تفسير سورة البقرة الدرس ( 21 ) [ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا .. الآية ( 28 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 21 ) [ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا .. الآية ( 28 )]

مشاهدات: 474

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس الحادي والعشرون

قوله تعالى

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) } البقرة28

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :

أما بعد /

فقد قال عز وجل /

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) }

 ( من الفوائد )

” أن الله عز وجل إذا خلق الإنسان من عدم فإنه يتنقل إلى مراحل “

نطفة أربعين يوماً ، ثم علقة أربعين يوما ، ثم مضغة أربعين يوما ، ثم تنفخ فيه الروح “

قال عز وجل هنا :

{ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ }

أتى بـ ( الفاء ) فالفاء هنا تفيد الترتيب والتعقيب

مثال / لو قلت ” جاء زيد فعمرو ”

دل على أن مجيء عمرو عقيب مجيء زيد ، ليس بينهما فاصل من الزمن طويل  .

لكن لو قلت : ” جاء زيد ثم عمرو ”

” ثم ” تفيد التراخي ، يعني هناك زمنا طويلا بين مجيء وعمرو وبين مجيء زيد .

قال عز وجل هنا :

{ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ }

هل من حين ما كنا نطفة أو كنا من العدم وجدنا نفخت فينا الروح ؟

لا ، وإنما هناك فترة .

إذًا ما الجواب ؟

الجواب / الفاء هنا ” للترتيب والتعقيب ” وكل شيء بحسبه .

مثال ” لما ينزل المطر هل تنبت الأرض مباشرة ؟

قال عز وجل :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } الحج63

هل بمجرد نزول المطر تصبح الأرض مخضرة ؟

لا ، ” والفاء هنا ” تعقيبية ”

نقول : كل شيء بحسبه .

وهناك دليل في القرآن فيما يخص طور ابن آدم الخلق .

في أول سورة المؤمنون :

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)  }

سبحان الله ! إذا ذكر طور ابن آدم يُذكَّر بأن هذه الأطوار التي مرت عليه في حياته ، هذه الأطوار كلها مصيرها إلى الفناء ، ولذلك يذكر بيوم المعاد ، قال عز وجل :

{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ }الانشقاق19

فنحن نتنقل ، كنا أطفالا ، ثم أصبحنا صبية لما بلغنا سن ” السابعة “

ثم لما أوشكنا على البلوغ صرنا ” مراهقين “

فالمراهق في اللغة العربيةمن قارب البلوغ ”

ونحن نرى أن المراهقة من عمره ” سبعة عشر عاما أو ثمانية عشر عاما – لا – المراهقة في اللغة العربية ” من أوشك على أن يبلغ “

ثم بعد المراهقة بلغنا فأصبحنا ” شبابا “ إلى سن ” الثلاثين .

ثم بعد ” الثلاثين ” صرنا ” كهولنا ”

بعض الناس يظن أن الكهل هو العجوز الهرم  – لا – الكهل في اللغة العربية ” من بلغ الثلاثين إلى الخمسين “

ثم بعد “ الكهولة ” أصبحنا في ” الشيخوخة ”

فمن ” الخمسين إلى السبعين ” يسمى ” شيخا ” في اللغة العربية .

قال الشاعر :

زعمتني شيخا ولست بشيخ 

                              إنما الشيخ من يدبُّ دبيبا .

ثم بعد الشيخوخة يصل الإنسان إلى ” الهرم “

الهرم ” ليس هو المخرف  ، فمن تجاوز السبعين ولو كان عقله معه يسمى ” بالهرم “

لم ؟

لأنه في الغالب إذا تجاوز السبعين عقله يهرم ، إلا ما ندر .

فلما يذكر عز وجل طور ابن آدم يذكره بأن هذه الأطوار التي مرت به إنما هي إلى فناء .

ولذلك نوح عليه السلام لما أتعبه قومه ماذا قال ؟

{ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)}

فلما ينتقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة في طور حياته عبرة له أن يقف ويتأمل .

ولذا لما ذكر عز وجل أطوارهم قال في نهاية الآية

{ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة28

وإذا رجع هؤلاء ما مصيرهم ؟

مصيرهم النار ، ما الدليل ؟

ما جاء في سورة غافر ، قال عز وجل :

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }غافر10

ما معنى هذه الآية ؟

يعني أنهم لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم وأبغضوها ، فينادى فيهم ” كونكم تمقتون أنفسكم ، الله عز وجل أشد مقتاً وغضباً عليكم في الدنيا لما أُمرتم بالإيمان بالله عز وجل فكفرتم .

ماذا قال بعدها ؟

{ قَالُوا رَبَّنَا } بعد ماذا ؟!

{ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } غافر11

ولذلك تعجب من حالهم في صدر هذه الآية

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ }

مع وجود الدلائل ، وهم لم يعترفوا في الدنيا ، لكن اعترفوا متى ؟

لما صاروا إلى النار .

( ومن الفوائد )

قال تعالى :

{ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ }

عند انقضاء آجالكم ، قال عز وجل في أول سورة الأنعام :

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ }

وفي سورة الأنعام أيضا :

{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }الأنعام60

( ومن الفوائد )

ثم قال عز وجل :

{ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ }

متى ؟ يوم القيامة .

لو قال قائل / هل هناك فرق بين الحياتين الثانية والأولى ؟

الجواب / أن الحياة الأولى زائلة والثانية باقية ، ما الدليل ؟

قوله : { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

ومن رجع إلى الله عز وجل  فإنه :

( يؤتى بالموت على صورة كبش فيوقف بين الجنة والنار فيذبح ، فيقال ” يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ” )

( ومن الفوائد )

قال عز وجل : { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

لو قلت عن شخصفلان ذهب ثم رجع

كأنه ما ذهب ، وإذا رجعوا فإنهم يرجعون كهيئتهم السابقة ، قال تعالى :

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }الأنعام94 .

” حفاة  ، عراة ” غرلا ” يعني غير مختونين ” بهما “ ليس معنا شيء ، كذلك نعود إلى الله عز وجل ، ولكنهما حالتان مفترقتان /

لما تنزل من بطن أمك تنزل بلا ذنب ولا معصية ، بينما إذا رجعت إلى الله عز وجل ترجع بماذا ؟

ولذلك فيه تذكير لنا بأن نعود إلى الله عز وجل كما خلقنا في هذه الدنيا ، لم ؟

لأن أعظم أحوال ابن آدم ثلاث حالات ، إذا سلم من هذه الأحوال الثلاثة فقد سلم :

قال عز وجل عن يحيى عليه السلام :

{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }مريم15

إذا نجوت في هذه المواضع فقد نجوت ، حينما تنزل من بطن أمك وحينما تغادر هذه الحياة ، وحينما تقابل الله عز وجل .

ولذلك قال عيسى عليه السلام :

{وَالسَّلَامُ } يعني السلامة .

{ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا }مريم33

فنسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والسداد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .