقم – 191-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ اجْتَهَدَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»)

حديث رقم – 192-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ اجْتَهَدَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»)

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثم اجتهد ) فدل على المعالجة وعلى إيلاج الذكر في الفرج  ، ولم يذكر الاغتسال فدل على أنه بمجرد أن يدخل حشفته في فرج المرأة فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ناسخ للأحاديث التي جاءت بالتسامح في ذلك من أنه إذا جامع من أغير إنزال أنه لا يجب عليه الغسل ، كان هذا في أول الإسلام كما في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه .

ويكون ناسخا أيضا لحديث ( الماءُ من الماء )

ومن الفوائد :

أن الفاعل قد يحذف للعلم به ، ما صدر الحديث ؟

( إذا جلس ) من هو ؟ الرجل ، فالفاعل معروف .

ومن الفوائد :

أن ” الشعب ” قيل رجلاها ويداها .

وقيل : رجلاها وفخذاها  .

وقيل : رجلاها وحافتا الفرج ”  والأقرب ” رجلاها ويداها ” ولذلك أخذ بعض العلماء أن أفضل طريقة لجماع المرأة ما ذكر في هذا الحديث

ومن الفوائد :

أن  لفظ ( الوجوب ) في مصطلح الشرع يدل على الإلزام ، ولذلك قال ( فقد وجب الغسل ) ومر معنا حديث في المسند ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير سِتر فقد وجب الوضوء )

فلعل من قال بوجوب الغسل يوم الجمعة هو أن الوجوب يدل على الإلزام في قول النبي صلى الله عليه وسلم

( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )

الغسل من المني

حديث رقم – 193-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ» ) 

من الفوائد :

أن المذي ليس موجبا للغسل ، مع أن مخرجه كمخرج المني ، وهذا يدل على أن الأحكام لا تؤخذ من العقول ولا من الأفهام وإنما تؤخذ من الشرع ، ولذلك كان يغتسل رضي الله عنه حتى تشقق ظهره من شدة البرد ، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بهذا الجواب .

 

ومن الفوائد :

أن من موجبات الغسل ( أن يفضخ الماء ) وهو إنزال المني بقوة ودفع ، هذا هو المني الموجب للغسل ، أما إذا كان منيا خارجا من غير دفع فلا يوجب الغسل إلا إذا كان الإنسان نائما ، فإذا كان في حال اليقظة ونزل منه مني من غير أن يكون دفقا فإنه لا غسل عليه بل يكون حكمه حكم البول ، وهذا هو المسمى بـ ( الودي ) .

حديث رقم – 194-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَائِدَةَ، ح وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَتَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ فَضْخَ الْمَاءِ فَاغْتَسِلْ»  )

 

من الفوائد :

أن عليا رضي الله عنه كان رجلا كثير الإمذاء ، لأنه أتى بصيغة المبالغة ( مذَّاء ) على وزن ( فعَّال ) وهي إحدى صيغ المبالغة .

 

ومن الفوائد :

أن الاستجمار لا يكون إلا من الخارج المعتاد كالبول والغائط ، ولذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر ، لأن المذي ليس خارجا معتادا ، ولذلك لو أن الإنسان خرج من سبيليه مذي أو دم فلا يصح الاستجمار وإنما يصح الاستنجاء فقط .

 

حديث رقم – 195-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ قَالَ: «إِذَا أَنْزَلَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ» )

من الفوائد :

أن وجود الماء حال النوم موجب للغسل سواء كان بلذة أو لم يكن  ، فالمنام يختلف عن حال اليقظة فإذا نزل المني حال المنام فقد وجب الغسل رأى حلما في منامه أو لم ير ، وإن نزل المني في حال اليقظة فيشترط أن يكون دفقا بلذة حتى يكون موجبا للغسل .

 

ومن الفوائد :

رجحان ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الإنسان إذا استيقظ من نومه ووجد بللا ولا يدري هل هو مني أو ليس بمني ؟

الصواب : أنه يجب عليه الغسل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم قال ( إذا رأت الماء )

 

حديث رقم – 196-

 

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَلَّمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَرَى فِي النَّوْمِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَفَتَغْتَسِلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ». قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا: أُفٍّ لَكِ. أَوَ تَرَى الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟»)

من الفوائد :

فضل نساء الأنصار ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم قالت ( نِعْم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يسألن عن أمور دينهن ) فأتت أم سليم رضي الله عنها في أمر يستحيى منه ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على [ أن العلم لا يناله مستحي ولا متكبر ] ولكن ينبغي للسائل إذا كان المسئول عنه مما لا يليق في العرف أن يقدم مقدمة قبل سؤاله – كما صنعت أم سليم رضي الله عنها – قالت ( يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق )

ومن الفوائد :

أنه لا يلزم المفتي أن يفصل في الجواب ، بل متى ما وجد أن الحاجة يكون الجواب فيها مختصرا فليختصر ، لما سألت أم سليم النبي صلى الله عليه وسلم بماذا أجابها ؟ ( قال نعم ) ولم يزد على ذلك بشيء .

 

ومن الفوائد :

أن كلمة ( أُفٍّ ) من عائشة رضي الله عنها :

إما لأن هذا الأمر قليل حصوله من النساء ، فاستغربت عائشة أن يحصل مثل هذا ، إذا لو كان يحصل لما أنكرت عليها رضي الله عنها ، كأنها تستغرب ، ولذلك ستأتي روايات تبين ما جرى في هذه القصة .

 

وإما : لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يرين احتلاما في منامهن لقربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكما أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الاحتلام فكذلك نساؤه تكريما وتشريفا له عليه الصلاة والسلام إذ إنهن عُصمن في اليقظة من أن يقعن في هذا الأمر فكذلك في المنام ، ولذلك ( لم يجعل الله سبحانه وتعالى تحت نبي امرأة بغيا ) كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .

 

 

ومن الفوائد :

أن على العالم إذا سئل عن سؤال مستغرب فأنكر أحد الحاضرين أن ينكر على هذا الُمْنِكر ، إذ أنكر عليه الصلاة والسلام على عائشة رضي الله عنها لأنه علم ولا أحد يستنكف أن يسأل عما أشكل عليه ، ولذلك قال ( تربت يمينك ) وللعلماء في هذه الكلمة معاني متعددة ، لكن أبرزها ” أن يمينك لصقت بالتراب ” فأصلها دعاء أن يصاب الإنسان بالفقر حتى لا يكون مالكا في يمينه إلا التراب .

 

ولكن هل هي دعوة مقصودة أم أنه لفظ يجري هكذا من باب التنبيه والتقريع ؟

هذا هو الذي عليه المحققون من أن هذه الكلمات لا يراد منها نفس الدعاء .

بينما قال آخرون : يراد منها الدعاء ، لماذا دعا عليها بالفقر ؟ قالوا لأن الفقر أفضل لها وأحسن ، لأن الغنى في الغالب بريد الطغيان ، بينما الفقر بريد الاستكانة .

 

وبعض العلماء : قال إن هذه اللفظة من باب المقلوب ( تربت يمينك ) من باب العكس أن يمينك تكون ملأى بالمال .

 

ولكن الذي عليه المحققون : أنها من الكلمات التي تجري على اللسان من غير أن يكون هناك قصد لها يراد منها التقريع والتنبيه .

 

ومن الفوائد :

أن شبه الجنين يكون من ماء المرأة وماء الرجل ، ولذلك قال تعالى في أول سورة الإنسان { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } الإنسان2 ، فقد يشبه هذا الطفل أو هذا الجنين أمه ، أو يشبه أباه من حيث اللون ، من حيث الشكل ، من حيث الصفات ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم مبينا لها أن المرأة ترى ما يراه الرجل ، قال ( فيمن أين يكون الشَّبه ؟! )

حديث رقم – 197-

 

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَفِيمَ يُشْبِهُهَا الْوَلَدُ»)

من الفوائد :

أن هذا الأمر وقع عند عائشة ووقع عند أم سلمة رضي الله عنهما ، فكيف نوفق بين الحديثين ؟

التوفيق : أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام عائشة ، ثم أتت مرة أخرى وسألته من باب التذكر لعلها نسيت شيئا من الجواب فكان عند أم سلمة

 

ومن الفوائد :

أن ضحك أم سلمة رضي الله عنها من باب الاستغراب والإنكار ، وهذا يدل على أن الضحك قد يكون مما يُسرُّ منه وقد يكون مما يستنكر منه .

 

حديث رقم – 198-

 

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَحْتَلِمُ فِي مَنَامِهَا؟ فَقَالَ: «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ» )

من الفوائد :

أن المرأة لو رأت جماعا في منامها ولم تر ماء أنه ليس عليها غسل ، وقد جاءت رواية عند أحمد في حديث أم سليم السابق ( أنها قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها )

 

بَابُ الَّذِي يَحْتَلِمُ وَلَا يَرَى الْمَاءَ

حديث رقم – 199-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ سُعَادٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»)

 

من الفوائد :

أن هناك جناسا تاما عند أهل اللغة ( الماء من الماء ) المقصود من ( الماء )  الأول هو الماء المعروف  ، و( الماء ) الثاني هو المني ، يعني الماء بسبب الماء

من الفوائد :

أن المؤلف رحمه الله بتبويبه يشير إلى أن حديث

( الماءُ من الماء ) ليس منسوخا ، بل هو محكم وباقي على حاله ، وأنه محمول على المنام ، وأن الاغتسال لا يجب إلا إذا وُجد الماء الذي هو المني في المنام ، ولا شك أن العالم متى ما وجد طريقا للجمع بين الدليلين من غير أن يلجأ إلى النسخ فهذا هو المقدم ، لكن حمل هذا الحديث على المنام لا يسعفه ، لأنه وردت رواية ( وإن لم ينزل ) فدل على أن هذا الحديث وهو حديث ( الماءُ من الماء ) في حال اليقظة ، فلا نجد مناصا من قولنا إن هذا الحديث منسوخ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه ( إذا جلس بين شعبها الأربع )

بَابُ الْفَصْلِ بَيْنَ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ

حديث رقم – 200-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ الشَّبَهُ»)

من الفوائد :

بيان قدرة الله سبحانه وتعالى ، فالأنثى والذكر كلاهما من الآدميين ، ومع ذلك فإن هذا الماء النازل منهما يختلف ، فهذا ماؤه أبيض غليظ ، وتلك ماءٌ أصفر رقيق ، وهذا يدل على أن النعومة والليونة في جانب النساء ، والغلظة والشدة في جانب الرجال ، حتى فيما ذكره عليه الصلاة والسلام من وصف المني للرجل وللأنثى .

 

ومن الفوائد :

أن الجنين يشبه أباه أو يشبه أمه إذا وُجد هذان الماءان ، فإذا وجد هذان الماءان فسبق أحدهما الآخر أشبه أحدهما ، فإن سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل أشبه المرأة ، وقد يشبه أخواله – كما جاء في الحديث الآخر – وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أشبه أباه وقد يشبه أعمامه – كما جاء في الحديث الآخر –

لكن ما معنى ( السبق ) هنا ؟

الجواب : يحتمل أنه سبق أحدهما الآخر إلى الرحم ، فيكون الأسبق إلى الرحم إما منيه وإما منيها ، فأيهما الأسبق إلى الرحم يشبهه .

 

وإما : أن يكون ( سبق ) بمعنى ( غلب وكثر )  كما قال تعالى :{ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ }الواقعة ، أي ( بمغلوبين )

 

ذِكْرُ الِاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ

حديث رقم – 201-

( صحيح )  

 

(أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ قُرَيْشٍ: أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا تُسْتَحَاضُ، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلَّى» )

من الفوائد :

أن من موجبات الغسل ( نزول دم الحيض ) وليس كل دم ، فقد يكون هذا الدم دم استحاضة ، وذلك بحيث ينطبق الدم على المرأة بحيث يكون في أغلب أوقاتها أو في جميع أوقاتها ، فهذا ليس بدم حيض ، بل يكون دم استحاضة ، فماذا تصنع بحيضها ؟ سيأتي إن شاء الله ما يدل على ذلك .

 

ومن الفوائد :

أن الطُهر يعرف عند النساء إما بخروج القَصة البيضاء ، وهي سائل يخرج عند إدبار الحيضة تعرف المرأة به طهرها .

وإما يعرف طهرها بانقطاع الدم ، بمعنى الجفاف ، بدليل قولها في بعض الروايات ( إني استحاض فلا أطهر ) .

ومن الفوائد :

أن ( الزعم ) قد يطلق على القول الحق( زعمت ) يعني ( قالت ) وليس من قبيل القول الكاذب الذي يستراب فيه ، والأصل في الزعم أنه على القول الكاذب ، قال تعالى : {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ }التغابن7 .

ومن الفوائد :

أن اسم الإشارة إذا خُوطب بها أنثى فيصح أن يترك على حاله ( إنما ذلكَ ) ويصح أن يكسر باعتبار أن السائلة أنثى ( إنما ذلكِ )

ومن الفوائد :

أن دم الاستحاضة يشبه دم العرق ، إذا نزف من أحدنا دم ما صفته أحمر أم أسود ؟ أحمر ، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الفرق هنا بكلمة يسيرة ( إنما ذلك عرق ) يعني ليس بحيض ، من كلمة ( العرق ) يتبين لنا أن هذا الدم أحمر ، وأنه رقيق ليس بثخين ، بينما دم الحيض على خلاف ذلك ، وأن هذا الدم يتجمد ، لو نزل من إنسان دم في نهاية الأمر يتجمد ، بينما دم الحيض لا يتجمد لأنه تجمد قبل أن ينزل في الرحم ، ودم العرق لا رائحة له ، بينما دم الحيض كريه الرائحة .

 

ومن الفوائد :

أن المانع لأداء الصلاة هو دم الحيض ، لقوله : ( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ) وأن دم العرق الذي هو الاستحاضة ليس مانعا من الصلاة وأن المستحاضة تكون في حكم الطاهرات تفعل ما تفعله الطاهرات من الصلاة والصيام وما شابه ذلك .

 

ومن الفوائد :

أن كلمة ( الحَيضة ) ضبطت بكسر الحاء ( الحِيضة ) على وزن ( هيئة ) يعني إذا أقبلت الحِيضة التي لها صفاتها المعروفة من السواد والثخونة وكراهة الرائحة .

ومن الفوائد :

أن انقطاع الدم من المرأة موجب للغسل .

 

ومن الفوائد :

أن الدم النازل من السبيلين نجس ، لأنه قال :

( فاغسلي عنك الدم )

وهل يقاس غير عليه مما خرج من البدن ؟

الجمهور : نعم ، يرون أن الدم إذا خرج من غير السبيلين فهو نجس .

والصواب : أنه ليس بنجس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذا إلا في دم الحيض .

 

ومن الفوائد :

أن الاستحاضة ليست موجبة للغسل ، لأن هذا الاغتسال إنما هو للحيضة لقوله ( وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ) أين الاغتسال ؟ حذف هنا اختصارا لوجوده في نسخة أخرى ذكر فيها الاغتسال

( وإذا أدبرت فاغتسلي واغسلي عنك الدم ) فلا يلزم المستحاضة أن تغتسل كلما رأت الدم وإنما تغتسل مرة واحدة إذا أدبرت الحيضة .

 

حديث رقم – 202-

 

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي» )

 

حديث رقم – 203-

( صحيح )

 

(  أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ سَبْعَ سِنِينَ، فَاشْتَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ صَلِّي» )

من الفوائد :

أن الاستحاضة مرض ، فيجب على من وقع لها ذلك أن تبحث عن العلاج .

 

ومن الفوائد :

أن الحديث السابق عن ( فاطمة ) وهنا عن ( أم حبيبة ) فدل على أن المستحاضات كثر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، بعضهم قال ( إنهن تسع ) وبعضهم زاد على ذلك ، فالشاهد من ذلك أن المستحاضات كثر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أزواجهن ولم يأمرهن أن يمنعن أزواجهن من جماعهن، فدلَّ على أن المرأة المستحاضة يجوز لزوجها أن يجامعها حتى ولو مع نزول الدم ، ولا يكره خلافا لمن كره ذلك .

 

حديث رقم – 204-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو مُعَيْدٍ وَهُوَ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ امْرَأَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ، فَإِذَا أَدْبَرَتِ الْحَيْضَةُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي، وَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاتْرُكِي لَهَا الصَّلَاةَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي، وَكَانَتْ تَغْتَسِلُ أَحْيَانًا فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَنْ حُمْرةَ الدَّمِ لَتَعْلُو الْمَاءَ وَتَخْرُجُ فَتُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاةِ )

من الفوائد :

أن ( المِرْكن ) إناء تنظف فيه الثياب .

ومن الفوائد :

أن المستحاضة في حكم الطاهرات لأنها كانت تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

ومن الفوائد :

أن أم حبيبة رضي الله عنها اجتهدت ، فرأت أن تغتسل لكل صلاة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك – هذا على رأي بعض العلماء – ولكن جاءت أحاديث بأنه عليه الصلاة والسلام أمرها بالوضوء عند كل صلاة وأمرها بالاغتسال .

 

والجمع بين هذه الروايات :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من باب الوجوب، فيجب على كل امرأة مستحاضة إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ ، فإذا خرج وقت الصلاة بطل وضوؤها وعليها أن تتوضأ إذا دخل وقت الصلاة الأخرى ، بينما الاغتسال الأمر فيه على سبيل الاستحباب .

 

حديث رقم -205-

( صحيح )

 

(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ – خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ – اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» )

من الفوائد :

أن معنى ( خَتَن )  هو  قريب الزوجة .

وأقارب الزوج أحمام ، وأقارب الزوجين كليهما أصهار .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها فيما مضى من أيامها أن تعيد تلك الصلاة التي تركتها بعد إدبار الحيضة ، فهذا هو ظاهر الحديث ، وقد يقال بأن قضاءها لتلك الصلوات أمر مفهوم لأنها لم تصلي تلك الصلوات باعتبار أنها حائض في ظنها ، فلما سألت النبي صلى الله عليه وسلم استبان لها الأمر ، ولذلك لو قال إنسان إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بتلك الصلوات لكان قولا له وجه .

 

حديث رقم – 206-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ. فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ )

حديث رقم – 207-

( صحيح )

 

( أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ قَالَتْ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي» )

من الفوائد :

أن المرأة المستحاضة إذا انطبق عليها الدم كيف تفعل في تقدير حيضتها ؟ هل تميز حيضتها بالدم ، بمعنى إذا رأت في الأيام التي يكون الدم فيها أسود ثخين كريه الرائحة تعده حيضا ، والدم التي تراه خلاف ذلك في أيام لا تعده حيضا ؟

هذا قول لبعض العلماء .

 

وبعض العلماء يقول : لا ينظر للتميز بتاتا ، وهذا هو القول الراجح – بناء على هذا الحديث ، لأن العادة هي الأصل ، ولذلك ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عادتها فقال ( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ) فإذا كان مثلا لديها عادة سابقة كانت تحيض في اليوم الثاني من الشهر ، وعادتها سبعة أيام ، إذاً طهرها في اليوم التاسع ، جاءت أيام فانطبق عليها الدم واستمر الشهر كله أو غالبه ، ماذا نقول لها ؟ نقول لها اعتبري أن هذا الدم لا شيء ، لكن إذا جاء اليوم الثاني من كل شهر فاعتبري نفسك أنك حائض ، إلى أن يأتي موعد انتهاء حيضتك في اليوم التاسع ، وبذلك تكون هذه الأيام هي أيام الحيض وما سوى ذلك تكون استحاضة بقطع النظر عن لون وعن رائحة الدم، وهذا هو الصواب لقوله عليه الصلاة والسلام ( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ).

حديث رقم – 208-

 

( صحيح )  

 

(أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَعْنِي، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ، ثُمَّ لِتُصَلِّي»)

من الفوائد :

أن الإنسان إذا غلبه الحياء أن يسأل عما يريد أن يسأل عنه لا يظل جاهلا ، على أقل الأحوال تأتي الدرجة الثانية أن يأمر من يسأل له في هذا الأمر ، كما صنعت هذه المرأة لما أمرت أم سلمة رضي الله عنها .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث جملة الحديث السابق ( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ) .

ومن الفوائد :

أن المرأة المستحاضة يجب عليها أن تتحفض ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تستثفر ( ثم لتستثفر ) يعني تضع ثوبا يمنع نزول الماء حتى لا ينجس بدنها ولا ثيابها ، وفي هذا العصر وجد ما هو أحسن من ذلك وهي المسماة ( بالفوط الصحية ) .

وهنا نقطة مهمة وهي :

أن بعض النساء قد تكون عادتها مستقرة ما تتخلف ، قد تكون عادتها عشرين يوما ، هذه تعد حائضا ، لكن كلامنا بما زاد عن الشهر فيمن ليست بمستقرة العادة، لأنه وجد في الواقع أن هناك امرأة تحيض الشهر كله وشهران طاهرة .