تفسير سورة البقرة الدرس ( 90 )
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
الآية ( 83 ) الجزء الخامس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) }
مما تبقى من فوائد :
بيان فضيلة الإحسان إلى الأقارب أقارب من ؟
أقارب الإنسان ، من أي جهة ؟
من جهة الأم ومن جهة الأب
ولذلك ذكر القربى بعد ذكر الوالدين فدل على أن أعظم ما يدخل السرور على قلوب الوالدين أن تحسن إلى أقاربهما ، وكلما كان القريب أقرب إليك درجة كلما كان الإحسان إليه أعظم
ولذلك قال هنا { وَذِي الْقُرْبَى } في هذه السورة قال عز وجل { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ }
أقرب على وزن أفعل الذي هو التفضيل
الأقربين يعني ليكن حرصك على من هو أقرب منك لاشك أن الإحسان إلى الأقارب مطلب لكن كلما قرب منك الإنسان كلما كان الإحسان إليه أعظم
ولذلك الإحسان إلى عمك أهو كالإحسان إلى ابنه ؟
الجواب لا
الإحسان إلى خالك أهو كالإحسان إلى ابنه ؟
لا
الأقرب فالأقرب
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن الله أطلق الإحسان في شأن الأقارب فإذا كان هذا الإطلاق مأمورا فما هو أقل الإحسان إلى الأقارب ؟
الإحسان متعدد لكن من عجزت نفسه عن أن يقدم نفعا لأقاربه من مال أو منفعة أو جاه أو زيارة فلا يعجز عن أن يصلهما بالسلام ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( بلوا أرحامكم ولو بالسلام )
( بلو أرحامكم )
البلل ما هو ؟
البلل هو اليسير من الماء الذي فيه نداوة يلين الشيء
فدل على أن قطيعة الأرحام فيها غلظة فيها صلابة تلك الصلابة تلين وترقق ولو بما قل قال ( بلوا أرحامكم ولو بالسلام ) فإن هذا مما يلين القلوب
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح لما قال ( إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي وإنما أوليائي صالح المؤمنين ولكن لهم رحم سأبلها ببلالها )
يعني ولو كانوا ليسوا بأوليائي وليسوا بمؤمنين فإن لهم حقا وهو أن أصلهم ولو بما تيسر وهو البلل من الماء
والقطعية وللأسف انتشرت في هذا الزمن
والنبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يدخل الجنة قاطع ) يعني قاطع رحم
ولو نظرت إلى سبب القطيعة أو إلى سبب عدم الصلة تجد أنها لأتفه الأسباب ربما من مجرد كلمة لا تقصد يفرق بها ، ربما بمجرد مشاركة في مال وهذا المال يسير يفرق بين هذه الأسر بل يفرق بين الأخوين ، بل إن هناك من الإخوة ممن يجمعهم رحم واحد لا يسلم بعضهم على بعض لو نظرت إلى الأسباب لوجدت أن هذه الدنيا مع أنها محل فناء وزوال
ولذلك قال تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } ما هي الأنفال ؟ الغنائم
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ }
ما علاقة صلاح ذات البين بذكر الغنائم ؟
لأن الغنائم وهي المال إما أن تكون وسيلة إلى تقريب القلوب بين الأقرباء أو إلى تباعد القلوب بين الأقرباء ثم لا يشعر الإنسان بخطئه إلا بعد أن يكوت قريبه ولاسيما إذا كان القريب أخا له ، فإنه في مثل هذه الحال يندم
ومن الجرائم العظام :
أن يهجر المسلم أخاه المسلم فكيف يهجر أخاه من أبيه وأمه ؟!
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام ( هجر المؤمن سنة كسفك دمه )
كأنك قتلته
وأعرف بعض الأشخاص هجر بعض أقاربه عشرات السنين ولا يسلم بعضهم على بعض لأتفه الأسباب ، وهذا إن دل يدل على أننا نتلقى ما يلقيه الشيطان علينا من التزيين من تزيين البغضاء والعداوة ، ولذلك أحب ما لدى الشيطان أن يوقع الفرقة بين المسلمين على وجه العموم فكيف بالأقربين ؟
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم قال ( إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) يئس أن يعبد في جزيرة العرب أن يعبده من ؟ المصلون ( ولكن بالتحريش بينهم )
سبحان الله ! صلاة تجمع انظروا صلاة الجماعة ، الصف لابد أن يكون المصلون مجتمعين على خط واحد يجتمعون على إمام فلا يكبرون إلا معه جملة واحدة مجتمعين دون فوارق غني فقير عامل وزير ملك ومع هذا انظروا كيف يدخل الشيطان
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في تسوية الصفوف قال في الخلل قال ( فإن الشيطان يدخل بين الصفوف يتخلل الصفوف )
هذا يدل على أن الشيطان يحب أن يفرق
ولذلك في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يضع عرشه على البحر ويرسل جنوده فيأتي أحدهم ويقول فعلت وفعلت قال ما فعلت شيئا فيقول الآتي يقول الثاني بعدما جاء يقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته قال أنت أنت فيلتزمه ويقربه )
فلنتعاهد نفوسنا
بل إن الشرع أمرك بكمال الكمال ، قال جل وعلا { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
ولذلك بعدها قال { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا } تحتاج إلى صبر { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } لكن أيتركك الشيطان ؟ ما بعدها { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ } يعني لو أتيت إلى من أساء إليك ، وأحسنت إليه بدل الإساءة أحسنت إليه هل تترك ؟ لا
الشيطان يأتي كيف تقدم على هذا وقد فعل بك وقد قال تلك الكلمة وقد جرى منه ذلك الموقف ثم يضخم الأمر
انتبه
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح )
” الرحم الكاشح ” المبغض لك أن تعرف أن فلانا من الناس قريب لك كأخ أو ابن أخ أو عم أو خال تعرف أنه يريد أن ينزل الشر كله ولا يريد لك الخير ، وإنما يريد لك السوء ومبغض لك أعظم الصدقة أن تتصدق عليه ، لم ؟
لأن الصدقة ماء بلل ( بلوا أرحامكم ) بلل ، الماء يطفئ ماذا ؟ يطفئ النار التي في القلوب
لو أحسن الإنسان إلى من أساء إليه ولاسيما القريب بدل ما تسيء إليه تحسن إليه مهما كانت قسوة ذلك القريب فإنه في حين من الأحيان ولو كان فيه من العيوب والجبروت إلا أنه يكظم نفسه كيف أسيء إليه ويحسن إلي لكنها تحتاج إلى مجاهدة
هي صعبة بالنسبة إلى ابن آدم أن يقدم
يعني لو أساء إليك وقيل لك اتركه لا تقابله بالإساءة سهل أم صعب ؟
صعب
فكيف إذا طلب منك كمال الكمال
ولذلك :
ما أتى الشرع إلا ليهذب النفوس
وقد يقول قائل نحن نسمع هذا الكلام ولكن قد لا يطبقه المتحدث المتكلم الواعظ قد لا يطبقه
صعب على النفوس وقد لا يطبقه
لكن يا إخوان ما تعجز عنه النفس البشرية مما لا يلائمها تجاه إخوانه القريبين أو الأباعد لا ننمي هذه الصفة ولا نرسخها في نفوسنا
كيف ؟
ليذاكر بعضنا بعضا
تصور لو أن هذه المعلومات تطرح عدة مرات ويذكر بها { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ } المجرمين ؟ { تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }
هنا مع التكرار مع الوعظ المستمر هنا بإذن الله يتغير الحال ، بدليل :
أن كثيرا من الكفار كانوا يرون النبي صلى الله عليه وسلم أبغض شخص إليه
لكن أتى المال والإحسان
قال صفوان ( والله إن محمدا هو أبغض الناس إلي فمازال يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إلي )
إذا أردت أن .يزول ما بينك وبين غيرك من الحواجز المال
المال لا مع أم ولا مع أب ولا مع أخ ولا مع عم ولا مع قريب ولا مع جار ولا مع بعيد
سبحان الله !
المال هذا عامل أساسي إما في التقريب أو في التنفير
إما أن يستخدم فيما هو نافع ومفيد ، ولذلك سماه الله بأنه خير { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } { لِحُبِّ الْخَيْرِ }{ الْخَيْرِ } هنا المال
{ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } الخير هنا المال
{ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا } بلاء وحسن ما هو ؟ الغنيمة
فوصف المال بهذه الأوصاف الحميدة باعتبار أنه سبيل إلى فعل الخير وإلا فالمال في أصله ليس بخير
لكن هو خير لمن وفقه الله فوقع في يده فنفع نفسه ونفع غيره
ولذلك :
أختصر الكلام هذا كله :
لابد لا أحب أن أتلفظ بها ما أقول لا بد ان تكون مغفلا
لا
تغافل تغافل حتى ترتاح وتريح تستريح وتريح تستريح أنت وتريح غيرك والله حتى مع ابنك الذي تكرمه وتعطيه
سئل الإمام الشافعي قيل له يا إمام إنهم يقولون ” إن التغافل نصف العافية “
يعني إذا أردت نصف عافية وتبقى لك نصف عافيتك فتغافل
يعني لا تدقق مثل ما يقال طنش ، تغافل
قال رحمه الله قال : ” إن التغافل هو العافية كلها “
هذا له دليل من القرآن :
قال جل وعلا وسماها العلماء بآية قاعدة الأخلاق ، آية هي قاعدة الأخلاق { خُذِ الْعَفْوَ } العفو هو ما تيسر لا تبحث عن المتعسر { خُذِ الْعَفْوَ } ما تيسرمن قول أو فعل من قريبك من جارك من زميلك
{ خُذِ الْعَفْوَ } ما تيسر ما أتى منه فهو خير وبركة اقبله
{ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } قد ترى ما لا يليق هنا تأمر بالعرف يعني بالشيء المعروف
لكن هل الناس سواسية في الفكر في العقل ؟ لا
يأتيك جهال ولذلك قال { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } ربما أنك تقبل ما تيسر وتحسن إلى من تحسن إليه وإذا به جاهل يقابلك بالإساءة { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } هنا تستريح
لكن بقي العدو
فيما مضى في سورة فصلت في الإحسان إلى من أساء إليك { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
هنا في قاعدة الأخلاق
أتى ذكر الشيطان { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
لكن أين المتقون ؟
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }
فإذًا خذ ما تيسر من زوجتك من أبنائك من بناتك من أقربائك من جيرانك لكن رأيت خطأ من هؤلاء فواجب عليك النصح { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } تأمر بالمعروف قد تقابل بالقول السيء أو بالفعل السيء إذًا ما الحل ؟
{ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } تغافل كأنه ليس بشيء