تفسير البسملة (11 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازال حديثنا عند معنى : اسم الله
” الله “
فالله كما سلف هو : المعبود مع المحبة والتعظيم
وقلنا إن العبودية لا تكون إلا بثلاثة أركان :
المحبة
والخوف
والرجاء
والمحبة هي : الرأس
ولذا : النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : (( ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان : ))
هذا يدل على أن للإيمان حلاوة
ولذا :
فإن هذه الحلاوة دعت من ؟
دعت النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يصلي حتى تتفطر قدماه لأنه يتلذذ بهذه العبادة
يذكر ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام كما في روضة المحبين :
يقول :
” إن شيخ الإسلام مرض فجاءه الطبيب فقال له الطبيب إني أنصحك ألا تقرأ وألا تطالع كتابا
فقال رحمه الله : لا أستطيع إن حلاوة قلبي في مطالعة كتبي
فقال : قد نصحتك
فقال له شيخ الإسلام : إني أحاجك بهذه الكتب
قال : كيف ؟
قال : إني إذا قرأت الكتب وجدت حلاوة في قلبي فإذا وجدت هذه الحلاوة رفعت هذه الحلاوة مرارة المرض “
وبالفعل الحالة النفسية لها دور عظيم على بدن الإنسان
ولذا :
النبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله من الهم والحزن
لم ؟
لأنها تثقل العبد
وهذا هو ابن القيم يقول عنه تلميذه ابن كثير يقول : كان إذا صلى أشفقنا عليه من طول صلاته
لم ؟
لأنه يجد الحلاوة
فإذاً : للإيمان حلاوة
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ))
ما هذه الثلاث ؟
(( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ))
الثانية :
(( أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ))
الثالثة :
(( أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ))
فانظر رعاك الله :
(( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ))
لأن محبة النبي عليه الصلاة والسلام من محبة الله
(( أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ))
هذه وهي المرتبة الثانية أو الحالة الثانية
هذه من مكملات محبة الله أن تحب العبد لله
لا تحبه لغرض دنيوي أو لمصلحة أو لهدف أو لغرض
الحالة الثالثة :
(( أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ))
هذه تصديق لهذه المحبة
كثير من الناس يزعم أنه يحب الله
ولذا قال الشاعر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
فيقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ))
هذه تصدق محبتك لله
كيف ؟
أحب شيء إلى الله التوحيد
ما ضد التوحيد ؟
الكفر
فإذا كرهت الكفر فإن الله قد كرهه ، وكرهك للكفر كما أنك تكره أن تقذف في النار
ما هو أعز شيء لديك ؟
نفسك
فإذا كنت تكره هذا الكفر الذي هو بغيض إلى الله كما تكره أن تقذف في النار، بل أشد هذا يدل على صدق محبتك لله صدقا واضحا بينا
ولذا :
من عصى فإن في محبته لله خللا
وكل بحسب ما يقترفه من الذنوب
ولذا قال بعض السلف :
كل معصية شرك
هذا هو الشرك العام الذي يخرج صاحبه من الإسلام ، لا
وإنما مراده رحمه الله :
أن كل معصية شرك لأنه أشرك مع الله عز وجل في المحبة
ليس شركا في المحبة الكبرى التي هي محبة الانقياد والذل والخضوع لله “، لا
وإنما قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله
وكلما زاد ضعفت هذه المحبة
وقال عز وجل :
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }
يعني : اتخذ إلهه هواه في جميع الأشياء
{ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً }
ولذا يقول ابن القيم :
محبة القرآن من محبة الله عز وجل
لم ؟
لأنه كلام المحبوب
فإذا أحببت كلام الله دل على محبتك لله
لأن من أحب كلام المحبوب دل على محبته لهذا المحبوب
محبة ذكرك لله تدل على محبتك لله
لأن ذكرك للمحبوب يدل على عظم محبتك له
فإذاً :
محبتك لله كما جاء في هذا الحديث :
(( أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ))
لأنك قدمت نفسك لله بل ترغب نفسك أن تقذفها في النار من أجل ألا تعود إلى الكفر الذي هو بغيض لله
وضد الكفر : التوحيد
ولنأت إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت في صحيح البخاري :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( لا يؤمن أحدكم ))
يعني : الإيمان الكامل :
(( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ))
هذا هو الفرع
(( من والده ))
هذا هو الأصل
(( والناس أجمعين ))
قد يدخل في كلمة ( الناس ) نفسك لأنها من جملة الناس
ذكر هنا
الولد ، والوالد والناس
الولد : هو الفرع
الوالد : هو الأصل
الناس : عموم الناس وأنت من جملة هؤلاء الناس
فيدخل في ذلك أن تحب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من محبتك لنفسك
ويدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري :
(( أن عمر قال : يا رسول الله والله إني لأحبك أكثر من أهلي ومالي ، فقال عليه الصلاة والسلام : ومن نفسك يا عمر ؟
قال : لا ، قال : إذًا : لا ، فقال عمر : ومن نفسي
فقال عليه الصلاة والسلام : الآن يا عمر ))
يعني : الآن يا عمر كمل إيمانك
وإذا أحب العبد رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذه المحبة الخالصة التي هي لله فقد أحب الله
كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أحب إليك من نفسك ؟
محبة الله كما سلف في الحديث السابق تدل على أن محبة الله هي أعظم من محبتك لنفسك
هنا محبة النبي عليه الصلاة والسلام أعظم من محبتك لنفسك
لم ؟
لأن هذه النفس أمارة بالسوء وكل خير وصلت إليه إنما سبيله وسببه من ؟
النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا :
لو أن هذه النفس بقيت على ما كانت عليه لكان المصير لها النار
ولذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم اهد أحب العمرين إليك ))
عمر بن الخطاب
وعمرو بن هشام
فهدى الله عمر
فلولا الله ثم النبي عليه الصلاة والسلام لكانت هذه النفس داعية صاحبها إلى النار
فلما جاء السبب وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ووصل هذا الخير إلى نفس عمر نجا عمر من هذه النار
فأصبح النبي عليه الصلاة والسلام أحب إليه من نفسه حتى يكمل إيمانه
الركن الثاني : الخوف :
والخوف :
قد اتخذته الخوارج منهجا لها :
لكن منهج أهل السنة وسط :
لا إفراط ولا تفريط
لا غلو ولا تقصير
فهؤلاء أخذوا بنصوص الوعيد :
ما جاء من وعيد في كتاب الله أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أخذوا بها وغفلوا عن نصوص الوعد والثواب والرجاء
ولذا يكفرون صاحب الكبيرة يقولون هو كافر
هذا هو معتقدهم
بل إنهم يقولون : إن حاله يوم القيامة في نار جهنم
ولذا :
هم يوجبون على الحائض أن تقضي الصلاة
ولذا في الصحيحين :
(( جاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها فقالت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟
فماذا قالت لها رضي الله عنها ؟ أحرورية أنت ؟
يعني : أأنت من حروراء التي يسكنها الخوارج
قالت : لا و إنما أسأل ، قالت : كان ذلك يصيبنا على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ))
وهؤلاء الخوارج كما قال شيخ الإسلام :
” قال جمهور العلماء إنهم ليسوا بكفار ، وإنما قاتلهم علي رضي الله عنه لأنهم استباحوا دماء المسلمين وأموالهم فقاتلهم لدفع شرهم ، وهذا هو مذهب الجمهور على أنهم ليسوا بكفار ، هم عصاة مذنبون لكن لا يخرجون بهذا الفعل عن دائرة الإسلام “
في المقابل لهم طائفة تدعى المرجئة :
أخذوا بنصوص الوعد والرجاء وغفلوا عن قوله تعالى :
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
هذا الرجاء
{ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ }
هذا الخوف والوعيد
فقالوا :
إن المعصية لا تضر مع الإيمان
لكن معتقد أهل السنة والجماعة :
وسط
ولذا:
عبارة شيخ الإسلام في الواسطية :
يقول : هو ــ يعني: مرتكب كبيرة الذنوب ــ يقول : هو مؤمن ناقص الإيمان
قال : إن معتقد أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة أن يقال في حقه :
“هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته “
نفوس عالية تهفو إلى أن تحقق هذه الأركان الثلاثة
لأنك إذا حققت هذه الأركان الثلاثة حققت العبودية
وأعظم منزلة وأرفع درجة وأجل مكانة ينالها العبد عند الله هي [ العبودية ]
ولذا : وُصٍف النبي عليه الصلاة والسلام بالعبودية في أعلى المقامات :
قال في مقام الإسراء :
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }
قال في مقام المعراج :
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }النجم10
قال في مقام تنزيل الكتاب :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }
قال في مقام التحدي والمنافحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام :
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ }
لم يقل رسولنا
قال في مقام الدعوة :
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } الجن19
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يقول ؟
يقول كما عند البخاري :
(( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ))
عليه الصلاة والسلام
ولذا :
يوم القيامة تعلو منزلته بهذه العبودية
في حديث الشفاعة الطويل :
أن الناس يأتون إلى الأنبياء وكل منهم يعتذر عن أن يشفع للناس حتى ينزل الله لفصل القضاء
فماذا يقول عيسى عليه الصلاة والسلام ؟
يقول : (( اذهبوا إلى محمد فإنه عبد ))
أليس عيسى عبدا ؟
بلى
{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } مريم30
لكن لماذا قال : هو عبد ؟
لأنه عليه الصلاة والسلام لا يدانيه أحد ولا يوازيه أحد في مقام العبودية
ولذا تفطرت قدماه :
قالت عائشة لم وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
قال : (( أفلا أكون عبدا شكورا ))
قال عيسى عليه الصلاة والسلام :
(( اذهبوا إلى محمد فإنه عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))
فيأتي عليه الصلاة والسلام إلى العرش ويسجد لله ويشفع للناس بإذنه عز وجل
فمقام العبودية مقام عظيم
إذاً :
عندنا :
محبة وخوف ورجاء
كيف تنال هذه الأركان ؟
كيف نقويها ؟
كيف نرفعها ؟
لهذا الحديث تتمة إن شاء الله