تفسير سورة البقرة الدرس ( 30 ) [ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة .. الآية ( 35 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 30 ) [ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة .. الآية ( 35 )]

مشاهدات: 410

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 30 )

تفسير قوله تعالى :

{ {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }البقرة35}

البقرة 35

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد توقفنا عند قوله تعالى :

{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }البقرة35

ـــــــــــ

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إثبات صفة الكلام لله عز وجل

وهنا إثبات لأحد نوعي الكلام منه عز وجل وهو المناداة بصوت مرتفع كما أنه جل وعلا يثبت له صفة المناجاة وهو الكلام بصوت منخفض

فدلت النصوص الشرعية على ذلك كما قال عز وجل عن موسى ((وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ))

فتثبت صفة الكلام لله عز وجل بنوعي الكلام ما نوعا الكلام ؟

مناجاة ومناداة

وهنا :

مناداة

وصفة الكلام لله عز وجل أسلفنا الحديث عنها والخلاف فيها

ومعتقد أهل السنة والجماعة :

أن الله يتكلم بصوت مسموع له حروف وله معاني متى شاء لا يمثل كلامه بكلام المخلوقين ولا يكيف كلامه جل وعلا

ولذا :

كلم آدم في زمن وكلم موسى في زمن (( وكلم الله موسى تكليما ))

فدل على أن الكلام صفة ذاتية لله عز وجل ومن شاء أن يكلمه ليكرمه بهذا الكلام كلمه

ولذلك :

كلم الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لما أعرج به إلى السماء

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن آدم كما أسلفنا سمي بهذا الاسم :

إما لأنه آدم البشرة

ما معنى آدم البشرة ؟

يعني : أسمر

لكن هل هو أسمر بالفعل ؟

محتمل لعدم وجود الدليل

ويحتمل أن سمرته بها بياض

ولذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في وصفه أنه أبيض وجاء عند الترمذي

أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أسمر اللون

فالسمرة في العرب :

تطلق على من بياضه معتدلا ليس أبيض أمهق كما تدل عليه رواية البيهقي

فالأمهق

يعني : شديد البياض

وإما وهو الأقرب :

أن آدم سمي بهذا الاسم لأنه مأخوذ من أديم الأرض

ومر معنا ذلكم الحديث :

وهو أن الله لما أراد أن يخلق آدم قبض قبضة من جميع الأرض فجاء بنو آدم على هذه الأرض منهم الأحمر

ومنهم الأبيض ومنهم بين ذلك ومنهم السهل ومنهم الصعب

يعني : في الأخلاق والأفعال

ومنهم بين ذلك

وهذا هو شأن الأرض :

منها ما هو يسير وسهل

ومنها ما هو صعب

ومنها ما بين بين

ومنها ما هو أبيض واحمر وأسود وما بين بين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حاجة الآدمي إلى السكنى

ولذلك:

قال عز وجل ((اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ))

فأنت يا أيها الآدمي بحاجة إلى السكنى

والسكنى أنواع :

سكنى زمانية                                              وسكنى مكانية

المكانية :

سكنى المنزل

فبيتك سكن لك كما قال تعالى :

((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً ))

أليست هي سكنا .

بلى هي سكن

لكن السكن المعنوي الراحة

ولذلك من لا يجد الراحة إلا إذا خرج من بيته فإن في بيته خللا

لم ؟

لأن الإنسان حينما يخرج من بيته يلاقي المصاعب والمشاق والبحث عن الرزق فهو بحاجة إلى أن يسكن

والسكن استقراره في بيته

هذا استقرار مكاني

فيه استقرار زماني :

نحن بحاجة إليه

وهو الليل

((فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً ))

إذا :

ما نفعله أو ما يفعله كثير من الناس في هذا الزمن من جعل الليل محلا للبحث عن الرزق أو محلا لتجاذب أطراف الحديث  أو فيما لا طائل من ورائه فإنه خالف الفطرة التي تناسبه وتناسب بدنه

ولذلك الناس في هذا الزمن لما سهروا الليل ولم يجعلوا الليل سكنا كما فطر الله الخلق على ذلك ما هي صحتهم ؟

وأين عافيتهم ؟

الواقع يحكم بهذا

فيه سكن هو الثالث:

السكن ثلاثة أنواع :

سكن زماني

وسكن مكاني

وسكن منك

سكن منك

هي الزوجة ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ))

الزوجة سكن وراحة ولذلك:

لما كان آدم بحاجة إلى الزوجة خلق الله عز وجل منه حواء ((  ليسكن إليها )) كما قال عز وجل في سورة الأعراف ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ))

و لذا :

حواء هي زوج آدم

لكن ما هو الدليل على أن زوج آدم أو زوجة آدم هي حواء ؟

لم يذكر هذا في الآية

ذكر ذلك في السنة

في الصحيحين :

في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لولا بنو إسرائيل لم يفسد الطعام ولم يخبث اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))

الجملة الثانية نؤجلها قليلا

((لولا بنو إسرائيل لم يفسد الطعام ولم يخبث اللحم ))

بنو إسرائيل لما كانوا في التيه وأنزل الله عليهم المن والسلوى السلوى وهو طائر حبسوه خوفا من انقطاعه فما الذي جرى له ؟

كان في السابق اللحم لا يفسد والطعام لا يفسد

لكن بفعلة بني إسرائيل خبث وفسد ، مما يدل على أن إذهاب الشيء وإخراجه منك ينميه أما إبقاؤه فيفسده

ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام :

ماذا كان يقول ؟

كان يقول :

(( ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وينزل  ملكان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ))

كأن فيه دعوة إلى أن الإنسان لا يحرص  على ما يكون في غده هم حرصوا على ما يكون في غدهم فحبسوا الطعام وجمعوه حتى لا يفنى ويبيد فعوقبوا

ثم قال :

(( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))

صرح هنا بذكر اسم زوجة آدم حواء

لماذا سميت بحواء ؟

لأنها خلقت من حي من آدم

قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: (( وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وكسرها طلاقها ))

ولذا قال (( فإنها لا تستقيم لك على حال ))

من العجائب :

لو تأمل الإنسان :

هذه الزوجة خلقت منك

الشيء الذي منك كـ (يد أو رجل ) أما تحرص عليه ؟

بلى كأن فيه إشارة إلى أنه يجب عليك أن تحرص على هذه المرأة لأنها منك وأن تعاشرها بالمعروف وأن تحسن إليها

وألا تستقصي عليها في أفعالها وفي أقوالها

لم ؟

لأنها لا يمكن أن تستقيم لك على حال

وكيف والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (( لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط ))

فكيف خانت حواء آدم ؟

قال (( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))

لتعلم أن الخيانة ليست خيانة زنى

ولذلك يقول ابن عباس (( لم يجعل الله تحت نبي بغيا ))

أبدا

الخيانة هنا : الذنب

والذنب يختلف

لكن ذنب حواء ذنب ليس بمخرج عن ملة الإسلام

بينما الخيانة قد تكون خيانة كبرى مثل خيانة زوجة لوط ونوح ((فخانتاهما ))

الخيانة هنا من زوجة نوح ولوط خيانة الكفر لكن ليست زانية وليست بغيا

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن الذنب خيانة

تخون من ؟

تخون نفسك

والدليل :

قوله عز وجل ((عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ))

يعني إذا أذنبت ذنبا فاعلم بأنك خنت نفسك وأوقعتها في الخيانة

لم ؟

لأنك ستخسر يوم القيامة

((إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

فهنا حواء خانت زوجها

كيف ؟

((ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))

يقول ابن حجر في الفتح :

يقول : ” حواء هي هي التي زينت لآدم الأكل من الشجرة فطاوعها فأكل آدم من الشجرة كما أكلت هي وبتزيين منها

وهذا يدل على ماذا ؟

كما أن القرآن أمرنا أن نحسن إلى أيضا في المقابل احذر من المرأة ربما تجرك فيما يسخط الله كن مطاوعا لها فيما أباح الله في حدود شرع الله لكن قد تجرك المرأة إلى أن تفعل شيئا يسخط الله

وبالتالي فاحذر

ولتكن معها على رحمة وفي المقابل على حذر

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل ((اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ))

هذه فائدة لغوية :

يقول ابن مالك :

ومن ضمير الرفع ما يستتر         كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر

يعني : لا تقل اسكن أنت

يعني : لما تقول : اسكن أو قم

معلوم من الذي سيقوم ؟

أنت

لكن لما تأتي قم أنت

هنا يكون قول أنت تأكيد للضمير الموجود في قم

قال ((اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ))

لأنه لا يصح أن تقول : اسكن وزوجك

لا يصح أن تقول : قم وزيد

إلا في الضرورة الشعرية عند العرب

هل الكلام الفصيح أن تقول : اذهب وزيد إلى المسجد

هذا كلام غير فصيح

بعض الناس يقول لابنه : اذهب  ومحمد إلى السوق

لا يصح في اللغة

لكن الصحيح :

اذهب أنت ومحمد

قم أنت وفلان

تأتي بكلمة أنت

ــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا

قال  (( وزوجك ))

لم يقل زوجتك

مرت معنا :

وهي أن المرأة يقال عنها زوج

زوج زيد زوج محمد

هذه  زوج محمد

هذه زوج عبد الله

ويصح أن تقول : هذه زوجتي

لكن الأفصح في اللغة خلاف ما تنطق به ألسنتا

فكلمة زوج تطلق على الذكر والأنثى

مثل كلمة عروس

بعض الناس لو تقول عن رجل :

هذا عروس

قالوا أخطأ

هذا هو الصواب :

أن تقول للمرأة :  عروس

وأن تقول للرجل : هذا عروس

فالشاهد من هذا :

أنه يجوز أن تقول هذه  زوجتي

ولذلك ثبت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام كما في رواية البخاري :

قال (( هذه زوجتي ))

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

من الفوائد :

ــــــــــــــــ

هذه الآية الكريمة ذكرنا طرفا من الفوائد المتعلقة بها

ومما تبقى منها :

أن الجنة التي أخرج منها آدم عليه السلام هل هي الجنة التي يدخلها المسلمون يوم القيامة أم أنها جنة أخرى ؟

المعتزلة :

يقولون : هي جنة أخرى ليست هي جنة الخلد التي يكون مأوى المسلمين إليها يوم القيامة

لم ؟

قالوا : لأن من دخل الجنة لا يخرج منها وآدم وحواء أخرجا منها

لكن أهل السنة والجماعة يقولون :

هذه الجنة التي أخرج منها آدم هي الجنة التي تكون مأوى لعباد الله عز وجل المتقين يوم القيامة

أما كون آدم أخرج منها :

فأهل الجنة إذا دخلوها لا يخرجون منها يوم القيامة

لكن الكلام هنا في الدنيا قبل يوم القيامة

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ليلة أسري به دخل الجنة ومع ذلك خرج منها

ثم أيضا يوم القيامة ليس كل  من دخل أنه لا يخرج منها

هناك أناس هناك خلق يدخلون الجنة ويخرجون منها

الملائكة :

((وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24} ))

فلا يلزم من الدخول أنهم لا يخرجون

وهذا يكون في الدنيا .

ولاشك أن من دخلها من عباد الله يوم القيامة أنه لا يخرج منها فضلا من الله

تفضلا منه عز وجل

إذاً:

هذه الجنة التي أخرج منها آدم عليه السلام هي الجنة التي هي مأوى المتقين يوم القيامة

والدليل :

كما جاء في الصحيح :

لما تحاجا آدم وموسى

قال موسى : يا آدم أنت الذي أخرجتنا من الجنة

موسى ماذا يقول : أخرجتنا من الجنة

والجنة التي علقت بذهنه هي جنة النعيم ولو لم تكن جنة النعيم التي هي مأوى المتقين يوم القيامة لقال آدم : إنها ليست جنة المأوى وإنما هي جنة أخرى .

فدل هذا على أن الجنة التي أخرج منها آدم عليه السلام هي جنة المتقين يوم القيامة .

ــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن أعظم حال للإنسان يتلذذ فيه من المطعم أن يكون هذا المطعم كثيرا وأن يكون غير مراقب في كمية ما يأكل وألا يكون هذا المأكول ألا يكون مآله إلى النفاد ولذلك قال عز وجل ((وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً ))

الرغد : هو الكثير الهنيء

كثير وهنيء وهذا هو حال طعام أهل الجنة ولذلك قال عز وجل: ((وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ{32} لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ{33} ))

ولذا لما قال عز وجل مبينا أنه لا يجوز أن يؤخذ من مهر المرأة إلا ما طابت به نفسها قال عز وجل: ((فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً ))

الهنيء ما هو ؟

والمريء ما هو ؟

الهنيء : أثناء الأكل في أول أمر الأكل يكون هنيئا

في العواقب يكون مريئا

قد تأكل أكلا هنيئا لكن يأتي لك بعاقبة سوء

لكن الأكل الكامل أن يكون هنيئا وأن تكون العاقبة بعده حميدة

بعض  الناس يتلذذ بأكل المخدرات

لكن ما العواقب ؟

السوء والشر

ولذلك أكل الجنة في أوله وفي ثناياه وفي أواخره خير

ولذلك لا يخرج منهم فضلات لا يتغوطون ولا يبولون

ولذلك بعض الصحابة قال يا رسول الله : والطعام

قال : (( جشاء ))

وهو الهواء الذي يخرج من المعدة عند الامتلاء

جشاء ليس كريه الرائحة وإنما كالمسك

ثم مع هذا كله هو جل وعلا قال لهما حيث شئتما كيف شئتما متى ما شئتما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل نهاهما عن الأكل من شجرة معينة ونهيه عن الأكل من شجرة معينة فيها إشارة إلى أنك يا آدم لن تبقى فيها لأن من يدخل الجنة دخولا أبديا لا يمنع من شيء لكن لما نهاه عن الأكل من شجرة معينة دل هذا على أن الوقت ليس وقتا للبقاء فيها

وإنما سيكون هناك خروج .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذه الجنة العظيمة في وقت آدم وما أتى بعده يزاد في نعيمها

وقوله عز وجل هنا  : ((اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ )) يدل على أن الجنة موجودة وأنها مخلوقة ولكن لا يزال عز وجل يبني فيها إلى أن يدخلها عباده المتقون

ولذلك امرأة فرعون ماذا قالت :

((رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ))

دل على أنه ليس لها بيت فيما مضى وبإمكانك أن تزيد من البناء ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ))

إذاً :

معتقد أهل السنة والجماعة :

أن الجنة مخلوقة وأنها موجودة الآن وأن النعيم يزاد فيها إلى أن يلقى المتقون ربهم يوم القيامة

وبإمكانك أن تبني :

بناؤها وغراسها وأشجارها بالعمل الصالح .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا نهى آدم وحواء عن قرب هذه الشجرة .

والنهي عن القرب من باب أولى أن ينهى عن الفعل الذي هو الأكل (( ولا تقربا ))

لأن القرب من المحظور أي من المحرم سبيل إلى الوقوع فيه

ولذلك قال عز وجل : ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى )) لم يقل (( ولا تزنوا ))

قال ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى))

ما القرب من الزنى ؟

النظرة

اللمسة

فإذا نهى عن القرب عن الزنى فالوقوع في الزنى أولى بالنهى

هنا :

إذا نهى آدم وحواء عن القرب من هذه الشجرة إذاً الأكل منها من باب أولى بالنهى

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين :

(( إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ))

لا يعلمها إلا العلماء

(( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام )

موضع الشاهد

(( كالراعي يرعى حول  الحمى يوشك أن يرتع فيه ))

راعي عنده غنم أو عنده إبل يريد أن يرعاها في الصحراء وإذا بهذه الإبل تدنو من حمى ملك من الملوك ، هذا الحمى مليء بالعشب فإنه في مثل هذه  الحل لو زين لنفسه أن يقرب من هذا الحمى حمى الملك ربما دخلت هذه البهائم في هذا الحمى وبعد أن تدخل بهائمه

ماذا سينال ؟

العقوبة

ولذلك :

 (( كالراعي يرعى حول  الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى إلا وإن حمى الله محارمه ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ما هي هذه الشجرة التي نهي آدم عن الأكل منها ؟

هل هي شجرة البر الحنطة التين العنب ؟

كلام كثير ذكره بعض المفسرين منقول عن الإسرائيلين

ولكن لا دليل في الشرع على أنها شجرة لثمر معين

وهي قاعدة :

أن ما لا حاجة ولا منفعة للعباد من ذكره لا يذكره الله عز وجل

ما الفائدة لو عرفنا أنها شجرة التين أو شجرة الحنطة أو العنب أو الزيتون أو الرمان ؟

ما الفائدة ؟

وإنما الفائدة :

أن تأخذ العبرة والفائدة مما وقع

ما الذي وقع ؟

آدم مع علو منزلته ورفعة مكانته لما وقع في أمر حرمه الله عز وجل عليه ووقع فيه آدم عليه السلام عن طريق النسيان والاجتهاد

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115

مع هذا كله لم يغن مقامه وقربه ولم تغنه مكانته من الله أن يخرجه من الجنة .

فدل هذا على أن صاحب الطاعة في علو ومتى ما عصى الله فليحذر أن يقع في سفل

إذاً :

هذه الشجرة مجهولة لكن هي شجرة وقع ما وقع بقدر من الله فأكل منها آدم

ولذا :

 لا تقف كثيرا على ما يذكر

مثلا : الكلب الذي كان مع الفتية ما لونه أبيض أسود ما اسمه ؟

صغير كبير

ما هناك فائدة

ولذلك لما تنازعوا في عدد أصحاب الكهف قال عز وجل :

((فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً ))

يعني لا تدقق لا تجادل في عدد أهل الكه فلأن الوصول إلى عددهم ليس له مزية

المزية ماذا ؟

أن تأخذ الفائدة والعبرة مما وقع

ــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

باب سد الذرائع

قاعدة شرعية

بعض الناس إذا قيل له : يا أخي الأحوط لك كذا

بعض الناس يقول : ليس عندكم إلا الأحوط

ليس عندكم إلا أن تقولوا : لابد أن يسد باب الذرائع

نقول : نعم

لم ؟

لأن الشرع أتى به

من أين ؟

من أدلة كثيرة

منها :

هنا :

قال : ((وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ))

لم يقل : لا تأكلا

قال : لا تقربا

من باب سد الذرائع

سد الباب أمامك

لا تكن قريبا مما حرم الله فتقع

باب سد الذرائع المفضي إلى الوقوع في المحرم

ما السد هنا ؟

أنه نهى عن القرب .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أن الأصل في النهى عن الشيء التحريم

الأصل إذا نهى الشرع عن شيء فإنه للتحريم

ما الدليل ؟

((وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ))

والظالم فعل فعلا محرما أو مكروها ؟

محرما

((وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــ

أن الوقوع فيما يسخط الله ظلم

والظلم : ثلاثة أنواع :

أعظم الظلم :

أن تشرك مع الله إلها آخر

ولذلك قال عز وجل فيما ذكره عن لقمان لابنه

((يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) لقمان13

النوع الثاني :

ظلم العبد لنفسه

كيف يظلم العبد نفسه ؟

إذا أوقعها فيما حرم الله

النوع الثالث من أنواع الظلم :

ظلم العباد بعضهم لبعض إما بربا وإما بأكل مال أو استطالة على حق

أو ما شابه ذلك

وهنا :

الظلم هنا ما هو المذكور في الآية ؟

هو ظلم العبد لنفسه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه بمجرد ما يقع العبد في الفعل المحرم يكون ظالما

ولذلك قال : ((فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ))

بمجرد ما تقع يقع عليك وصف الظلم

إذاً :

كيف أرفع هذا الظلم ؟

بالتوبة

ولذلك :

لما تاب آدم وأراد أن يتوب أرشده الله إلى أن يقول كما في سورة الأعراف

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف23

سبحان الله !

إذا ظلم العبد نفسه وتاب إلى الله توبة نصوحا فليتمثل هذا الذنب أمامه فيخشى من أن يسخط الله فيزداد بذلك علوا

كما حصل لآدم

أذنب فماذا قال الله عنه في سورة طه

((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ ))

كيف ؟

اجتباء

أمجرد توبة ؟

 لا

اجتباء

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى }طه122

ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله :

( إن العبد _ وهذه نصيحة لنفسي ولكم لأنه لا يسلم أحد من الوقوع في الذنب مهما كان

يقول ابن القيم:

(( إن الذنب بمثابة الوجبة التي يأكلها ابن آدم فتمرضه

الذنب مثل الوجبة لأن الإنسان لما يذنب يتلذذ كما أنه لو أكل وجبة دسمة لذيذة قد تمرضه فيقول : الوقوع في الذنب بمثابة الوجبة التي تمرض ابن آدم ))

سبحان الله !

إذا مرض ابن آدم فهو بين ثلاث حالات:

وهذه نشاهدها ونلحظها في  أنفسنا إذا مرضنا

الإنسان إذا أصيب بمرض بين ثلاث حالات:

ــ إما أن يهلكه هذا المرض

ــ وإما أن يعود إلى صحته الطبيعية

ــ وإما أن يعود أنشط من حالته الطبيعة

فكذلك ابن آدم

بعض الناس يقع في الذنب فيسقطه هذا الذنب

وبهذا الذنب يسقطه لأنه لا يتوب لأنه يتمادى فتكون العاقبة السحق

وبعض الناس يتوب

وهذه التوبة تعيده إلى وضعه الطبيعي

بعض الناس يتوب ولكن بعد هذا الذنب وبعد هذه التوبة يرتقي فتكون عبادته غير

رجوعه إلى الله غير

وكل يقيس على نفسه

لم ؟

لأنه ما من أحد يسلم من الذنب

لكن ما حالك بعد الوقوع في هذا الذنب

أن يقضي عليك هذا المرض أو هذا الذنب

أن تعود إلى حالتك الطبيعية

أو أن تكون أحسن

وكم من أشخاص نعرفهم وقعوا في ذنوب عظيمة ومع ذلك لما عادوا عادوا بحالة أحسن مما كانوا عليه قبل الذنب

فنسأل الله لنا ولكم الإعانة على الخير

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــ

وهي فائدة أخيرة :

أنه يجب علينا أن نتواصى بالخير وأن نتعاون عليه وألا نتواصى على الشر

ولذلك:

لما أمر الله آدم وحواء قال :

 ((وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ))

آدم ما كان سيأكل لكن حواء زينت له فلما زينت له وقع ولذلك :

على المسلم أن يتعاون مع إخوانه على الخير وألا يتعاون معهم على الوقوع فيما حرم الله

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في  الصحيحين من حديث أبي هريرة :

(( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))

والخيانة هنا : هي خيانة الذنب الذي وقعت فيه حواء بسبب أنها أزت وزينت وملحت وحسنت لآدم أن يأكل من الشجرة