تفسير سورة البقرة الدرس ( 34 ) [ ولا تلبسوا الحق بالباطل .. الآية ( 42 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 34 ) [ ولا تلبسوا الحق بالباطل .. الآية ( 42 )]

مشاهدات: 803

تفسير سورة البقرة ـ الدرس (34 )

تفسير قوله تعالى :

{ وَلَا تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{42}}

البقرة 42

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى في شأن اليهود:

{ وَلَا تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{42}}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سعة حلم الله عز وجل على البشر وعلى من عصاه وكفر به

 فمن حلمه عز وجل أنه كرر التنبيه والتحذير لبني إسرائيل مما وقعوا فيه من أفعال شنيعة ليس فعلا واحدا وإنما أفعال شنيعة متعددة

تلك الأفعال المشينة تتعلق بماذا؟

ــ تتعلق بكتابه

ــ تتعلق برسله

ــ تتعلق به عز وجل

ــ تتعلق بالاعتداء على حقوق خلقه

ــ تتعلق بالاعتداء على ما أمر أن يظهر ويبين وهو الحق

فهذا يدل على سعة حلم الله عز وجل

ولذلك :

قال عز وجل :

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41

بعض ما عملوا ليس الكل

ثم مع هذا الحلم العظيم ما عاقبهم إلا لمصلحة تعود عليهم : ((لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا  لم ؟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) الروم41

((فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ))

ليس بكل ذنوبهم

ولذلك :

لو عاقب الله عز وجل الخلق بما فعلوه كله فكما قال تعالى :

((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ))

فهذه يدعونا نحن أتباع امة محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام أن نأخذ  العبرة من القصص  السابقة .

فنحذر مما وقعت فيه بنو إسرائيل

وليس هذا خاصا ببني إسرائيل فيذكر هذا في  كتاب الله لنستفيد نحن

ألم يقل الله :

((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ــ لمن ـــ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ )) أصحاب العقول السليمة

((مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ))

ما كان حديثا يذكر ويشاع ويقطع به الوقت والزمن

لا

((مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ  ))

ولذلك :

بعض من الناس ربما أنه يدور بينه وبين شخص نقاش في  مجلس من المجالس حول حكم شرعي فيقول : ليس هناك دليل

مع أنه يعلم أن هناك دليلا

لكن هواه دفعه إلى هذا

هذا به صفة من صفات اليهود

قد يكون الإنسان يعلم أن القرآن والسنة دلا على تحريم شيء

وإذا به يقول في مجلس من المجالس قال الشيخ الفلاني كذا

يتتبع ما تهواه نفسه

ولكن لا يكون في براءة ذمة بهذه  الطريقة

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الله نهى بني إسرائيل عن خلط الحق بالباطل

فكانوا يأتون إلى الحق ويصوغونه ولكن بأسلوب الباطل

ولذلك صح عنه قوله عليه الصلاة والسلام :

قال : (( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ))

في الصحيحين :

قال عليه الصلاة والسلام 🙁 قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوها )

يعني أذابوها قالوا : محرم علينا أن نأكلها إذاً لنا طريق آخر وهو دمج الحق بالباطل

(( فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها ))

ونهيه عز وجل عن لبس الحق بالباطل يدل على أنه :

ــ لا يمكن أن يجتمع الحق والباطل

ــ لا يمكن أن تجتمع السنة والبدعة

ــ لا يمكن أن يجتمع التوحيد والشرك

ــ لا يمكن أن يجتمع الإيمان والكفر

يقولون : يمكن أن نتقارب

يقول : بعض الناس وهو يلبس لا شك أن قوله وفعله وما يريد أن يتحقق لاشك أنه لبس للحق بالباطل

يقول : لماذا لا نقرب من الرافضة ويقربون منا

لا يمكن أن يجتمع الحق مع الباطل

لم ؟

قرآننا يدعونا إلى أن نترك دعاء غير الله عز وجل

هم يرون أن من أسس عقائدهم أنهم يدعون عليا والحسين وآل البيت

شريعتنا تأمر بأن نثني على الصحابة كما جاء في سورة التوبة

هم يسبون أكابر الصحابة

هل يمكن أن يجتمع الحق مع الباطل ؟

لا يمكن

فهذا تلبيس

ولهذا :

يحذر المسلم وخاصة مع وجود هذه القنوات ووسائل التواصل ربما يدلس عليه فيقول : ما الفرق بيننا وبينهم؟

فرق كبير وعظيم

أنت تؤمن بأن القرآن محفوظ

هم يقولون : لا

 فيه بعض الآيات أسقطها الصحابة

فاعلم :

أن ما يذاع ويشاع من هذا الأمر هو خلط الحق بالباطل

ولكن ولو انتفش الباطل وعظم وكثر وتحدث به وأنفقت فيه الأموال فإن مآله إلى زوال

((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ))

قريش ظلت سنين تعذب النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة سنين وأخرجوا من ديارهم وأموالهم

حتى قال عليه الصلاة والسلام قال لما خرج من مكة قال : (( والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت ))

ضحوا بكل شيء من المعاناة والشدة والاضطهاد

ولكن سبحان الله :

سنين والنبي عليه الصلاة والسلام يدخل بعدها مكة ومعه عصاه ويسقط الأصنام ويقرأ :

(( جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ))

هذا هو الحق الذي يبقى أما الباطل فلا يمكن أن يبقى مهما كان

الباطل ولو انتفش سرعان ما يزول

ولذلك :

وصفه الله بأنه زبد :

(( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً ))

أنزل من السماء ماء :

الماء لما ينزل كل وادي يأخذ ما كتب الله له أن يأخذ لما تنزل السيول ألا يكون هناك زبد عظيم يطفو على هذا السيل المفيد؟

بلى

لكن البقاء لمن ؟

للماء

كذلك القرآن

وهذا فيه إشارة إلى القرآن :

(( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ))

يعني :

أن هذا الماء يحي الأرض كذلك ينزل الله هذا القرآن حياة للقلوب  والقلوب بمثابة الأودية ، فكل قلب على حسب ما وفقه الله

فحمل من هذا القرآن ما كتب الله له أن يحمل كما يحمل الوادي

بعض  الناس  لا يحمل شيئا لكن الزبد يتكاثر على قلبه فيهلك

ولذلك :

قال عز وجل في آخر الآيات :

((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ))

الحق عبارة عن ماذا عن سيل الماء  والباطل عن الزبد:

((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ))

نعم مهما علا

شيخ الإسلام رحمه الله أتى في بيئة لا أظن أن هناك بيئة مثل تلك البيئة حتى في  زمننا هذا

بيئة يقول بعضهم ممن أدرك أفرادهم : كل  ما ترى هو الله

يقول : كل ما ترى هو الله

الجدار هو الله

الحائط هو الله

ومع ذلك أين أولئك لا ذكر ولا اسم

لكن أين شيخ الإسلام ؟

له الآن أكثر من سبعمائة سنة ونذكره كأنه يعيش بيننا

وهذا يدل على أن صاحب الحق يعلو

لم ؟

لأن الحق عال

وصاحب الباطل يسقط لأن الباطل يسقط

ولذلك :

صح عنه عليه الصلاة والسلام : (( الإسلام يعلو ولا يعلى )) ولو طالت الظلمة

فالخير آت بإذن الله تعالى

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( والذي نفس محمد بيده لن تمر الأيام والليالي حتى يدخل هذا الإسلام كل بيت من وبر أو مدر بعز عزيز أو بذل ذليل ))

ولذلك قال تعالى :

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } التوبة33

ولذلك :الحذر الحذر قد يقع احدنا في تلبيس وتدليس الحق بالباطل بسبب أهواء

هو يعرف أن هذا حق

لكن يريد أن يدلس من أجل تبرير موقفه أو تبرير ما يفعله

لو تقول لإنسان : يا أخي الدخان حرام

يقول : ما الدليل ؟

هو يعرف

تقول : الغناء حرام

يقول : أعطني دليلا من القرآن

هو القرآن أتى بالتشريع فقط ؟

لا السنة أيضا شرعت

والقرآن أيضا دل على هذا

لكن من باب الهوى

ويقول الشيخ الفلاني قاله

لكن لو تقول لشخص أنت طلقت زوجتك أو عنده قضية رضاع اذهب إلى هذا الشيخ الفلاني الذي تتشبث بفتواه لن يذهب

لأنه يعرف أن فتواه ما أتت إلا من أجل هوى يوافق نفسه

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه إذا لبس الحق بالباطل فالحق يكتمه

لكن العاقبة للحق أن يظهر

لماذا قال : ((تكتموا الحق ))

الآية :

((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ )

ما الذي بعدها ؟

((  وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{42} ))

ربما يظن ظانّ أن المنهي عنه هو تلبيس الحق بالباطل أما أنه لو كتمه فلا حرج

يقال :

الدين لا يخرق جوانبه إلا من هذين الطريقين :

ــ إما كتمان الحق

ـ وإما أن يؤتى إلى هذا الحق ويدلس

وهذا هو المصاب

كون الإنسان يكتم الحق هذا جرم

لكن أجرم منه :

أن تصور للناس أن هذا الباطل حق

فيكون بذلك اعتداء على شرع الله

ولذلك:

النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ))

عقوبة له لأنه كتم الحق

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل :

((وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{42} ))

يدل على أن من لبس الحق بالباطل أنه على جرم عظيم إذا كان عن طريق  الجهل ، فإذا كان عن طريق العلم يعلم أن هذا هوالحق وهذا هو الباطل فدلس فهو أعظم جرما

لا يليق بشخص عالم لا يليق به أن يفعل هذا

ولا يساوى بالجاهل

ولذلك قال : (( وأنتم تعلمون ))

تعلمون ماذا ؟

ــ تعلمون أن فعلكم ذنب عظيم

ــ تعلمون أنكم تعتدون على شرع الله

ــ وأنتم تعلمون تلك المضار والمفاسد الناجمة من كتمان الحق وتلبيس الحق بالباطل

لأنه إذا لبس على الناس دينهم بالباطل أو أن الدين كتم ولم يظهر ماذا يكون حال الناس ؟

يكون حالهم في شتات في ضياع

لأن الناس لا يمكن أن تصلح أحوالهم لا دين ولا دنيا إلا بهذا الدين .