تفسير سورة البقرة الدرس ( 132 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين ..] الآيتان ( 102 103 ) الجزء السادس

تفسير سورة البقرة الدرس ( 132 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين ..] الآيتان ( 102 103 ) الجزء السادس

مشاهدات: 466

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 132 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ …… }

سورة البقرة  ( 102 ـ 103 } / الجزء السادس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة  تفسير قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } الفعل إذا نفي فيدل على العموم ومثلنا في دروس سابقة بأمثلة

وهو :

قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة : ( إن المؤمن لا ينجس )

( لا ) نافية ( ينجس ) فعل إذا أتى الفعل منفيا فهو للعموم ، فالمؤمن لا ينجس بأي صورة من الصور إلا إذا تنجس ، إذا وقعت عليه نجاسة ، لكن هو طاهر ليس بنجس ، سواء كان جنبا إن كان رجلا أو كانت جنبا أو حائضا فيما لو كانت امرأة

وهنا قال : {وَمَا يُعَلِّمَانِ } { يُعَلِّمَانِ } : فعل ، ” ما ” : نافية

إذن في جميع أحوال هذين الملكين في أي حال فإنهما لا يعلمان أحدا هذا السحر حتى يعلماه بشيء  ، ما هو ؟{إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }

إذن اللفظ هنا عام ومما يدل على العموم أنه قال : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى} { حَتَّى } من أدوات التخصيص

قلنا لكم إن النص العام في الشرع في القرآن وفي السنة يخصص إما بمخصص منفصل أو متصل

المخصص المنفصل : مثل قوله عليه الصلاة والسلام  (  في كل أربعين من الغنم شاة ) عام ، أتى حديث آخر مخصص ( في السائمة في كل أربعين شاة ) إذن خصصت هذه الغنم ، إذن المعلوفة لا زكاة فيها إلا إن أريد بها التجارة  ، هذا مخصص منفصل

هناك مخصص متصل : يكون في نفس السياق كما هنا

وهذا المخصص هو الغاية : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } والأدلة كثيرة {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}عام في الزمن{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} لو كان في غير القرآن “وما يعلمان أحدا ” لأن أحدا مفعول به منصوب لكن هنا أتت { مِنْ } ” من ” إذا دخلت في السياق العام تكون في التنصيص على العام أقوى وأكثر

إذا أتت نكرة في سياق العموم ودخلت عليها ” من ” تكون أعظم للتنصيص

مثال : {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}

لو كان في غير القرآن : هل خالق غير الله

لكن هنا تنصيص على العموم {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }

إذن هنا فيه نفي أن يكون هناك خالق يرزقكم غير الله وأتت كلمة ” من ” للتنصيص على العموم

 

مثال :

ــــــــــ

{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} الأصل لو كان في غير القرآن وما تنفقوا شيئا

{ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ } أصلها لو كان في غير القرآن ما جاءنا بشير ولا نذير

فانتبه

إذن هذا يدل على أن هذين الملكين حريصين أشد الحرص على أنهما يمخضان النصح لأي شخص يأتي ليتعلم السحر فيقولا له انتبه نحن فتنة فلا تكفر

وهذه  { مِنْ } { مِنْ أَحَدٍ }  في الإعراب نقول زائدة {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}

{ مِنْ } نقول حرف زائد

{ أَحَدٍ } مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الزائد وهو من

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا {مِنْ أَحَدٍ } ذكرت في سياق المخلوق  ، الله جل وعلا قال آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}}

قال ابن كثير في التفسير: هو الواحد الأحد الذي لا ند له ولا مثيل وكلمة

” أحد ”  لا يجوز أن تطلق على غير الله في الإثبات

لكن هنا يأتي إشكال أيصح أن تقول : هذا أحد ؟

لا يجوز ، أحد :  لا يوصف به إلا الله في سياق الإثبات

قال رحمه الله : ” في سياق الإثبات ”  ظاهر كلامه : في سياق النفي يجوز

الدليل هنا : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} ” ما  ” نافية  ، إذن قي سياق النفي يجوز أن تطلق كما هنا ، والأدلة كثيرة : {وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}

أنا تتبعت النصوص الشرعية في القرآن وفي السنة وجدت أن كلمة ” أحد” يجوز أن تطلق على غير الله في سياق النهي : قال تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}

في سياق الشرط  كذلك يجوز إطلاق كلمة أحد في سياق الشرط :

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ }

في سياق الاستفهام ، وهذا الذي يخرجنا من الحرج في سياق الاستفهام يجوز : {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ}

إذن عندنا أربع حالات :

النفي   : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}

النهي : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}

الشرط  : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ  }

الاستفهام : {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ}

ما عداها في سياق الإثبات فلا يجوز ، في البيت أحد ؟

ماذا نقصد سؤال أم إثبات ؟ سؤال إذن لا إشكال

إن كان لا يقصد الاستفهام فلا يجوز ، لكن لو كان هناك استفهام لأن المقصود في البيت أحد يعني أفي البيت أحد ؟ حذف حرف الاستفهام بدلالة السياق عليه

لو قال قائل : هناك بعض النصوص ممكن تشكل

مثل: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ } نافية لأن  ” إِنْ ” هنا نافية

{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }

أطلقت هنا ” أحد ” أي سياق هنا ؟

سياق الشرط { فَإِمَّا } إما أصلها  إن الشرطية مع ما الزائدة

هناك حديث في مستدرك الحاكم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص :

قال عبد الله بن عمرو : ( كان يكره عليه الصلاة والسلام أن يطأ أحد عقبيه ولكن يمين وشمال )

معنى هذا الحديث وهو حديث صحيح : يعني أنه لا يريد أن يسير أحد خلفه ( يكره عليه الصلاة والسلام أن يطأ أحد عقبيه ولكن يمين وشمال )

هنا ( كان يكره أن يطأ أحد ) سياق نهي ( كان يكره ) فلا اعتراض

هل في البيت أحد ؟ استفهام يجوز

لو قال شخص : فيه أحد الآن أثبت ما يجوز

أو قال نعم في البيت أحد ، خطأ لأنه الآن إثبات أثبت المجيء أن في البيت أحدا

لا تقل في البيت أحد ، قل فيه فلان وفلان وفلان أو ليس فيه أحد

في السؤال هل في البيت أحد  ؟ لا إشكال

وهذا إذا كانت أحد غير مضافة ، لكن في سياق الإضافة ما فيه إشكال سواء إضافة للتثنية أو إضافة للجمع  قال تعالى : {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} كلمة ” أحد ” لا يوصف بها إلا الله في سياق الإثبات ، لكن في سياق النفي والنهي والشرط والاستفهام لا إشكال

 

تلخيصا لما سبق :

كلمة ” أحد ” لا تطلق إلا على الله في سياق الإثبات ولا يجوز إطلاقها على المخلوق في سياق الإثبات  ، كلمة أحد ليست واحد

إن كان المقصود الاستفهام مثل ما نقول في البيت أحد ؟ أو هل في البيت أحد ؟ لا إشكال

لكن لما تسأل هل في البيت أحد ؟ لا تقل نعم في البيت أحد لأنك الآن ستثبت وقلنا إن كلمة أحد لا تطلق على مخلوق في سياق الإثبات فلا تقل نعم في البيت أحد

تسأل أنت في البيت أحد ؟ أو هل في البيت أحد ؟ لا إشكال ، لكن لما يجيبك فيقول في البيت فلان وفلان وفلان  ، كونه يجيبك فيقول في البيت أحد ، غلط

لكن لو قال قائل : سألت هل في البيت أحد ؟

قال  نعم فقط ، ما أكمل ، نفس الحكم لأن نعم حرف جواب يراد منه الإثبات للاختصار كأنه قال نعم في البيت أحد

لما تسأل هل في البيت أحد ؟

يقول في البيت فلان وفلان أو فلانة أما كونه يقول نعم في البيت أحد أو يقول نعم خطأ لأن هذا لا يطلق إلا على الله