تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 85 )
قوله تعالى :
((بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81} وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))
البقرة 81/82 ـــــــــ ( 5 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله عز وجل :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))
لعل قائلا يقول : قد أطيل في تفسير الآيات
وليعلم :
أنه من ابتدائنا للتفسير من العام الماضي من رمضان واستمر هذا التفسير بعد شهر رمضان العام الماضي إلى هذا اليوم توقفنا عند هذه الآية
والسر في ذلك :
أن من أتقن سورة أو سورا ولاسيما من السور الطوال أتقنها بجميع ما جاء فيها أتقن بقية سور القرآن
ولذلك:
عمر بن الخطاب مكث في حفظ سورة البقرة ثنتي عشرة سنة
وبعض الناس لا يستعسر حفظ القرآن في سنة أو في نصف سنة أهو أعظم حافظة من عمر بن الخطاب ؟
لا والله
ولكن هو رضي الله عنه ما يحفظ آية إلا ويعرف معناها ودلالاتها ويعمل بمقتضاها
ولذلك:
مكث ابنه ثمان سنوات في حفظ سورة البقرة
ولذلك:
يقول ابن عمر الذي مكث هو في حفظ سورة البقرة ثماني سنوات ومكث أبوه في حفظ سورة البقرة ثنتي عشرة سنة
يقول ابن عمر : كان الرجل إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جَدَّ فينا
يعني : عظمت منزلته فينا
حفظ مجرد من المعاني؟
لا
ولذلك:
يقول السعدي تعرفون تفسير السعدي
من يقرأ المقدمة هو رحمه الله ما كان في نيته أن يفسر القرآن كله
كان في نيته أن يفسر بعض السور
ثم قال : أعلم أن من أتقن معنى سورة من القرآن أتقن البقية
لكن أي إتقان ؟
بتمعن بتدبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقول الله تعالى :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))
من فوائد هذه الآية الكريمة :
أنه جل وعلا قال : ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))
سبحان الله !
من يُعرِّف لي الإيمان ؟
قول باللسان
اعتقاد بالجنان أي بالقلب
عمل بالأركان
إذاً :
هو قول
واعتقاد
وعمل
سبحان الله !
كثيرا ما تمر معنا هذه الآية :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))
أليس العمل الصالح داخلا في الإيمان ؟
بلى
((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))
آيات كثيرة تمر علينا يقترن فيها الإيمان مع العمل الصالح مع أن العمل الصالح داخل في مسمى الإيمان
وهذا ما عليه جماهير السلف :
من أن لفظة الإيمان يدخل فيها العمل الصالح
الإمام أبو حنيفة يقول : ” لفظة الإيمان لا يدخل فيها العمل الصالح
لكن ليس معنى هذا إن العمل الصالح ليس داخلا في الإيمان
لا
لكن عند الإطلاق لما أقول : هذا إيمان
عند جماهير السلف :
اعتقاد
وعمل
وقول
لكن عند أبي حنيفة : لا ، اعتقاد وقول
أيخرج هو رحمه الله العمل الصالح من الإيمان ؟
لا
هو يقول : من مستلزمات الإيمان أن تعمل
الصحيح :
أن الإيمان قول واعتقاد وعمل
لماذا أفرد العمل الصالح ؟
لتعلم :
وهي قاعدة في اللغة العربية :
يبدو أني لابد أن أحببكم في اللغة العربية ولعلكم أحببتموها إن شاء الله ولابد أن تُحبَّ لأنها لغة القرآن ولغة النبي عليه الصلاة والسلام
الأصل في العطف :
يقتضي المغايرة
تقول : جاء زيد وعمرو
هل زيد هو عمرو ؟
لا
زيد غير عمرو
العطف يأتي في اللغة على أربع مراتب :
أولا : العطف الذي يقتضي المغايرة بحيث يكون المعطوف غير المعطوف عليه :
جاء زيد وعمر
هذا هو الأصل في العطف
الأصل في العطف هو المغايرة
يعني :
أن المعطوف يختلف عن المعطوف عليه
((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ))
هل السموات هي الأرض ؟
لا
القسم الثاني :
عطف التلازم :
((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ ))
تلازم
يعني :
يلزم من طاعة الله أن تطيع الرسول عليه الصلاة والسلام
ومن لوازم طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تطيع الله عز وجل
القسم الثالث :
عطف الجزء على الكل أو الخاص على العام
مثاله :
(( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ))
كم الصلوات ؟
خمس
الفجر
الظهر
العصر
المغرب
العشاء
والصلاة الوسطى الصحيح أنها صلاة العصر كما جاء مصرحا عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم
مع أن صلاة العصر داخلة ضمن قوله : ((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ )) إلا أنه أفردها من باب عطف الخاص على العام
والفائدة من ذلك :
الاهتمام بهذا الخاص
يعني :
احرصوا على الصلوات كلها وبالأخص صلا ة العصر
هنا :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))
احرصوا على الإيمان ولما كان العمل وهو داخل الإيمان يفرط فيه لأن الكلام سهل والقول إني مؤمن أو أنا مؤمن سهل
لكن الكلام على العمل
العمل هو الذي يضع الناس في الموازين فأفرده بالذكر من باب الاهتمام بالعمل الصالح
القسم الرابع من أقسام العطف :
هو عطف الشيء على نفسه لاختلاف الصفة باعتبار أن له صفيتن
عطف الشيء على نفسه باعتبار أن له صفتين :
قوله تعالى : ((غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ))
إذا غفر الله لك ذنبك ألا يكون قد قبل توبتك ؟
هو هو
إذا قبل الله توبتك ألا يغفر ذنبك ؟
بلى
لكن لماذا عطف ؟
من باب التغاير تغاير الصفة
ولذلك قال تعالى :
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }البقرة53
في هذه السورة
الكتاب والفرقان
ما هو الفرقان ؟
هو الكتاب
لكن عطف الشيء على نفسه باعتبار اختلاف الصفة لأن من صفة هذا الكتاب أنه فرقان يفرق بين الحق والباطل
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل :
العمل الصالح أيكون محصورا في عمل الجارحة : اليد والقدم وغيرها ؟
كلمة العمل
ليست محصورة
فلو قال قائل :
أين القول ؟
((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))
من قال الصالحات
ألا يدخل ضمن العمل ؟
نعم لأن فعل اللسان وتحريك اللسان عمل
فيدخل في قوله عملوا الصالحات الفعل والقول
لو قال قائل :
ما الدليل على أن القول فعل وعمل ؟
في سورة الأنعام :
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112
مع أن المتقدم المذكور قول أم عمل ؟
قول
ولذلك:
قال : ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ))
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد التنصيص على العمل الصالح :
أن فيه ردا على طوائف ضلت في باب الإيمان
هناك طائفة تدعى الكرَّامية تنسب إلى شخص اسمه محمد بن كرَّام السجستاني
يقول في الإيمان :هو قول فقط
فهذه الآية نرد بها عليه
لأنه لابد من ماذا ؟
من الإيمان التصديق والعمل الصالح
ولو على كلامه : كان المنافقون مؤمنين
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }البقرة8
((مَن يَقُولُ ))
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ))
فرد الله عليهم : (( وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ )) البقرة8
وفيه رد على الجهمية :
الجهمية تقول : الإيمان هو معرفة القلب :
من عرف الله فهو مؤمن ولو لم يقل شيئا ولو لم يفعل شيئا
يقولون : هو معرفة القلب
لو كان كما زعموا فإبليس مؤمن لأنه يعرف الله
فجاءت هذه الآية ترد عليهم :
من أنه لابد من العمل ومن القول
وفيه رد على المرجئة :
المرجئة تقول : إن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول أما العمل فلا
ولذلك يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب
الرد عليهم هنا فقد نص على العمل
وفيه رد على الخوارج :
الخوارج يقولون في باب الإيمان مثل ما يقوله أهل السنة تماما
يقول الخوارج :
الإيمان هو قول واعتقاد وعمل لكن يقولون : صاحب الكبيرة كافر
سبحان الله !
يرد عليهم هنا
لم ؟
لأن الله جل وعلا أثبت الإيمان لمن عمل العمل الصالح ولم يتعرض لمن ارتكب كبيرة من أن الإيمان يسلب منه
فالفرق بين تفسير الإيمان عند أهل السنة وعند الخوارج :
هو سواء لكن هم يقولون : صاحب الكبيرة كافر ومخلد في نار جهنم
بينما أهل السنة يقولون : لا هو ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ ))
من حضر معي في الدرس الماضي :
أولئك : اسم إشارة يفيد البعد مما يدل على أن منزلتهم عالية ورفيعة
بينما أهل النار : ((فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{81}))
بعدوا
لم ؟
لأنهم بعدوا عن الخير فلا يدرى في أي عاقبة يصلون
ولذلك:
قال عز وجل عن أهل الشرك:
{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }الحج31
يعني : من يشرك بالله عز وجل لا تسأل عن هلاكه
فحاله كحال من سقط من السماء إلى الأرض
فهو بين أمرين :
إما أن تخطفه الطير قبل أن يقع
وإما أن يقع فتذروه الرياح
وهذا هو حال المشرك
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل هنا :
((أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))
أصحاب :
الملازمة لأنهم لما لازموا العمل الصالح في الدنيا والعمل الصالح وهو سبب لدخول الجنة لازموا الجنة
ولذلك :
سواء كانت طائفة أهل الخير أو طائفة أهل الشر :
من اعتاد على العمل الصالح يكون حاله بهذا الاعتياد في الآخرة على غرار هذا
وكذلك:
عند الخروج من هذه الدنيا
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : ((كل عبد يبعث على ما مات عليه ))
ومن الفوائد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا :
((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{82}))
يعني :
أن نعيم الجنة مستمر أبد الآباد وأما الآية التي في سورة هود بيناها بالأمس
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108
غير مجذوذ : يعني غير منقطع