تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 53 ) حديث ( 462 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 53 ) حديث ( 462 )

مشاهدات: 506

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس ( 53 )

حديث ( 462 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

( أما بعد :  )

فقد قال المصنف رحمه الله :

( فضل الصلوات الخمس )

حديث رقم – 462-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )

( من الفوائد )

هذا الحديث أورده المصنف رحمه الله من باب بيان فضل المحافظة على الصلاة .

ومن الفوائد :

أن الصلاة تطهر العبد كتطهير النهر لأدران وأوساخ بدن الإنسان ، وهذا إن دل يدل على عظم فضل الصلاة إذ بلغت هذه المرتبة ، فشبهها بالنهر .

ومن الفوائد :

أن النهر سمي بهذا الاسم من الاتساع ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل ) وانهار دم الذبيحة يكون بجريان دمها بغزارة .

ومن الفوائد :

أن من لوازم الرؤية الإخبار  ، فالرؤية هنا ليست رؤية بصرية ، وإنما هي رؤية علمية يترتب عليها الإخبار ( أرأيتم ) يعني أخبروني .

وهذه فائدة التمعن في الأثر، وهذا يدل على عظم اللغة العربية ، فإن الكلمة قد تذكر وتكون لها لوازم وتضمينات ، ولذلك يأتي رأي شيخ الإسلام رحمه الله ” أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض “

يقول تبقى الحروف على ما هي عليه وتضمن أفعالا أخرى حتى نثري المعنى أكثر وأكثر .

مثال : قال عز وجل {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }الإنسان6 ، هل عباد الله يشربون بالعين ؟

قال بعض المفسرين ” عينا يشرب منها “

فجعل حرفا مكان حرف ، من باب أن بعض الحروف ينوب بعضها عن بعض .

لكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول : لا ، يبقى الحرف على ما هو عليه ويضمن فعلا ، فقوله تعالى {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ }الإنسان6 ، يعني يرتوي بها ، يأنس بها ، فإذا أبقي الحرف على ما هو عليه فإنه يتضمن أفعالا كثيرة .

ومن الفوائد :

أن الاستفهام هنا خرج عن أصله ، ومر معنا الاستفهام في البلاغة وهو [ طلب العلم عن شيء مجهول بإحدى أدوات الاستفهام ]

فهنا هم يعلمون ، فخرج هذا الاستفهام عن أصله ، لأن الاستفهام يطلب به علم المجهول ، وهنا ليس مجهولا ، فيكون خرج عن أصله لأغراض من بينها [ التعظيم ] تعظيم شأن الصلاة ، قد يراد من ذلك [ التشويق ] .

ومن الفوائد :

أن ( لو ) ليست محرمة في الإطلاق من جميع الوجوه ، بعض الناس يقول ” لا تقل لو فإنها تفتح عمل الشيطان ” لا شك أن هذا قول حق ، وقد ورد بذلك الحديث كما عند مسلم ( فإن ” لو ” تفتح عمل الشيطان  ) لكن متى ؟

إذا كان المقصود منها الاعتراض على قدر الله ، كما كان فعل المنافقين ، لما اعترضوا على قدر الله مما وقع في غزوة أحد {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا }آل عمران168 .

أو إذا كان المقصود منها التسخط على قدر الله ، المؤمن لا يعترض على قدر الله ولا ينفيه ، ولكنه يتسخط ، فيأتي الحديث ( فإن لو تفتح عمل الشيطان )

وهذا هو النوع الثاني من أنواع تحريم ” لو “

الحالة الثالثة : ” أن يؤتى بها للندم ” أن يندم على ترك واجب أو فعل محرم ” لو أنني لم أترك صلاة الفجر هذا اليوم ” هذا جائز ، بل يكون مندوبا “

لأن واعظ الإيمان قد تحرك في قلبه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الندم توبة )

الحالة الرابعة :  ” أن يؤتى بها للإخبار “

وهذا جائز ، ودليله ما جاء في هذا الحديث

الحالة الخامسة : أن يؤتى بها في باب التمني ، وله نوعان :

تمني محمود يثاب عليه وتمني مذموم يعاقب عليه ، ودليل هذا النوع بشقيه حديث أبي كبشة الأنماري عند الترمذي قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الدنيا لأربعة نفر ، رجل آتاه الله مالا وعملا ، فهو يصل فيه رحمه ويتقي فيه ربه ، فهذا في أعلى المنازل ) وهذا يدل على أن أعظم ما يصل به الإنسان رحمه هو المال ، يعني لو كان الإنسان مقصرا في جانب من جوانب الوصل ودفع مبلغا من المال لتغير الحال ، ينجبر الكسر

( ورجل أتاه الله علما ولم يؤته مالا ، فيقول لو أن لي مثل فلان من المال لعملت به كفلان ، فهما في الأجر سواء  ) بنيته ، تمنى ، لكن تمنى شيئا طيبا ، فكان بمثابة أجر المنفق ، وإن كان المباشر للفعل يختلف في الأجر عن عدم المباشرة ، لا يستويان ، من يباشر ومن لم يباشر ، لكن النية ترفعه إلى هذا المقام ، فيكون في الدرجة واحدة ، لكن هذه الدرجة من حيث الكيفية تختلف ، قال تعالى {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } لعذر ، فمن قعد من غير عذر مذموم { وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء95 .

ثم قال صلى الله عليه وسلم ( ورجل أتاه الله مالا ولم يؤته علما ، فهو يخبط في ماله ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ، فهذا في أخبث المنازل ، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فيقول لو أني لي مثل فلان من المال لعملت به كفلان ، فهما في الوزر سواء ) انظروا لما تمنى هذا حصل له الإثم .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( نهر ) يجوز أن تقرأ فتحا وتسكينا ( نَهَر ) أو ( نَهْر )

( لو أن نهَرا ) أو ( لو أن نهْرا ) فكلاهما يصح .

بيان فضل الصلاة ، وأن تكفيرها للسيئات قريب من العبد كقرب النهر من باب بيت الإنسان ، فلا يكلف عناء ولا مشقة ، فتحصيل الثواب وإزالة السيئات بالنسبة إليه أمر متيسر  كيسر هذا النهر الذي عند بابك ، وتغتسل منه كل يوم ، ولذلك قال:

( بباب أحدكم )

ولم يقل  ( جيرانكم ) لا   ( بباب أحدكم)

( ومن الفوائد )

أن من أساليب اللغة  :

[ أن يؤتى بالإظهار في مقام الإضمار ]

لفائدة وهي : ” التأكيد على شيء مهم “

( هل يبقى من درنه شيء ؟ )

الجواب / لا ، ويكتفى بهذا .

لكن لما قالوا :

( لا يبقى من درنه شيء )

من باب التأكيد والتوثيق على أهمية ما ذُكر .

 

 

( ومن الفوائد )

 

أنه من حيث الواقع لو أن الإنسان اغتسل بماء يسير في اليوم خمس مرات لا يمكن أن يعلق به وسخ ، فكيف إذا اغتسل في النهر الذي لا يبقي منه شيء ولا يذر ؟!

وهذا يدل على فضل هذه الصلوات الخمس .

( ومن الفوائد )

أن ما يفعله النهر بتطهير بدن الإنسان تفعله الصلوات .

لو قال قائل :

هذه الخطايا التي تمحى بالصلاة أهي كبائر أم صغائر ؟

الجواب /

لا شك أنها صغائر ، لو لم يأت دليل آخر منفصل لقلنا إنها تشمل الكبائر ، لكن تخص الصغائر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :

( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )

ومعلوم أن النهر يزيل الكبير من الوسخ أعظم من إزالته للصغير  .

فما هو الجواب ؟

قال بعض العلماء :

إن هذا حديث يتعلق بالنهر فيما يخص الظاهر   ، لأن الدرن هو  ” ما كان على الظاهر ”

فكذلك السيئات الصغائر هي التي تكون ظاهرة ، أماالكبائر فلا يغسلها النهر فتكون متعلقة بالقلب .

ولذلك لا يصح التوبة من الكبيرة إلا بالندم على ما فات ، والندم متعلق بالقلب .

وقال بعض العلماء :

أن تشبيه الصلاة بالنهر من باب تشبيه الشيء بالشيء لا الجزء بالجزء “

يعني أن النهر شبهت الصلاة به في إزالة السيئات ، لكن ليس كل ما أذهبه النهر تذهبه الصلاة  .