تفسير سورة البقرة الدرس ( 18 ) [ وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات … الآية ( 25 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 18 ) [ وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات … الآية ( 25 )]

مشاهدات: 467

( تفسير سورة البقرة )  الدرس الثامن عشر

قوله تعالى

{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ….} الآية / البقرة25

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :

أما بعد /

قد وقف بنا الحديث عند تفسير قوله تعالى :

{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) }

( من الفوائد )

أنه جل وعلا لما ذكر الصنف الخاسر الخائب ، وهو أهل النار ، ذكر الصنف الطيب الطاهر الذين هم أهل الجنة .

وهذه طريقة القرآن ، من أنه جل وعلا إذا ذكر العقاب ذكر التوبة ، وإذا ذكر ما يدل على الترهيب ، ذكر ما يدل على الترغيب ، وإذا ذكر مآل الخاسرين ذكر مآل الفائزين ، ولذا سمَّى الله عز وجل القرآن ووصفه بأنه مثاني :

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ }الزمر23 أي تثنى فيه الأحكام ، تثنى فيه القصص ، تثنى فيه الأخبار .

وهذا ليجل العبد إذا سار في طريق الله عز وجل أن يكون بين الرجاء وبين الخوف ، إن حِدت عن الطريق فلتتذكر مآل من سبق ذكرهم { فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } البقرة24

وإن سرت على الطريق المستقيم فلك هذا الخير ولك هذه البشارة .

( ومن الفوائد )

” أنه جل وعلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين  ، وهذا يدل على أن تبشير المؤمن له من الفضل ما له ، فإدخال السرور على المسلم بتبشيره بالخير من أفضل ما يكون لكي تحثه على الاستمرار والمداومة على هذا الخير ، وأعظم ما يبشر به الإنسان أن يبشر بما يرفع منزلته عند الله عز وجل ، ولذلك كعب بن مالك رضي الله عنه – كما في الصحيحين – لما تخلف عن غزوة تبوك ، وجرى له ما جرى ، وهجره النبي صلى الله عليه وسلم ، قام أبو بكر رضي الله عنه فبشَّره ، وهذا يدل على استحباب تبشير المؤمن .

( ومن الفوائد )

” أن اللغة العربية لها دلائلها من حيث اللفظ فيما يعيننا على فهم القرآن “

لما تبشر ببشرى كيف تكون تقاسيم وجهك ؟

مسرورة منبسطة ، ولذا سميت البشرى بهذا الاسم لأن الخبر السارَّ تتأثر به بشرة الوجه “

كما أن الخبر السيئ تتأثر به بشرة الوجه .

هل يمكن أن يبشر الإنسان بالشر ؟

لتعلموا أن البشرى في اللغة على ثلاث حالات :

الحالة الأولى : أن تكون بشرى مقيدة بالخير .

الحالة الثانية : أن تكون بشرى مقيدة بالشر .

الحالة الثالثة : أن تكون بشرى مطلقة .

التبشير بالخير : كأن تقول لشخص ” أبشرك بمولود ولد لك “

التبشير بالشر : قال عز وجل : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } آل عمران21.

البشرى المطلقة : لو قال إنسان آخر ” يا فلان بشرى ”  فإذا أطلقت لا تكون إلا في الخير .

فلا تكون البشرى للشر إلا إذا قيدت بالشر .

لو قال قائل : لماذا أتت البشرى بالشر مقيدة به مع أن البشرى في إطلاقها تكون للخير ؟

الجواب  : أن هذا فيه فظاعة من حيث العذاب النفسي الذي يلاقيه أصحاب النار .

فهم يلاقون العذاب الجسدي ، ومع ذلك هناك عقوبة نفسية ، تصور لما يسمع أحدهم { فَبَشِّرْهُمْ } ينبسط ، ثم إذا قيل { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }ازداد السوء سوءا عليه .

مثال / لو أن هناك إنسان يكاد أن يهلك من العطش – هو في حالة شر –  لو أتيت إليه بكوب من الماء البارد وتقدمت إليه ووضعت أمام فمه ثم أسكبت الماء على الأرض ، أيهما أشد ؟

الحالة الثانية ، كونه يبقى على الحالة الأولى – هو في شر – لكن كونك تؤمله ثم إذا بك تمنع عنه هذا المؤمل يكون أشد عذابا ، وهذا عذاب نفسي، ولهذا نظائر  / قال عز وجل :

{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا }ماذا قال بعدها ؟

{ إِلَّا } ينبسطون ، ثم تأتي المفاجأة { حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } النبأ25.

{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا } ما الذي بعدها ؟ { بِمَاءٍ } ينبسطون ، ثم ماذا ؟ { كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } الكهف29.

يقال للمصورين يوم القيامة ( أحيوا ما خلقتم ) فهذا عذابي نفسي ، هل يستطيعون ؟ لا يستطيعون .

( ومن الفوائد )

أن الله عز وجل ذكر في هذه الآية ” المُبشِّر والمُبَشَّر ، المبشر به ، والسبب الذي يوصل إلى هذه البشارة “

من هو المُبَشِّر ؟ هو النبي صلى الله عليه وسلم .

من هو المُبَشَّر ؟ المؤمنين .

ما هو المبشر به ؟ الجنات .

ما هي الوسيلة للوصول إلى هذه البشارة ؟ العمل الصالح

( ومن الفوائد )

أن هذه الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة “

ولذلك قال : { وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ }

فلا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة  ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم مما أمر به في تلك الحجة أنه بعث مناديا في منى ( أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة )

( ومن الفوائد )

ما تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟

” قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان “

ولا يكون الإنسان مؤمنا إلا بهذه الأركان الثلاثة  .

فلو اقتصر على ” قول اللسان ” صار حاله كحال المنافقين  ، ألم يقل المنافقون في أول السورة:

 { آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ }

فحكم الله عز وجل عليهم بقوله { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } البقرة8 .

ولو أن الإنسان آمن بقلبه فقط ما نفعه ، فإبليس مؤمن بأن الله هو الذي خلقه  .

قال عز وجل هنا :

{ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ }

أليس العمل الصالح داخلا ضمن الإيمان ؟

بلى ، لكن لماذا ذكره ؟ من باب التأكيد على أهمية العمل الصالح ، لأن بعضا من الناس يقول ” أنا مؤمن ” نقول أرنا دلائل وبراهين هذا الإيمان ، فدلائل الإيمان ” العمل الصالح “

ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” إن الجوارح مغاريف ما في القلوب “

( ومن الفوائد )

أن الله عز وجل وصف هذه الأعمال بأنها صالحات ، لم ؟

لأنه لا يمكن أن تصلح حال لابن آدم إلا بهذه الأعمال الصالحة ، فلا صلاح له في دنياه ، من السعادة والراحة ، كما قال عز وجل :

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } النحل97

ولا يمكن أن تصلح حاله في آخرته وفي قبره إلا بهذه الأعمال الصالحة .

ولذلك من كان فاسدا لا يصلح أن يجاور الله عز وجل ، ولا يصلح أن ينظر إلى الله عز وجل .

 

( ومن الفوائد )

أن ” الجنة ” سميت بهذا الاسم لاجتنانها ، يعني لاستتارها بما فيها من الأشجار العظيمة الكثيفة ، ولذلك مادة ” الجيم والنون ” في اللغة تدل على ” الاستتار “

” الجن – الجنين – الجنة – المِجن “

 

( ومن الفوائد )

أنه جل وعلا قال :

{ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }

هنا وقف خاطئ يقفه بعض الناس ، يقرأ :

{ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي } ويقف ، إما أن تقف قبله أو أنك تكمل ما بعده ، لم ؟

هل الجنة تجري ؟

الجنة لا تجري ، وإنما الذي يجري الأنهار .

والذي يجري الماء وليست الأنهار ، وهذا أسلوب بلاغي أنه [ يعبر بالمحل عن الحال ]

ما هو محل المياه ؟ الأنهار، فعبر بالمحل عن الحال ، ولذلك علماء السلف ما فسروا القرآن إلا بعد تأمل ، فلو أن الإنسان تأمل في مثل هذه الفائدة فإنه يكون متدبرا لكلام الله  .

 

( ومن الفوائد )

أن بعض العلماء قال في قوله تعالى :

{ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }

يعني أنها تجري بأمرهم ، ما الدليل ؟

فرعون لما تعاظم بقوته قال :

{ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي } الزخرف51

فهو الذي أمر من عنده أن يشقوا هذه الأنهار ، ولذلك من عظيم نعمة الله عز وجل على أهل الجنة أن هذه الأنهار كما ثبت بذلك الحديث ( تجري من غير أخاديد ) يعني ليس لها حواف ، وإنما تجري على سطح الأرض  .

كم نهر في الجنة ؟

جاء في سورة محمد :

{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } محمد15

وفيها أربعة أبحر ، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ( بحر الماء ، وبحر العسل ، وبحر الخمر ، وبحر اللبن )

وهذه الأنهار يصرفونها كيف ما يشاءون ، قال عز وجل في سورة الإنسان :

{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } الإنسان6

حسب ما يريدون .

 

( من الفوائد )

أن العمل الصالح هو سبب من أسباب دخول الجنة ، لأن دخولها إنما هو تفضل من الله وكرم ، وإلا فالعمل لا يمكن أن يكون معاوضا وثمنا للجنة ، لكنه جل وعلا جعل العمل الصالح سببا من أسباب دخول الجنة

{ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة17 يعني بسبب عملهم  .

ولذلك عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :

( اعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله  ) يعني على أن العمل معاوضة ، فليست” الباء ” هنا للمعاوضة أو للثمن .

( قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ )

مع أن عمله صلى الله عليه وسلم عظيم

( قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل )

إذًا / كيف نتحصل على صلاح أعمالنا ؟

الجواب / تصلح أعمالنا بأمرين :

الأمر الأول / أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله عز وجل  “

فإن كان لغير الله ، فإنه ليس بصالح .

الأمر الثاني : ” أن يكون موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم “

لو أتى إنسان وقال أنا أصلي صلاة معينة بعدد معين في وقت معين خالصا هذا العمل لله عز وجل ، نقول عملك هذا فاسد ، لم ؟

لأنه على غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها :

( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )

قال عز وجل :

{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }الكهف110

 

( ومن الفوائد )

أن ” النهر “ سمي بهذا الاسم ، لأنه يدل على الاتساع  والكثرة .

فهذا المعنى اللغوي نستفيد منه في فهم الشرع ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين

( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )

لو أتى إنسان وقال ما معنى ( أنهر الدم ) ؟

نرجع إلى المعنى اللغوي ، فإذًا أي آلة يذبح بها يشترط أن تكون هذه الآلة تنهر الدم وتكثر من تدفقه ، سواء كانت هذه الآلة حصاة أو حديدة أو ما شابه ذلك ، إلا

( السن والظفر ) لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنهما .

 

( ومن الفوائد )

” بيان توالي رزق الله عز وجل على أهل الجنة “

لأنه أتى بكلمة

{ كُلَّمَا }

وهي تفيد التكثير والتكرار .

فهذا يدل على فضل الله عز وجل وسعة رزقه ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح )

ما هو ( النزل ) ؟ هو المكان الذي يهيئ للضيف وما يعقبه من طعام يقدم إليه  – سبحان الله – كلما غدوت إلى المسجد ورحت إليه لصلاة أو لاعتكاف ، أو لقراءة قرآن ، لأي غرض من أغراض العبادة ، كلما غدوت ورحت إلى المسجد يعد لك هذا النزل ، مما يدل على عظيم نعيم الجنة .

تصور لو أنك غدوت إلى المسجد في الصلوات الخمس ، في اليوم خمس مرات ، وفي الشهر مائة وخمسون  ، في عشرة أشهر ” ألف وخمسمائة ” لو كان في سنة ، في سنتين ، في ثلاث ، في أربع ، غدوت إلى المسجد أربعين سنة أو خمسين سنة ، ولذا قال عز وجل :

{ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا }

ليس في الجنة ليل ولا نهار ، لكن بمثابة الزمن الذي يشابه أول النهار وآخر النهار ، وإلا فالقمر والشمس كما جاء عند البخاري :

( يكوران في النار )

{ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا }

مما يدل على الاستمرار  والكثرة  .

( ومن الفوائد )

” أن ما هم  فيه من النعيم ليس بحولهم ولا بقوتهم ولا بعملهم “

ولذا قال : { رُزِقُواْ } والرازق هو الله عز وجل .

 

( ومن الفوائد )

أن الثمار تقدم إليهم ، وثمار متنوعة ، ولكنهم يقولون :

{ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } ما معنى هذا الكلام ؟

معناه / إما أنهم قالوا { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ }

فالتفاح هو التفاح من حيث الاسم ، البرتقال هو البرتقال من حيث الاسم ، فهو متشابه من حيث الاسم ، لكن من حيث الطعم واللذة يختلف ، ولذلك  قال ابن عباس رضي الله عنهما :

( ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء )

أو / أنهم كلما أعطوا ثمرة رأوها متشابهة في اللون ، لكن الطعم يختلف .

أو / أن الثمرة يشبه بعضها بعضا في الفضل فلا رداءة ولا نقص فيها ، بعضها يشبه بعضا في الحسن والفضل ، كما وصف الله عز وجل القرآن :

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا }الزمر23

كيف يكون القرآن متشابها ؟

يعني يشبه بعضه بعضا في الحسن والكمال والإتقان ، فنخلص من هذا / إلى أن الثمار تقدم إليهم ، فلا يكلفون عناءً ، ولذلك قال :

{ وَأُتُواْ بِهِ }

يعني هناك من يقدم لهم هذه الثمار ، هذه الثمار أسماؤها هي هي في الدنيا ، لكن الطعم يختلف ، ثمار أخرى تقدم إليهم يشبه بعضها بعضا من حيث اللون ، لكن من حيث الطعم يختلف .

( ومن الفوائد )

أنه أكَّد رزقهم من الجنة من هذه الثمار بـ ( من ) الزائدة من حيث الإعراب ، لكن من حيث المعنى فيه تأكيد لإتيان أهل الجنة بهذه الثمار التي على هذا الوصف لأنه لو كان في غير القرآن :

{ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا }

لكن أتى بـ{ من } من باب التأكيد ، وله نظائر من باب التأكيد على ثبوت هذا الشيء .

{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } فاطر3 ؟

في غير القرآن ( هل خالق غير الله )

فيؤتى بالحرف الزائد للتأكيد .

 

( ومن الفوائد )

أن كمال اللذة إذا أكل الإنسان وشرب أن يجامع “

فلما ظفر بشهوة البطن يحتاج إلى شهوة الفرج ، ولذلك من يحافظ على هذين البابين ” الفم والفرج ” ينل الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم :

( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة )

( يا رسول الله ما أكثر ما يدخل الناس النار ؟قال الفم والفرج )

فمن حرص على المحافظة على هذين البابين نال الفوز بالجنان والنجاة من النيران ، ولذلك لما ذكر الثمار وشهوة البطن ، ماذا قال ؟

{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ }

وله نظائر / قال عز وجل :

{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) }

وهذا شيء نشاهده نحن ، فلما يأكل الإنسان ويشرب يحتاج إلى الجماع ، لأن هذا الأكل يتولد منه هذا المني  .

( ومن الفوائد )

لم يقل جل وعلا ” ولهم فيها زوجات “

قال :

{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ }

لتعلموا أن أعظم وأكثر ما يرد في اللغة العربية أن يقول الرجل لزوجته ” هذه زوجي ” وهذا خلاف ما نعهده ، ما نعهده هو القليل في اللغة، نقول ” هذه زوجتي “

واللفظ الأكثر في اللغة ” هذه زوجي “

ولذا قال هنا :

{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ }

جمع ” زوج “ ولذلك في الأحاديث ( قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم )

فإذًا لو قال إنسان لزوجتي ” هذه زوجي ” لا ينكر عليه ، بل إن المُنْكِر عليه ينكر عليه .

لكن ألا يجوز في اللغة أن تقول ” هذه زوجتي “؟

يجوز ، ولذلك عمار بن ياسر رضي الله عنه لما حصل ما حصل من فتنة في وقعة الجمل ، وخرجت عائشة رضي الله عنها قال :

( والله إني لأعلم أنها زوجته ) لم يقل ” زوجه ” قال ( زوجته في الدنيا وفي الآخرة ، ولكن الله عز وجل أراد أن يبتليك بها )

فهذا دليل على أنه يصح أن تقول للزوجة ” زوجتي ” ولكن الأكثر  ” زوجي “

( ومن الفوائد )

“أن هذه الزوجات مطهرات “

وهنا قاعدة في اللغة العربية :

[ إذا حذف المعمول دل على العموم ]

هل قال مطهرة من الحيض ؟ لا .

هل قال مطهرة من المخاط ؟ لا .

هل قال مطهرة من البول ؟ لا .

هل قال مطهرة من الحقد والخيانة ؟ لا  .

إذًا / { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } مما يشينهم خُلُقا وخِلْقة ، ولذا جاء في الأحاديث :

( لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون )

لا حيض ، ولا دناءة في الكلام ، ولا  دناءة في الأفعال )

وجاء في السنن قوله صلى الله عليه وسلم :

( لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يأتي إلينا )

وهذا يدل على كرامة نساء الجنة .

لو سألت امرأة فقالت : أين نحن نساء بني آدم ؟

نقول / هذا الوصف الطيب يشمل إحداكن إذا دخلت الجنة ، ولذا صح عنه صلى الله عليه وسلم لما أتت امرأته عجوز ، فقال صلى الله عليه وسلم :

( إن الجنة لا يدخلها عجوز ، فخرجت تبكي ، فقال صلى الله عليه وسلم أخبروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز  )

قال عز وجل :

{ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) }

( ومن الفوائد )

ألا يمكن للإنسان في هذه الدنيا أن يظفر بنعيم عظيم من أطايب المشارب ومن أطايب الطعام ومن أطايب النساء ؟

الجواب / بلى ، لكن لا تكمن اللذة والنعمة إلا إذا دام هذا النعيم ، قال تعالى :

{ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{27} }

ولذا من ذهب من الملوك والزعماء والرؤساء ذهبت لذاتهم، ولذلك هذاالنعيم لا يكتمل ولا يسعد به الإنسان إلا إذا دام له ، ولذلك قال عز وجل :

{ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

يعني لا يخرجون منها ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم :

( يؤتى بالموت على صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار ، فيقال يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت )

وعلى هذا ما حكم اسم ” خالد ” ؟هل معناه أنه دائم ؟

ولذلك لا يجوز أن تدعو لإنسان فتقول ” أدام الله أيامك ” فهذا من الاعتداء في الدعاء ، لأنه لا يمكن أن تدوم أيام بشر  .

تقول ” أطال الله عمرك “ جائز   ، لكن بشرط أن تقيد ” على طاعته ”

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الترمذي :

( خيركم من طال عمره وحسن عمله )

ودعا لأنس رضي الله عنه :

( بأن يطيل الله في عمره )

تقول : ” أطال الله عمرك على طاعته ” جائز .

لكن ” أدام الله أيامك على طاعته ” لا يجوز ، لم ؟

لأن الأيام لا يمكن أن تدوم لبشر ، ومن ثم يشكل اسم خالد ، فما هو الحل ؟

الحل / أن الخلود في اللغة العربية يطلق على من طال عمره ، ولا يلزم من ذلك أن يبقى بقاء مستمرا ، ولذلك من أسماء الصحابة رضي الله عنهم خالد ، مثل ” خالد بن الوليد “ رضي الله عنه .

فإذا سمي الطفل ” بخالد ” فإن فيه تفاؤلا بأن يطيل الله عز وجل في عمره ، من باب التفاؤل .

مثل ما سمى الله عز وجل  ( يحيى بن زكريا )

انظروا إلى عظمة الله عز وجل ، فإن زكريا بلغ في الكبر عتيا ، وامرأته عاقر ، ولكن لما دعا ربه عز وجل فرزق بولد على كبر في السن وعلى عقم من زوجته ، ومع ذلك بشَّره بغلام ، لم يقل بطفل ، إنما سيكون غلاما ، وسماه ” يحيى ” إشارة إلى أنه سيحيى ، ومن ثم فعلى المسلم أن يسمي أبناءه بأسماء يتفاءل بها .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .