( تفسير سورة البقرة )
الدرس الأول
( مقدمة )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحن في هذا الشهر بصدد تفسير ما تيسير من سورة البقرة ، هذه السورة قبل أن أشرع فيها أذكر مقدمة ، هذه المقدمة أُجملها فيما يلي من فوائد :
( الفائدة الأولى )
أنها سورة عظيمة ، ومكمن عظمتها :
” أنها إذا قُرأت في البيت تكون بمثابة السلاح والطارد للشيطان “
نحن نعاني في بيوتنا من بعض الأمراض ، وغالب هذه الأمراض في الحقيقة هي أوهام ووساوس “ ولا يظن أنه حينما يذهب بمريض ، لا يُظن أن كل ما أصيب به المريض يكون كما يقوله بعض القُرَّاء ممن هم في الحقيقة يسيئون إلى هذا المريض :
ــ إما بأسلوب مباشر من أجل أخذ المال .
ــ أو بأسلوب غير مباشر من باب الاجتهاد الخاطئ .
أنا لا أعلم أي دليل من كتاب أو من سنة أو من أثر أنه هناك أثاراً تبرز وتتضح على هذا المريض أن به عينا أو أن به سحرا ، وبالتالي من خلال ما يتصل بي – لست بقارئ ولا براقي – لكن من خلال ما يتصل بي من بعض الأشخاص ممن يعاني ، لما أوصيه ببعض الوصايا في نهاية المطاف ، نجد أن ما أصابه ليس بجن ولا بسحر ولا بعين .
وما كانت هذه الأمراض كثيرة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما من جرَّاء الضغوط النفسية التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا ، لأن هذه الدنيا – وللأسف – أصبحت في مخيلتنا ، نذهب ، نأتي ، ندخل البيت ، نخرج من البيت ، نؤاكل الأهل ، نشاربهم ، نجد أن الإنسان قد أشبع رأسه من التفكير في هذه الدنيا
إذًا ما السلاح ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :
( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )
بعض الناس يقول : أنا أشغل إذاعة القرآن ، أو أشغل شريطاً ، هذا لا يفيد ، لأن القراءة بمثابة السلاح ” والسلاح بضاربه “ هذا قارئ قرأ وسجل هذه القراءة وانتهى .
لكن إذا أردت مفعول هذه القراءة في بيتك : فعليك أن تقرأها بنفسك وبحضور قلب ، هنا يأتي العلاج .
أنت في مثل هذه الحالة وفرت السبب ، ما هو السبب ؟
قراءة سورة البقرة ، كما جاء في الحديث :
( إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )
قد تقرأ هذه السورة في البيت ولا تكون هناك أثارٌ واضحة بعد قراءتها ، لم ؟
لأن هناك أبواقًا جذابة للشيطان في هذا البيت ، ما هي ؟
” القنوات الفضائية الهدَّامة “
إذا كانت هذه البيوت تعرض فيها الأفلام الهابطة ، أو تسمع فيها الأغاني الماجنة ، هنا ” لا يجتمع كلام الرحمن وكلام الشيطان “
وانظروا / قال صلى الله عليه وسلم :
( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )
هذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن المقابر ليست محلاً لقراءة القرآن ، لا قبل الدفن ولا بعد الدفن ، ولا أثناء الزيارة .
وما يتناقل من أنه تقرأ سور معينة في المقابر ، فاعلم بأنه لا صحة لها من حيث الشرع .
( الفائدة الثانية )
” أن قراءة هذه السورة تحصل بها البركة “
يعني يأتيك نفعٌ ، سواء قرأتها في البيت ، أو قرأتها في عملك أو في أي مكان
” تأتي بالخير ، وتدفع الشر ، وتحول بينك وبين أعدائك “
كيف ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :
( اقرءوا سورة البقرة فإن في أخذها بركة )
هذا النفع
( وفي تركها حسرة ، ولايستطيعها البطلة )
يعني السحرة ، لا يستطيع أي ساحر أن ينالك بسوء إذا قرأت سورة البقرة .
( الفائدة الثالثة )
” أن هذه السورة لها قدر عند الصحابة رضي الله عنهما “
يقول ابن عمر رضي الله عنهما :
( إن سورة البقرة وسورة آل عمران إذا حفظهما الرجل جَدَّ فينا )
يعني عظم ، كما قال عز وجل :
{ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } الجن3 .
يعني تعالى وتعاظم .
قال : ( جدَّ فينا ) يعني يكون ذا قدر وعظمة ، ولكن ليس حفظا فقط – لا – وإنما مع الحفظ والفهم والتطبيق ، ولذلك قال القرطبي رحمه الله :
قال : ” إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكث في حفظ سورة البقرة بفقهها ثنتي عشرة سنة ، وابنه في ثمان سنوات “
كيف ؟
لما تتقن سورة البقرة تفسيرا من جميع الجوانب ، اعلم حينها أن كل سورة ستمر بك ستفهم معانيها بلا شك .
ولقدر هذه السورة وسورة آل عمران ” لبيد بن ربيعة ” أحد الشعراء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن شعره :
( قال أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد ” ألا كل شيء ما خلا اللهَ باطلُ ” )
لبيد أدرك الجاهلية وأسلم وحسن إسلامه ، ناده عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم وقال :
” أريد أن تنشدني شعرا .
فقام لبيد بن ربيعة وقرأ عليه سورة البقرة .
فقال عمر : أما أردت أن تقرأ سورة البقرة ، وإنما أردت الشعر .
فقال لبيد : أما بعدما حفظتُ سورة البقرة وسورة آل عمران والله لا أذكر بيتا “
سبحان الله !
فرق بين كلام الله عز وجل وكلام البشر ، متى ما وقر حب كلام الله عز وجل في قلب العبد ارتقى درجات لا تضاهى
ولذا ماذا قال عثمان رضي الله عنه :
( لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم )
( الفائدة الرابعة )
أن بعض العلماء قال :
” إن سورة البقرة فيها ألف أمر ، وفيها ألف نهي ، وفيها ألف حكم ، وفيها ألف خبر “
وهذه دعوى لنا لما نبدأ القراءة في سورة البقرة نتأمل – ولاسيما أن هذا الشهر شهر التلاوة – لما نقرأ قوله تعالى :
{ الم{1} } هذا خبر
{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2}هذا خبر ، وهكذا .
هنا يكون قلبك حاضرا فتعرف الأمر من النهي من الخبر من الحكم .
( الفائدة الخامسة )
أن السلف رحمهم الله عنوا عناية فائقة بكلام الله عز وجل ، فإنهم لما ذكروا السور ، ذكروا ما نزل منها في أي مكان ، ذكروا أن أول ما نزل بالمدينة سورة البقرة ، إلا بعض الآيات نزلت فيما بعد ذلك وهي ” آيات الربا “ وكذلك قوله عز وجل :
{ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ } البقرة281
هذه الآية من أواخر ما نزل من القرآن ، على اختلاف بين أهل العلم ما هي آخر آية نزلت من كلام الله عز وجل .
فهذه فوائد مجملة حول مقدمة لتفسير سورة البقرة ، وإن شاء الله تعالى في الليلة القادمة نشرع في تفسير قوله تعالى :{ الم{1} }
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .