تفسير سورة البقرة الدرس ( 79 ) [ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .. ] الآية ( 80 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 79 ) [ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .. ] الآية ( 80 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 432

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 79 )

قوله تعالى :

((وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))

البقرة 80 (2 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في ذك الفوائد المتعلقة بقوله تعالى عن اليهود :

 ((وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80} ))

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــ

 

أن أعظم الأدلة التي يستدل بها على إثبات الحكم هو الإقرار ولذا تسمعون الإقرار هو سيد الأدلة فمن أقر فقد أثبت على نفسه الحكم

وهؤلاء اليهود أقروا على أنفسهم بما كتب الله عليهم ابتداء بدخول النار أقروا على أنفسهم أنهم سيدخلونها فلا عذر لمن أقر

 

لكن :

ألمن اُتهم له سبيل إلى أن يخرج من هذا الاتهام إلا بدليل ؟

أو من وقع في جرم ألهُ سبيل أن يخرج من هذا الجرم فيعافى منه إلا بدليل ؟

لابد من لدليل

إذاً :

هم :

((وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً))

إذاً :

هنا أثبتوا بإقرار منهم بدخول النار

هذا إقرار يُعتمد

لكن :

خروجهم من هذه النار كما زعموا أنهم يبقون فيها أياما

خروجهم لابد فيه من دليل

ولذا :

في صحيح البخاري :

 

النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح خيبر قدم له طعام قدمت له شاة  قدمتها امرأة تسمى بـ ” زينب بنت الحارث “ وكان زوجها قد قُتل

فلما قدمت هذه الشاة بين يديه عليه الصلاة والسلام قال : اجمعوا لي من هاهنا من اليهود

فجُمع اليهود له عليه الصلاة والسلام فقال : إني سائلكم شيئا أأنتم صادقي ؟

قالوا : نعم

قال عليه الصلاة والسلام :  من أبوكم ؟

قالوا : أبونا فلان

قال : كذبتم أبوكم فلان

ثم قال : إني سائلكم شيئا أأنتم صادقي ؟

قالوا : نعم فقد عرفت كذبنا في أبينا

فقال عليه الصلاة والسلام : من أهل النار ؟

قالوا : ندخلها ثم تخلفونا فيها

انظر هذا السياق الذي يتفق مع هذه الآية

 

إذاً :

في هذا الحديث أمر آخر :

هنا : أثبتوا أنهم سيدخلون النار أياما معدودة

 

لكن هل في الآية ما يدل على أنهم قالوا إن أمة محمد ستخلفهم فيها ؟

ما ذكر

فدل ذلك على أنه لابد من السنة مع القرآن

 

ولذلك:

هناك طائفة كانت موجودة والآن موجودة  مع انتشار التقنية تسمى بطائفة القرآنيين

يقولون : ما أتى به هذا القرآن أخذناه وما لم يأت به لم نأخذ به

وهؤلاء كفار

والله لو كانوا يأخذون بالقرآن لأخذوا بالسنة

كيف ؟

لأن هناك ما في القرآن ما يوجب الأخذ بالسنة

أين ؟

((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ))

ولذلك:

علم عليه الصلاة والسلام أن هذه الطائفة ستأتي

فقال عليه الصلاة والسلام :

 (( يوشك أن يكون هناك رجل شبعان متكئ على أريكته ))

علامة على الترف وحب الدنيا

 

فيقول : ما أتانا هذا القرآن بشيء أخذناه وما لم يأت به لم نأخذ به

فقال عليه الصلاة والسلام : (( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ))

 

فقالوا : ندخلها وتخلفوننا

فقال عليه الصلاة والسلام : اخسئوا لا نخلفكم فيها أبدا

ثم قال عليه الصلاة والسلام : إني سائلكم سؤالا فقال عليه الصلاة والسلام : لم وضعتم في هذه الشاة السم ــ الشاة أخبرته ــ ؟

وهو عليه الصلاة والسلام كان يحب الذراع وكانت هذه المرأة التي هي زينب

وللمعلومية أسلمت هذه المرأة

 

قالت : ما أحب شيء إليه من الشاة ؟

قالوا : الذراع فأكثرت من السم فيه

النبي عليه الصلاة والسلام لما نهسه ــ يعني الذراع ــ  علم أن به سما

فلفظه عليه الصلاة والسلام

 

لكن :

أتدرون من قوة هذا السم أنه عليه الصلاة والسلام في أواخر حياته تأثر به

قال : مازلت أشعر بالأكلة التي في خيبر فهذا أوان انقطاع أبهري

الأبهر : عرق في الظهر مرتبط بالقلب

فكانت هذه المادة من السم أثرت فيه عليه الصلاة والسلام على مدى أربع سنوات :

لأن غزوة خيبر في السنة السابعة

والغريب :

ــ سبحان الله ! ــ أن أبا بكر رضي الله عنه مات بالسم

توافق

والغريب كما جاء عند مسلم:

أن أبا بكر مات وعمره ثلاث وستون سنة

و عمر مات وعمره ثلاث وستون سنة

والنبي عليه الصلاة والسلام مات وعمره ثلاث وستون سنة

 

على كل حال :

قال: لم وضعتم فيها السم ؟

فقالوا : إن كنت كاذبا استرحنا منك وإن كنت نبيا لم يضرك شيء

فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يقتل هذه المرأة إلا بعد حين من الزمن مع أنها أسلمت لكنها قتلت

 

لم ؟

لأن أحد الصحابة وهو بشر بن معرور تأثر بعد ذلك بسنة فقتلها بها قصاصا

 

فعلى كل حال :

هذا الحديث يبين ما جاء في هذه الآية ويزيد

ما الزيادة ؟

أنهم يقولون : أنهم يقولون : ستخلفوننا فيها

 

 

ومن الفوائد:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان خطر تزكية النفس لأنهم زكوا أنفسهم

وهذا مذكور

لما ذكر جل وعلا في سورة النساء :

 

((  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً{47} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً{49} ))

 

وإذا ما كان الإنسان سائرا وكررنا هذا سائرا على منهج الله فإنه يضل

هم لم يقتصروا  على أن يزكوا أنفسهم بل زكوا الكفار على النبي عليه الصلاة والسلام

 

في سورة النساء :

 

(({أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً }النساء51

 

لما أتى وفد من اليهود لكي  يحرضوا قريشا على قتال النبي عليه الصلاة والسلام

قالت قريش : أينا أهدى محمد أم نحن ؟

قالوا : أنتم

فأنزل الله هذه الآية

 

ومن فوائد هذه الآية الكريمة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هذه الأيام المعدودات التي ستقضيها هؤلاء اليهود كما زعموا كم عددها ؟

ولم هذه الأيام ؟

ثم أهي أيام كثيرة أم قليلة ؟

ما رأيكم

ما فيه ما يدل في الآية ؟

 

هم يقولون : ((إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ))

 

لتعلم :

أن الذي يُعَدُّ  كثير أم قليل ؟

قليل

((وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ))

وهي أيام التشريق ثلاثة

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ }يوسف20

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ))

 

نحن في أي يوم ؟

اليم التاسع أو العاشر

 

إذاً :

هي معدودة لكن كم عددها ؟

قالوا فيما زعموا قالوا :  إن هذه الأيام هي الأيام التي عبدنا فيها العجل أربعين يوما

وقالت طائفة أخرى : نمكث فيها سبعة أيام

لم ؟

لأن الدنيا سبعة آلاف يوم وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

إذاً :

عن كل يوم ألف

فسبعة أيام

 

ولتعلموا :

أن أي حديث ــ وهي موجودة :

أن هذه الأحاديث التي تذكر من أن الدنيا سبعة آلاف يوم فإنها أحاديث مختلقة موضوعة لا تصح نسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام

ولا يجوز أن يحدد عمر الدنيا

فمقدارها لا يعلمها إلا الله

 

ولذا :

في العام الميلادي في أواخر عام 2011 م هناك نظرية لأحد الغربيين

يقول : إن عام ألفين واثني عشر ستقوم الساعة سمعتم بهذا ؟

وخطبت خطبة في وقتها

وهذا لا يجوز

 

وبالتالي :

نحن في عام 2013

الساعة لا يعلم بها إلا الله

ما علمها النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو أعلى مقاما من مقامات الأنبياء كلهم ولا علمها جبريل الذي هو أعلم الملائكة مقاما

 

ولذلك:

يقول القرطبي : ” ليس هناك دليل يدل على أنه تقع فتنة في يوم من الأيام “

ما هناك تحديد

سبحان الله

انتبهوا :

ما يأتي أهل الباطل بباطل إلا كان في كلامهم الباطل ما يرد باطلهم

كيف ؟

التاريخ الهجري من وضعه ؟

عمر بن الخطاب

فكيف يقول النبي عليه الصلاة والسلام في عام كذا هجري سيقع شيء

والتاريخ الهجري ليس في عهده ولا في عهد أبي بكر

فكيف بهذا التاريخ الوهمي المبني على ولادية عيسى عليه السلام ؟!

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــ

 

أنه قال جل وعلا هنا عن هؤلاء : ((لَن تَمَسَّنَا))

لن : أداة نصب تنصب الفعل المضارع ونفي

أداة نصب ونفي واستقبال

بخلاف “لَمْ “ : أداة جزم ونفي وقلب

 

وهذه مفيدة:

الفعل المضارع :

أقسام الأفعال ثلاثة :

فعل ماضي

وفعل مضارع

وفعل أمر

لماذا سُمِّي الفعل الماضي بهذا الاسم ؟

لأنه وقع فيما مضى

وقع

قم : في المستقبل ولو بعد أمري لك ولو بثانية

المضارع : للحاضر

لكن سمي بالمضارع ؟

لأنه ضارع يعني شابه اسم الفاعل

المضارعة المشابهة

 

المهم:

الفعل المضارع للحاضر يقوم ـــ للحاضر

لما ندخل عليه لن : لن يقوم :

في المستقبل

لن يقوم يعني في المستقبل

إذاً :

انتقل من الحاضر إلى الاستقبال

إذا أدخلنا عليه أداة الجزم وهي أداة قلب تحوله إلى الماضي :

لم يقم يعني في الماضي

إذا أردت ألا تنسى فاحفظ قوله تعالى في سورة البقرة :

((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ( في الماضي )) ــ  وَلَن تَفْعَلُواْ ))

 

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

 

أنه قال عز وجل عن هؤلاء : ((لَن تَمَسَّنَا النَّارُ ))

و” لن” ــــــــــ كما أسلفنا تنفي وقوع الشيء تقول : لن تذهب

نفيت الذهاب

لكن :

” لن ”  هنا :

إذا دخلت على الفعل المضارع : هل تؤكد وتقوي النفي أو أن النفي مؤبد لا يمكن أن يقع ؟

اختلف أهل اللغة في هذا ،  والاختلاف في هذا يختلف به معنى بعض الأحكام الشرعية

لأن القرآن نزل بلغة العرب والنبي عليه الصلاة والسلام يتكلم بلسان عربي مبين

 

فإذا قلنا إن النفي مؤبد ترتب على ذلك مخاطر :

موسى عليه السلام : ((وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ))

إن قلنا إن النفي هنا مؤبد يعني : لا يمكن لموسى أن يرى الله بتاتا لا في الدنيا ولا في الآخرة

ومعلوم أن هذا معتقد المعطلة من الجهمية والمعتزلة ونحوهم

وأعظم نعيم أهل الجنة رؤية الله عز وجل

وجاءت النصوص الأخرى بإثباتها

بل إن أحاديث الرؤية هي من قبيل الأحاديث المتواترة معنويا كما قال أهل العلم

 

ولذلك :

قال ابن مالك في ألفيته :

قال :

ومنْ رأى النفيَ بلنْ مُؤبَّدا 

                                            فقولَهُ ارُددْ وسواه فاعْضُدَا

يعني :

من يقول بأن ” لن ” تنفي نفيا مؤبدا فقوله فاردد وما سوى هذا القول من تأكيد النفي هو المتعين

 

والصواب في مثل هذا :

أن ” لن ”  لتأكيد النفي

ولكن إن جاء في السياق ما يدل على أنها لتأبيد النفي فيقبل

هنا :

قوله تعالى :

((قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ))

للتأبيد

لا يمكن أن يقع خلف وعد الله عز وجل أبدا