تفسير سورة البقرة الدرس ( 130 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين .. ] الآيتان ( 102 103 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 130 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين .. ] الآيتان ( 102 103 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 475

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 130 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ …… }

سورة البقرة  ( 102 ـ 103 } / الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة  تفسير قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}  كلمة الناس مرت معنا لماذا يسمى الناس بهذا الاسم ؟

قلنا إنها مبنية على أربعة معان :

المعنى الأول : من النسيان لأنه ينسى

المعنى الثاني  : من الحركة

المعنى الثالث : من الأنس لأنه يأنس بمثيله

المعنى الرابع : الظهور {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} لكن هذه هي القراءة التي نقرأ بها  هناك قراءة سبعية { وَلَكِنْ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا } بدون التشديد هنا بالتشديد : {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} ما الفرق بينهما ؟ {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}

{ الشَّيَاطِينَ } :  اسم لكن وهو حرف استدراك ينصب الاسم ويرفع الخبر من أخوات إن

{ كَفَرُوا } : الجملة خبر

على قراءة : { وَلَكِنْ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا } :

الواو : عاطفة

” لكن ” : حرف استدراك مهمل ، لكن إذا أزيل عنه التشديد ما يعمل عمل إن ، فيكون إعراب { الشَّيَاطِينُ } : مبتدأ

{ كَفَرُوا } : الجملة خبر

لو قال قائل إن من حروف العطف ” لكن ” ومن حروف العطف ” الواو “هنا على التشديد {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} الواو عاطفة ” لكن ” حرف  استدراك من أخوات ” إن ” ينصب الاسم ويرفع الخبر

لكن لما خففنا الواو عاطفة  ” لكن ” أهي عاطفة أيضا ؟ لا

لكن إذا أهملت ولم تشدد فإنها تكون عاطفة بشرط ألا يسبقها حرف عطف

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ }

ما معنى هذه الآية ؟

معرفتنا للغة العربية نعرف المعنى ، الواوعاطفة ، وبعدها فعل مقدر يدل عليه ما قبله : يعلمون الناس السحر ويعلمون ما أنزل على الملكين

{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}  لم ؟

لأنهم يعلمون الناس السحر ويعلمونهم أيضا ما أنزل على الملكين

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

قال هنا : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } لم يقل : الملِكين

فرق بين الملَكين والملِكين فرق بين ملَك وملِك  ، الملَك بالفتح واحد من الملائكة ، الملِك بالكسر هو السلطان

هنا : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إذًا هم من الملائكة

وهذه هي القراءة السبعية ، وهناك قراءة لابن عباس شاذة ” وما أنزل على الملِكين ” لكنها شاذة وتأويلها ” وما انزل على الملِكين ” تأويلها عند بعضهم لكنه تأويل لا يتناسب أن الملِكين هما داود وسليمان ، وقيل من الجن  ، لكن الصحيح {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}

” مَا ” هنا ما نوعها ؟ موصولية ، كيف تعرف  ؟ ضع كلمة الذي في محلها إن استقام المعنى فهي موصولية يعني والذي أنزل على الملكين

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن الإنزال يكون من علو ، والإنزال كلمة معناها يختلف باختلاف المتعلق

مثلا القرآن :

قال عز وجل : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {195}}

 

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}

إذًا هو من الله  ، إذن قول من يقول إنه مخلوق مردود عليه ،  فهو منزل من عند الله

وهناك تنزيل مقيد هذا تنزيل مقيد بالقرآن

هناك تنزيل للمطر من السماء {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}

هناك  تنزيل آخر مطلق : {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}

من أعالي الجبال ، ولذلك يقول ابن القيم إن أنفس الحديد هو ما يكون من أعالي الجبال

قوله تعالى : {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ }

كيف الإنزال هل هي نزلت من السماء ؟

النزول هنا هو أن ذكور الأنعام تعلو إناث البهائم فينزل المني في أرحامها فيتولد من ذلك البهائم الصغرى

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن قوله هنا : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ }

في اللغة العربية ما يسمى بعطف البيان :

ولذلك يقول أهل اللغة ما أعرب بدلا يعرب عطف بيان إلا في موضعين

قاعدة :

كل ما أعرب بدلا أعرب عطف بيان والعكس إلا في موضعين

{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}

هاروت وماروت عطف بيان يعني يبين من هما هذان الملكان

{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } مبهم الآن ، التوضيح { بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ }

ويصح أن يكون بدلا

في غير القرآن تأخذ كلمة الملكين وتضع في مكانها هاروت وماروت فيكون المعني وما أنزل على هاروت وماروت ببابل

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { بِبَابِلَ }بابل : ما هي بابل ؟

مدينة أهي المدينة التي في العراق ؟ أم أنها المدينة أو الجبل الذي في نهاوند ؟

فيه بابل في نهاوند وبابل في العراق ففي أي البابلين أنزل على هذين الملكين ؟

بابل العراق  ،  لم ؟

الدليل على ذلك ما جاء عند أبي داود وروي ولكنه بأسانيد ضعيفة

عند أبي  داود :

أن صلاة العصر حضرت  وعلي بها قالوا صل فقال ( نهاني النبي عليه الصلاة والسلام أن أصلي بها فإنها ملعونة )

قال ابن كثير ورواه أبو داود وسكت عنه وما يسكت عنه أبو داود ثابت عنده

إذن هذا يقوي على أنها في العراق لاسيما وأن العراق كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها محل الفتن

وهذه فائدة لابد أن نستفيد منها : لا يذم أهلها ، هذا قدر الله

لكن من حيث خروج الفتن والفرق الضالة خرجت منها لكن من كان من أهلها تقيا فإنه يمدح

الشام مدحت من قبل النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن إذا لم يستقم من فيها فلا خير فيها

ولذلك قول سلمان لأبي الدرداء قال : ” إن الأرض المقدسة لا تقدس أهلها إنما يقدس الرجل عمله “

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

لماذا سميت ببابل ؟

بعض الناس يحدث بلبلة ما معنى البلبلة ؟ التفرقة

يقال : إنه لما أسقط بصرح النمرود في العراق في زمن إبراهيم عليه السلام فخسف الله به تبلبلت الألسن تفرقت الألسن

إذن كلمة البلبلة لها معنى لغوي

الناس يقولون : هذا أتى ببلبلة يعني تفرقة يعني تبلبلت الألسن فما تدري ماذا تقول من عظم ما أنزله جل وعلا بهذا الرجل إن صح ما ذكروا

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

قال : {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}

هاروت وماروت :

ملكان أم أنهما جنيان عظما في الشيطنة ولهما أتباع أم ماذا ؟

يعني هاروت وماروت يعلمان الناس السحر ملائكة ؟

والسحر كفر؟

وقد وصف الله هؤلاء الملائكة بأنهم عباد مكرمون {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

من الملائكة

هاروت وماروت من الملائكة أنزلهما الله ابتلاء وامتحانا للناس

وكونهما يعلمان الناس السحر لا لرغبة فيه ولا لعصيان الله وإنما طاعة لله لأنه أمرهما بهذا من أجل افتتان الناس

إذن فلا يقل أحد إنهما عصيا الله

هناك ستة أحاديث وردت في هاروت وماروت كلها أحاديث لا تصح

ربما تقرأ في كتب التفاسير أن هناك قصة لهاروت وماروت

من بين ما ورد عند الإمام أحمد :

أن الملائكة لما جعل الله آدم في الأرض {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}

فقال الله جل وعلا  : ” اختارا اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأنزلهما الله فتمثلت لهما امرأة من أجمل ما تكون تسمى بالزهرة فأرادا أن يراوداها عن نفسها بالزنا فرفضت قالت حتى تشركا بالله  ، فقالا : والله لن نشرك بالله  ، قالت : إذن هذا الصبي اقتلاه ، قالا : لا  ، قالت : هذا الخمر اشرباه

فاستحسنا شرب الخمر من باب أنه أيسر ما يكون ، فشربا فوقعا عليها فلما أفاقت قالت والله ما أمرتكما بشيء إلا أتيتما به فقتلا الولد وتكلما بالشرك

فعاقبهما الله جل وعلا بهذه العقوبة بحيث مسخهما والمرأة مسخها فكانت نجما “

هذا الحديث لا يصح ، وقد أنكره ابن كثير  ، وقال إنما هذا مأخوذ من كعب الأحبار أخذه ابن عمر فلا يصح

ولا يغتر أحد بقول الهيثمي في مجمع الزوائد قال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ما عدا موسى بن جبير فإنه ثقة ، وليس بثقة لأن ابن حبان ذكره في الثقات وقال يخطئ ويخالف مع أن ابن حبان يتساهل في التوثيق

فلا يصح

 

أيضا من الأحاديث الواردة :

أن جبريل نزل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : ” صف لي النار فوصفها له فقال كفاك يا جبريل حتى لا يتقطع قلبي فبكى جبريل ، فقال عليه الصلاة والسلام أوتبكي وأنت من الله بتلك المنزلة ؟!، قال : وما يدريني لربما فتنت كما فتن إبليس وكما فتن هاروت وماروت “

هذا الحديث أيضا لا يصح

 

وما جاء من حديث آخر :

من أن الله جل وعلا لما أنزلهما ابتلاهما الله بالشبق

والشبق هو شدة الرغبة في جماع النساء يعد مرضا ، لا أحد يفرح به لأنه مرض

فهذا  أيضا لا يصح

 

وما ورد أيضا :

من أن هذه المرأة طلبت منهما أن يعلماها الاسم الأعظم الذي يصعدان به إلى السماء فرفضا وجرى ما جرى من قصة أيضا لا يصح

 

وما ورد من حديث :

أن امرأة أتت إلى عائشة رضي الله عنها وقالت إني رأيت هاروت وماروت معلقين بين السماء والأرض في بابل أيضا لا يصح

بل إن هذه المرأة مجهولة لا تعرف

 

وما ورد من حديث :

” لعن الله الزهرة فقد فتنت هاروت وماروت ” أيضا لا تصح

 

وما ورد من حديث :

” الدنيا أسحر من هاروت وماروت ” أيضا لا يصح

ما معنى هذه الآية ؟

معنى هذه الآية : أن الله أنزل هذين الملكين ابتلاء وامتحانا منه جل وعلا لخلقه ليعلما الناس السحر لا لرغبة فيه وإنما طاعة لله جل وعلا ولذا كما سياتي معنا يقولان { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }

ولو كانا يحبان ذلك ما نصحا الناس بهذه النصيحة

 

وما ذكره القرطبي قال لا يصح إلا هذا القول ولا يصح غيره من أنه قال : إن هاروت وماروت إنهما من الشياطين وقدم في الآية وأخر في الآية

هذا كله لا يصح

إذن الخلاصة :

أن الله بيَّن أن هذين الملكين أنزلهما ابتلاء وامتحانا لتعليم الناس السحر ، وقبل أن يعلمان الناس السحر ينصحانه فيقولان { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }