تفسير سورة البقرة الدرس ( 6 ) [ أولئك على هدى من ربهم … الآية ( 5 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 6 ) [ أولئك على هدى من ربهم … الآية ( 5 )]

مشاهدات: 516

تفسير سورة البقرة ــ الدرس السادس

من الفوائد تحت قوله تعالى :

(( أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5}))

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

فإنه جل وعلا لما ذكر صفات المتقين في أول هذه السورة أخبر عنهم فقال بعد ذكر هذه الصفات قال : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

 

من فوائد هذه الآية :

أنه قال جل وعلا : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى }

{ أُولَئِكَ } : إشارة إلى البعيد

لم يقل : هؤلاء

قال : أولئك

لم ؟

لأن منزلتهم قد ارتفعت وعلت

فليسوا في  منزلة منحطة

كلا

وإنما في علو

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه جل وعلا إذا ذكر هؤلاء المؤمنين وذكر المتقين وذكر لهم الهداية أتى بحرف

( على ) قال : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى }

بينما لما يذكر مآل الكفار وما هم فيه يقول : (في )

{ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }

وفرق بين ( في  ) وبين ( على )

{ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

لم ؟

لأن هؤلاء قد علو وارتفعوا بالهداية

فطريق علو العبد في  دنياه وفي أخراه لا يكون أبدا إلا عن طريق  الهدى

بينما من انحرف إنما يكون في سفل محتقر إذا خالف الطريقة الصحيحة السليمة

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال جل وعلا : { عَلَى هُدًى }

 نكَّر كلمة { هُدًى }

تنكير الكلمة لها مغزى وفوائد في  اللغة

 من بينها : التعظيم

يعني : أن هداهم هذا هدى عظيم لا يوازى بأي  درجة من الدرجات

{ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى }

سبحان الله!

ما طريق  الهدى الذي وصلوا إليه ؟

ما قبله من آيات

تلك الآيات تتكلم عن ماذا؟

تتكلم عن العقائد

وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن أعظم ما يهتدي به العبد عن طريق التوحيد

والتوحيد داعي إلى العمل الصالح

لأنه كلما عظم توحيدك :

كلما عظمت محبة الله عز وجل

وكلما عظم خوف الله عز وجل

وكلما عظم رجاء  الله عز وجل في قلبك

فحينها تجتمع عندك أركان العبادة الثلاثة :

المحبة لله

الخوف من الله

ورجاء الله

فتدعوك هذه  المراتب الثلاثة إلى العمل الصالح

ولذا بعض السلف ماذا يقول ؟

[ كل معصية شرك ]

هي ليست شركا باعتبار أن الإنسان يخرج من الدين

لا

لكن لماذا  كانت شركا ؟

لأن الإنسان عندما يقدم على المعصية يقدم عليها لهوى في نفسه

فكأنما أشرك هواه مع محبوب الله

ولذا :

علينا أن نهتم بالعقيدة اهتماما بالغا

فهذا الزمن :

لما انفتحنا على وسائل التواصل أصبح الناس يهونون من أمر البدع

البدع : هي خارقة وقاصمة للتوحيد

فيجب أن يحمى جناب التوحيد مما يخالفه

ولذلك في السنن النبي عليه الصلاة والسلام :

لما أتاه وفد بني عامر قالوا له : أن تسيدنا وابن سيدنا وأعظمنا طولا وأفضلنا فضلا

كلها صفات حق ولم يرفع عليه الصلاة والسلام عن منزلته

هي حق :

هو سيد وابن سيد وأعظمهم غنى وكرما وأفضلهم عليه الصلاة والسلام

لكن ماذا قال لهم ؟

لما أتاه هذا الوفد وهم حديثو عهد بإسلام ؟

قال :

(( قولوا بقولك ولا يستجرينكم الشيطان فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ))

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن هؤلاء إذا  كانوا على هدى غيرهم على ضلالة

وكيف يكون على ضلالة ؟

إذا خالف ما ذكر  من الصفات الموجودة في  هذه السورة مما سبق

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال : { مِنْ رَبِّهِمْ }

يعني :

هذا الهدى لم ينالوه بحول منهم و لا بقوة ولا بفهم و لا بذكاء وإنما هو بتوفيق من الله

لما هداك الله وحضرت للصلاة هنا هذا بتوفيق  من الله وكرم

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال : { مِنْ رَبِّهِمْ }

اعلموا :

أن كلمة [ الرب ] إذا جاءت في سياق  المؤمنين أو في سياق الأنبياء والأولياء

فاعلموا أنها هي الربوبية الخاصة

بينما إذا جاءت في سياق الخلق فإنها الربوبية العامة

ومن ثم :

فإن الربوبية في كتاب الله عز وجل هي على نوعين

ربوبية عامة :

لجميع الخلق :

يربيهم

يرزقهم

يعافيهم

يعطيهم

كما قال تعالى :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

يعني : لجميع الخلق

بينما إذا جاءت كلمة الرب في سياق المؤمنين كما هنا :

فإنها ربوبية خاصة للمؤمنين :

يربي ماذا ؟

يربي قلوبهم بالإيمان وبالهدى وبالتقى

ولذا :لو تتأملون أدعية الأنبياء والصالحين في كلام الله عز وجل نجد أنها مصدرة بقوله { ربنا }

ربوبية ماذا ؟

الربوبية الخاصة

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن فيها ردا على القدرية

القدرية فرقة ضالة تقول  : العبد يخلق فعل نفسه

يعني يقولون : أتيت إلى هذه الصلاة ليس لله فيها أي أمر

ضلال مبين

انظروا :

كيف إذا حاد الإنسان عن طريق  الشرع ؟

يضل به عقله

وإذا ضل به عقله فإنه يأتي بأشياء خارجة عن مفهوم العقل

عن نطاق العقل

ولذلك في هذه الآية رد عليهم قال : { مِنْ رَبِّهِمْ }

ليس منهم

لذلك هم يقولون : لو أن الإنسان زنى يقولون : هذا ليس  من أمر الله

هذا من فعل العبد

خطأ

لا يمكن أن يصدر شيء في الكون إلا بأمر الله : أمره الكوني

فيه : أمر كوني قد يقع يحبه الله وقد لا يحبه

مما يحبه الله : الطاعة

لما قضى وأمر  جل وعلا أمرا كونيا أن تصلي فصليت  هذا أمر كوني وأيضا أمر شرعي لأنه يحبه

لكن :

لما قضى وأمر عز وجل على فلان أنه يزني فإنه قضاء وأمر كوني لا يرضاه

لكن لا يمكن أن يقع شيء في الأرض لأنه ربما تُدس الدسيسة عبر وسائل الإعلام الفاسدة ممن يشكك في  عقيدة المسلمين فيقول : هذا القدر

فيأتي بهذه الدسائس فيشوش على عقيدة المسلمين

{ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }

لا يمكن أن يقع شيء في الكون إلا بأمره عز وجل

وبالتالي :

 لما أتت هذه الطائفة

أتت طائفة أخرى تسمى الجبرية يقولون : إن العبد مجبور على فعله

يقولون مثلا : لما حركت يدي أمامكم أنت لم تحركها وإنما أنت مجبور على حركتها

فعندما تأتي هنا يقولون : أنت مجبور

وبالتالي : إن حركتك كحركة الأشجار

يعني : ليس لها أي إرادة

لكن معتقد أهل السنة والجماعة :

أن للعبد مشيئة وإرادة وسيحاسب عليها

لكن مشيئته وإرادته لا يمكن إن تكون إلا بمشيئة إلا الله

لذلك جمع بينهما :

{ وَمَا تَشَاءُونَ } أثبت لنا مشيئة

{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال جل وعلا : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

نتيجة الهدى  ، ثمرة الهدى

ماذا ؟

الفلاح

نقيض الهدى تكون نتيجته : الخسران

إذاً : من ليس على هذا المنهج الذي سار عليه هؤلاء هو في  خسارة

من سار على هذا المنهج إنما هو في فلاح

ولذلك :

كما أسلفنا أتى بإشارة البعد مرة أخرى : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه لم يقل جل وعلا : وأولئك المفلحون

السياق يصح في غير القرآن وألئك المفلحون

لكن قال : { هُمُ }

هم : في اللغة العربية تفيد التأكيد والحصر

يعني : هم هم هم ليس  سواهم

هم هم من ؟

المفلحون

وما عداهم هم الخاسرون

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن معنى الفلاح :

هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب

وهذا هو أعظم مقامات السعادة

قد تنال محبوبك ولكن قد تصاب بمكروه فلا تكتمل السعادة

قد يمنع منك السوء ولم يصبك المكروه لكن لم تحصل على مطلوبك ومبتغاك لم تتم السعادة

فتتمة السعادة :

أن تحصل على ما ترغب وأن يصرف عنك ما ترهب

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

الفلاحة : عمل شاق أم عم لسهل ؟

عمل شاق

في اللغة العربية يسمون المزارع بالفلَّاح :

فمعنى: الفلاح في اللغة العربية : الشق

لم ؟

قالوا : لأن الفلّاح يشق الأرض لا يحصل هذا الشق إلا بمشقة

هذا له ارتباط بالمعنى الشرعي :

يعني :

أن هؤلاء بلغت بهم المشقة ما بلغت في  طلب  معالي الأمور فنالوا هذا الثواب

لا يظن أحد أن هذا الفلاح يأتي بسهولة

لا

لابد من مكابدة

{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69

ولذلك :

انظروا إلى التوافق بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي

كذلك من معاني الفلاح في اللغة البقاء

لم ؟

لأنهم باقون في هذا الفلاح ولا يزول عنهم هذا الفلاح

ولذلك :

في سنن أبي داود :

سمى الصحابة رضي الله عنهم السَحُور بأنه فلاح

قالوا : (( صلينا مع النبي صبى الله عليه وسلم حتى كاد أن يفوتنا الفلاح ))

يعني : السحور

لماذا سمي السحور بالفلاح ؟

لأن في أكله إبقاء في قوة العبد فيتحمل مشقة الصوم

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

قال : (( تسحروا فإن في السحور بركة ))

وقال عند أبي داود :

(( هلموا إلى الغداء المبارك ))

سماه غداء مبارك

وعند النسائي قال :

(( هي  بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوها ))

وبيَّن النبي عليه الصلاة والسلام كما عد الطبراني

إذ قال : (( إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ))

والنبي عيه الصلاة والسلام :

بيَّن أن العلامة الفارقة بين صومنا وبين صوم أهل الكتاب : هي السحور

عند مسلم :

قال : (( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب : أكلة السحر ))

والسحور : هو الذي يقع في السحر قبل الفجر

يعني :

ما بعد الثلث الأخير

يعني : في ثنايا الثلث الأخير

وكلما كان الإنسان متسحرا قبيل الفجر كان أفضل وأتم وأكمل :

لما في الصحيحين :

عن زيد ين ثابت رضي الله عنه أنه قال :

(( تسحرنا مع النبي عليه الصلاة والسلام فأتينا إلى الصلاة فقيل : كم كان بين سحوركم وبين الصلاة ؟ قال : بقدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية ))

دل على أنه قريب

وأحسن وأكمل – بما أننا في رمضان نتحدث ولو شيئا يسيرا عن السحور – وأفضل ما يتسحر به الإنسان التمر :

جاء عند البيهقي :

قوله عليه الصلاة والسلام : (( نعم سحور المؤمن التمر ))

وبالتالي :

فإن العبد لا يدع هذا السحور ولو بجرعات من ماء :

كما جاء عند أبي يعلى : (( تسحروا ولو بجرعة من ماء ))

فما ينبغي لصائم أن يدع السحور

لو تركه : صيامه صحيح ولا إشكال في ذلك لكنه ترك شيئا فاضلا

وأوصيك وأوصي نفسي :

إذا تسحرت أن تستحضر ثلاثة أمور حتى تؤجر ثلاث مرات :

الأمر الأول

ـ أن تتسحر اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام

الأمر الثاني :

ـ أن تتسحر لكي تبقي لجسمك قوة تستعين بها على الصوم

الأمر الثالث :

ـ أن تتسحر وتستحضر في قلبك وتستحضر أن تخالف بأكلك للسحور تخالف اليهود والنصارى

ومن فوائد هذه الآية :

أنه قال جل وعلا : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

مفلحون : أي : في الدنيا ؟

في الآخرة ؟

لم يذكر شيئا

وسبق وأن ذكرت قاعدة :

وهي حذف المعمول في اللغة وفي التفسير يدل على العموم

يعني  : لما لم يذكر جل وعلا الفلاح في الدنيا مقيدا أو في الآخرة إذاً  ماذا نقول حتى نأخذ بعموم القرآن ولا تحتاج إلى انم تغربل عقلك وذهنك

{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } أي  : في الدنيا وفي الآخرة

من هم هؤلاء المفلحون ؟

المذكورون في أول الآية : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ }

لو تأتي إلى سورة الطلاق :

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للعلم النفع والعلم الصالح