تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 121 ) / الجزء الثاني
قوله تعالى : { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنفسر في هذه الليلة قول الله عز وجل :
{ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن إعطاء الكتاب نعمة من الله إذا قام به من أوتي هذا الكتاب وإلا فإن هذا الكتاب سيكون حجة على المعطى ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم ( القرآن إما حجة لك أو حجة عليك )
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
من المقصود من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب ؟ أهم اليهود والنصارى فيكون الكتاب هنا التوراة والإنجيل أم أن المقصود أمة محمد عليه الصلاة والسلام فيكون المقصود من الكتاب هو القرآن ؟
فالصحيح أنها عامة ، عامة في هذه الأمة وفي غيرها ويكون الكتاب اسم جنس يدخل تحته كل كتاب قرآن ، توراة ، إنجيل
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } في الآيات الأخر { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ } { وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ }
هنا قال { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } ما معنى { حَقَّ تِلَاوَتِهِ } وما معنى التلاوة هنا ؟
معناها : الاتباع اتباع الكتاب بمعنى أن يطبق وأن يعمل بما فيه ، والدليل على أن التلاوة تكون بمعنى الاتباع : الله عز وجل أقسم بالشمس وبالقمر قال { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) }
{ تَلَاهَا } : يعني تبع الشمس ، ومعلوم أنه إذا اتبع الكتاب ضمنا لابد أن يقرأ هذا الكتاب على الوجه الصحيح ، ولابد أن يفهم معنى هذا الكتاب وإلا فكيف سيتأتى لك عمل من غير فهم للكتاب ؟
وقد جاء حديث لو صح لكن به مجاهيل لو صح فيكون تفسيرا منه عليه الصلاة والسلام لهذه التلاوة قال لما سئل عن هذه الآية قال ( هم الذين يتبعون ما جاء في الكتاب ) لكنه حديث لا يصح ، لكن كما أسلفنا التلاوة هنا هي اتباع هذا القرآن
وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا يدخل ضمنا :
أن من معاني التلاوة للكتاب حق التلاوة ( أنه إذا مر بآية تسبيح سبح وإذا مر بآية استعاذة استعاذ وإذا مر بآية سؤال سأل )
وهذا ولا شك كما قال ابن كثير دل عليه فعله عليه الصلاة والسلام ففي حديث حذيفة عند مسلم لما قام من الليل وقرأ سورة البقرة والنساء وآل عمران لا يمر بآية فيها تسبيح إلا سبح ولا سؤال إلا سأل
فهذا أيضا من ضمن تلاوة الكتاب حق تلاوته ، وكذلك في الصلاة إذا كانت نفلا إذا مر بآية تسبيح سبح أو سؤال سأل ، هذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام إلا في السنة أما في الفرض فلا ، وبالتالي فإنه لو تيسر فوقف الإمام في صلاة التروايح وسبح الله ونزه الله ، هنا يتأتى للمأموم أن يسبح، لكن إن لم يتوقف الإمام لم يقف أتسبح أتسأل الله ؟ لا ؛ لأنه إذا كان يقرأ فيجب أن تنصت إلا ما استثني وهو قراءة الفاتحة ما عدا ذلك فلا ، إلا إن سكت ، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( إذا قرأ الإمام فأنصتوا ) إلا ما استثني من قراءة سورة الفاتحة والإمام يقرأ في سورة أخرى
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }
{ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ } الذين مبتدأ أين الخبر؟ الخبر هو الجزء المتم للفائدة كما قال ابن مالك لو قلت : زيد وسكت هذا مبتدأ لابد من تكملة هذا المبتدأ بخبر حتى يتم المعنى
زيد قائم ، قائم خبر ، ليس مصطلحا فقط نأخذه ولذلك بعض الناس يقول أنا أكره اللغة العربية وأكره النحو ، هذا الكلام في أصله خطير ؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي ، النبي عليه الصلاة والسلام الأحاديث التي نطق بها في اللغة العربية ، كونك تكره اللغة العربية هذا خطير ، بعض الناس يظن أن الأمر يسير قل إني لا أفهمها لا أتقنها أما أن تقول إني أكرهها
كيف وهي من شعائر الإسلام ؟! اللغة من شعائر الأمم ومن شعائرنا نحن المسلمين هي اللغة العربية ، فبعضهم يأخذ اللغة العربية معلومة بحتة مجردة دون أن يفهم
بعض المفسرين قال الخبر { يَتْلُونَهُ } { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ } { يَتْلُونَهُ } هذا هو الخبر ، والصحيح أن هذا ليس هو الخبر لأنه لو كان هو الخبر لكان كل من أعطي الكتاب يتلو هذا الكتاب حق تلاوته
وهذا واقع ؟ هل هو واقع ؟ لا ، إذن الخبر { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } إذن من الذي يتلو الكتاب حق تلاوته هم أهل الإيمان
انظر { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } هذا هو الخبر وهو الأصح ، انظر لا تقل إن اللغة العربية ما هي مفيدة ، لا ، فيها فائدة ، لكن العيب فينا نحن إذ لم نفهمها أو لربما أن البعض قد يلقيها ولا يحسن إلقاءها
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن من اتبع الكتاب فهو مؤمن ، إذن من خالف الكتاب بأي مخالفة فإنه حينها ينقص إيمانه بقدر تلك المخالفة ، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة
وقوله هنا { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } الضمير يعود إلى ماذا ؟ إلى الكتاب
قيل يعود إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وقيل يعود إلى { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } ولا تناقض ولا تعارض ؛ لأن من آمن بالكتاب آمن بالهدى وآمن بمحمد عليه الصلاة والسلام
ولذلك قاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير تستفيد منها أنت ربما يقرأ بعضكم في كتب التفسير في تفسير ابن كثير أو في غيره ويرى أقوالا كثيرة ، لتعلم أن تلك الأقوال التي اختلفت اختلافها تنوع وليس اختلاف تضاد وتعارض ، لا ، إلا ما ندر ، قلة ، ولذلك مثلا { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } بعضهم قال هو صراط النبي عليه الصلاة والسلام بعضهم قال هو الإسلام ، بعضهم قال ما كان عليه أبو بكر وعمر ، كل هذا هو الصراط المستقيم ، شامل
هنا { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } شامل للإيمان بالكتاب وبالهدى وبمحمد عليه الصلاة والسلام ، إذن لو أخذت بمعنى واحد ذكره أحد المفسرين فتفسيرك صحيح لكن إن ضممت جميع المعاني وفهمتها هنا يكون المعنى أتم وأشمل
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } هذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن الخسران ضده الربح ، فلان ربح في تجارته وفلان خسر في تجارته
إذن : من أخذ بهذا الكتاب فقد ربح ولو لم يكن لديه شيء من متع الدنيا لأن الدنيا تأتيه وهي راغمة كما عند الترمذي ( من كانت الآخرة همه جمع الله له شمله وجل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ) ولا يظن أحد أن النعمة أو السعادة أو أن الخير أو الرزق محصور في المادة ، لا ، في الصحة في الراحة النفسية
بعض الناس يملك مليارات لكن ليس مرتاحا نفسيا من حيث الداخل
{ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ } { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } والنصوص في هذا المعنى كثيرة ، فدل هذا على أن من خالف شرع الله فإنه في خسران ولو كان يملك ما يملك من الدنيا ، لم ؟ لماذا هو خاسر ؟
لأن الدنيا إلى زوال
قارون ماذا أعطي ؟ المفاتيح العصبة الجماعة العدد الكبير من الرجال الأشداء الأقوياء ما يستطيعون حمل مفاتيح الخزائن فما ظنكم بما في هذه الخزائن ؟ ومع ذلك انتهى كل شيء ، لأن الدنيا فانية وزائلة
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
تتعلق بكلمة الخسران ، خسروا ماذا ؟ الدنيا والآخرة نعم ، هناك من يخسر في الدنيا وفي الآخرة ، والدليل في القرآن { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ }
أيضا يخسر كما بينت آيات أخرى يخسر نفسه وأهله { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
وقد أقسم الله عز وجل أنه لا يخلو إنسان من الخسارة إلا بأربعة أمور أقسم جل وعلا أن أي إنسان هو خاسر إلا من أتى باربعة أمور : ” الإيمان العمل الصالح ، التواصي بالحق ، التواصي بالصبر “
أين هذه الأمور الأربعة ؟ في سورة العصر
{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
ولذلك قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في ثلاثة الأصول قال : ” يجب عليك أن تتعلم أربع مسائل : الإيمان ، العمل الصالح والتواصي بالحق ، ولتواصي بالصبر “
قال ابن القيم رحمه الله : ” من جمع هذه المراتب الأربع فهو العالم الرباني ” تريد العالم الرباني ، لا تقل فلان ولا فلان من اتصف بهذه الأربع الصفات فهو العالم الرباني { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ }