تفسير سورة البقرة الدرس 186( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) الآية ـ 124 ـ الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس 186( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) الآية ـ 124 ـ الجزء الثالث

مشاهدات: 490

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 124 ) ــ الجزء الثالث

قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قوله تعالى :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة:124]

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الله عز وجل قال لإبراهيم { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } الإمام هو الذي يهتدي ويقتدى به ، ولذلك الطريق الذي يسير عليه الإنسان يهتدي به قال عز وجل { وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) } بمعنى لفي طريق واضح يمر عليه كفار قريش ، فكان من الواجب عليهم أن يعتبروا بما حل بهؤلاء لأن هؤلاء لما كفروا بالله عز وجل أنزل بهم العذاب ، فكذلك الشأن الشأن في كل من كفر بالله عز وجل ، والله عز وجل جعله أمة كما في الآية الأخرى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

أمة هنا معناها : أنه إمام يقتدى به

سبحان الله ! لماذا جعل إبراهيم بهذا الوصف من أنه أمة ؟ لأن من هو إمام يتعدى نفعه للأمة ، ليس نفعه كنفع العابد ليس نفعه كنفع العابد عبادته ونفعها محصورة عليه بينما من هو إمام يقتدى به هنا النفع الذي يقع منه بتوفيق الله عز وجل له هنا يتعدى إلى غيره من المسلمين وكلما كانت إمامته أعظم كلما كان نفعه أعظم ، فالإمامة كما مر معنا بالأمس هي درجات

والأمة في القرآن تطلق ولها معاني :

هنا { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } يعني إماما ، وتطلق على الجماعة { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا } وتطلق على الزمن { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } يعني بعد زمن

{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ } يعني إلى وقت معدود ، وتطلق ويراه بها الملة { إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } يعني على ملة وعلى عقيدة

كيف تعرف ؟ حسب السياق

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الأب الرحيم عليه ألا ينسى ذريته مما فيه خير لهم في دينهم ، فإبراهيم عليه السلام لما قال عز وجل { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } ماذا قال { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } ومن ثم فإن على الأب ولاسيما في مثل هذا الزمن الذي عظم فيه انصراف الأبناء عن آبائهم ولم يعتادوا كالزمن القديم ، الزمن القديم الذي أدركناه ونحن صغار تؤمر فتأتمر ، تنهى فتنتهي  ، وليس لك رأي إلا ما أجيز بإبداء هذا الرأي على نطاق ضيق محدود ، وكان هناك من الاحترام والتقدير ، وأيضا تعظيم الأبناء لأمر الله لما يؤمروا به من قبل الآباء لكن هنا في مثل هذا الزمن فيه عصيان واضح

ومن ثم : بعض الناس يقول ماذا أصنع ؟ وانفتحت الأبواب ، كانوا فيما مضى جارك يساندك يربي معك ، من في الشارع يربي معك ، المعلم يربي معك ، المجتمع كله معك ، فأنت لا تخاف على هذا الابن ، لكن بالنسبة إلى هذا العصر أنت تخشى عليه وبالتالي فما هو الحل ؟

الحل في الدعاء ، ولذلك قال إبراهيم كما في سورة إبراهيم { اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } فالتجئ إلى الله مع التوجيه لهؤلاء الأبناء عل وعسى دعوة تصادف ساعة إجابة فيستجيب الله لك ولا تدعو عليهم مهما كانت الأحوال ، النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم

لئلا توافق وقت إجابة فيستجيب الله لكم )

وهنا يخسر الإنسان شيئا عظيما ، فنسأل الله أن يهديهم

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

قال { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } ما هو الجواب ؟ { قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

إذن من باب المفهوم أن هناك ذرية ستنال هذه الإمامة لكن لماذا لم يقل إنه سيكون منهم وإنما أتى بقوله { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } من باب التوضيح والتبيين لخطورة من ظلم ، فمن ظلم لا يكون إماما

ظلم ماذا ؟ ظلم نفسه بالذنوب والمعاصي ، ظلم غيره بأخذ حقوقهم ، ظلم أعظم الظلم وهو الشرك بالله { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فالظلم يتفاوت

ومن ثم : فإن ذكر هذه الآية بقوله { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } وانظر

وقلت لكم : الفعل إذا كان منفيا فيدل على العموم { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } يعني أنه على وجه العموم لا يمكن أن تحصل إمامة لظالم وهذا من باب التحذير من هذا الظلم

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل : هل استجاب الله دعوة إبراهيم فجعل في ذريته الإمامة ؟

الجواب : نعم ، الدليل في سورة العنكبوت { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } فكل نبي بعد إبراهيم وكل كتاب أنزل بعد إبراهيم فإنما أنزل على نبي من سلالة إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام ( أنا دعوة أبي إبراهيم )

إذن هو من ضمن ذريته عليه الصلاة والسلام ، وذكر عز وجل في سورة الحديد : أن جميع الرسل والأنبياء من ذرية نوح وإبراهيم لأن إبراهيم من سلالة نوح { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ }

هنا أي نبي يكون من سلالة من ؟ من نوح على وجه العموم ، أي نبي يأتي بعد إبراهيم فهو من سلالة إبراهيم إذن أيضا هو من سلالة نوح لأن إبراهيم من سلالة نوح عليه السلام

خلاصة القول ليس كل الأنبياء من ذرية إبراهيم إلا من جاء بعده ، أما الجميع فهم من سلالة نوح

لو قال قائل : استجيبت دعوة إبراهيم كما ذكر عز وجل لكن هل استجيب له عليه السلام استجابة لأكثر أبنائه أم لأقلهم ؟

لأن الذرية ليست من صلبه فقط ، لا ، من ذريته وذرية ذريته ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام مع أنه ليس من صلب إبراهيم مباشرة قال ( أنا دعوة أبي إبراهيم )

فالشاهد من هذا : تلك الذرية أنال أكثرها ما طلبه إبراهيم أم الأقل ؟

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } إذن استجيب له لكن الأقل وليس الأكثر

هذا سؤال يسأل : إدريس يقولون أهو قبل نوح عليه السلام ؟

بل إنهم يقولون هو قبل آدم بعضهم ولكن ليس هناك دليل

الدليل يخالف ذلك ؛ لأنه لو كان قبل نوح لكان أبا للنبي عليه الصلاة والسلام ولذلك في الإسراء والمعراج لما التقى بإدريس ماذا قال إدريس    ( مرحبا بالنبي الصالح وبالأخ الصالح ) بينما لما مر بآدم قال ( مرحبا بالابن الصالح ) ولما مر بإبراهيم قال ( مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح )

فدل هذا على أن إدريس كما يشاع ويذاع ويذكر وينشر أنه قبل إبراهيم أو قبل نوح ليس عليه دليل بل الدليل الصحيح يخالفه

هذه جملة من هذه الفوائد ، وكما جرت العادة قبل دخول العشر أننا نتوقف عن الدرس في العشر الأواخر وهذا الدرس مستمر ولله الحمد بعد رمضان وسيكون إن شاء الله مع بداية الدراسة من بين أذان العشاء والإقامة ، بين الأذن والإقامة في صلاة العشاء

أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح .