تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 37 )
تفسير قوله تعالى :
{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{46}
البقرة 45 ، 46 ــ الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتفسيرنا في هذه الليلة لقوله تعالى :
((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {46} ))
فمن فوائد هاتين الآيتين الكريمتين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه عز وجل لما ندد بصنيع علماء أهل الكتاب بأمرهم بالمعروف وتركهم لأنفسهم لذلك الأمر أمرهم أن يفعلوا أمرين وأن يستعينوا بأمرين لأن في هذين الأمرين عونا لهم على ترك ما هم عليه من هذه الخطيئة
ما هما هذان الأمران ؟
الصبر والصلاة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الصبر مطية ابن آدم مع الشكر
ولذلك يقول بعض الصحابة :
يقول : هما مطيتان لا أخشى أن أركب إحداهما : الصبر والشكر
عند الابتلاء : الصبر
عند النعماء : الشكر
وهذه هي حقيقة الإيمان
في حديث صهيب عند مسلم :
قوله عليه الصلاة والسلام : ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )
لم ؟
لأن ابن آدم لا ينفك من طريقين :
إما أن يلاقي ما يلائمه وإما أن يلاقي ما لا يلائمه
فإن لاقى ما يلائمه فالشكر
وإن لاقى ما لا يلائمه فالصبر
ولذلك يقول الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب في القواعد الأربع :
يقول : ” عنوان السعادة ثلاثة أشياء :
ــ أن يجعلك الله ممن إذا أعطي شكر ، وممن إذا ابتلي صبر وممن إذا أذنب استغفر “
لماذا الاستغفار ؟
لأن الإنسان قد يعجز عن أن يقوم بواجب الشكر وقد يعجز عن أن يقوم بواجب الصبر
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الصبر المحمود والذي يستعان به يكون به الظفر
من صبر ظفر
على من ؟
على عدوه من النوعين كليهما
قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس لما كان رديفا له قال : ” واعلم أن النصر مع الصبر “
سبحان الله !
النصر مع الصبر
ليس بعده لا بل معه
لكن أين الصابرون
تصبر على ماذا ؟
إن صبرت على عدوك الكافر بمجاهدته ظفرت ونصرت عليه .
نصر على الأعداء الذين هم الكفار أو من المؤمنين العصاة
فلك عدوان
إنسي سواء كان من العصاة المؤمنين أو كان من الكفار إذا صبرت نصرت عليه .
ولك عدو آخر أعتى من هذا العدو الإنسي نفسك التي بين جنبيك
إن صابرتها وحبستها نصرت عليها
ولذلك عبارة العلماء :
يقولون : ” من صبر على المحنة وهي الابتلاء من صبر على المحنة أعقبه الله عز وجل بعدها منحة “
ما المنحة ؟
العطية
لكن هذا الصبر له شرط :
أن يكون ابتغاء وجه الله
وإلا فلا فائدة
ولذلك قال تعالى في سورة الرعد لما أثنى على المؤمنين :
(( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ))
ليس لأمر آخر
ولذلك :
الناس في مقام الصبر أنواع وأقسام :
باعتبار أنواع الصبر
كم أنواع الصبر؟
أقسام الصبر ثلاثة :
ـــ صبر على طاعة الله
لما تأتي إلى الصلاة فيها جهاد تحتاج إلى صبر
لما تأتي إلى الصلاة وأنت مستلذ للنوم صبر
صبر على ماذا ؟
على طاعة الله
ولذلك :
حتى في أمرك لأهلك في الصلاة فيها مصابرة
قال تعالى : ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ))
ما قال واصبر قال : واصطبر فيها معاناة
لما توقظ أولادك لصلاة الفجر تعاني منهم ولا يدرك هذا إلا الآباء والأمهات
النوع الثاني :
صبر عن معصية الله
قد ترى ولاسيما في هذا الزمن السبل أمامك ميسرة
قنوات فضائية وسائل تواصل ترى فيها ما ترى يوتيوب يمكن تدخل على مقاطع إباحية ومقاطع خليعة
لكن أين الصابرون عن معصية الله ؟
حتى ينصر واعلم أن النصر مع الصبر
النوع الثالث :
صبر على أقدار الله المؤلمة
تنزل بك مصيبة بلية في مالك في ولدك في أهلك
ولذلك :
قال عز وجل : ((ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ))
لكن ما هي بقوتك استعن بالله
قال :
((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ ))
صحيح أننا نستعين بالصبر على ما يواجهنا لكن ما تنال هذا الصبر إلا أن تستعين بمن أمر بالصبر
ألم يقل الله : (( واصبر وما صبرك إلا بالله ))
ما هي بيدك
فلا يأتي إنسان ويقول كيف أستعين بالصبر أنا أستعين بالله
هذا الصبر لن يأتيك إلا إذا طلبت العون من الله ليتحقق لك هذا الصبر
وإذا حصل ما هو هذا الخير ((ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ))
ما هو هذا الخير ؟
أن تنصر
هذه ثمرة
تؤجر
هذه ثمرة
تثاب هذه ثمرة
لكن ثمارها لا تعد ولا تحصى : (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ))
إذاً :
إذا لم تتخذ الصبر مطية لك في هذه الدنيا تعبت وأتعبت شقيت وأشقيت
ممكن تخرج من المسجد فتلاقي شخصا فيتلفظ عليك بلفظ بذيء فأين الصبر ؟
بل إن الشرع يطلب من ابن آدم أن يرتفع عن نفسه البشرية التي تأمره بالسوء
بمعنى : أنك تؤذى من قبل شخص فلا تصبر على أذيته بل تقابل هذه الأذية بالإحسان إليه
مرتبة أعلى وأعلى
((فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) فصلت34
لكن ((وَمَا يُلَقَّاهَا )) تشديد {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } فصلت35
الشيطان يأتي ويقول : كيف يعتدي عليك ويتكلم عليك وتسكت أنت ضعيف
فكيف إذا تجاوزت هذه المرحلة وتجاوزت ما يأمر به الشيطان والنفس وأحسنت إليه
ولذا قال :
((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ ))
انتبه :
الشيطان يصرفك عن هذا الصبر:
((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{36} ))
لأنه هو الذي يمنحك ويمدك الصبر جل وعلا
وهذا الصبر الناس فيه أقسام مع الطاعة :
أمر هنا بالاستعانة بالصبر وبماذا ؟
بالصلاة
يعني :
أنت أيها العبد بين أمرين وبين ذلك شيخ الإسلام في العقيدة التدمرية بيانا واضحا بين القدر وبين الشرع
ما موقفك في القدر ؟
أن تصبر على ما لا يلائمك من المصائب
ما موقفك في الشرع ؟
أن تصبر على فعل الأوامر الشرعية وأن تصبر على ترك النواهي الشرعية
حتى تنال الإحسان
لأن مراتب الدين ثلاثة :
الإحسان
ثم الإيمان
ثم الإسلام
الإحسان :
أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
الإحسان :
سماه بعض العلماء بالإخلاص
لأنه لا يصل إلى هذه المرتبة إلا شخص مخلص
فلابد من الأمرين نقرأ في كل ركعة في سورة الفاتحة :
( إياك نعبد وإياك نستعين )
إياك نعبد : الشرع
إياك نستعين : القدر
ما يمكن أن نفعل هذه العبادة إلا بقدر من الله إلا بعون من الله
(( فاعبده)) : هذا الشرع
( وتوكل عليه ) : القدر
( عليه توكلت ) : قدر
( وإليه أنيب ) : شرع
يوسف عليه السلام صبر
صبر صبرا عظيما
شهوات تعرض ذات منصب وجمال وغلقت الأبواب كلها وصبر على أذية إخوانه وصفح عنهم وبيع عليه السلام
لما عرضت عليه امرأة ذلك العرض ماذا قال عز وجل ؟
((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ــ لم ؟ ــ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف24
هذا الإخلاص
الإخلاص
أورثه الإحسان
كيف ؟
(( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) يوسف90
يتق : هذه هي العبادة
ويصبر هذا هو القدر
ختام الآية ((فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) يوسف90
من هم المحسنون ؟
هم أهل الإخلاص
(( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) يوسف24
فالسعادة أن تجمع بين القدر وبين الشرع ولا انفكاك عنهما
الناس في هذا المقام على أنواع :
بعض الناس عنده صبر وعبادة :
بعض الناس من العباد ما شاء الله
قوام صوام وإذا أتت المحنة فالبلايا العظام الواحدة منها تدمر رجالا
ومع ذلك يصبر
هذا في أعظم المقامات
عابد لله وصابر
وطبق هذا على واقع الناس في نفسك وفيمن حولك ومن تعرف
صنف من الناس :
عنده عبادة لكن لو أتى إليه ما قل من الابتلاء أضعفه وأنهكه
وما أكثرهم والله المستعان
إذاً :
هذا عنده خلل لابد أن يعالج نفسه
لم ؟
لأنه يميل إلى الدنيا
نعم
ولذلك يقول بعض السلف يقول : ” من استلذ بالدنيا فليوطن نفسه للمصائب “
لأن الدنيا ليست باقية على ما تريد
صنف ثالث :
عنده صبر وليست عنده عبادة
بعض الناس لا يعرف الله لكن لو تأتيه بلية لا إشكال عنده مثل قطاع الطرق بعضهم لا يعرف الله لكن عنده صبر بإمكانه يتحمل السجن الضرب وما شابه ذلك
هذا فيه خلل لابد أن يراجع نفسه في عبادة الله
الصنف الرابع نسأل الله العافية :
لا صبر ولا عبادة
ولذلك انظروا إلى الأمر جمع بين الصبر والصلاة
(( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ))
لأن اليهود لو استعانوا بالصبر والصلاة أدى بهما هذان الأمران إلى الإحسان
وفي أول الآية يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم هذا إحسان أم بلاء ؟
بلاء
إذاً :
خلاصة القول والحديث يطول
خلاصة القول :
من أراد السعادة الكاملة في الدنيا فعليه بهذين الأمرين عبادة الله مع تعويد النفس على الصبر .