تفسير سورة البقرة الدرس ( 83 ) [ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته .. ] الآيتان ( 81 82 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 83 ) [ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته .. ] الآيتان ( 81 82 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 549

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 83 )

قوله تعالى :

((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))

البقرة  81/82 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( 3 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في ذكر الفوائد عند قول الله عز وجل :

((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))

ــــــــــــ

فمن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

 

خطورة التقليل من شأن الذنب ولو صغر

فإن الذنب إذا صغر وأصرَّ عليه العبد ولو كان صغيرا فكما قال الشافعي رحمه الله :

ينقلب هذا الذنب الصغير إلى كبير

وإذا انقلب إلى ذنب كبير وتتابعت هذه الذنوب وأحاطت بالقلب وقع في الران

وإذا وقع القلب في الران فإنه حينها لا يقبل خيرا

قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي :

(( إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم استغفر صقل قلبه  ))

صقل من هذا الذنب

الصقيل مثل السيف  مثل المرآة عليها غبرة هذه الغبرة بمثابة الذنب على القلب فإذا مسحت هذه  الغبرة عاد القلب على ما كان عليه من النظافة وإن زاد زادت حتى يغلف على قلبه فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه ((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {82}))

 

وهنا ماذا قال تعالى ؟

((وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ ))

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( تعرض الفتن … ))

 

الفتن أنواع :

من أنواعها الذنوب : أن تفتن نسأل الله السلامة والعافية :

ــ إما بفتنة شبهة وهو رأي يصرفك عن الحق وهو فساد

 الرأي وفساد العلم

ــ وإما فتنة شهوة  كنظرة ولمسة ونحو ذلك

(( تعرض الفتن على القلوب كعرض  الحصير عودا عودا

وضبطت : عَودا عَودا

وضبطت : عَوذا عَوذا


(( تعرض  الفتن على القلوب كعرض  الحصير عُودا عُودا ))

يعني :

أن الذنب يلتصق بعرض القلب بجانب القلب كما يلتصق  الجنب بأعواد الحصير

وإذا التصق هذا الجنب بأعواد الحصير ما الذي يحدث ؟

يؤثر ويبقى أثر

 

وضبطت :  (( عَودا عَودا ))

بمعنى :

أنها تعود وتتكرر

بمعنى :

أن من يستمرئ الذنب يقول الذنب الآخر : اعملني  اعملني اعملني وهكذا

 

وضبطت: ((  عَوذا عّوذا ))

يعني : استعاذة بالله عز وجل من أن يكون قلب المسلم كهذا القلب

فماذا قال عليه الصلاة والسلام؟

(( تعرض  الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي  قلب أشربها … ))

الشراب لما يشرب يتخلخل البدن

 

((وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ))

يعني  : حب العجل

فإذا أُشرب القلب هذا الذنب : (( ” نكتت فيه نكتة سوداء ”  ))

 

النكتة في اللغة العربية طبعا لها معاني

لكن النكتة هنا هي  :

النقطة ذات لون مغاير للون الأعظم والأكثر

 

(( وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين  : قلب أبيض مثل الصفا  ))

 

ليس بصفوته لا

 الصفا هو الحجر الأملس أيلتصق به غبار؟

لا يلتصق

فكذلك هذا القلب ولو التصق به فبمجرد ما تنفخه يطير

(( قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض

وقلب أسود مربادا  :

متغير لون داخل في لون

اللون أبيض مع قلته داخل  مع اللون الأسود

 

كما قال ابن القيم مثل الإسفنجة

الإسفنجة معروفة  :

لما تنظف بها تأخذ  كل ما تمر عليه في النهاية وهي خالصة من الأوساخ لكن لما تنظف بها المرأة الأوساخ ماذا يكون حالها

الاسوداد الاتساخ

(( مرباد كالكوز مجخيا …. ))

يعني  مائلا

والكأس إذا كان مائلا وانتكس أيمكن أن يدخل فيه شيء مشروب ؟؟

لا يدخل فيه مشروب

(( لا يعرف  معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ))

وبداية هذا من الصغائر

ولذلك قال النبي عيه الصلاة والسلام كما في المسند:

قال :

 (( إياكم ومُحَّقرات الذنوب ))

نحتقر هذا الذنب لا يؤثر تقول أنا من المصلين
أنا من المتصدقين

أنا من التالين لكلام الله

هذا الذنب لا يضر لا يؤثر

هكذا تقول النفس

قال :

(( إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بأرض فحضر صنيعهم ـ يريدون أن يعدوا الطعام ــ فأتى هذا بعود وهذا بعود وهذا  بعود حتى أججوا سوادا وأشعلوا نارا فأنضجوا طعامهم ))

عود وعود وعود هذا محقر للذنب

وهذا محقر للذنب

وهكذا

 

ولذلك حذر  جل وعلا هنا قال : ((وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ ))

ـــــــــــــــــ

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــ

 

أنه جل وعلا قال هنا : ((فَأُوْلَـئِكَ ))

نأتي إلى بداية الآية : ((بَلَى مَن كَسَبَ ))

 

كسب  مفرد أم جمع ؟

مفرد

((وَأَحَاطَتْ )) مفرد

 ((خَطِيـئَتُهُ )) مفرد

قال بعدها ((((فَأُوْلَـئِكَ ))

لم يقل بهذا وإنماأتى بالجمع  فأولئك؟

لم ؟

فائدة مرت معنا :

قلنا إن [ مَنْ ]  هي إما اسم شرط أو اسم موصول يفيد ماذا ؟

العموم

يفيد العموم

فذكر الله جل وعلا كسب وأحاطت والخطيئة

مراعاة للفظ [ مَنْ ]    لأن كلمة [ مَنْ ]    في اللفظ مفرد لكن من حيث المعنى عموم

ثم أتى بعد ذلك بقوله : (( فأولئك )) مراعاة لمعنى مَنْ

 

مثال آخر :

((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً )) الجن23

[ مَنْ ]   اسم شرط تفيد العموم

يعص  مفرد

خالدين : لم يقل خالدا

راعى اللفظ مراعاة للفظ  [ مَنْ ]   وهو الإفراد

وراعى معناها ثانيا وهو العموم

 

قال : (( فأولئك ))

لمَ لمْ يقل (( فهؤلاء أصحاب النار )) ؟

هؤلاء اسم إشارة

أولئك اسم إشارة

هؤلاء : اسم إشارة تشير به لقرب الشيء القريب

أولئك : تشير به إلى الشيء البعيد

 

قال  : (( فأولئك  )) مما يدل على أن هؤلاء بعدوا بخطيئتهم عن الله عز وجل فأصبحوا من أهل النار

 

انظروا :

ولهذا يأتي في القرآن في أول سورة البقرة : ((الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ )

ذلك : اسم إشارة للبعد

الآن : أشير إلى القرآن باسم الإشارة للبعيد

 

وفي  آية أخرى في سورة الأنعام:

((وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ))

أشار إليه بالقرب

لم ؟

إذا أشار إلى القرآن بالقرب دل على أنه قريب ميسر للعبيد قراءة وتدبرا وفهما وعملا وتحكيما وتحاكما

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17

 

وإذا أشار به إلى البعد : ((ذَلِكَ الْكِتَابُ ))

يدل على بعد ورفعة منزلته فلا ينال بسوء {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9

دل  على أنه بعيد المكانة

 

ولذلك قال تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام :

(({إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }المزمل5

 

ولذلك :

لما تقرأ في كتب العلماء المتمكنين الحريصين على الدليل الشرعي لو تقرأ في كلام ابن تيمية أو ابن القيم أو ابن عثيمين أو ابن باز لا تجد ذلك الكلام الذي قد يخرق المروءة

ما فيه إلا :

قال الله

وقال النبي عليه الصلاة والسلام

 

ولذلك :

في عهد الشيخين : ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله خرج أناس حفاظ أناس في عهدهم حفظوا الكتب التسعة وحفظوا متونا أخرى ومع ذلك

ما الذي بقي؟

ما يبقى إلا صاحب الدليل الشرعي أما غيره فلا  يبقى

 

فالشاهد من هذا :

أن القرآن ثقيل له رفعته

ولذلك في أواخر سورة الطارق :

((إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ{13} وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ{14} ))

 

وقال عز وجل : ((وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ )) فصلت41

 

تعرفون ما معنى العزيز ؟

في اللغة العربية تجتمع على ثلاثة معاني :

عزيز بمعنى أنه قوي ذو قوة

وأنه غالب

وأنه ممتنع لا ينال بسوء

((وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ))

الباطل هنا فسر عند المفسرين أو جملة من المفسرين  أنه الشيطان

والشيطان هو عام

((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ـــ لم ؟ ــ  تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42}))

فانتبه في الفرق بين اسم الإشارة الذي للبعد والذي للقرب

إذاً :

اللغة العربية سهلة  ليست صعبة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أنه قال عز وجل : ((فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ))

لم يقل فأولئك في النار

وصفهم بأنهم أصحاب النار

يعني :

أنهم ملازمون للنار

لم ؟

لأنهم لما صاحبوا ولازموا أفعالهم المؤدية إلى النار في هذه الدنيا كانوا مصاحبين لهذه النار

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

أنه قال سبحانه هنا :

((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} ))

خالدون :

يعني الخلد ما معناها ؟

الدوام والاستمرار  ؟

أي واحد اسمه خالد هنا فيه نظر لا يمكن أن يبقى

إذا قلنا : هذا خالد  

 

 

خالد يعني أنه دائم ؟

لا يمكن

الخلود في اللغة العربية يطلق على معنيين :

طول المكث و لا يلزم منه الدوام

ويطلق  على الدوام الأبدي

 

ولذلك:

لما يسمى شخص بخالد تفاؤلا بأنه يبقى زمنا أطول

مثل اسم يحيى

سبحان الله

وأنا أنصح من هذا المقام من أصيب بعقم أن يفوض أمره إلى الله وأن يكثر من الدعاء  كما دعا زكريا

ولذلك:

لما رأى أن الطعام يقدم إلى مريم في وقت غير الوقت المعتاد لهذا الطعام :

((قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) آل عمران37

 

علم زكريا هنا :

أن الله قادر على أن يبطل الأسباب مع أنه بلغ في الكبر عتيا وامرأته عاقر

قال هنا : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ )

سبحان الله !

يعني ترزق طعام في غير أوانه :

هنا :

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }آل عمران38

لكن :

أتته البشرى بعد هذه  الدعوة في أي مقام ؟

في مقام صلاة

(( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ))

يعني :

 من أصيب بعقم ولم يرزق بولد فلا ييأس وعليه أن يكثر من الدعاء

وعليه أن يكثر من الدعاء في صلاته

الله قادر على كل شيء

 

الشاهد من هذا :

مع هذا كله :

((أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى ))

لماذا سماه يحيى ؟

تفاؤلا بأنه سيحيى

يعني : ربما أنه يرزق بهذا  الولد ولا يبقى ولا يعيش

بل وصف بأنه غلام

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12

فأتت فضائل الله

يعني :

كان زكريا عليه السلام يتمنى الولد

 فقط والولد الصالح

ومع ذلك أتت هذه البشائر من الله

ولذلك كما قال الشاعر:

ملك الملوك إذا وهب   لا تسألن عن السبب

فوض أمرك إلى الله

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82} ))

لكن لو قال قائل :

في قوله تعالى :

((يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ))

 

يعني:

كأن في هذا في الظاهر تعارض

وإلا فليس هناك تعارض في النصوص الشرعية

ولذلك قال تعالى : ((مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ))

وما كان من لدن حكيم عليم لا يمكن أن يكون فيه تناقض

وإن كان هناك تناقض  ففي أفهامنا

هذه  الآية لعلي أتحدث عنها في الدرس القادم إن شاء الله