تفسير سورة البقرة الدرس ( 147 ) [ أم تريدون أن تسألوا رسولكم .. ] الآية ( 108 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 147 ) [ أم تريدون أن تسألوا رسولكم .. ] الآية ( 108 ) الجزء الأول

مشاهدات: 466

تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 147 }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {108} }

سورة البقرة { 108 } / الدرس الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {108} }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { أَمْ تُرِيدُونَ} كلمة { أَمْ } خذها كفائدة لغوية وإذا أخذتها كفائدة لغوية أفادتك فائدة شرعية : أم  نوعان : تسمى بأم المتصلة وبأم المنقطعة  ، كيف تفرق ؟

أم المتصلة بمعنى  ” أو ” تكون بمعنى أو  ، الفرق الثاني أن ما بعد أم المتصلة معادل لما قبلها  ، مثال : قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}

هنا { أَمْ } ماذا ؟ أو  ، إذن هي المتصلة أنذرتهم أو لم تنذرهم

وهنا فيه معادلة : ما بعد أم معادل لما قبلها { أَأَنْذَرْتَهُمْ} معادل {لَمْ تُنْذِرْهُمْ} هذه هي أم المتصلة

” أم المنقطعة ” على اسمها ما بعدها منقطع عما قبلها ، ليس له تعلق ما بعدها منقطع عما قبلها وتكون بمعنى ” بل ” ما تكون بمعنى أو

هنا : المنقطعة  ، أم المنقطعة بمعنى بل  ، إذاً هنا { أَمْ تُرِيدُونَ} أم هنا بمعنى بل وهي أم المنقطعة  ، بل تفيد الإضراب  ، كيف ؟

الإضراب نوعان : إبطالي وانتقالي

هنا : هل تبطل ما قبلها هل تبطل قوله {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {107} أَمْ تُرِيدُونَ} أي بمعنى ” بل ” تبطل الآية التي قبلها  ؟

الجواب : لا  ، إذن هو إضراب انتقالي انتقل الأسلوب إلى حكم آخر

لكن لو كان إبطالي هنا نبطل ما قبله ، هنا : بمعنى ” بل  ” للانتقال

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن قوله  { تُرِيدُونَ } الضمير يعود إلى من ؟ من هؤلاء الذين يريدون ؟

{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ }

قال بعض المفسرين : لليهود لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أتاهم فهو رسول لهم رغم أنوفهم ولذلك ذكر جل وعلا شيئا من أسئلتهم في سورة النساء : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ }

انتبه :

هنا : {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}

أين سئل ؟ في سورة النساء : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ  فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } الآيات

ويمكن أن يكون الخطاب موجها إلى كفار قريش فقد سألوا النبي عليه الصلاة والسلام أسئلة فيها تعنت كما في سورة الإسراء :

{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا {92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا {93}}

وهي شاملة لهؤلاء ولهؤلاء

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن الإرادة هنا بمعنى المشيئة والمحبة هم يريدون يشاءون ولكنها مشيئة ممزوجة بمحبة يحبون ، ما الذي أدرانا أنهم يحبون هذه الأسئلة ؟

من واقعهم ، أين واقعهم  ، إن قلنا إنهم هم اليهود فأوضحت ذلك سورة النساء إن قلنا هم كفار هذه الأمة أوضحت ذلك سورة الإسراء

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام أضيف إليهم {أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} أضيف هو عليه الصلاة والسلام في هذه الرسالة إليهم ، بينما آيات أخرى كآية المائدة : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ}

في سورة المائدة أضيف الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الله هنا أضيف الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المبعوث إليهم إلى الخلق إلى البشر

أضيف عليه الصلاة والسلام إلى الله باعتبار أن الله هو الذي أرسله

أضيف إلى المبعوث إليهم باعتبار أنه مرسل إليهم

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

لو قال قائل : أيذم سؤاله عليه الصلاة والسلام من هؤلاء وكيف يذم هذا السؤال وقد قال جل وعلا : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

فنقول : السؤال نوعان : سؤال تعنت ، وسؤال التعنت له أوصاف وأشكال حتى يصدق على ما بعد حياته عليه الصلاة والسلام  ، تعنت مثل ما ذكر الله عن هؤلاء في سورة النساء والإسراء ، يعني ما يحتاج أن يسألوا هذه الأسئلة إن كانوا أرادوا الإيمان

ومن بين أسئلة التعنت : أن يسأل العالم من باب اختبار معلوماته

ومن صور التعنت : أن يسأل العالم من أجل أن يعرف قوله حتى يضرب قوله بقول العالم الآخر

ومن صور الأسئلة المذمومة أن يسأل العالم من أجل تتبع الرخص

ولذلك قال السلف تواتر النقل عنهم قالوا  ” من تتبع الرخص فقد تزندق “

يعني من يأخذ بسهولة كل قول ويبحث عن ما هو سهل من كل قول دون أن ينظر إلى الدليل فقد تزندق ، يعني صار من المنافقين خرج من الإسلام لأنه لن يبقي قاعدة في الإسلام

ولذلك إذا سأل العامي عالما فعليه أن يأخذ برأيه ولا يجوز له أن ينتقل اللهم إلا في حالتين : لو أن هذا العامي لم يجد إلا هذا العالم قال أسأله وإذا التقيت بعالم أكبر أسأله من باب الاستيثاق ، وإلا فالأصل أن يبقى على جواب العالم الأول ، أو أنه سأل عالما ثم إذا به بعد حين من الزمن يسمع عالما يذكر ما يخالف به ذلك العالم مدعما بالأدلة فهنا يجب عليه أن ينتقل

إذن هذا هو السؤال المذموم ، أما السؤال المحمود {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

ولذلك ماذا قال جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

هذه الآية في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك تصدق على من في هذا الزمن وتعنت في الأسئلة

لكن الآية في مجملها تكون خاصة بعصر النبي عليه الصلاة والسلام ، لم ؟

لأن بعضهم قد يسأل أسئلة فيحرم ما هو مباح من أجل سؤاله ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال : ( أعظم المسلمين جرما رجل سأل عن شيء حلال فحرم من أجل مسألته )

هذا في عصره

ما يبقى الإنسان جاهل ويقول الآية تقول :{ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }هذا خطأ ، يجب عليك أن تسأل وتتعلم لتتعلم الدين من أجل أن تستفيد وتفيد ، فاحرص ، ولذلك ماذا قال جل وعلا : {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }

يعني : لو تركتموها ما سألتم عنها لو جاء القرآن بالأمر بها فسألتم عنها بعد ما نزلت من باب العلم التام بها {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم لما قال : ( إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ) يفهم منه ماذا ؟ مرة واحدة

فقال رجل : ( أوكل عام يا رسول الله  ؟ )

يعني هذا السؤال ما يحتاج إليه يكفي الكلام الأول يدل على مرة واحدة

قال : ( أو كل عام ؟ قال : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ذروني ما تركتكم ) يعني اتركوني ما تركتم يعني لم آمركم بشيء ـ ( ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم )

لكن أنت الآن لو سألت في أحكام الدين ليس العلماء مشرعين انتهى كل شيء

بمعنى أنك تسأل الآن من أجل أن تستوضح عن ما تجهله ويشكل عليك في دينك

المسألة نوعان مذمومة ومندوبة ومرغب فيها