تفسير سورة البقرة الدرس ( 16 ) [ يا أيها الناس اعبدوا ربكم … الآية ( 21 22)]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 16 ) [ يا أيها الناس اعبدوا ربكم … الآية ( 21 22)]

مشاهدات: 551

( تفسير سورة البقرة )

 الدرس السادس عشر

قوله تعالى

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) }

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :

أما بعد /

فنكمل ما توقفنا عنده من التفسير مما شرعنا فيه ، في شهر رمضان المبارك ، وذكرنا في ذلكم الشهر تفسيراً لبعض الآيات من سورة البقرة ، وقد توقف بنا التفسير عند قله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة21

 

( من الفوائد  )

” أن الله عز وجل لما ذكر أصناف الخلق من بني آدم ” المؤمنين ثم ثنى بذكر الكافرين ، ثم ثلَّث بذكر المنافقين نادى الجميع بعبادة الله عز وجل “

فقال عز وجل :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ  }

لو قال قائل :

من بين هؤلاء الناس المؤمنون فكيف يناديهم بالأمر بالعبادة مع أنهم عباد لله عز وجل ؟

فنقول : هو أمر لجميع الناس” المؤمن والمنافق والكافر ” لكن الأمر  الموجه هنا للمؤمن للثبات والاستمرار على العبادة ،بينما  الصنفان الآخران وهما أهل النفاق وأهل الكفر ” أمر بالدخول في العبادة “

 

( ومن الفوائد )

وهي فائدة لغوية :

” أن المحلى بالألف واللام لا ينادى “

تقول “ يا زيد  – يا عمر و ” لا إشكال في ذلك ، لأنه غير محلى بالألف واللام

لكن لا يصح أن تقول : ” يا الغلام – يا الفتاة – يا الرجل – يا المرأة ” لا يصح إلا في ” لفظ الجلالة ” يا الله ” فهذا جائز .

تقول ” يا الله ارحمني – يا الله تب علي “

لكن إن كان محلى بالألف واللام فلابد أن يؤتى  في المذكر  بـ ” أي ” وفي المؤنث  بـ ” أية “

تقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }

أيُ : هنا منادى مبني على الضم .

والهاء : للتنبيه .

و{ النَّاسُ } ” صفة .

لما أنادي المرأة أقول ” يا أيتها المرأة “

( ومن الفوائد )

أن كلمة  { النَّاسُ } مرت معنا في رمضان من أن لها أربعة معاني :

المعنى الأول ” الحركة “

لأن الإنسان يتحرك بطبعه ولا يمكن أن يقف  ، إما أن يفعل خيرا وإما أن يفعل شرا ، ولذلك عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :

( كل الناس يغدو  فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها )

إما بالنجاة وإما بالهلاك .

المعنى الثاني : ” الأنس “

لأن الإنسان يأنس بغيره من الآدميين ، وأعظم الأنس أن يأنس العبد بربه عز وجل .

المعنى الثالث : ” النسيان “

لأن الإنسان ينسى بطبعه ، قال تعالى :

{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا }طه115.

المعنى الرابع : ” الظهور “

لأن الإنسان بطبعه يكون ظاهرا ، ولذلك على الإنسان أن يدع نفسه لله عز وجل  من حيث الظهور ، لا يظهر نفسه ، ولذلك بعض الناس يحب أن يكون ظاهرا ، في أي مكان يحب أن يكون بارزا ، وهذا ليس بسديد ، ولذلك ماذا قال موسى عليه السلام ؟

{ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا } طه10

يعني أبصرت نارا ظاهرة .

 

( ومن الفوائد )

أن الناس أمروا بالعبادة ، ما هي العبادة ؟

العبادة لها معاني مختلف ، أشملها وأكملها ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن ” العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة “

إذًا كل ما يحبه الله ويرضاه من قول أو فعل ظاهر أو باطن فإنه عبادة لا يجوز أن يصرف لغير الله عز وجل .

قول “ سبحان الله ” يحبه الله ، إذًا هو عبادة .

الصلاة ” يحبها الله ، فهي عبادة .

الصدقة ” يحبها الله ، فهي عبادة .

وإذا عرفت معنى العبادة عرفت كيف تحذر من الشرك “

كيف عرفنا أن الركوع عبادة ؟

أن الله عز وجل يحبه ، قال صلى الله عليه وسلم :

( وأما الركوع فعظموا فيه الرب )

لو أن إنسانا أتى لشخص عظيم أو لملك أو لرئيس وركع عنده ما حكمه ؟

حكمه “شرك “

إذًا كيف تعرف الشرك ؟

نقول تعريف الشرك هو ” صرف شيء من العبادة لغير الله “

ومثل الركوع في الحكم ” الانحناء ” بعض الناس ينحني ولا يركع ، لكنه ينحني ، فلا يجوز هذا .

 

( ومن الفوائد )

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }

من هو ” الرب ” ؟

الخالق ، المتصرف ، الرازق ، المحيي ، المميت “

فدل هذا على أن العبادة لا تصرف إلا لمن كان ربَّاً ، فمن اعترف وأقرَّ بأن الله عز وجل هو الرب الرازق المميت ، فواجب عليه أن يعبد الله .

قريش موحدون لكن في توحيد الربوبية ، قال تعالى :

 {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }الزخرف87 ، يعني بما أنكم تعترفون بأن الله هو الرب الذي خلقكم ، فواجب عليكم أن تعبدوا الله .

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61

وبالتالي هنا قاعدة عند العلماء :

[ أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية  ]

يعني من أقرَّ بأن الله عز وجل واحد في ربوبيته فإنه يلزمه أن يعبده .

قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ } ؟

الجواب / لا، إذًا فكيف تعبدونه ، ولذلك قال بعدها { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الروم40.

 

( ومن الفوائد )

قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن أول آية في القرآن أتت بالأمر بالعبادة  ” كما في هذه الآية .

( ومن الفوائد )

أن العبد له معنيان  “

المعنى الأول بمعنى ” عابد “

المعنى الثاني : بمعنى ” مُعبَّد “

لأن البشر  كلهم عبادٌ لله عز وجل ، لكن عبودية ذل ،{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } مريم93 عبودية عامة ، لكن العبودية الخاصة هي عبودية الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه .

{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا }الفرقان63 .

ولذلك الناس من حيث العبادة على ثلاث مراتب :

أولا : ” عبادة خاصة الخاصة ” وهم الأنبياء .

قال تعالى :{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }الجن19

والمراد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }ص45

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ }ص41 .

ثانيا : “ عبودية خاصة ” وهي عبودية المؤمنين .

ثالثا : ” عبودية عامة ” وهي عبودية جميع البشر .

ولذلك قال عز وجل : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }آل عمران83

إسلام ذل وانقياد .

 

( ومن الفوائد )

أن العبادة في اللغة هي ” اليسر والسهولة ”

يقال “ طريق مُعبَّد ” يعني مذلل مسهل مسير .

مما يدل على أن طريق العبادة سهل ميسر لمن وفقه الله عز وجل .

( ومن الفوائد )

أن من عبد الله عز وجل فهو المعان من قِبل الله ، لا من حوله ولا من قوته  ”

ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله جمع الله عز وجل بين العبادة وبين الاستعانة في سورة الفاتحة ”  { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 .

والآيات في ذلك كثيرة :

{ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88

{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }هود123.

فدل على أنه لا عبادة إلا بالاستعانة بالله عز وجل ، وأن الله جل وعلا هو الذي وفقك لهذه العبادة .

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا لما أمر بعبادة لكونه الرب عز وجل ، وصف هذا الرب بالخلق :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }

يعني خلقكم وخلق من قبلكم ، فلتتعظوا بما جرى لمن كان قبلكم {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ }الشعراء184، يعني ما جرى لأولئك الأولين ممن عصى الله عز وجل وقد خلقكم الله ، ولكنهم لم يطيعوه ، انظروا ماذا صنع الله عز وجل بهم ؟

ولذلك ذكر ما يتعلق بالربوبية .

لو سألت سؤالا : ما أقسام التوحيد ؟

ثلاثة أقسام :[ توحيد الربوبية – توحيد الألوهية – توحيد الأسماء والصفات ]

ما هو تعريف توحيد الربوبية ؟

توحيد الربوبية ” هو توحيد الله عز وجل بأفعاله ” مثل :الرزق – الإحياء – الإماتة – الخلق – إنزال المطر – إنبات النبات ”

أما توحيد الألوهية :فهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد “

مثل : ” الصلاة – الزكاة – الحج  “

لو أتى إنسان – نسأل الله العافية – وقال إن فلانا يحيي الموتى ” نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية “

لو أتى إنسان وقال إن فلانا من الناس يستطيع أن ينزل المطر ” ” نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الربوبية “

لو أتى إنسان وصلى لشخص آخر ” نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية “

لو أن إنسانا نحر لقبر ” نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية ” .

لو أن إنسانا نذر لنبي أو لولي ” نحكم عليه بأنه مشرك في توحيد الألوهية ” .

قريش يقولون : إن الله هو الذي خلقنا ، وهو الذي رزقنا فهم موحدون في توحيد الربوبية ، لكن إذا أتوا إلى الذبح ” ذبحوا للأصنام ” أشركوا بالله في توحيد الألوهية .

 

( ومن الفوائد )

” أن عبادة الله عز وجل سبيل لتقوى الله “

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

وهذا يدل على أن من عبد الله وسار في طاعة الله عز وجل فإنه يزداد تقوى وخيرا .

{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17.

{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى }الكهف13

وبالتالي إذا أوصلته هذه العبادة إلى تقوى الله اتقى مساخط الله وغضب الله .

 

( ومن الفوائد )

” أن الإنسان يكون بين الخوف وبين الرجاء  “

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

رجاء أن تتقوا الله ، لا تتكل على هذه العبادة ، وإنما لتكن في رجاء من الله عز وجل .

{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }

{ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا }الكهف24

فلا تتكل على عبادتك ، وإنما الموفق من وفقه الله عز وجل ، فالمسلم يكون بين الخوف وبين الرجاء ، تأتي بالعبادة رجاء ما عند الله عز وجل وأنت تخاف عقابه ، ولذلك الإنسان لا يمكن أن يكون ناجحا فالحا إلا إذا سار بين الطريقين ” بين الخوف وبين الرجاء “

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا لما أمر بالعبادة ذكر الثمرة ، ما هي الثمرة ؟

التقوى ، وفي هذا رد على غلاة الصوفية .

الصوفية : نشأت من بعض العلماء الذين أرادوا ترك الدنيا والإقبال على الآخرة ، فلبسوا الصوف ، ولذلك ينسب إليه أنه ” صوفي ” باعتبار أنهم لبسوا ثياب الصوف ، وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله :

” لا ارتباط لهم بأهل الصُّفَّة ، لأنهم لو كانوا من أهل الصفة لقيل له ” صُفِّي ” ولذا أهل الصُّفَّة الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم – كما قال رحمه الله في مجموع الفتاوى – قال  : ” هم من لا مأوى له ولا أهل ، ولا يحصرون بعدد ، بل كل من استغنى خرج “

فهؤلاء كالفضيل بن عياض كانوا زهادا ويريدون الخير، مع أن الأولى والأكمل ليس ما ذهبوا إليه ، وإنما الأكمل ما ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، لكنهم اجتهدوا ، ففي أول الأمر كان هذا مرادهم ، ولكن لما ذهبت السنون وأتى من كثر جهله زاد في هذا المذهب ، فأصبح يأتي بشطحات تتعلق بالعقيدة ، حتى انتهى بهم الأمر إلى أنهم قالوا : إن من بلغ مرتبة من الولاية فيما يعتقدونه ، أنه إذا وصل إلى مرتبة عالية من الولاية فإن التكاليف تسقط عنه ، فله أن يترك الواجبات والفرائض  ، وله أن يفعل المحرمات ، وقالوا نحن نشتغل بالمعبود عن العبادة ، من محبتنا لله نشتغل بذلك ، حتى إنهم – من هذيانهم – فيما يخص الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، يقولون رأينا النبي – صلى الله عليه وسلم – أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولذلك قال السلف ” من عَبَد الله بالمحبة وحدها فقد تزندق “

فلابد أن تعبد الله عز وجل بأركان العبادة الثلاثة ” المحبة والخوف والرجاء “

ففي هذا رد عليهم ، لم ؟

لأنه ما أمر بالعبادة إلا من أجل التقوى ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الشفاعة لما يعتذر الأنبياء ، ماذا يقول عيسى عليه السلام إذا وصل إليه الناس ؟

يقول :

( اذهبوا إلى محمد فإنه عبد قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )

في الصحيحين ( تتفطر قدماه من طول القيام ، فتقول له عائشة ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك  وما تأخر ؟ فيقول ” أفلا أكون عبدا شكورا  )

فدل هذا على أن الإنسان لا يمكن أن تسقط عنه العبادة لا كما ذهب إليه غلاة الصوفية ، فلا يمكن أن تسقط عنه العبادة إلا بالموت ، ولذلك في حياته بل في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم استاك ، والسواك عبادة ، ولذا قال تعالى :

{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99 ما هو اليقين ؟ ” الموت “

بينما الصوفية يقولون { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99 اليقين هو أنك تصل إلى مرتبة من المحبة لله عز وجل فتنكشف لك الحجب ، فلما تنكشف عنك الحجب تقف عن العبادة .

وهذا من الضلال ، نقول لو كان اليقين كما زعمتم ، فماذا عساكم أن تقولوا في قوله تعالى :

{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }

هل اليقين هنا ما ذهبتم إليه ؟!

فاليقين هو الموت .

 

( من الفوائد )

أن بعض العلماء يقول :

من الأفضل ألا تقف على قوله تعالى : {  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وإنما تصل { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً }

ولكن الصواب / أن الأفضل الوقوف  ، لم ؟

لأن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم سلمة رضي الله عنه ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية )

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا لما ذكر ما يتعلق بعبادته ذكر ما يتعلق بربوبيته ، لأن من كان ربَّا هو الذي يجب أن يعبد ، ما الذي ذكر ؟

الخلق لهم ولمن قبلهم ، ما الذي بعدها ؟

{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا } هذا من أفعاله ، فهذا توحيد الربوبية .

{ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } توحيد الربوبية .

{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } توحيد الربوبية .

{ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } توحيد الربوبية .

ولذا ماذا قال بعدها ؟

{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

بما أنكم تعترفون وتقرون بأنه جل وعلا هو الخالق الذي ينزل المطر ويخرج النبات ، قال :

{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

 

( ومن الفوائد )

أن { جَعَلَ } لها معاني :

أولا : ( صيَّر  ) كما هنا ، الذي صيَّر لكم الأرض .

ثانيا : ( التسمية ) قال تعالى :

{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا }الزخرف3 أي صيرناه قرآنا عربيا، لأن الآيات الأخرى أثبتت وبينت أن القرآن منزل غير مخلوق .

ثالثا :  بمعنى ( خلق ) قال تعالى :

{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }الأنعام1.

فـ { جَعَلَ } بمعنى ( خلق ) مع أن بعض العلماء قال ” إن ” جعل ” تأتي زائدة “

ما مثالها ؟ قالوا هنا ، كأن الآية :

{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } الأنعام1.

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا يسر لنا هذه الأرض فجعلنا بمثابة الفراش “

الفراش لين وناعم ، مناسب ، ولذا قال عز وجل في سورة الملك { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا } الملك15 ، ميسرة .

لو قال قائل : هناك جبال ، هناك سهول ، هناك أودية،  هناك بحار كيف تكون فراشا ؟

الجواب /

أنه جل وعلا جعل الأرض فراشا وما يأتي ما هو خلاف ذلك من حيث الظن أو التوهم كالجبال والسهول والبحار ، فإنه من منافع الأرض حتى تبقى فراشا مذللة للخلق  .

{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } النبأ7 وإلا كيف تستقر الأرض .

البحار : { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ }

السهول : { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا }الأعراف74.

إذًا هي فراش ، وما أتى ما هو خلاف ذلك من حيث الصورة فإنه من منافع هذا الفراش .

مثال : لو أن الإنسان نام على السير بغير فراش ، فإنه متعب ، لكن هذا السير هو مما يذلل ويسهل هذا الفراش .

( ومن الفوائد )

” أن الأرض ذكرت في القرآن مفردة “

فلم تذكر بصيغة الجمع ، وإنما ذكرت في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم :

( من اقتطع شبرا من الأرض طوقه من سبع أراضين )

لكن لم يأت نص في القرآن يحدد أن الأرض سبع ، أو أنها بصيغة الجمع ، وإنما بصيغة الإفراد ، بينما السموات ذكرت كثيرا { السَّمَاءِ }  { السَّمَاوَاتِ }

يمكن أن يستدل على أن الأرض سبع بقوله تعالى :

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ }الطلاق12.

معلوم أن الأرض ليست كالسماء من حيث الصورة ، فالأرض تختلف ، لكن ما بقي أن الأرض مثل السماء إلا من حيث العدد .

لو قال قائل / لماذا الأرض ذكرت مفردة ، بينما السماء ذكرت مفردة وذكرت جمعا في القرآن ؟

الجواب /

أن مصلحة البشر إنما تتعلق بالأرض العليا ، فمنافعهم تحصل من هذه الأرض ، ولذلك يذكرون أن هؤلاء الغربيون أرادوا أن يحفروا أعماقا عظيمة في داخل الأرض لينظروا ، كما ذهبوا بالصواريخ في العلو ، أرادوا أن يستكشفوا ما تحت الأرض ، فواجهتهم حرارة شديدة لا طاقة لهم بها فتوقفوا .

بينما السماء ذكرت مجموعة ومفردة لأن مصالحنا تتعلق بالسماوات ، ولذلك صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة ، بل إلى ما هو أعلى من السماء السابعة .

( ومن الفوائد )

أن قوله عز وجل :

{ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً }

أي أنها سقفٌ لهذه الأرض ، فالسماء سقف للأرض ، كما أخبر جل وعلا عن ذلك في قوله :

{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا }الأنبياء32

وهذا البنيان ما طبيعته ؟ ما عظمته ؟

اقرأ ما قاله عز وجل في سورة النبأ :

{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا }النبأ12

أي قوية محكمة بإتقان ، ولذا قال عز وجل في سورة الذاريات :

{ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }الذاريات47

يعني بقوة .

ولذلك تحدى الله عز وجل الخلق كما في أول سورة الملك :

{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ }من شقوق { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } ليست مرتين ، بل مرة تلو المرة { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ }منقطع ، ما يستطيع أن يجد خللا في خلق الله عز وجل .

وفي سورة ” ق ” :

{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ }

من العلامات والعبر على عظم الله عز وجل ، فهي فوقكم  ، لا تكلفون عناءً ، بمجرد ما ترفع رأسك وتنظر إلى هذه السماء تعطيك إيمانا بعظمة من خلق هذه السماوات .

{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }ق6

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا }

مدها الله عز وجل كما يمد الجلد ، من باب التيسير ، وهذا يتوافق مع أن هذه الأرض جعلها الله عز وجل فراشا .

 

( ومن الفوائد )

قال عز وجل : { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }

هل المطر ينزل من السماء المنبية ؟

لا ، وإنما ينزل من السحاب ، كما قال عز وجل في سورة البقرة :

{ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }

لماذا سمى السحاب سماءً ؟

لأن كل ما علاك فهو سماء ، هذا السقف سماء في اللغة .

” وكل ما هو تحتك فهو أرض “

فما تحت قدميك يسمى أرضا ، ولذلك قال عز وجل :

{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } يعني بحبل { إِلَى السَّمَاءِ } يعني إلى سقف بيته { ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } الحج15.

يعني لميت حنقا وغضبا من أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيبقى ، وهذا على أحد وجهي التفسير في الآية .

 

( ومن الفوائد )

أن الله سبحانه وتعالى أمر بفعل الأسباب ، أليس هو بقادر عز وجل على أن يخرج الثمر والنبات من الأرض من غير مطر ؟

بلى ، لكنه جل وعلا جعل الماء والمطر سببا في إنبات وفي إخراج هذا الزرع ، مما يدعونا إلى أن نفعل السبب، لا يقلْ أحد إن الله قدَّر لي الهداية أو قدَّر لي الضلالة – لا – افعل السبب ، ما الأسباب ؟

العبادة ، بل كلما كثرت الأسباب كلما نجح المقصود بإذن الله تعالى ، فكل سبب قد يحتاج إلى سبب آخر .

لو سألت سؤالا : هل بنزول المطر ينبت النبات؟  أم يحتاج إلى أسباب أخرى ؟

الجواب / يحتاج إلى أسباب أخرى مثل الشمس – التربة – الريح ، فإذًا ” كلما كثرت الأسباب للإتيان بذلك الفعل كان أتم وأكمل “

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا أخرج لنا بهذا المطر من الأرض الثمرات ، لم ؟

{ رِزْقًا لَّكُمْ }

يعني لا تعلِّق قلبك بمخلوق فيما يخص رزقك ، رزقك مكفول ومضمون ، ولذا من يعلق قلبه بمخلوق فيما يخص الرزق فإن فيه جانبا من اتخاذه مع الله ندا ، ولذلك قال :{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا }

هذا لا يخص كفار قريش وحدهم – لا – قد يخص بعض المسلمين من حيث لا يشعر ، كأن يعتقد أن رزقه معلق بفلان أو بفلان .

وهذا يدل على أنه لا تعارض بين العبادة وبين طلب الرزق ، ولكن لتطلب الرزق برفق ، لا يشغلك الرزق عن طاعة الله ، لأنك أصلا مخلوق لعبادة الله ، والله جل وعلا قد تكفَّل لك برزقك ، ولذلك لما تذكر العبادة والأمر بالعبادة يذكر الرزق ، لما أمر بالعبادة في أول الآية ذكر الرزق .

وفي قوله  {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ما الذي بعدها ؟

{ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ }الذاريات57 .

{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{16} إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا }

إذًا ما الحل ؟

{ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{17} }

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا }

من أجل أن نتقوى على عبادته عز وجل .

فكل ما يعارض عبادة الله عز وجل من طلب الرزق فهو مذموم ، ولا يعني أن الإنسان لا يسعى في الرزق ، ولذلك لما قال عز وجل :

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا } ماذا قال بعدها ؟

{ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ }الملك15.

ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله )

الواحد منا يحرص على ألا يفوته هذا الرزق ولم ندري نحن المساكين أن الرزق أسرع إلينا من الموت ، ولذلك صلى الله عليه وسلم :

( واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب )

 

( ومن الفوائد )

بيان استعمال الحجج العقلية في الرد على المخالفين ، فإنه جل وعلا لما ذكر أشياء كثيرة من أفعاله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينكرها الكفار ، قال : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا }

إذًا يلزمكم لما أقررتم بهذه الأشياء وهي حجة عليكم يلزمكم ألا تجعلوا مع الله عز وجل أندادا .

 

( ومن الفوائد )

بيان أن هناك أدلة عظيمة كثيرة على وجود الله سبحانه وتعالى ، ولو لم تذكر هذه الأشياء له جل وعلا المذكورة في هذه الآيات ، فالدلائل على وجوده  وعلى توحيده توحيد الربوبية ، ولذا الأئمة ناقشوا وحاوروا الملحدين ، الإمام أبو حنيفة رحمه الله أتته طائفة من الملحدين الذين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى ، فماذا قال ” دعوني من كلامكم هذا ، فإن هناك أمرا أشغلني ، قالوا وما هو ؟

قال لقد سمعت أن هناك سفينة مليئة بالبضائع تذهب وتسير من غير قائد ومن غير ركَّاب فتذهب وتضع ما فيها من أحمال ثم تعود “

فقالوا أأنت عاقل أم مجنون ! سفينة مليئة بالبضائع تسير في البحر وحدها بغير قائد وتفرغ ما فيها ثم تعود ، فقال أجننتم ؟ أأنكرتم سفينة تسير بنفسها في البحر ، وقد أنكرتم وجود الله الذي سيَّر هذا الكون؟!

الإمام مالك رحمه الله ” لما سأله أحد الخلفاء عن وجود الله عز وجل ، هو لا ينكر وجود الله لكن أراد أن يعلم ما وراء الإمام مالك ، فاستدل له الإمام مالك على وجود الله باختلاف اللغات والأصوات ، فإن في اختلافها دليل على وجود من أوجدها ، وهو الله سبحانه وتعالى .

الإمام أحمد رحمه الله : ” لما عارضه بعض الملاحدة ، قال هناك جدار أملس ليس له باب ولا نافذة ، وهو أبيض مثل الفضة ، وإذا بباطنه أصفر مثل الذهب ، ثم ما هي إلا لحظات وإذا بمخلوق يخرج من هذا الجدار الأبيض ويصيح بنغمات جميلة ، أفلا يدل هذا على وجود الله سبحانه وتعالى “

ما هو هذا المخلوق ؟ ” البيضة ” من أخرج فرخ الدجاجة من هذا الجدار الأبيض الأملس الذي لا باب له ولا نافذة ؟ هو الله سبحانه وتعالى .

 

( ومن الفوائد )

أن الله سبحانه وتعالى قال :

{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة22

مما يدل على أن أعظم الذنوب ” هو الشرك بالله ” ولذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين :

( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا وقد خلقك )

الند : هو النظير والمثيل والشبيه .

لو قال قائل : قوله تعالى :{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة22

يعود إلى من ؟

إلى الكفار ، ألا يمكن أن يعود إلى بعض المسلمين ؟

بلى ، ولذلك في أول الآية : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }البقرة21 ، يدخل فيها المؤمنون ، باعتبار أنهم يثبتون على عبادة الله جل وعلا .

فيمكن أن يدخل المسلم في هذه الآية ، فالله جل وعلا لما بيَّن أنه أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات ، وهو رزق للخلق ، فمن صرف قلبه ومن اتكل قلبه على رزقه فيما يتعمد فيه على المخلوق ، فقد جعل لله ندا ، بعض الناس – نسأل الله العافية – يعتمد عل راتبه ، يظن أنه إذا انقطع هذا الراتب انتهت حياته ، ليس بصحيح ، وهذا يجب أن نتنبه إليه ، لأن الإنسان ما غفلة الدنيا قد يغفل عن هذا الجانب ، يرى أن هذا الراتب هو هو ، وأنه من غير هذا الراتب أن حياته ستضيع ، أنا أعلم أناسا تركوا العمل فصاروا من أغنى الناس ، وورد حديث لكنه لا يصح ( تسعة أعشار الرزق في التجارة )

وعلى المسلم أن يخلص قلبه لله عز وجل .

 

( ومن الفوائد )

قال عز وجل : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

كيف يعلمون وقد ذكر عز وجل أنه { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة7 ، { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }النساء155 ، فأين يأتي هذا العلم ؟

الواو هنا ” حالية ” يعني حالة كونكم تعلمون ، وليست عاطفة .

الجواب / يعلمون العلم اليقيني ، أن الذي ينزل المطر ، وأن الذي خلقهم هو الله

وجواب آخر / أنكم لو فتحت عقولكم وفرغتموها من الأهواء ونظرتم نظرة تأمل فإن هذا يدعوكم إلى ألا تشركوا بالله شيئا ، ولذلك قال :

{ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا قال :

{ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

تعلمون ماذا ؟

قاعدة في اللغة العربية :

[ إذا حذف المعمول دل على العموم النسبي ]

ما معنى العموم النسبي ؟

“أي الذي يتناسب مع الآية “

{ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ماذا ؟

أن القرآن حق .

وأنتم تعلمون أن الله الذي هو خلقكم ورزقكم .

وأنتم تعلمون أن أصنامكم لن تفعل مثل هذه الأفعال .

وأنتم تعلمون عاقبة كفركم .

ولذا كما أسلفت وأكرر على فائدة اللغة العربية ، فإذا جاءك النص عاما فاجعله عام