تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 55 ) من حديث (464 ) حتى ( 465 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 55 ) من حديث (464 ) حتى ( 465 )

مشاهدات: 774

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس ( 55 )

من حديث (464 ) حتى ( 465 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

( أما بعد : فيا عباد الله  )

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الحكم في تارك الصلاة

حديث رقم – 464-

( صحيح أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا محمد بن ربيعة عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة  )

( من الفوائد )

هذا الحديث يستفاد منه نظير ما استفيد من الحديث السابق .

ولكن هذا الحديث بهذا الأسلوب أفاد فائدة وهي :

أن من ترك الصلاة يكون كافرا لا محال ، يكون كافرا لا محالة ، فوصف الكفر لا ينفك عنه  .

ولذا أتى بـ ( ليس ) النافية .

وأتى بأداة الاستثناء ( إلا ) وهي من أعظم صيغ الحصر  .

كما لو قلت ” لا إله إلا الله ”

فحصرت العبودية له جل وعلا .

كذلك هنا حُصر ترك الصلاة في الكفر .

فليس بين الرجل وبين الشرك إلا ترك الصلاة  .

( ومن الفوائد )

أن حديث :

( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )

كما عند مسلم .

ذُكر بلفظ ( الرجل ) وهنا بلفظ ( العبد )

فدل على أن الإنسان يخرج من عبودية الله عز وجل خروجا كاملا إذا ترك الصلاة وأنه ليس بعبد لله عز وجل ، فليس فهو في مقام العبودية في شيء إذا ترك الصلاة .

ولذا لما ذكر ( العبد ) ذكر ( الكفر ) مما يدل على ما ذكرنا ، من أنه ليس هناك إلا عبودية أو كفر .

باب المحاسبة على الصلاة

حديث رقم – 465-

( صحيح )   أخبرنا أبو داود قال حدثنا هارون هو بن إسماعيل الخزاز قال حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن حريث بن قبيصة قال قدمت المدينة قال :   قلت اللهم يسر لي جليسا صالحا فجلست إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال فقلت إني دعوت الله عز وجل أن ييسر لي جليسا صالحا فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعني به قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ”

إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر قال همام لا أدري هذا من كلام قتادة أو من الرواية فإن انتقص من فريضته شيء قال انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما نقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك خالفه أبو العوام )

( من الفوائد )

 

وجوب الحرص على اختيار الرفقة الطيبة ، فإن حريثا رحمه الله من حبه للجليس الصالح سأل الله عز وجل ذلك .

وذلك لأن الجليس الصالح يستفاد منه فوائد لا تعد ولا تحصى ، ويكفي من فوائد الجليس الصالح أنه يمنعك من أن تختلط بجليس السوء ، لأن الإنسان لا يمكن أن ينفك عن صحبة ، إما صحبة طيبة وإما صحبة فاسدة ، فإن لم يصحب الأخيار صحب الأشرار ، فهو وإن لم يستفد من الأخيار في نظره فإن بقاءه معهم خير له ، إضافة إلى أن هؤلاء الأخيار لا يمكن أن يكون منهم إلا كل خير ونفع .

( ومن الفوائد )

 

أن الله سبحانه وتعالى استجاب لدعوة حريث ، فقد وفقه الله عز وجل فصحب أبا هريرة رضي الله عنه ، المُحدِّث الذي روى أكثر الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( ومن الفوائد )

 

أن هذا الحديث في ظاهره أن الصلاة هي أول ما يُسأل عنها العبد ، وهذا يتعارض في ظاهره مع أحاديث أخرى .

منها :

ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين :

( أول ما يقضى بين الناس في الدماء )

ومنها :

ما جاء عند الترمذي :

( أول ما يسأل عنه العبد من النعيم أن يقال ألم نُصح لك بدنك ونرو ك من الماء البارد )

فكيف يكون أول ما يسأل عنه الصلاة مع ورود هذه الأحاديث ؟

فيقال :

هذه الأحاديث لا يتعارض بعضها مع بعض ، لأن أول ما يسأل عنه العبد فيما يتعلق بحق الله عز وجل ( الصلاة )

وأول ما يسأل عنه العبد فيما يتعلق بحقوق المخلوقين ( الدماء ) مما يدل على خطورة سفك الدماء .

وأول ما يسأل عنه العبد من لذة الدنيا ( الصحة والإرواء من الماء البارد )

لا يسأل عن نعيمه في أكله للحم ، في سفره ، في ذهابه ، في إيابه ، فدل هذا على أن النعيم الحقيقي  بعد نعمة الدين ” أن الإنسان يكون صحيحا سليما في بدنه ” ولو لم يجد إلا الماء البارد .

فكيف إذا اجتمع للإنسان صحة البدن ولذة المطعم ولذة المشرب ؟!

وهذا من أعظم النعم ، ولكننا نغفل في مثل هذا العصر عن هذه الأحاديث التربوية ، لأننا لما أعرضنا عن ما جاء في الكتاب وعما جاءت به السنة من أحاديث ، وحرصنا على القيل والقال أصبحنا في متاعب ، الناس في وسائل التواصل تجد أنه كلام لا يجدي ولا يفيد .

وحتى بعض من ينتسب إلى هذا العلم انصهر فيما سلكه هؤلاء الشباب والشابات – وهذا ليس بصحيح – لا يمكن أن يربى الناس إلا على الكتاب والسنة ، تأتي بآية وتأتي بحديث ، هذا الذي يربي النفوس ، هذا الذي يزيد الإيمان ، هذا الذي يعتصم به الإنسان  ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم :

( تركت فيكم ما إن اعتصمت به فلن تضلوا  كتاب الله )

وعند مالك رحمه الله :

( وسنتي )

يعني لا يمكن للإنسان عصمة ولا فائدة ولا ثمرة ولا نعيم ولا راحة قلب ولا سعادة إلا إذا رجع إلى الأحاديث ورجع إلى القرآن

( ومن الفوائد )

 

بيان فضيلة ( الصلاة ) وأنها أعظم الحقوق بعد الشهادتين ، ولذلك أول سؤال يطرح على العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحق الله عز وجل ( ماذا فعلت في صلاتك ؟ )

انظروا – هذا السؤال يطرح على من  ؟

يطرح على المصلين ، أما من لا يصلي فإن مصيره إلى النار ، لا يسأل ، وهذا يؤكد ويدلل على أن المسؤول هنا هو مؤمن ، لكن عنده نوع من التقصير  .

لكن من لا يصلي لا يسأل عن هذا ، ومن ثم يكون له النار – نسأل الله السلامة والعافية .

( ومن الفوائد )

 

أنه قال ( بصلاته )

( الباء ) هنا زائدة ، لأن الرواية التي ستأتي معنا إن شاء الله غير موجود فيها ( الباء )

وهذا يفيدنا بأن تتبع الروايات يستفيد منها طالب العلم .

( أول ما يسأل عنه العبد بصلاته )

يعني يسأل عن هذه الصلاة ، لكن ماذا أتي بالباء هنا ؟

أتي بالباء – وهو حرف زائد- لأن الحرف الزائد في اللغة يعطي الكلمة قوة وتأكيدا على أهميتها ، فدل على أنه لا شيء آخر  يسأل عنه إلا الصلاة .

( من الفوائد )

 

أن المسؤول إذا قام بهذه الصلاة في دنياه على حق ما يكون ما ثوابه ؟

( أفلح وأنجح  )

( الفلاح ) هو حصول المرغوب وزوال المكروه .

إنسان حصل له ما يبتغي وزال عنه ما يكره ” هذا مفلح “

فيكون الفلاح طريقا إلى النجاح ، ولذلك قال :

( فقد أفلح وأنجح )

ولم يقل ( فقد فلح ونجح ) لا ، هذا الأسلوب يعطي زيادة في تحقق فلاحه ونجاحه ، ولذلك أتى بـ ( قد ) التي يراد منها التحقيق .

( ومن الفوائد )

 

أن مكمن فلاح ونجاح الإنسان في آخره هو ” قيامه بهذه الصلاة على الوجه المطلوب “

وهي أيضا فلاح ونجاح في دنياه ، لأن من كان حريصا على الصلاة وقد قام بها حق القيام فإنه في سعادة غامرة في دنياه ، وبقدر ما يسعد بصلاته في دنياه بقدر ما تكون سعادته في أخراه أكثر وأكثر  .

( من الفوائد )

 

أن من فرَّط في الصلاة في دنياه فإنه يلقى الله عز وجل خائبا خاسرا  .

ولذلك قال : ( فقد خاب وخسر )

لم يقل ( خاب ) وسكت – لا –

( خاب خسر )

لأن الإنسان قد يخيب في تحقق ما يريده وما يؤمله ، لكنه لا يخسر .

لكن هنا – لا – يفوته ما يؤمله وتحصل له الخسارة ، يعني يفوته الغُنم والفائدة والثمرة ، ويحصل له الغُرْم والعقاب  .

ولذلك قال ( فقد خاب ) وهذا فوات المحبوب .

( وخسر ) وهذا هو حصول المكروه .

وهذا يخالف الفلاح ، لأن الفلاح ” حصول المطلوب وزوال المكروه “

ومع هذا فإن رحمة الله عز وجل واسعة :

يقول الله عز وجل

( انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ )

هل عنده نافلة ترقع الخلل الذي ربما يحصل من فعله لهذه الفرائض ؟

وهو جل وعلا عالم ، لكن الأمر هنا

( للملائكة ) كما جاءت بذلك الأحاديث من باب أن يؤكد جل وعلا ويقرر حجته على عبده  ، وإلا فهو جل وعلا غني عن الكتابة وغني عن الحفظة ، لكن هذا من باب التوثيق على أن العبد إذا قال يوم القيامة ( لقد ظُلمت )

يقال هذا ما دُوَِّن عليك من قِبل الملائكة .

حتى إذا اشتدت المحاجة – كما جاء عند مسلم  ( إذا اشتدت المحاجة يختم على فمه ، فتنطق اليد بما فعلت ، وتنطق القدم بما فعلت ، وتنطق جميع جوارحه )

 

( ومن الفوائد )

 

فضيلة ( السنن ) وأنها ترقع الخلل الحاصل في الفرائض .

لكن لو قال قائل :

لو أنه ترك فريضة من الفرائض هل هذه النافلة تحل محل الفرض ؟

لا شك أن الفريضة لا يعدلها شيء ، ولذلك في صحيح البخاري في الحديث القدسي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى :

( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه )

هذا أعظم شيء .

لكن أيمكن أن تحل النافلة محل الفريضة ؟

الجواب /

قال بعض العلماء : لا ، وإنما النافلة ترقع ما حصل من خلل في السنن التي في الفريضة .

وقال بعض العلماء : إن فضل الله عز وجل واسع ، ولعله الأقرب إن شاء الله تعالى ، ولاسيما إذا ندم الإنسان ، لأنه قال :

( ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك )

و الزكاة ليس فيها إلا فرض ونفل ، فدل على أن النفل في الزكاة يرقع الفرض الذي في الزكاة .

وهذا يدعونا إلى ماذا ؟

يدعونا إلى أن نحرص على السنن ، ولاسيما السنن الرواتب وهي [ أربع ركعات قبل الظهر ، وركعتان بعد الظهر ،و ركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء ، وركعتان قبل الفجر  ]

مع أنها ترقع الخلل ، يحصل للإنسان بها

( بناء بيت في الجنة )

كما قال عليه الصلاة والسلام :

( من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة )

فهذا فضل عظيم من الله عز وجل .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد