تفسير سورة البقرة الدرس ( 89 )
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
الآية ( 83 ) الجزء الرابع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) }
مما تبقى من فوائد :
أن الله عز وجل أمر بالإحسان إلى الوالدين في شريعة اليهود وبينا من هو الوالد
ولتعلموا :
بيانا على البيان السابق أن الوالد هو الأب والأم وما علا
فإذاً الجد والد الجدة والدة
ولذلك :
لو علا هذا الجد كأن يكون أب أب أب ولو كبر العدد فإنه يكون والدا كما أن لفظ الأب يطلق على الأب وعلى الجد وإن علا ولذلك قال تعالى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ }
تصور لو أن أباك عنده امرأة غير أمك فطلقها أيجوز أن تتزوجها ؟
الجواب : لا
تصور لو أن جدك عنده امرأة فطلقها أيجوزأن تتزوج بها ؟
لا
تصور لو أن جدك البعيد الذي يبعد عنك بعشرة آباء لو تصور هذا أيجوز أن تتزوجها ؟
لا
وبالتالي إذا كان لا يجوز لك أن تتزوجها فإنها يجوز أن تكشف لك
فاعلم أن الوالد هو الأب والأم وإن علا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل ما هو الإحسان إلى الوالدين ؟
الإحسان إلى الوالدين كما جاء في هذه الآية مطلق لم يقيده الله بشيء فكل ما عد إحسانا بالقول أو بالفعل فهو إحسان
ودرجات هذا الإحسان تختلف ، وتختلف درجات الإحسان من حيث الوجوب عليك باختلاف درجىة هذا الأب أو هذه الأم ، فالإحسان إلى الأم ليس كالإحسان إلى الجدة والإحسان إلى الأب ليس كالإحسان إلى الجد
فالدرجات تختلف
كما أن درجات الإحسان إلى الوالدين تختلف كذلك من حيث الوجوب تختلف باختلاف درجات هذا الوالد
والوالد :
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هو أوسط باب الجنة )
قال الوالد ( هو أوسط باب الجنة فمن شاء أن يحفظ ذلك الباب ومن شاء أن يضيعه )
لو أتى الأب وقال ما شاء الله هذا الحديث أظهر مقامي من الأم
ما رأيكم ؟
كلاهما سواء
لم ؟
لأن الوالد كما أسلفنا يطلق على الأم وعلى الأب
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن ما يخص الوالدين من الولد إما أن يكون إساءة منه لهما وهذا عقوق ومن أعظم الكبائر كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكبر الكبائر قال
( الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهاة الزور وكان متكئا فجلس)
إذاً الإساءة إلى الوالدين هذه عقوق وجريمة
النوع الثاني :
لا إحسان ولا إساءة هو لا يحسن إلى الوالدين ولا يسيء إليهما
محمود أم مذموم ؟
مذموم
ويؤاخذ لأن العبد مطالب بعدم الإساءة وعدم الإحسان أم أنه مطالب بالإحسان ؟
مطالب بالإحسان
فإذًا قوله يترك الإحسان والإساءة معا فهو مذموم لكنه ليس كصاحب الدرجة الأولى التي فيها إساءة
الدرجة الثالثة : وهي العليا الإحسان إليهما دون الإساءة
هذه ما ضابطها ؟
لو قال قائل كيف أحسن إلى والدي ؟
نقول :
ليس هناك ضابط معين كل ما عد إحسانا بالقول وبالفعل فهو إحسان
ولينظر اللبيب الفقيه ينظر الابن اللبيب الفقيه إلى ما يحبه الوالد
بعض الوالدين يرضى منك وتقر عينه ويسعد فؤاده بالكلام الجميل أكثر من غيره بالجلوس معه والمجالسة والمسامرة أكثر من غيره
بعضهم لا يريد منك مجالسة ولا كلاما ولكن يريد منك المال
فانتبه لتكن لبيبا
ما يقرب قلب الوالدين إليك فافعله ما لم يكن هناك ضرر لأن الضرر لا تأتي به الشريعة
ولا يدرك الإنسان عظم الوالدين إلا بعد أن يفقدهما كالصحة والعافية
أي شيء ثمين لدى الإنسان ولا شك أن الولدين ثمينين لكن أي شيء ثمين لدى الإنسان فإنه لا ينظر إليه وليست له قيمة عنده
لكن متى تكون له قيمة ؟ إذا فقده
ولذلك أتى شخص إلى أهل مكة كان فيهم عطاء بن رباح عالم أهل مكة وربما كان في عصره من لا يأبه بالجلوس عنده ولا بتعلم العلم عنده ومع ذلك لما مات عرفوا قدره
الناس يعرفون قدر العلماء ، الشيخ ابن باز الشيخ ابن عثيمين لما ماتا والدين لا ينحصر في أشخاص لكن لهما ثقلها
ولذلك قيل لأهل مكة : ما مقام عطاء فيكم ؟ قالوا مثل العافية لا يعرف قدرها إلا بعد أن تفقد
كذلك الوالد لا يعرف قدره إلا بعد أن يفقد
ولهذا علينا ان نربي أنفسنا على أن نخضعها لهما بما يرضي الله
ولذلك قال تعالى { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
لأنه في حال الكبر ، سبحان الله ! غريب ابن آدم وهذا محل فتنة واختبار من الله
سبحان الله ! محل فتنة واختبار ، يعني العكس يصدر من الأبناء تجاه الوالدين
يعني لما يأتي هذا الجنين أو هذا الولد في صغره يفرح به تشترى له الألعاب يسعد به القلب يأخذه الأب تأخذه الأم يعتنى به إذا مرض تعب الوالدان ، إذا سهر تعب الوالدان ، وهكذا في رعاية كاملة لكن لما يأتي الوالد في آخر مرحلة من حياته وإذا به بحاجة إلى أن يرد الولد جزءا من الجميل إذا به لا يقدم شيئا ، بل إن بعضهم يقول لو مات استرحنا
انظروا هذا محل ابتلاء من الله عز وجل
لأن الأجر يعظم حينما يقاوم الإنسان هواه وشهوته ورغبته
وكلنا ذلكم الرجل المقصر ومهما كان يعني مهما كان من إحسان الولد إلى الوالدين فإنه لا يساوي شيئا بالنسبة إلى ما يعانيه الوالدان ولاسيما الأم لاسيما الأم
انتبه الأم لأنها هي الضعيفة المحتاجة أكثر من الأب ولا يعني أن الأب ليس له قدر ، نعم له قدر ، ولكن الأم لابد أن يهتم بها
ولذلك انظر حالها حتى في حال كبرك ، لما ننظر إلى أمهاتنا لو تتأخر لك ساعة أو ساعتين عن الوقت المعتاد انشغلت
ولذلك قال عز وجل { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } مع أنها ضعيفة إلا أن الحمل أثقلها وأتعبها ومع ذلك إذا بها ترعاك وتحن عليك وتعطف عليك وتشفق عليك
وإنه من أعظم ما يسيء إلى الوالدين ولاسيما الأم في مثل هذا الزمن والناس لا يدركونه ، مما يخفى على الناس ولا يدركونه وهو الإساءة إلى الوالدين :
أن تذكر مما وقع لك مما لا يلائمك من مصائب الدنيا أو من ضيق الدنيا أن تذكر هذا الأمر عند والديك ، ما تذكر لهما شيئا ، لتكن صندوقا مغلقا بالنسبة إلى ما يسؤك ؛ لأن ما يسؤوك يسؤوهما وهما في مثل هذه المرحلة من الزمن والعمر لا يتحملان يكفيهما ما أتاهما من التعب والنصب وهموم الدنيا ، وهما لا يطيقان ما تعانيه
ولذلك :
بعض الناس للأسف يعني فيه إساءة ولاسيما للأم ربما أنه يتخاصم مع أخيه أو مع إخوانه إما أمامها أو في غيبتها فإن مثل هذا يسوؤ الوالدين
الوالدان يسوؤهما أن يريا أبناءهما في خصام لكن من أسعد ما يكون أن يريا الأبناء في وئام ووفاق
وبالتالي فإنك إذا أردت الإحسان إليهما فلتغض الطرف عما يصدر من أخيك من أجل أمك وأبيك
فنسأل الله أن يعيننا على برهما والإحسان إليهما ونسأل الله أن يرحم من مات منهما
وكما أننا نحن الآن في مرحلة الإنسان لا يعرف خصوصا الشباب بعض الشباب قد لا يعرف قدر الوالدين في مثل سن الشباب إذا به لا يأبه إلى والديه لكن بعد ما يكبر ويكون له الأولاد إذا به يقول والله إن لهما قدرا عظيما وقد فعلا وفعلا
ولكن لا تندم احرص على هذا الأمر ، عليك أن تطيعهما
بل إن الشرع أمر بالإحسان إليهما ولو كانا كافرين
ولذلك لما قالت أسماء قالت كما عند البخاري قالت يا رسول الله إن أمي أتت وهي مشركة وهي راغبة في أن أصلها فقال عليه الصلاة والسلام
(( صلي أمك ))
ومن أعظم الإحسان إلى الوالد أن تحسن إليه في دينه
كيف تحسن إليه في دينه ؟
أن توضح له بأسلوب رقيق حسن فيما يخطئ فيه في الدين
لكن بأسلوب حسن لأن بعض بل إن الوالدين يريان أنهما أفهم وأعلم من هذا الولد
وبالتالي :
فقد يكون هناك خطأ لدى الولد فيما يقدمه من نصيحة من حيث الأسلوب لأن بعض الآباء أو بعض الأمهات قد تكون في ذنب أو معصية فعليك أن ترفق بهما فأعظم ما تقدمه إليهما من إحسان هو الإحسان إليهما في الدين
فإن لم يستجيبا فقد برئت ذمتك
ولذلك قال تعالى { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }
ولا تنس إذا لم تكن لك أم على قيد الحياة من لا أم له على قيد الحياة الآن لا يغفل جاب الإحسان إلى خالته التي هي أخت أمه ، ولذلك لما أتى رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن أفضل الأعمال قال ألك أم ؟ فبر بها قال لا ، قال فلك خالة فبر بها
لأن الخالة كما قال عليه الصلاة والسلام بمنزلة الأم
ومن أحسن ما يسعد قلب الوالدين أن تحسن إلى من يحبان من أقربائهما
فإذًا هذا الحديث لو أطلنا فيه وأطلنا فيه يدخل تحت قاعدة الإحسان المطلق { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
فخلاصة القول :
أن كل ما يعد إحسانا بالقول أو بالفعل فإنه يعد إحسانا